هكذا يفكرون .. وهكذا نفكر !!

  المحامي إبراهيم حسين

بداية أحب أن أؤكد على إدانتي الكاملة للمرسوم 49 المتعلق بالعقارات في المناطق الحدودية وأؤكد على رفضي لمحاولات الخنق المستمرة لنادي الجهاد وأتذكر بألم المآسي التي لحقت بشعبنا الكردي وأحقد على مسببي تلك المآسي ..

أجعل هذه الجمل مقدمة لحديثي اليوم باعتبار أن بعض الأخوة أخذوا علي عدم تعرضي لهذه النقاط في مقالتي عن غزة ..

وكأنه يجب على كل كاتب كردي أن يبدي هذه المواقف البديهية حتى لو كتب للكرد أنفسهم أو حتى لو كان موضوع مقالته الأزمة المالية العالمية أو مناقشة جريمة قتل أو انقطاع الكهرباء الذي بات يحرق الأعصاب في سورية ..

وأعتذر من كل ذي بصيرة لأن المقدمة التي ذكرتها لا تتعلق بصلب الموضوع الذي سأناقشه لكني كتبتها حتى أدفع عن نفسي سلفاً جملة من الردود التي ستنهال علي فيما لو  خلا مقالي منها ..
قد يتساءل البعض لماذا نركز على غزة ؟ لماذا ننشر المقال تلو المقال نستعرض فيه ما يجري هناك ..

؟ وسأجيب إن نظرتنا إلى القضية الفلسطينية ليست نظرة قومية إذ أننا لم نخسر فلسطين كدولة مقدسات تتضمن أول القبلتين وثاني الحرمين إلا عندما باعها ( أصحاب الأفكار القومجية ) ..

بل هي نظرة أشمل تفسر لنا لماذا جاء الكردي صلاح الدين الأيوبي وحررها من غاصبيها ..

إن غزة هي ساحة معركة بين الإسلام وأعدائه ( من الصهاينة ومن المنتمين إلى الإسلام إسماً ومحاربيه فعلاً ) ولدي الدليل على ما أقول ..


قال شمعون بيريز الرئيس الاسرائيلي الحالي في مهرجان خطابي عام 1978 ” إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهرا سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد “، ويوافقه اسحق رابين رئيس الوزراء الأسبق فيقول ” إن مشكلة الشعب اليهودي هي أن الدين الإسلامي ما زال في دور العدوان والتوسع، وليس مستعدا لقبول أية حلول مع إسرائيل، إنه عدونا اللدود الذي يهدد مستقبل إسرائيل وشعبها ” ..
ولقد عمد الصهاينة والغرب إلى محاربة الإسلام من خلف الستار، حتى لا يستفزوا المشاعر الدينية لدى المسلمين، فلا يظهرون على مسرح المواجهة كلاعب مباشر، ولا بأس هنا من إيراد ما ذكرته صحيفة (عل همشمار ) عن استفزاز الشعور الديني لدى المسلمين حين قالت ” إن على السلطات الإسرائيلية ألا تستفز الشعور الديني لدى المسلمين، لأن هذا الاستفزاز من شأنه أن يؤجج الشعور الديني لديهم وخاصة الشباب، وفي هذا خطر كبير على مستقبل إسرائيل التي كان الإسلام أكبر وأشرس عدو لها طوال التاريخ “،
ويقول ” ليوسي واسكال ” الضابط في وحدة الأبحاث التابعة للاستخبارات الصهيونية أن إحدى مراحل مواجهة الاسلام هي  (تجفيف البويضة) ويوضح قائلاً (تعتمد الحرب على الفكر ونحن الآن في مواجهة الحركات الإسلامية التي تنتهج فكر المقاومة لإسرائيل ، هذا الأمر يدفعنا لمحاربة هذا الفكر من خلال معرفتنا بكيفية التعامل مع الإسلام الهادئ، والإسلام المتطرف، وأعني بذلك محاربة أيديولوجيا الحركات الإسلامية، بحيث لا تقف الحرب عند حدود التعامل مع الإرهابيين على النطاق العسكري، وإنما الوصول إلى الروحانية التي يتمتع بها أعضاء الحركات الإسلامية من خلال تجفيف البويضة ).

مما يعني أن المعركة لن تقف عند حدود ملاحقة الحركات الإسلامية وكفى، بل ستمتد لتنال من عقيدة الأمة، ومن هنا جاء حرص الصهاينة والغرب على عدم الظهور على مسرح المواجهة وتعويض ذلك  بإيجاد من ينوب عنهم في التصدي للإسلام الذي يهدد مستقبل الهيمنة الغربية على المنطقة ..

ومن الواضح أن هناك أنظمة عربية تمارس هذا الدور بامتياز من خلال مخططات استخباراتية معقدة وغاية في الدقة تستخدم أسلحة فتاكة بدءاً من الإعلام الممنهج والخبيث وانتهاءاً بالاعتقالات وزرع الخوف في عقول ونفوس الشعوب ..وما يتخلل ذلك من وسائل أخرى تهدف في النهاية إلى خلق إسلام كالذي نراه اليوم يرتبط في ذاكرة الناس بالإرهاب ويكون مسؤولاً عن كل المآسي التي لحقت بالبشر على مختلف انتماءاتهم ومنهم الأكراد وهذا ليس موضوع نقاشنا بل يمكن أن نفرد له حلقات بحث بالتعاون بين مختلف المثقفين  ..
والاسرائيليون الذين ينطلقون في مشروعهم من أفكار دينية هم أكبر مثال على أن للدين دور كبير في الصراع الذي يشهده كوكب الأرض منذ زمن طويل ..

فهناك الكثير من الأمثلة على العلاقة الوثيقة بين الدين والسياسة في منهاج العمل الذي تنتهجه الدولة العنصرية  فمثلاً أشارت دراسة صادرة عن قسم العلوم الاجتماعية بجامعة بار إيلون الإسرائيلية إلى أن “أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون يرون أنه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات فإن الأولى تطبيق رأي الحاخامات”.
كما ذكرت الدراسة أن “أكثر من 95% من الجنود المتدينين أكدوا أنهم لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر لهم دون أن تكون متسقة مع الفتاوى الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية” وهناك دراسات أخرى تؤكد أن الغالبية المطلقة من الشعب اليهودي المقيم في اسرائيل متدين ويلتزم بتعاليم التوراة  ولذلك فإن المجزرة الأخيرة المطبقة بحق سكان غزة استندت على فتاوى عديدة أباحت قتل الأبرياء مثل الفتوى التي أصدرها الحاخام “مردخاي إلياهو” -الذي يعتبر المرجعية الدينية الأولى للتيار الديني القومي في إسرائيل والتي تضمنت نصوصاً استند عليها في تبرير العقاب الجماعي لأهل غزة التي يتحمل جميع سكانها المسؤولية لأنهم لم يفعلوا شيئًا من شأنه وقف إطلاق صواريخ القسام”، ودعا مردخاي رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مواصلة شن الحملة العسكرية على غزة، معتبرا أن “المس بالمواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي”… فيما قال الحاخام ” “يسرائيل روزين” – رئيس معهد تسوميت وأحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود أن حكم التوراة ينص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وحتى سحق البهائم”..

ولا مجال هنا لذكر كل الأمثلة التاريخية التي تثبت المرجعية الدينية التي يستند لها حكام اسرائيل في ممارساتهم وسياساتهم ..
هذا عندهم فماذا عندنا ؟ عندنا إن تحدثت عن دينك وتمسكت به ودعوت له فأنت إرهابي ؟ عندنا إن قلت أنك تدعو ليكون الإسلام مرجعنا في الحكم على مختلف القضايا والأمور عاجلك البعض بلفظة رجعي ..

؟؟؟ وعندنا إن قلت أن الصراع مع اسرائيل صراع ديني  يأتيك من يرفض صبغ ما يحدث في غزة بطابع ديني ..

ويرفض أسلمة الصراع ؟؟ يا سبحان الله ..

عندنا ( ولا أقصد هنا الشارع الكردي بل أقصد النظام الرسمي العربي ) يشنون الحملات على حماس لأنها تقاوم ولأنها لجأت للقوة ولأنها المسؤولة عن دماء النساء والأطفال ..

؟؟
وللأسف فإن الرد على متهمي حماس يأتي ايضاً من عندهم ..

فقد حمل الكاتب الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” القوات الإسرائيلية مسؤولية ما يحدث للأطفال الفلسطينيين في غزة، معتبرًا أنها وحدها هي من يتحمل هذا الذنب وقال جدعون، الذي كان من معاوني شمعون بيريز أواخر سبعينيات القرن الماضي: قد يلقي البعض باللائمة على (حماس) لما يحدث من قتل للأطفال، إلا أن أي عاقل لا يمكن أن يصدق هذه السخافات، وقد يقول أحدهم إن حماس تختبئ بين السكان المدنيين، كما لو أن وزارة الدفاع هنا ليست موجودة وسط المناطق السكنية في تل أبيب، وكما لو أن هناك أماكن في غزة غير مكتظة بالسكان..مبينًا أن الغالبية العظمى من الأطفال الذين قتلوا في غزة لم يموتوا بسبب استخدامهم كدروع بشرية، أو لأنهم يعملون لصالح حماس، لقد قتلوا لأن الجيش الإسرائيلي كان يطلق عليهم وعلى أسرهم النيران والقذائف، ويقصف المباني التي يتواجدون فيه، وتابع “لذا فإن أيدينا -لا يد حماس- هي المضمخة بدماء هؤلاء الأطفال، ولن نستطيع أبدًا الهروب من هذه المسؤولية..

فالطفل الذي شهد قصف منزله ومقتل أخيه، أو إهانة والده لن يغفر أبدًا..انتهى الاقتباس هنا .

لقد شهد شاهد من أهلها لكنه كان مخطئاً في نقطة أساسية حين قال ( أي عاقل لا يمكن أن يصدق هذه السخافات ) وأنا أقول له : بل هناك من يصدق ..

فهؤلاء القادة العقلاء أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ..

يصدقون بل ويقولون هم ومن تبعهم من وعاظ السلاطين وطائفة ( مثقفين برسم الإيجار ) أن حماس هي المجرمة ، واسرائيل تدافع عن نفسها وتقتل الأطفال والنساء لأن حماس تستخدمهم ( كزنار بشري ) ..حسبي الله ونعم الوكيل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…