من الذي قتل روكان ؟
الجنرال روكان كان يقود جيشاً عسكرياً عرمرماً ، أشبع ما يكون بجيش أبرهة الأشرم صاحب الفيل ، عندما قاد الأحباش لهدم الكعبة المشرفة ، فرماه الله بطيور الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل .
مع فارق المكان والزمان إذ كان ذاك بالحجاز، وهذا في الجزيرة الفراتية .
فقد كان العشرة أشخاص يمتلكون بندقية واحدة ، وقد تكون صالحة للاستعمال أو بحالة نصف جيدة ، ناهيك عن الذخيرة فبكل تأكيد قد لا يكون مع المسلح أكثر من خمسين طلقة ، وحتى الطلقات القليلة قد يوجد فيها ما يقارب النصف فاسدة ، أما التسعة الباقون فقد تكون أسلحتهم عصياً ومدة وقوى عضلية لا أكثر.
فقد تميز جيش روكان بأسلحته الكثيرة فقد جهزه ببنادق حديثة وبكميات هائلة وصناديق ملأى بالبنادق الاحتياطية ، وأسلحة رشاشة ( مطرلوزات ) ، وكل مطرلوز يقذف ثلاثة آلاف طلقة بالدقيقة .
جيش روكان جيش محارب مدرب غاز مؤمن من حيث الأسلحة ، الذخائر ، المؤن الغذائية ، الألبسة ، والطبابة الصحية ، أما سائر القبائل فهي بحاجة بالمئة خمسة وتسعين لكلما ذكرنا من مستلزمات الميدان والحياة .
السلوك الشخصي للجنرال روكان :
ذكر لي من عاصره ورآه عن كثب أنه كان رجلاً حاد المزاج ، عصبياً نارياً ، عديم الشفقة الإنسانية ، خالياً من الرحمة ، لا يسمع أحداً ولا يرد على أحد ، يفعل ما يرضي نفسه المريضة ، عسكرياً متغطرساً ، وجنرالاً مغروراً ، ومستعمراً مستهتراً .
من خلال تلك الصفات والمزايا للجنرال روكان نروي نقلاً عمن عاصره ومن عمل تحت قيادته من فقراء العرب الذين جندهم في قيادته إنه كان رجلاً مجرماً لا يخشى من غضب الله ولهذه خشيته الناس ، فكرهوه ولم يكن وجوده على تراب الأرض السورية إلا كوجود إبليس اللعين الذي يلعنه كلمن أوتي كتاباً من الغفور الرحيم .
ما الذي جعل حقد الناس يتفاقم عليه ؟
العشائر الكردية في الجزيرة كثيرة ، ولكن العشائر الكردية في الرقعة المحصورة بين مدينة القامشلي ومدينة المالكية أو إلى الضفة اليمنى لنهر دجلة هي العشائر التالية :
· قبيلة الشيتية وتتفرع إلى العشائر التالية :
– الكاسكية : وزعماؤها (آل اليوسف ويلقبون بآل عدلة) .
– الحاج سليمان : وزعماؤهم (آل حسين) .
– الدوركية : زعماؤهم ( آل مصطفج ) وآل مصطفج أرق بيت وأقدم بيت أغوات بالنسبة للأكراد في هذه المنطقة التي استأسد فيها الجنرال روكان .
قبيلة الشيتية التي عشائرها الآنفة الذكر يضاف لها قبائل كردية صغيرة أخرى ، والكل من حلفاء لقبيلة طي .
هناك مجموعة لا تذكر يرأسها آل حاجو ( بقبور البيض ، القحطانية حالياً ) تسمى الهفيركا لا تاريخ لها سوى أنها كانت بقيادة حاجو عبارة عن مليشية حيثما وجدت مصلحتها قذفت بنفسها عليها .
– أما عشرة الآليان وهم أكراد فقسم أنضم لمليشية حاجو ، والقسم الأعظم بزعامة ( آل عبدي المرعي ) وهو بيت أغوات عريقين ومثلهم ( آل عليوي الخنو ) وهؤلاء بيت أغوات عريقين يعبرون حلفاء لقبيلة شمر .
· قبيلة الكوجر :
قبيلة كردية ذات عتاد وعدة وهم رجال شجعان وأصحاب خيل وبيوت شعر وسلاح وكرم ، وزعيمهم المغفور له المرحوم نايف باشا المسطي ولحمته من الكوجر على وجه التحديد ( الميدان ) هم حلفاء لشمر ، بل يعتبرون شمر بكل ما للشمري من حقوق ، وبوجه عام فإنهم تأقلموا بعادات وتقاليد العرب كطي وشمر .
من حيث ملابسهم فهم أصحاب غثرة وعقال وعباءة ، ومن حيث البيوت فهم أصحاب مضافات ودلال وصينيات مملوءة بالخير والنعم للضيوف والزوار .
ومن حيث المنعة فهم أصحاب خيل وسلاح وطراد وعناد .
ومن حيث الارتباطات الاجتماعية فقد بينا أن قبيلة الشيتية تعتبر طيئاً ، وأما قبيلة الكوجر وأكراد العباسية وأكراد آليان عبدي المرعي يعتبرون شمر ، ولهذا أي اعتداء يقع على طي يهب أكراد الشيتية لنجدتهم والعكس صحيح .
ومثل ذلك التلاحم بين أكراد الكوجر وآليان عبدي المرعي بالنسبة لشمر .
وفي ذلك العهد برز في شمر شيخ شديد العزم عنيد النفس ذاع صيته بالقبائل والعشائر ، وهو الأمير مثقال العاصي عليه رحمة الله إذ كان من حيث الشجاعة أنه قهر أمراءً وشيوخاً وعشائر ، وفي طي برز الشيخ نايف العبد الرحمن على الرغم من إنه نازع أخاه أمير طي محمد العبد الرحمن على إمارة طي .
قيـادة روكـان :
اتخذ الجنرال روكان من تل بياندور مركزاً لقيادته ، وتل البياندور هو عبارة عن تل كبير يقع غرب القحطانية أي شرقي مدينة القامشلي .
إنه تل كبير وعال ومنيع ويتربع على موقع حربي استراتيجي .
فهو من ناحية متاخم للحدود السورية التركية ، ومن ناحية متوسط القبائل الكردية ، الطائية ، الشمرية .
فأنشأ على قمته مهاجع له ولضباطه ، ومكاتب لإدارة قيادته ، وأقام مخيماً عسكرياً لجنود جيشه الجرار ، وشكل عسكر الهجانة أي عساكر البادية .
مسير الجنرال روكان إلى فش خابور :
في تلك المرحلة قام الآشوريون سكان الموصل بالعراق بثورة مدفوعة ومؤيدة ومدعمة من قبل الإنكليز الذين كانوا مسيطرين على العراق آنذاك كمستعمرين بغية الاستقلال بإقليم نينوى ، ومن ثم إعادة إمبراطورية آشور .
إلا أن المغفور له جلالة المرحوم غازي بن فيصل بن الحسين ملك العراق ، تمكن آنذاك من قمع حركتهم التمردية وضربهم بيد من حديد وإبادة قسم منهم .
ولهذا عمد الإنكليز لسحب البقية من الأسر والعوائل الآشورية وتهريبهم إلى سوريا التي أيضاً كانت تحت الاستعمار الفرنسي ، والفرنسيون والإنكليز كانوا ولا يزالون وجهين لعملة واحدة ، فسلموا الآشوريين للفرنسيين ، وكان التسليم والاستلام من منفذ على نهر دجلة يقال له فش خابور ، فذهب الجنرال روكان بمعظم قوته لذلك المعبر ليتسلم دفعة من الأسر الآشورية والمسافة بين مقره في بياندور وفش خابور تبعد بحدود سبعين كيلومتراً .
عائلة المصطفج وجهاء عشيرة الدوركية الأكراد قلنا إنهم أول عائلة كردية شريفة ، إنهم أغاوات وشيوخ وأقطاب حولهم تجتمع معظم العشائر ، وقد برز منهم رجل كبير بمعنوياته بأفعاله بمركزه الاجتماعي لدى عموم زعماء الأكراد وأمراء طي وشمر وهو المرحوم عباس محمد العباس الذي ظلت يده نظيفة وبيضاء لأنها يد وطنية .
رفض أن يستجيب لمطالب الجنرال روكان الاستعمارية ، بل راح يفقه أتباعه من الأكراد بأن الفرنسيين غزاة ودخلاء ، ووطننا وديننا ينادياننا بأن نهب هبة رجل وطني مؤمن واحد ونطرد الفرنسي الدخيل ، ونطهر تراب وطننا من ظلال الأجنبي المستعمر المستبد .
بطريقة ما استطاع الجنرال الغدار روكان أن يقبض على عباس محمد العباس ويعدمه ، فكان إعدامه السبب الذي جعل عشائر الأكراد والعرب تغلو حقداً وغيظاً على روكان ، فقرروا مهاجمته بالعصي والحجارة على الرغم مما لديه من أسلحة نارية حديثة .
لكن ليس الإعدام هو الحافز القوي بالنسبة لهؤلاء الوطنيين ، بل طريقة الإعدام … !
كيف أعدم الشهيد المرحوم عباس محمد العباس عليه رحمة الله ؟
أمر الجنرال روكان بحفر حفرة داخل الأرض بطول قامة الرجل ، ثم قيد يدي محمد العباس من وراء ظهره ودفنه في الحفرة إلى ما فوق كتفيه ولم يبق على ظاهر الأرض إلا رأسه .
ثم جلس إلى جانبه فوق كرسي من الخيزران وبيده مطرقة حديد ضخمة وأخذ يدفعه بها على رأسه وهو يطلب منه أن يقول ( تعيش حكومة فرنسا بسوريا ) فيرد عليه المرحوم عباس محمد العباس ( تعيش العروبة في سوريا ) ، فيعيد عليه الجنرال مقولته ، فيرد عليه المرحوم عباس محمد العباس بعبارة تعيش العروبة في سوريا العربية .
والدفع بالمطرقة مستمرّ من قبل الجنرال المجرم ، وهكذا إلى أن تهشم رأس ذلك الزعيم الكردي السوري الذي اعتز بعروبته السورية وهو على سطح الأرض ، وهو مقبور في حفرة المجد والخلود إلى أن كان من أوائل الشهداء الماجدين دفاعاً عن سوريا الحبيبة .
وعلى أثر ذلك ألقى الجنرال القبض على بعض زعماء الأكراد الذين كاد أن يكون مصيرهم مصير المغفور له الشهيد العباس ، لكن هب أمير طي نايف محمد عبد الرحمن وتوسط لدى الجنرال روكان وفك أسرهم مقابل فدية ذهبية باهظة .
طريق قتل الجنرال روكان لعباس محمد آغا العباس ونتائجها :
إن الطريقة الوحشية اللاإنسانية التي قتل الجرنال روكان بها عباس محمد آغا العباس المصطفج ، وهو الذي يعتبر من أشهر زعماء الأكراد قاطبة أقصد في الرقعة المحصورة بين مدينتي القامشلي والمالكية ، كما إن آل مصطفج لهم قدرهم المقدر عند العرب كحلفاء لطي وكعائلة كرم وشجاعة ، لذا فإن قتل الجرنال روكان له وحّد بين العرب والأكراد بطريقة انصهارية ، صهرتهم في بوتقة واحدة هي ( الوطنية ) فجمعوا عشائرهم ووحدوا مشاعرهم وأصبح العرب والأكراد صفاً واحداً وفي خندقٍ واحد ضد الجنرال الفرنسي روكان وجيشه بشكل خاص ، بل وضد الوجود الفرنسي بشكل عام .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى طار نبأ مقتل العباس المصطفج الكردي بتلك الطريقة الوحشية إلى عموم أكراد تركيا ، الذين لا يفصلهم عن أكراد سوريا سوى حد عرضه متر ونصف المتر هو عرض سكة الحديد ، فأصبح أكراد تركيا زعماء وأمراء وأغواتاً ورعايا يغلون كالمراجل حقداً وغيظاً وألماً من وعلى الجنرال روكان ، وقرروا قتله بأية طريقة كانت .
نعم كانت الحدود قد رسمت بين الجمهوريتين التركية والسورية ، ولكن ظل تأثير العاطفة الدينية الإسلامية مسيطراً على نفوس أبناء الشعبين ، حتى يرى أن الحدود اسمية لا رسمية فرعايا الدولتين يتبادلون الزيارات والتجارات الفردية ، فالعرب يدخلون لتركيا والأتراك ينحدرون من جبالهم ببضائعهم وسلعهم لداخل الجزيرة الفراتية بسوريا ، وكانت الدولة العثمانية الإسلامية مازالت قائمة والكل أخوة متحابون ومتحدون في العاطفة الدينية الإسلامية .
فأخذ زعماء الأكراد بتركيا يحثون عشائرهم وقبائلهم على الانحدار من جبالهم ويسيلون للجزيرة الفراتية لقتل الجنرال روكان ، والأخذ بثأر الشهيد محمد آغا العباس المصطفج ففعلوا .
حكومة الجمهورية التركية والتي كانت بينها وبين حكومة فرنسا لوم وعتاب وغضب وحقد وضغائن راحت تنشط العشائر الكردية وتؤلبها على قتل الجنرال روكان ومقاومة الوجود للعدو اللدود فرنسا بسوريا .
في الشرق الجنوبي بالنسبة لتركيا أي في الشرق الشمالي لسوريا تقع جزيرة بن عمرو أو كما تسمى بجزيرة البوطان ، وفي جزيرة البوطان شعوب وقبائل من الأكراد ، وكان أمير البوطان أميراً قوياً وشجاعاً وكريماً وذا عاطفة إسلامية قوية ، امتد نفوذه من مقره بجزيرة البوطان إلى أكراد دياربكر وماردين ، وجرت عادته أن يرسل شحناً
– مفردها شحنة أي رجلاً – يمثل سلطته ويجمع له الأتاوات .
أحد عماله كان اسمه ( حاجو ) ومكانه في المنطقة التركية المقابلة لمدينة القامشلي السورية ، أي هو مسؤول أكراد ماردين ونصيبين ، يلم شمل جماعته من أكراد تركيا وينحدر بهم إلى سوريا لقتل الجنرال روكان ، وبمجرد أن وصل الخبر إلى والي ماردين حتى استدعى حاجو على الفور وأبلغه بأن حكومة تركيا سند له وأمده فوراً بالمال والسلاح الحيّ والدعم المعنوي، وأمره أن ينـزل إلى سوريا ويقاتل روكان جنباً إلى جنب مع العشائر الكردية والقبائل العربية.
نزل حاجو في بيت المرحوم محمد العباس المصطفج وجاء وجهاء الأكراد للسلام عليه واستقباله لا لأنه حاجو بل لأنه من زلمة وشحنة أمير البوطان الأمير الفاضل .
ومن باب اللباقة والأدب راحوا يسلمون عليه باسم يا آغا فذهبت عليه تسمية هذا اللقب والذي هو أصلاً يمنح بموجب فرمان من الوالي أو السلطان .
إلا أن حاجو كان مشهوراً بشجاعته وبذكائه فراح يؤلب الأكراد ويتصل بعشائر طي مثل عشيرة الجوالة ، ويناشدهم التخطيط لهجوم عام وتام على قيادة روكان وقتله ، استجاب الناس له وأما الجوالة فقد أسرجوا خيولهم وشحذوا أسلحتهم ونذروا أنفسهم للتضحية ، وعلى هذا الاتفاق أخذت المواثيق بين العرب والأكراد .
في يوم من الأيام أهذ الشعب من عرب وأكراد علماً أن روكان غائب .
ذهب ببعض قواته العسكرية إلى معبر فش خابور على نهر دجلة ليستلم بعض الآشورية من السلطات الإنكليزية وإسكانهم في سوريا .
الجوالة أول فرقة حضرت ودخلت الميدان من طي ومعهم خمسة من عشيرة الراشد الطائية ، أما الأكراد فقد كان حاجو متمركزاً بميليشية في قرية تل الشعير ، والأكراد ( عشيرة الحاج سليمانية وعشيرة الكاسكية ) متمركزين في قرية بيازة ببيت المرحوم محمد العباس المصطفج ، وفي ساعة صفر معينة زحف الثوار كل قوم من جهة وإن كانت قبيلة طي فازت بشرف الانتصار ومقتل الفرنسيين ، وها نحن نسجل حادثة معركة الثوار ومقتل الجنرال روكان .
نقلاً عن رواية رجل عاصر أيام تلك المعركة التي أضافت لأمجاد الأمة العربية مجداً مازال الشعب العربي السوري يتغنى به وتعترف به فرنسا ، وهذا وذاك الرجل الآن هو في ذمة الله عاش لأكثر من تسعين سنة من العمر وهو الحاج ( عايد النـزال من العيدان – عشيرة الجوالة ) روى الوقائع وأمن أولاده من بعده أن يرووها لمعارفهم ولمن يسألهم عنها بعد أن يرحل .
حرق مقر قيادة روكان :
أقام الجنرال روكان معسكره وفيه مقر قيادته برأس تل بياندور ، وكان الشيخ الأمير محمد عبد الرحمن قد نفاه الفرنسيون محبوساً في جزيرة قبرص ( رواية المرحوم نايف عبد الرزاق ) والكثيرون يقولون عندما حدثت المعركة كان أمير طي محمد العبد الرحمن موجوداً ، ونفيه كان بعد عام 1940م ، غير أن أخاه الأمير نايف العبد الرحمن كان رجلاً حكيماً عرف كيف يجنب قبيلته شر ذلك الطاغية المجنونة ( روكان ) فهادنه فترة ما ، غير أن الصلة بينهما لم تكن بأكثر من شعرة معاوية ، ولهذا ظل الأمير نايف العبدالرحمن يؤلب قبيلة طي للهجوم ، ولكن لم يلتحق من طي بالمعركة إلا عشيرة الجوالة حيث دخلت المعركة فعلاً ، وكان الحشد الأكبر هم الأكراد الشيتية حصراً .
ويقول الراوي إنهم عشيرتا الحاج سليمانية بقيادة الحاج علي الحسين أبي الحاج حسين مختار قرية حلوة الحالي وبيت العلك مخاتير تل الشعير أهل الحاج علي وأخيه عواد العبدي رحمهما الله ، وعشيرة الكاسكية بقيادة آل عدلة وهم بيت الحاج يوسف جد عبد العزيز آغا وأخيه وابن عمه عبد الحميد شيخموس اليوسف الحاليين .
وجمع غفير انطلق من بيازة جنوب محطة القحطانية ( قبور البيض ) سابقاً وطوقوا تل بياندور العصر من النهار ، أما حاجو فقد ظل بعيداً عن أرض المعركة هو ومليشياته .
شعر ضباط القيادة بالهجوم ثم استطلعوا برصدهم له بواسطة النواظير ، وحدثت المناوشة بين الثوار وبين ضباط وبقية جنود قيادة روكان ببياندور .
الضباط ألقوا عند المغيب بعض القنابل اليدوية وعندما أثارت القنابل زوابع من الغبار فر الضباط الفرنسيون الأربعة حيث أن الشمس دلت على المغيب والذي ساعدهم على الفرار حجب غبار القنابل أنظار الثوار عن الرؤية ، لكن الثوار وصلوا للتل وقتلوا عدة رجال واستأسروا البقية الباقية من عساكر قيادة الجنرال وغنموا الأمتعة والأسلحة والركائب ثم أحرقوا مقر القيادة ، علماً أن بعض العناصر استطاعوا أن يفلتوا وينجوا بأنفسهم من القتل أو الأسر ، بعض أولئك الناجين أسرع إلى روكان وأخبره بالحدث ، فكر الجنرال روكان مسرعاً بالعودة من فش خابور إلى قيادته التي أزالت نيران التحرير وجودها .
وعندما كان عائداً علم الأمير الشمري مثقال العاصي عليه رحمة الله بالأحداث ، فلاحق روكان وجيشه يرميه بمناوشات نارية ويطارده إلى أن أدخله أعماق ديار قبيلة طي فتوقف عن مقاتلته ، أما القوى الوطنية من عربان الطي ( الجوالة ) وكافة أكراد محيط القحطانية فقد سارعوا واحتلوا مشارف نهر العباس وهو نهر صغير يخترق مدينة القحطانية ، ولو استطاع الجنرال روكان الوصول لضفة نهر العباس اليسرى لكان للمعركة شأن آخر .
عندما وصل الجنرال روكان إلى مرتفع من الأرض بين بلدة القحطانية ومحطة قطار القحطانية ، وهذا حسب ما رواه بعض عساكره الذين استأسروا للثوار السوريين فيما بعد ، أنه طلب من عساكره التوقف وأخذ ناظوره وراح يستطلع مقر قيادته ، فإذا به يصيح القيادة محترقة ولا أثر لها ، أمر جيشه بالنـزول في هذا المرتفع وراحت قوى التحرير العشائرية الوطنية تزحف نحو روكان .
جيش روكان سبق وان تحدثنا عن مواصفاته وقلنا إنه مسلح بأحدث الأسلحة والمستلزمات العسكرية ، أما هذه العشائر فليس لديها من الأسلحة إلا الشيء القليل والذي لا يكاد أن يذكر، في حين إن معظم الأسلحة هي خناجر ، وأوتاد ، وأعمدة ، وحجارة .
أما القوة العشائرية المسلحة بحيث كل محارب معه بندقية هي مليشيات حاجو وقد انزوى في مكان لا يلامس ولا يمارس ساحة المعركة ونيرانها ، فقد انبطح مع أفراد مليشيته بانتظار النتائج .
فإن انتصرت العشائر دخل المعركة بعد برودها ليزعم إنه صاحب الدور الأكبر والركن الأخطر فيها ، وإن كانت الغلبة للفرنسيين على الوطنيين ، انسحب لأي مكان آمن موفراً كافة عناصره من الرجال ، لأنه بدأ يخطط لنفسه مستقبلاً ذهبياً خاصة وإنه شاهد سهول الجزيرة الفراتية وطمع بالانفصال والاستقلال عن سيده أمير البوطان بتركيا بل وليوفر حتى الأسلحة والذخيرة التي موله بها والي ماردين ، وهذا حدث فعلاً فقد راح يبيع الأسلحة والذخائر الاحتياطية وجمع من ريعها أموالاً هائلة .
سارع الجنرال روكان وقواته بفتح نيران أسلحتهم على الثوار ، وظل الثوار يتقدمون ويزحفون باتجاه جيش الجنرال روكان ، وكلما اقتربوا من جيشه لمسوا ما هو أحر وأشر .
كان الرصاص ينهال على الثوار كصب المطر وكانت الرشاشات ترسل رصاصتها كحمم مقذوفات أخطر البراكين ، وكان رجال عشيرة الجوالة في الصفوف الأولى أحد أولئك الرجال كان المرحوم عايد النـزال ، والمرحوم جدوع الجزعة ، وبادي الجميعة ، وعبد الحمادي ، ومطير العظيمي ، وغضوي بن حنه ، وأدهيم الحميد ، ومع الثوار العرب خمسة من عشيرة الراشد .
ولما أحس الثوار العرب بقوة نيران دفاع الجنرال روكان ، إذ كان رصاصهم يحصد الأعشاب أمام وجوه الثوار تناخوا الثوار العرب وركب منهم ستة عشر فارساً طائياً وراحوا يشحذون همم بعضهم البعض على الشهادة ، فهجموا على ظهور خيولهم على الجنرال روغان وجيشه ونيران أسلحة جيشه ، وكان عدد الفرسان الذين هجموا ستة عشر فارساً جوالياً طائياً فقط ، ارتمى منهم أربعة عشر فارساً شهيداً وطعن رقم خمسة عشر والفارس رقم ستة عشر دخل صفوف روكان سالماً ، وكان أول الثوار الذين التحموا بقوات الجنرال روكان ، حيث صارت اشتباكات المعركة بالسلاح الأبيض .
يروي المرحوم عايد النـزال إن الأكراد أبلوا بلاءً حسناً وإنهم ضحوا وسقط منهم على أرضنا هذه شهداء كرام ليس من حقنا أن نطمس دورهم النضالي ولا أمجاد شهدائهم .
أما فرسان طي الذين انتخوا بمنخاة قبيلة طي ( معاً ) والله أكبر ، ونالوا شرف الشهادة بالدنيا وأجرها في الآخر ، فحسبهم أن طائياً من عشيرة الجوالة – إبراهيم خليل الكعود – هو الذي قتل روغان .
روى المرحوم عايد النـزال أنه أسر اثنين وعشرين أسيراً من جيش الجنرال حيث رووا له بعد أن قُتل روكان وانتصرت هذه العشائر أن المترجم كان آشورياً ، وقد قال للجنرال أثناء المعركة أن ليس هذه القبائل وحدها تحاربنا وإذا طالت المعركة ليوم آخر فستهاجمنا كل قبائل الجزيرة ، والأولى لك أن تستسلم وهؤلاء العرب لهم عادات كريمة منها إذا أحدهم استسلم يحترمونه ويحافظون على حياته ويعاملونه بأربع مستويات التكريم .
وعندما سمع الجنرال من مترجمه هذه العبارات غضب وضرب المترجم ، وهو يقول حرب حرب إنها ساعة حرب دع كل الجيش يقتل ولن استسلم ، لأنه كان يائساً من رحمة الله .
إنه يتذكر ماذا فعل بالشهيد المغفور له عباس محمد العباس ، إن فعلته تلك اللاإنسانية كانت مجرد ذاكرها في مخليته أن ليس في العرب أو الأكراد ما يغفرها له أو يرحمه .
استولى الثوار على ثلاثة جثث قطعوا رؤوسها :
– الجنرال روغان : قتله أحمد إبراهيم المخيليل الكعود (أخو بكرة) .
– مستشاره اليهودي .
– مترجمه الآشوري .
أما العساكر قتل منهم من قتل واستأسر الباقون وغنم متاعهم وسلاحهم وركائبهم .
يقول المرحوم عايد النـزال العيدان إنه أسر اثنين وعشرين أسيراً كلهم عرب وكان الجنرال غورو قد جندهم في عسكره ، وبعد أن أسرهم اقترح الجوالة ألا يقتلوهم لأنهم عرب ومسلمون ، فسلموهم إلى الشيخ الشمري مشعل الفارس الجرباء لأن علاقته كانت مع الفرنسيين حسنة وهادئة .
تلك هي القصة الحقيقية والرواية الصادقة لمقتل الجنرال الفرنسي روكان وحرق قيادته وتشتيت جيشه الذي تبعثر ما بين قتيل وشريد وأسير .
إنني أحيي الثوار الوطنيين السوريين من عرب طي العروبة العرباء وأكرادنا المخلصين الغيورين الشهام الذين حملوا راية تحرير هذه الأرض الغالية ، حيث صدق فيهم قوله تعالى ((رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) .
أما حاجو الذي أوفده سيده أمير البوطان لم يكن له أو لمليشياته أي دور فعلي في ساحة المعركة إذ كان يرقبها من مسافة عدة كيلومترات ، لكنه عندما تأكد من النصر وهو معروف بذكائه سارع ودخل المعركة وأوعز لمليشيته أن يحجزوا كل الجثث الفرنسية ومن بينها جثة الجنرال روغان ومستشاره اليهودي ومترجمه الآشوري .
وراح يصول ويجول ويهدر وينذر على أنه البطل الأول والمحرر المظفر في تلك المعركة .
المجتمع السوري من عرب وأكراد كان بحاجة للمزيد من الوعي فاغتنم حاجة الفرصة ، وراح يعلب ألاعيبه :
– اللعبة الأولى : هبطت بعد عدة أيام طائرة وفيها ضباط فرنسيون راح حاجو يفاوضهم على تسليمجثة روغان وبالفعل حصل منهم على كمية كبيرة من الليرات الذهبية فاستلمت جثة روكان أخته التي قيل إنها حضرت مع الضباط بنفس الطائرة .
الفرنسيون كانون على درجة من الوعي والدهاء الماكر آنذاك فأخفوا أحزانهم على روكان وتناسوا مقتله حباً بفرنسا واستدامة الاستعمار الفرنسي لسوريا الذي كان من أهم آمال الجنرال روكان، فتبين لهم أن حاجو هو مطلبهم وأداتهم التي يستطيعون أن يثأروا بواسطته لدم روكان .
فعقدوا معه صفقة مباشرة على أن يكون هو شرطيهم البوليسي على عشائر هذه المنطقة ، وبالفعل ولكن آغا فرنسي وليس مسيو كردي .
– اللعبة الثانية : راح يفرق بين الأكراد السوريين الشرفاء وذلك لإزالة أمجاد زعامة آل عباس المصطفج ويلقي بذور التفرقة بين العشائر الكردية (الحاج سليمانية ، الكاسكية ، الدوركية ، الجومرية ، الآليان ، وغيرهم) لينجح فعلاً بتثبيت صفته على أنه الشرطي البوليسي الحقيقي في المنطقة ، وراح يضرب ، ويقتل ، ويقيم الولائم ويفت الدراهم ، ويكثر العزائم للضباط الفرنسيين وموظيفهم ، ويطلق الكردي السجين من قبضة الفرنسيين وسجونهم مهما كان ذنبه بساعات معدودة ، وأضاف لأسلحته التي تمول بها نوالي ماردين ثم هجر تركيا واستعصي بسوريا ، أسلحة أكثر وأحدث وذلك من مخازن السلاح الفرنسي بالجزيرة.
– لعبة حاجو الثالثة : وليس غايته هنا هو إسعاد الأكراد بل إثبات شخصيته لدى الفرنسيين على أنه خادمهم الأمين وحربتهم التي يجزؤن بها جوف كل وطني حر ، راح يطوف بوفدٍ يرافقه بعدة سيارات مما يوهم به الأكراد إنه أصبح زعيماً كردياً قومياً وليس مجرد آغا .
ومن منظر رتل السيارات المملوءة بمليشيته المسلحة يخيل للكردي إن حاجو وبمعاونة مستعمري البلاد الذين يعمل لخدمتهم إنه يستطيع تثبيت أي آغا كردي أو إزاحته عن منصبه وتنصيب من يريده ، وكل هذا تمهيداً ليجعل الأكراد أن يثوروا تحت قيادته وزعامته ويزيحوا عن أرض الجزيرة كل من يلفظ بلسانه كلمة ( خبز ) أي كل عربي حسبما عبر هو بتلك الكلمة التي أراد بها العرب ، بما في ذلك أهل وأسر وعشيرة وقبيلة أولئك الستة عشر خيالاً من فرسان طي الذين ضحوا بأنفسهم شهداء في سبيل الوطن واقتحموا بصدورهم نيران الجنرال روغان والذي صارت جثته قيمة أول صفقة تجارية لرجل ما عرف الوطنية في بلدٍ عاش به .
لكن لم يستجب له أحد، قاومه وقاوم فكرته آل عباس مصطفج الزعماء الأكراد الشرفاء وآل العلك بتل الشعير ، وآل علي الحسين بحلوة زعماء الحاج سليمانية ، وآل يوسف زعماء الكاسكية ووبخوه ولم يعدله من يصفق له أو يعزف على أوتاره ، فذهب لأكراد غرب القامشلي فاتصل بالشهيد المغفور له المرحوم سعيد آغا الدقوري قمة الوطنية من أكراد وعرب ، وتاريخه حافل بالمواقف الوطنية المشرقة التي يعتز بها الشعب السوري فرفض مطاليبه وأفهمه علناً إنه ضد أهدافه وإنه كردي الأصل لكنه عربي سوري حلمه الوحيد طرد المستعمر الفرنسي وأذنابه وأمر غلمانه ألا يقدموا صواني العشاء لحاجو وطرده من مضافته .
ولم يبق من عشائر الأكراد مع حاجو إلا عشيرة ( الهفيركا ) عشيرته الخاصة التي علمها وعودها العيش على فتاة موائد الذل والنذال ، وها نحن نرى أن أسرة آل حاجو هاجرت بأكملها إلى السويد وألمانيا .
علماً إنها سالمة من أي ضيم في سوريا ، في حين إن كل الأكراد الشرفاء هم ملتصقون بتراب وطنهم سوريا يعيشون حياة السعادة والحرية والكرامة على تراب وطنهم جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب في بوتقة التلاحم الوطني .
فعاشت شهامة الشرفاء محبي أوطانهم ، والخزي والعار لكل من استبدل بتراب وطنه الأم وطناً آخر .
أخي القارئ السوري.
أخي القارئ العربي.
أخي القارئ الوطني الحر الشريف .
انظر الصورة أدناه : إنه (خرج) هذا الخرج يستعمل للناقة فقط ، إنه خرج ناقة الجنرال الفرنسي المستعمر (روغان) ، لقد عرضه أمام كمرثي
عبد الحميد آغا الشيخموس الأحمد اليوسف شقيق عبد العزيز آغا الأحمد اليوسف وكلاهما من زعماء عشيرته الكاسكية .
عرض لي الخرج في مضافته بقريته بليج التابعة لمديرية القامشلي .
هؤلاء أكرادنا الوطنيون الشرفاء ..
وهذه شواهد نضالهم ، ولئن قتلك يا عباس غادر فرنسي واحد ، فاعلم وأنت بجنة الخلد أيها الشهيد إن ستة عشر أخاًلك من فرسان طي المعن ، طي العروبة ثأروا وقطعوا ثاراً لرأسك مئات الرؤوس .
إلى الأخ شاهوز حاجو الأستاذ عباس عباس للاطلاع والى المزيد من المحبة والتفاهم، واللبيب من المقال يفهم..
:عائلة المصطفج وجهاء عشيرة الدوركية الأكراد قلنا إنهم أول عائلة كردية شريفة ، إنهم أغاوات وشيوخ وأقطاب حولهم تجتمع معظم العشائر ، وقد برز منهم رجل كبير بمعنوياته بأفعاله بمركزه الاجتماعي لدى عموم زعماء الأكراد وأمراء طي وشمر وهو المرحوم عباس محمد العباس الذي ظلت يده نظيفة وبيضاء لأنها يد وطنية .رفض أن يستجيب لمطالب الجنرال روكان الاستعمارية ، بل راح يفقه أتباعه من الأكراد بأن الفرنسيين غزاة ودخلاء ، ووطننا وديننا ينادياننا بأن نهب هبة رجل وطني مؤمن واحد ونطرد الفرنسي الدخيل ، ونطهر تراب وطننا من ظلال الأجنبي المستعمر المستبد .بطريقة ما استطاع الجنرال الغدار روكان أن يقبض على عباس محمد العباس ويعدمه ، فكان إعدامه السبب الذي جعل عشائر الأكراد والعرب تغلو حقداً وغيظاً على روكان ، فقرروا مهاجمته بالعصي والحجارة على الرغم مما لديه من أسلحة نارية حديثة .لكن ليس الإعدام هو الحافز القوي بالنسبة لهؤلاء الوطنيين ، بل طريقة الإعدام … !؟أمر الجنرال روكان بحفر حفرة داخل الأرض بطول قامة الرجل ، ثم قيد يدي محمد العباس من وراء ظهره ودفنه في الحفرة إلى ما فوق كتفيه ولم يبق على ظاهر الأرض إلا رأسه .
ثم جلس إلى جانبه فوق كرسي من الخيزران وبيده مطرقة حديد ضخمة وأخذ يدفعه بها على رأسه وهو يطلب منه أن يقول ( تعيش حكومة فرنسا بسوريا ) فيرد عليه المرحوم عباس محمد العباس ( تعيش العروبة في سوريا ) ، فيعيد عليه الجنرال مقولته ، فيرد عليه المرحوم عباس محمد العباس بعبارة تعيش العروبة في سوريا العربية .والدفع بالمطرقة مستمرّ من قبل الجنرال المجرم ، وهكذا إلى أن تهشم رأس ذلك الزعيم الكردي السوري الذي اعتز بعروبته السورية وهو على سطح الأرض ، وهو مقبور في حفرة المجد والخلود إلى أن كان من أوائل الشهداء الماجدين دفاعاً عن سوريا الحبيبة .
وعلى أثر ذلك ألقى الجنرال القبض على بعض زعماء الأكراد الذين كاد أن يكون مصيرهم مصير المغفور له الشهيد العباس ، لكن هب أمير طي نايف محمد عبد الرحمن وتوسط لدى الجنرال روكان وفك أسرهم مقابل فدية ذهبية باهظة .
:إن الطريقة الوحشية اللاإنسانية التي قتل الجرنال روكان بها عباس محمد آغا العباس المصطفج ، وهو الذي يعتبر من أشهر زعماء الأكراد قاطبة أقصد في الرقعة المحصورة بين مدينتي القامشلي والمالكية ، كما إن آل مصطفج لهم قدرهم المقدر عند العرب كحلفاء لطي وكعائلة كرم وشجاعة ، لذا فإن قتل الجرنال روكان له وحّد بين العرب والأكراد بطريقة انصهارية ، صهرتهم في بوتقة واحدة هي ( الوطنية ) فجمعوا عشائرهم ووحدوا مشاعرهم وأصبح العرب والأكراد صفاً واحداً وفي خندقٍ واحد ضد الجنرال الفرنسي روكان وجيشه بشكل خاص ، بل وضد الوجود الفرنسي بشكل عام .هذا من جهة ، ومن جهة أخرى طار نبأ مقتل العباس المصطفج الكردي بتلك الطريقة الوحشية إلى عموم أكراد تركيا ، الذين لا يفصلهم عن أكراد سوريا سوى حد عرضه متر ونصف المتر هو عرض سكة الحديد ، فأصبح أكراد تركيا زعماء وأمراء وأغواتاً ورعايا يغلون كالمراجل حقداً وغيظاً وألماً من وعلى الجنرال روكان ، وقرروا قتله بأية طريقة كانت .نعم كانت الحدود قد رسمت بين الجمهوريتين التركية والسورية ، ولكن ظل تأثير العاطفة الدينية الإسلامية مسيطراً على نفوس أبناء الشعبين ، حتى يرى أن الحدود اسمية لا رسمية فرعايا الدولتين يتبادلون الزيارات والتجارات الفردية ، فالعرب يدخلون لتركيا والأتراك ينحدرون من جبالهم ببضائعهم وسلعهم لداخل الجزيرة الفراتية بسوريا ، وكانت الدولة العثمانية الإسلامية مازالت قائمة والكل أخوة متحابون ومتحدون في العاطفة الدينية الإسلامية .
فأخذ زعماء الأكراد بتركيا يحثون عشائرهم وقبائلهم على الانحدار من جبالهم ويسيلون للجزيرة الفراتية لقتل الجنرال روكان ، والأخذ بثأر الشهيد محمد آغا العباس المصطفج ففعلوا .حكومة الجمهورية التركية والتي كانت بينها وبين حكومة فرنسا لوم وعتاب وغضب وحقد وضغائن راحت تنشط العشائر الكردية وتؤلبها على قتل الجنرال روكان ومقاومة الوجود للعدو اللدود فرنسا بسوريا .في الشرق الجنوبي بالنسبة لتركيا أي في الشرق الشمالي لسوريا تقع جزيرة بن عمرو أو كما تسمى بجزيرة البوطان ، وفي جزيرة البوطان شعوب وقبائل من الأكراد ، وكان أمير البوطان أميراً قوياً وشجاعاً وكريماً وذا عاطفة إسلامية قوية ، امتد نفوذه من مقره بجزيرة البوطان إلى أكراد دياربكر وماردين ، وجرت عادته أن يرسل شحناً – مفردها شحنة أي رجلاً – يمثل سلطته ويجمع له الأتاوات .أحد عماله كان اسمه ( حاجو ) ومكانه في المنطقة التركية المقابلة لمدينة القامشلي السورية ، أي هو مسؤول أكراد ماردين ونصيبين ، يلم شمل جماعته من أكراد تركيا وينحدر بهم إلى سوريا لقتل الجنرال روكان ، وبمجرد أن وصل الخبر إلى والي ماردين حتى استدعى حاجو على الفور وأبلغه بأن حكومة تركيا سند له وأمده فوراً بالمال والسلاح الحيّ والدعم المعنوي، وأمره أن ينـزل إلى سوريا ويقاتل روكان جنباً إلى جنب مع العشائر الكردية والقبائل العربية.نزل حاجو في بيت المرحوم محمد العباس المصطفج وجاء وجهاء الأكراد للسلام عليه واستقباله لا لأنه حاجو بل لأنه من زلمة وشحنة أمير البوطان الأمير الفاضل .
ومن باب اللباقة والأدب راحوا يسلمون عليه باسم يا آغا فذهبت عليه تسمية هذا اللقب والذي هو أصلاً يمنح بموجب فرمان من الوالي أو السلطان .إلا أن حاجو كان مشهوراً بشجاعته وبذكائه فراح يؤلب الأكراد ويتصل بعشائر طي مثل عشيرة الجوالة ، ويناشدهم التخطيط لهجوم عام وتام على قيادة روكان وقتله ، استجاب الناس له وأما الجوالة فقد أسرجوا خيولهم وشحذوا أسلحتهم ونذروا أنفسهم للتضحية ، وعلى هذا الاتفاق أخذت المواثيق بين العرب والأكراد .في يوم من الأيام أهذ الشعب من عرب وأكراد علماً أن روكان غائب .
ذهب ببعض قواته العسكرية إلى معبر فش خابور على نهر دجلة ليستلم بعض الآشورية من السلطات الإنكليزية وإسكانهم في سوريا .الجوالة أول فرقة حضرت ودخلت الميدان من طي ومعهم خمسة من عشيرة الراشد الطائية ، أما الأكراد فقد كان حاجو متمركزاً بميليشية في قرية تل الشعير ، والأكراد ( عشيرة الحاج سليمانية وعشيرة الكاسكية ) متمركزين في قرية بيازة ببيت المرحوم محمد العباس المصطفج ، وفي ساعة صفر معينة زحف الثوار كل قوم من جهة وإن كانت قبيلة طي فازت بشرف الانتصار ومقتل الفرنسيين ، وها نحن نسجل حادثة معركة الثوار ومقتل الجنرال روكان .نقلاً عن رواية رجل عاصر أيام تلك المعركة التي أضافت لأمجاد الأمة العربية مجداً مازال الشعب العربي السوري يتغنى به وتعترف به فرنسا ، وهذا وذاك الرجل الآن هو في ذمة الله عاش لأكثر من تسعين سنة من العمر وهو الحاج ( عايد النـزال من العيدان – عشيرة الجوالة ) روى الوقائع وأمن أولاده من بعده أن يرووها لمعارفهم ولمن يسألهم عنها بعد أن يرحل .
:أقام الجنرال روكان معسكره وفيه مقر قيادته برأس تل بياندور ، وكان الشيخ الأمير محمد عبد الرحمن قد نفاه الفرنسيون محبوساً في جزيرة قبرص ( رواية المرحوم نايف عبد الرزاق ) والكثيرون يقولون عندما حدثت المعركة كان أمير طي محمد العبد الرحمن موجوداً ، ونفيه كان بعد عام 1940م ، غير أن أخاه الأمير نايف العبد الرحمن كان رجلاً حكيماً عرف كيف يجنب قبيلته شر ذلك الطاغية المجنونة ( روكان ) فهادنه فترة ما ، غير أن الصلة بينهما لم تكن بأكثر من شعرة معاوية ، ولهذا ظل الأمير نايف العبدالرحمن يؤلب قبيلة طي للهجوم ، ولكن لم يلتحق من طي بالمعركة إلا عشيرة الجوالة حيث دخلت المعركة فعلاً ، وكان الحشد الأكبر هم الأكراد الشيتية حصراً .
ويقول الراوي إنهم عشيرتا الحاج سليمانية بقيادة الحاج علي الحسين أبي الحاج حسين مختار قرية حلوة الحالي وبيت العلك مخاتير تل الشعير أهل الحاج علي وأخيه عواد العبدي رحمهما الله ، وعشيرة الكاسكية بقيادة آل عدلة وهم بيت الحاج يوسف جد عبد العزيز آغا وأخيه وابن عمه عبد الحميد شيخموس اليوسف الحاليين .وجمع غفير انطلق من بيازة جنوب محطة القحطانية ( قبور البيض ) سابقاً وطوقوا تل بياندور العصر من النهار ، أما حاجو فقد ظل بعيداً عن أرض المعركة هو ومليشياته .
شعر ضباط القيادة بالهجوم ثم استطلعوا برصدهم له بواسطة النواظير ، وحدثت المناوشة بين الثوار وبين ضباط وبقية جنود قيادة روكان ببياندور .الضباط ألقوا عند المغيب بعض القنابل اليدوية وعندما أثارت القنابل زوابع من الغبار فر الضباط الفرنسيون الأربعة حيث أن الشمس دلت على المغيب والذي ساعدهم على الفرار حجب غبار القنابل أنظار الثوار عن الرؤية ، لكن الثوار وصلوا للتل وقتلوا عدة رجال واستأسروا البقية الباقية من عساكر قيادة الجنرال وغنموا الأمتعة والأسلحة والركائب ثم أحرقوا مقر القيادة ، علماً أن بعض العناصر استطاعوا أن يفلتوا وينجوا بأنفسهم من القتل أو الأسر ، بعض أولئك الناجين أسرع إلى روكان وأخبره بالحدث ، فكر الجنرال روكان مسرعاً بالعودة من فش خابور إلى قيادته التي أزالت نيران التحرير وجودها .وعندما كان عائداً علم الأمير الشمري مثقال العاصي عليه رحمة الله بالأحداث ، فلاحق روكان وجيشه يرميه بمناوشات نارية ويطارده إلى أن أدخله أعماق ديار قبيلة طي فتوقف عن مقاتلته ، أما القوى الوطنية من عربان الطي ( الجوالة ) وكافة أكراد محيط القحطانية فقد سارعوا واحتلوا مشارف نهر العباس وهو نهر صغير يخترق مدينة القحطانية ، ولو استطاع الجنرال روكان الوصول لضفة نهر العباس اليسرى لكان للمعركة شأن آخر .عندما وصل الجنرال روكان إلى مرتفع من الأرض بين بلدة القحطانية ومحطة قطار القحطانية ، وهذا حسب ما رواه بعض عساكره الذين استأسروا للثوار السوريين فيما بعد ، أنه طلب من عساكره التوقف وأخذ ناظوره وراح يستطلع مقر قيادته ، فإذا به يصيح القيادة محترقة ولا أثر لها ، أمر جيشه بالنـزول في هذا المرتفع وراحت قوى التحرير العشائرية الوطنية تزحف نحو روكان .جيش روكان سبق وان تحدثنا عن مواصفاته وقلنا إنه مسلح بأحدث الأسلحة والمستلزمات العسكرية ، أما هذه العشائر فليس لديها من الأسلحة إلا الشيء القليل والذي لا يكاد أن يذكر، في حين إن معظم الأسلحة هي خناجر ، وأوتاد ، وأعمدة ، وحجارة .أما القوة العشائرية المسلحة بحيث كل محارب معه بندقية هي مليشيات حاجو وقد انزوى في مكان لا يلامس ولا يمارس ساحة المعركة ونيرانها ، فقد انبطح مع أفراد مليشيته بانتظار النتائج .
فإن انتصرت العشائر دخل المعركة بعد برودها ليزعم إنه صاحب الدور الأكبر والركن الأخطر فيها ، وإن كانت الغلبة للفرنسيين على الوطنيين ، انسحب لأي مكان آمن موفراً كافة عناصره من الرجال ، لأنه بدأ يخطط لنفسه مستقبلاً ذهبياً خاصة وإنه شاهد سهول الجزيرة الفراتية وطمع بالانفصال والاستقلال عن سيده أمير البوطان بتركيا بل وليوفر حتى الأسلحة والذخيرة التي موله بها والي ماردين ، وهذا حدث فعلاً فقد راح يبيع الأسلحة والذخائر الاحتياطية وجمع من ريعها أموالاً هائلة .سارع الجنرال روكان وقواته بفتح نيران أسلحتهم على الثوار ، وظل الثوار يتقدمون ويزحفون باتجاه جيش الجنرال روكان ، وكلما اقتربوا من جيشه لمسوا ما هو أحر وأشر .
كان الرصاص ينهال على الثوار كصب المطر وكانت الرشاشات ترسل رصاصتها كحمم مقذوفات أخطر البراكين ، وكان رجال عشيرة الجوالة في الصفوف الأولى أحد أولئك الرجال كان المرحوم عايد النـزال ، والمرحوم جدوع الجزعة ، وبادي الجميعة ، وعبد الحمادي ، ومطير العظيمي ، وغضوي بن حنه ، وأدهيم الحميد ، ومع الثوار العرب خمسة من عشيرة الراشد .ولما أحس الثوار العرب بقوة نيران دفاع الجنرال روكان ، إذ كان رصاصهم يحصد الأعشاب أمام وجوه الثوار تناخوا الثوار العرب وركب منهم ستة عشر فارساً طائياً وراحوا يشحذون همم بعضهم البعض على الشهادة ، فهجموا على ظهور خيولهم على الجنرال روغان وجيشه ونيران أسلحة جيشه ، وكان عدد الفرسان الذين هجموا ستة عشر فارساً جوالياً طائياً فقط ، ارتمى منهم أربعة عشر فارساً شهيداً وطعن رقم خمسة عشر والفارس رقم ستة عشر دخل صفوف روكان سالماً ، وكان أول الثوار الذين التحموا بقوات الجنرال روكان ، حيث صارت اشتباكات المعركة بالسلاح الأبيض .يروي المرحوم عايد النـزال إن الأكراد أبلوا بلاءً حسناً وإنهم ضحوا وسقط منهم على أرضنا هذه شهداء كرام ليس من حقنا أن نطمس دورهم النضالي ولا أمجاد شهدائهم .أما فرسان طي الذين انتخوا بمنخاة قبيلة طي ( معاً ) والله أكبر ، ونالوا شرف الشهادة بالدنيا وأجرها في الآخر ، فحسبهم أن طائياً من عشيرة الجوالة – إبراهيم خليل الكعود – هو الذي قتل روغان .روى المرحوم عايد النـزال أنه أسر اثنين وعشرين أسيراً من جيش الجنرال حيث رووا له بعد أن قُتل روكان وانتصرت هذه العشائر أن المترجم كان آشورياً ، وقد قال للجنرال أثناء المعركة أن ليس هذه القبائل وحدها تحاربنا وإذا طالت المعركة ليوم آخر فستهاجمنا كل قبائل الجزيرة ، والأولى لك أن تستسلم وهؤلاء العرب لهم عادات كريمة منها إذا أحدهم استسلم يحترمونه ويحافظون على حياته ويعاملونه بأربع مستويات التكريم .وعندما سمع الجنرال من مترجمه هذه العبارات غضب وضرب المترجم ، وهو يقول حرب حرب إنها ساعة حرب دع كل الجيش يقتل ولن استسلم ، لأنه كان يائساً من رحمة الله .إنه يتذكر ماذا فعل بالشهيد المغفور له عباس محمد العباس ، إن فعلته تلك اللاإنسانية كانت مجرد ذاكرها في مخليته أن ليس في العرب أو الأكراد ما يغفرها له أو يرحمه .استولى الثوار على ثلاثة جثث قطعوا رؤوسها :- الجنرال روغان : قتله أحمد إبراهيم المخيليل الكعود (أخو بكرة) .- مستشاره اليهودي .
– مترجمه الآشوري .أما العساكر قتل منهم من قتل واستأسر الباقون وغنم متاعهم وسلاحهم وركائبهم .يقول المرحوم عايد النـزال العيدان إنه أسر اثنين وعشرين أسيراً كلهم عرب وكان الجنرال غورو قد جندهم في عسكره ، وبعد أن أسرهم اقترح الجوالة ألا يقتلوهم لأنهم عرب ومسلمون ، فسلموهم إلى الشيخ الشمري مشعل الفارس الجرباء لأن علاقته كانت مع الفرنسيين حسنة وهادئة .تلك هي القصة الحقيقية والرواية الصادقة لمقتل الجنرال الفرنسي روكان وحرق قيادته وتشتيت جيشه الذي تبعثر ما بين قتيل وشريد وأسير .
إنني أحيي الثوار الوطنيين السوريين من عرب طي العروبة العرباء وأكرادنا المخلصين الغيورين الشهام الذين حملوا راية تحرير هذه الأرض الغالية ، حيث صدق فيهم قوله تعالى ((رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) .أما حاجو الذي أوفده سيده أمير البوطان لم يكن له أو لمليشياته أي دور فعلي في ساحة المعركة إذ كان يرقبها من مسافة عدة كيلومترات ، لكنه عندما تأكد من النصر وهو معروف بذكائه سارع ودخل المعركة وأوعز لمليشيته أن يحجزوا كل الجثث الفرنسية ومن بينها جثة الجنرال روغان ومستشاره اليهودي ومترجمه الآشوري .
وراح يصول ويجول ويهدر وينذر على أنه البطل الأول والمحرر المظفر في تلك المعركة .المجتمع السوري من عرب وأكراد كان بحاجة للمزيد من الوعي فاغتنم حاجة الفرصة ، وراح يعلب ألاعيبه :: هبطت بعد عدة أيام طائرة وفيها ضباط فرنسيون راح حاجو يفاوضهم على تسليمجثة روغان وبالفعل حصل منهم على كمية كبيرة من الليرات الذهبية فاستلمت جثة روكان أخته التي قيل إنها حضرت مع الضباط بنفس الطائرة .الفرنسيون كانون على درجة من الوعي والدهاء الماكر آنذاك فأخفوا أحزانهم على روكان وتناسوا مقتله حباً بفرنسا واستدامة الاستعمار الفرنسي لسوريا الذي كان من أهم آمال الجنرال روكان، فتبين لهم أن حاجو هو مطلبهم وأداتهم التي يستطيعون أن يثأروا بواسطته لدم روكان .
فعقدوا معه صفقة مباشرة على أن يكون هو شرطيهم البوليسي على عشائر هذه المنطقة ، وبالفعل ولكن آغا فرنسي وليس مسيو كردي .: راح يفرق بين الأكراد السوريين الشرفاء وذلك لإزالة أمجاد زعامة آل عباس المصطفج ويلقي بذور التفرقة بين العشائر الكردية (الحاج سليمانية ، الكاسكية ، الدوركية ، الجومرية ، الآليان ، وغيرهم) لينجح فعلاً بتثبيت صفته على أنه الشرطي البوليسي الحقيقي في المنطقة ، وراح يضرب ، ويقتل ، ويقيم الولائم ويفت الدراهم ، ويكثر العزائم للضباط الفرنسيين وموظيفهم ، ويطلق الكردي السجين من قبضة الفرنسيين وسجونهم مهما كان ذنبه بساعات معدودة ، وأضاف لأسلحته التي تمول بها نوالي ماردين ثم هجر تركيا واستعصي بسوريا ، أسلحة أكثر وأحدث وذلك من مخازن السلاح الفرنسي بالجزيرة.
: وليس غايته هنا هو إسعاد الأكراد بل إثبات شخصيته لدى الفرنسيين على أنه خادمهم الأمين وحربتهم التي يجزؤن بها جوف كل وطني حر ، راح يطوف بوفدٍ يرافقه بعدة سيارات مما يوهم به الأكراد إنه أصبح زعيماً كردياً قومياً وليس مجرد آغا .
ومن منظر رتل السيارات المملوءة بمليشيته المسلحة يخيل للكردي إن حاجو وبمعاونة مستعمري البلاد الذين يعمل لخدمتهم إنه يستطيع تثبيت أي آغا كردي أو إزاحته عن منصبه وتنصيب من يريده ، وكل هذا تمهيداً ليجعل الأكراد أن يثوروا تحت قيادته وزعامته ويزيحوا عن أرض الجزيرة كل من يلفظ بلسانه كلمة ( خبز ) أي كل عربي حسبما عبر هو بتلك الكلمة التي أراد بها العرب ، بما في ذلك أهل وأسر وعشيرة وقبيلة أولئك الستة عشر خيالاً من فرسان طي الذين ضحوا بأنفسهم شهداء في سبيل الوطن واقتحموا بصدورهم نيران الجنرال روغان والذي صارت جثته قيمة أول صفقة تجارية لرجل ما عرف الوطنية في بلدٍ عاش به .لكن لم يستجب له أحد، قاومه وقاوم فكرته آل عباس مصطفج الزعماء الأكراد الشرفاء وآل العلك بتل الشعير ، وآل علي الحسين بحلوة زعماء الحاج سليمانية ، وآل يوسف زعماء الكاسكية ووبخوه ولم يعدله من يصفق له أو يعزف على أوتاره ، فذهب لأكراد غرب القامشلي فاتصل بالشهيد المغفور له المرحوم سعيد آغا الدقوري قمة الوطنية من أكراد وعرب ، وتاريخه حافل بالمواقف الوطنية المشرقة التي يعتز بها الشعب السوري فرفض مطاليبه وأفهمه علناً إنه ضد أهدافه وإنه كردي الأصل لكنه عربي سوري حلمه الوحيد طرد المستعمر الفرنسي وأذنابه وأمر غلمانه ألا يقدموا صواني العشاء لحاجو وطرده من مضافته .ولم يبق من عشائر الأكراد مع حاجو إلا عشيرة ( الهفيركا ) عشيرته الخاصة التي علمها وعودها العيش على فتاة موائد الذل والنذال ، وها نحن نرى أن أسرة آل حاجو هاجرت بأكملها إلى السويد وألمانيا .
علماً إنها سالمة من أي ضيم في سوريا ، في حين إن كل الأكراد الشرفاء هم ملتصقون بتراب وطنهم سوريا يعيشون حياة السعادة والحرية والكرامة على تراب وطنهم جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب في بوتقة التلاحم الوطني .فعاشت شهامة الشرفاء محبي أوطانهم ، والخزي والعار لكل من استبدل بتراب وطنه الأم وطناً آخر .أخي القارئ السوري.
أخي القارئ العربي.
أخي القارئ الوطني الحر الشريف .
انظر الصورة أدناه : إنه (خرج) هذا الخرج يستعمل للناقة فقط ، إنه خرج ناقة الجنرال الفرنسي المستعمر (روغان) ، لقد عرضه أمام كمرثي عبد الحميد آغا الشيخموس الأحمد اليوسف شقيق عبد العزيز آغا الأحمد اليوسف وكلاهما من زعماء عشيرته الكاسكية .عرض لي الخرج في مضافته بقريته بليج التابعة لمديرية القامشلي .هؤلاء أكرادنا الوطنيون الشرفاء ..
وهذه شواهد نضالهم ، ولئن قتلك يا عباس غادر فرنسي واحد ، فاعلم وأنت بجنة الخلد أيها الشهيد إن ستة عشر أخاًلك من فرسان طي المعن ، طي العروبة ثأروا وقطعوا ثاراً لرأسك مئات الرؤوس .