عبدالباسط سيدا
السؤال المحوري الذي تتمفصل حوله راهناً مجمل المناقشات الجارية في المنطقة على مختلف المستويات، الرسمية منها والشعبية، فضلاً عن الإعلامية، هو: ماذا عن مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي الغادر على غزة؟ العدوان الوحشي الذي طال البشر والحجر والشجر؛ ولم يراعِ أية حرمات أو محرمات، فدمّر الطفولة وبيوت العبادة والمؤسسات الإنسانية، إلى جانب البنية التحتية والمرافق الحيوية وغيرها….
ومن السؤال المحوري هذا تتفرع أسئلة عدة تبحث في تحديد المنتصر والمهزوم، المستفيد والخاسر، المرتقب والمنشود…الخ.
إلا أن الأمر الذي لا جدال حوله في خضم كل هذه التساؤلات يتمثل في الصمود المنقطع النظير الذي أثبته الشعب الفلسطيني في غزة؛ كما يتشخص في المقاومة الباسلة من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية على الأرض؛ هذا على الرغم من عدم وجود أية إمكانية للمقارنة بين إمكانيات الغازي المعتدي الهائلة، وتلك المتواضعة التي كانت في حوزة المعتدى عليه المقاوم.
ولكن مع كل هذا وغيره، يظل السؤال المحوري فاعلاً، وتبقى التساؤلات المبنية عليه مطروحة، وهنا يكمن لبّ الاختلاف والخلاف؛ إذ تتعدد الإجابات، وتميل التحليلات نحو هذا الطرف أو ذاك؛ كل يسعى لتأويل المسائل، وتقويل الأحداث، بما يتناسب مع تطلعاته وتخندقاته والتزاماته.
أما النظرة الموضوعية الهادئة، البعيدة عن التزمت أو التعصب لهذه الجهة أو تلك، فهي تكتشف بفضل حسها السليم أن ما جرى في غزة، وما سيترتب عليه لاحقاً، يدخل في إطار معادلات إستراتيجية كبرى تحدد ملامح المنطقة مستقبلاً؛ وفي إطار معادلات كهذه قد تبرز حسابات تكتيكية ربما أفادت إلى هذا الحد أو ذاك اللاعبين الفرعيين وحتى الثانويين أيضاً.
فعلى الصعيد الاستراتيجي قد حققت حرب غزة – أو بتعبير أدق عدوان غزة- مكاسب كبرى لإسرائيل؛ وذلك من جهة ترسيخ الشقاق الفلسطيني، وتعميق الخلافات ضمن الصف الوطني الفلسطيني، الأمر الذي يقوّض مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة في المدى المنظور؛ وهذا مؤداه – في حال عدم بروز جهد فاعل مثمر يرمي إلى توحيد الموقف الوطني الفلسطيني- تمزيق الكيان الفلسطيني الممزق أصلاً بين دويلتين هزيلتين، لا يمكن لهما الحياة من دون أجهزة إنعاش تتحكم بمفاتحها إسرائيل وغيرها من القوى الإقليمية التي لكل منها مآربها ومصالحها.
كما أن العدوان ذاته قد حقق نجاحات كبرى لإيران التي تخلط قيادتها بخبث بين الدين والسياسة؛ فهي تؤجج النزعات الطائفية، وتركب الموجة الدينية، مستغلة عذابات الناس وآلامهم في ظل واقع دولي ظالم، وذلك لتحقيق إنجازات إستراتيجية كبرى لم تكن تحلم بها؛ فقد تمكنت بفضل من يزعم المقاومة في الإعلام، ويمارس المساومة في الغرف المغلقة من بعثرة إمكانيات توحيد الجهد العربي المهلهل في الأساس؛ وباتت الزعيم غير المتوج لجبهة من يُسمون بالمقاومين العرب الرسميين، هؤلاء الذين آلوا على أنفسهم التضحية بآخر فلسطيني ولبناني وعراقي وغيرهم على مذبح الرغبة في البقاء على سدة القيادة، وذلك بموجب صفقات جديدة يمنون بها النفس مع مجيء الرئيس الأمريكي الجديد، صفقات تُعد بعيداً عن شعاراتها النارية الضبابية التي تسوّق لتعمية الناس واستنزاف الطاقات.
ويبدو أن المبادرة -المفاجأة بالنسبة إلى الكثيرين- التي أقدم عليها العاهل السعودي في قمة الكويت الاقتصادية (19-20-2009) كانت محاولة لاحتواء الشرخ الحاصل ، وسعياً يرنو إلى قطع الطريق أمام أي إنجاز استراتيجي يخص اللاعب الإيراني.
فقد حاول الملك عبدا لله – كما حاول الرئيس الفرنسي ساركوزي من قبل- الفصل بين النظام السوري وحليفه الإيراني؛ وتجاوز في هذا المجال الكثير من الاعتبارات الأساسية في السياسة السعودية.
ولكن يبدو أن النظام السوري الذي يستمد قوته أولاً من تحالفه الاستراتيجي مع إيران، وثانياً من التزامه موقف “العدو” النبيل مع إسرائيل، لن يقامر سريعاً بالتخلي عن الإكسير الذي يمنحه الحياة في مواجهة الشعب السوري المغلوب على أمره بكل مكوّناته، هذا الشعب الذي فرض عليه النظام الحاكم الموت البطيء بقوة الأجهزة القمعية من دون غيرها منذ عقود طوال؛ لكن الأنكى من هذا وذاك أن النظام ذاته يتباكى على الشعب الفلسطيني في غزة، رافضاً له الموت البطيء المفروض عليه من قبل إسرائيل؛ مفضلاً عليه الموت السريع خدمة لإستراتجية الحليف الإيراني.
فالنظام السوري يدرك تماماً أنه بتخليه عن أوراقه وتحالفاته الإقليمية، سيغدو مكشوفاً أمام الشعب السوري الذي يطالبه بالكف عن الاستبداد، والقمع، والفساد والإفساد، والنهب، والتسطيح، والاستخفاف بعقول الناس.
كما أنه سيقف مكشوفاً أمام الشعب اللبناني الذي ارتكب في حقه كل الموبقات، وكان وراء الاغتيالات المنهجية التي شملت السياسيين والعسكريين ورجال الدين والمفكرين والصحافيين؛ وإلا فلماذا هذا الهلع من المحكمة الدولية القادمة؟ ولماذا هذا التماهي مع الحليف الإيراني الذي أساء للطائفة الشيعية الكريمة في لبنان والعراق قبل الآخرين، وذلك حينما اتخذها رهينة لمشروع تسلطي إقليمي لا مصلحة حقيقة للشيعة فيه الذين يظلون في نهاية المطاف أبناء أوفياء لأوطانهم الخاصة بهم.
أما اللاعب التركي، فهو الآخر له حساباته الإقليمية والداخلية.
فالنظام التركي العضو الفاعل في حلف الناتو، والصديق الاستراتيجي لإسرائيل – حتى أنه كان قبل الحرب بأيام على مشارف تتويج جهوده كراعٍ مقبول من الطرفين في ميدان انجاز صفقة بين إسرائيل والنظام السوري- ارتأى أن يستكمل دوره الإقليمي عبر التحرك في مختلف الاتجاهات، ليكون شريكاً “فوق العادة” في أية معادلات إقليمية قادمة.
أما على الصعيد الداخلي، فقد تمكن النظام المعني من استغلال التعاطف الشعبي العارم في تركيا مع محنة الفلسطينيين من سكان غزة في مواجهة المؤسسة العسكرية المنافسة؛ وهو يستعد للامتداد إلى العديد من البلديات الكردية المحورية في الانتخابات المحلية القادمة (آذار/مارس 2009) مستغلاً في ذلك التأييد الكردي الراسخ للقضية الفلسطينية العادلة، التي تتشابه ملامحها، وتتقاطع خطوطها في أوجه كثيرة مع القضية الكردية.
بقي أن نقول: أن ما يواجهه الشعب الفلسطيني راهناً ينذر بالعواقب الوخيمة، ما لم يتم تدارك الأمر بإرادة فلسطينية وطنية، تحافظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي ناضل من أجله طويلاً الراحل ياسر عرفات؛ وتحمّل في سبيله الحصار تلو الحصار، والتهديد بعد التهديد – خاصة من ممانعي اليوم- لكنه رفض التناول بالمطلق حتى الرمق الأخير، هذا على الرغم من أخطاء الرجال التي لا مجال لتناولها هنا.
لقد ارتكب الطرفان الرئيسان في الصف الوطني الفلسطيني (فتح وحماس) أخطاء كثيرة، بالإضافة إلى أخطاء الأطراف الأخرى؛ لكنها أمور تُترك مسألة البت فيها لأصحاب القضية أنفسهم (فأهل مكة أدرى بشعابها) كما يُقال.
أما أن يظلّ أصحاب القرار في حماس قابعين في دمشق، فهذا ما لن يحل الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني؛ كما أنه كان – وسيكون- موضع الامتعاض السوري الشعبي الذي مازال يمتلك قدرة تمييزية سليمة، تدفع به نحو التساؤل عن سر وجود قيادة حماس في دمشق في ضيافة الزمرة المهيمنة بالقوة على سورية دولة ومجتمعاً، الزمرة التي غيّبت المجتمع السوري بكل انتماءاته منذ عقود، بقوانين مفصّلة كيدية، وضعتها الأجهزة القمعية أصلاً، وذلك لتمنح ذاتها صلاحية مراقبة كل شاردة وواردة، والتحكم بكل صغيرة وكبيرة تخص المواطنين السوريين الأفراد؛ قوانين تحكم بالإعدام على كل من ينتمي مجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، واخرى تفرض حصاراً على المناطق الكردية لا يقلّ شأناً وتأثيراً مدمراً عن ذاك المفروض على غزة، بل ربما أشد إيلاماً.
ففي غزة توجد على الأقل منظمات إغاثة إنسانية أممية، وجهود دولية فعلية تضغط على إسرائيل لتمرير المساعدات بين الحين والآخر؛ في حين أن الحصار الفعلي غير المعلن على المناطق الكردية في سورية، إلى جانب حالات السطوة والنهب والإفساد التي تمارسها الأجهزة الأمنية والحكومية بصفة عامة، تهدد الناس بموت بطيء اعترف الرئيس السوري قبل غيره بأنه أصعب من الموت السريع.
إلا أن الأمر الذي لا جدال حوله في خضم كل هذه التساؤلات يتمثل في الصمود المنقطع النظير الذي أثبته الشعب الفلسطيني في غزة؛ كما يتشخص في المقاومة الباسلة من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية على الأرض؛ هذا على الرغم من عدم وجود أية إمكانية للمقارنة بين إمكانيات الغازي المعتدي الهائلة، وتلك المتواضعة التي كانت في حوزة المعتدى عليه المقاوم.
ولكن مع كل هذا وغيره، يظل السؤال المحوري فاعلاً، وتبقى التساؤلات المبنية عليه مطروحة، وهنا يكمن لبّ الاختلاف والخلاف؛ إذ تتعدد الإجابات، وتميل التحليلات نحو هذا الطرف أو ذاك؛ كل يسعى لتأويل المسائل، وتقويل الأحداث، بما يتناسب مع تطلعاته وتخندقاته والتزاماته.
أما النظرة الموضوعية الهادئة، البعيدة عن التزمت أو التعصب لهذه الجهة أو تلك، فهي تكتشف بفضل حسها السليم أن ما جرى في غزة، وما سيترتب عليه لاحقاً، يدخل في إطار معادلات إستراتيجية كبرى تحدد ملامح المنطقة مستقبلاً؛ وفي إطار معادلات كهذه قد تبرز حسابات تكتيكية ربما أفادت إلى هذا الحد أو ذاك اللاعبين الفرعيين وحتى الثانويين أيضاً.
فعلى الصعيد الاستراتيجي قد حققت حرب غزة – أو بتعبير أدق عدوان غزة- مكاسب كبرى لإسرائيل؛ وذلك من جهة ترسيخ الشقاق الفلسطيني، وتعميق الخلافات ضمن الصف الوطني الفلسطيني، الأمر الذي يقوّض مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة في المدى المنظور؛ وهذا مؤداه – في حال عدم بروز جهد فاعل مثمر يرمي إلى توحيد الموقف الوطني الفلسطيني- تمزيق الكيان الفلسطيني الممزق أصلاً بين دويلتين هزيلتين، لا يمكن لهما الحياة من دون أجهزة إنعاش تتحكم بمفاتحها إسرائيل وغيرها من القوى الإقليمية التي لكل منها مآربها ومصالحها.
كما أن العدوان ذاته قد حقق نجاحات كبرى لإيران التي تخلط قيادتها بخبث بين الدين والسياسة؛ فهي تؤجج النزعات الطائفية، وتركب الموجة الدينية، مستغلة عذابات الناس وآلامهم في ظل واقع دولي ظالم، وذلك لتحقيق إنجازات إستراتيجية كبرى لم تكن تحلم بها؛ فقد تمكنت بفضل من يزعم المقاومة في الإعلام، ويمارس المساومة في الغرف المغلقة من بعثرة إمكانيات توحيد الجهد العربي المهلهل في الأساس؛ وباتت الزعيم غير المتوج لجبهة من يُسمون بالمقاومين العرب الرسميين، هؤلاء الذين آلوا على أنفسهم التضحية بآخر فلسطيني ولبناني وعراقي وغيرهم على مذبح الرغبة في البقاء على سدة القيادة، وذلك بموجب صفقات جديدة يمنون بها النفس مع مجيء الرئيس الأمريكي الجديد، صفقات تُعد بعيداً عن شعاراتها النارية الضبابية التي تسوّق لتعمية الناس واستنزاف الطاقات.
ويبدو أن المبادرة -المفاجأة بالنسبة إلى الكثيرين- التي أقدم عليها العاهل السعودي في قمة الكويت الاقتصادية (19-20-2009) كانت محاولة لاحتواء الشرخ الحاصل ، وسعياً يرنو إلى قطع الطريق أمام أي إنجاز استراتيجي يخص اللاعب الإيراني.
فقد حاول الملك عبدا لله – كما حاول الرئيس الفرنسي ساركوزي من قبل- الفصل بين النظام السوري وحليفه الإيراني؛ وتجاوز في هذا المجال الكثير من الاعتبارات الأساسية في السياسة السعودية.
ولكن يبدو أن النظام السوري الذي يستمد قوته أولاً من تحالفه الاستراتيجي مع إيران، وثانياً من التزامه موقف “العدو” النبيل مع إسرائيل، لن يقامر سريعاً بالتخلي عن الإكسير الذي يمنحه الحياة في مواجهة الشعب السوري المغلوب على أمره بكل مكوّناته، هذا الشعب الذي فرض عليه النظام الحاكم الموت البطيء بقوة الأجهزة القمعية من دون غيرها منذ عقود طوال؛ لكن الأنكى من هذا وذاك أن النظام ذاته يتباكى على الشعب الفلسطيني في غزة، رافضاً له الموت البطيء المفروض عليه من قبل إسرائيل؛ مفضلاً عليه الموت السريع خدمة لإستراتجية الحليف الإيراني.
فالنظام السوري يدرك تماماً أنه بتخليه عن أوراقه وتحالفاته الإقليمية، سيغدو مكشوفاً أمام الشعب السوري الذي يطالبه بالكف عن الاستبداد، والقمع، والفساد والإفساد، والنهب، والتسطيح، والاستخفاف بعقول الناس.
كما أنه سيقف مكشوفاً أمام الشعب اللبناني الذي ارتكب في حقه كل الموبقات، وكان وراء الاغتيالات المنهجية التي شملت السياسيين والعسكريين ورجال الدين والمفكرين والصحافيين؛ وإلا فلماذا هذا الهلع من المحكمة الدولية القادمة؟ ولماذا هذا التماهي مع الحليف الإيراني الذي أساء للطائفة الشيعية الكريمة في لبنان والعراق قبل الآخرين، وذلك حينما اتخذها رهينة لمشروع تسلطي إقليمي لا مصلحة حقيقة للشيعة فيه الذين يظلون في نهاية المطاف أبناء أوفياء لأوطانهم الخاصة بهم.
أما اللاعب التركي، فهو الآخر له حساباته الإقليمية والداخلية.
فالنظام التركي العضو الفاعل في حلف الناتو، والصديق الاستراتيجي لإسرائيل – حتى أنه كان قبل الحرب بأيام على مشارف تتويج جهوده كراعٍ مقبول من الطرفين في ميدان انجاز صفقة بين إسرائيل والنظام السوري- ارتأى أن يستكمل دوره الإقليمي عبر التحرك في مختلف الاتجاهات، ليكون شريكاً “فوق العادة” في أية معادلات إقليمية قادمة.
أما على الصعيد الداخلي، فقد تمكن النظام المعني من استغلال التعاطف الشعبي العارم في تركيا مع محنة الفلسطينيين من سكان غزة في مواجهة المؤسسة العسكرية المنافسة؛ وهو يستعد للامتداد إلى العديد من البلديات الكردية المحورية في الانتخابات المحلية القادمة (آذار/مارس 2009) مستغلاً في ذلك التأييد الكردي الراسخ للقضية الفلسطينية العادلة، التي تتشابه ملامحها، وتتقاطع خطوطها في أوجه كثيرة مع القضية الكردية.
بقي أن نقول: أن ما يواجهه الشعب الفلسطيني راهناً ينذر بالعواقب الوخيمة، ما لم يتم تدارك الأمر بإرادة فلسطينية وطنية، تحافظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي ناضل من أجله طويلاً الراحل ياسر عرفات؛ وتحمّل في سبيله الحصار تلو الحصار، والتهديد بعد التهديد – خاصة من ممانعي اليوم- لكنه رفض التناول بالمطلق حتى الرمق الأخير، هذا على الرغم من أخطاء الرجال التي لا مجال لتناولها هنا.
لقد ارتكب الطرفان الرئيسان في الصف الوطني الفلسطيني (فتح وحماس) أخطاء كثيرة، بالإضافة إلى أخطاء الأطراف الأخرى؛ لكنها أمور تُترك مسألة البت فيها لأصحاب القضية أنفسهم (فأهل مكة أدرى بشعابها) كما يُقال.
أما أن يظلّ أصحاب القرار في حماس قابعين في دمشق، فهذا ما لن يحل الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني؛ كما أنه كان – وسيكون- موضع الامتعاض السوري الشعبي الذي مازال يمتلك قدرة تمييزية سليمة، تدفع به نحو التساؤل عن سر وجود قيادة حماس في دمشق في ضيافة الزمرة المهيمنة بالقوة على سورية دولة ومجتمعاً، الزمرة التي غيّبت المجتمع السوري بكل انتماءاته منذ عقود، بقوانين مفصّلة كيدية، وضعتها الأجهزة القمعية أصلاً، وذلك لتمنح ذاتها صلاحية مراقبة كل شاردة وواردة، والتحكم بكل صغيرة وكبيرة تخص المواطنين السوريين الأفراد؛ قوانين تحكم بالإعدام على كل من ينتمي مجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، واخرى تفرض حصاراً على المناطق الكردية لا يقلّ شأناً وتأثيراً مدمراً عن ذاك المفروض على غزة، بل ربما أشد إيلاماً.
ففي غزة توجد على الأقل منظمات إغاثة إنسانية أممية، وجهود دولية فعلية تضغط على إسرائيل لتمرير المساعدات بين الحين والآخر؛ في حين أن الحصار الفعلي غير المعلن على المناطق الكردية في سورية، إلى جانب حالات السطوة والنهب والإفساد التي تمارسها الأجهزة الأمنية والحكومية بصفة عامة، تهدد الناس بموت بطيء اعترف الرئيس السوري قبل غيره بأنه أصعب من الموت السريع.
تُرى هل تستوي المعادلة إذا كان خالد مشعل وموسى أبو مرزوق ومحمد نزّال وغيرهم من قيادات حماس في دمشق؛ بينما فداء حوراني ورياض سيف وميشيل كيلو ومشعل تمو وأكرم البني وغيرهم من طلاب الحرية السوريين في سجون حاكم دمشق؟ سؤال نترك مسألة الإجابة عنه للأخ خالد مشعل وهو الخبير بالمعادلات الرياضية…