م .
بافي ژيـن
أكثر من نصف قرن, يفصلنا عن الشعار الذي نادى به, الخالد مصطفى البارزاني (الإخوة العربية الكردية) وتبنته فيما بعد, معظم فصائل الحركة السياسية الكردية في العراق وسوريا؛ فلا غروَ أن يأتي ذلك متزامناً مع ما تعرّض له الشعب الكردي, لعمليات القتل والإبادة الجماعية ومحاولة صهره في بوتقة الشوفينية العربية, إلى جانب ممارسة سياسة التعريب, والتهجير, والسجن, الذي طال شرائح واسعة من أبناء الكرد, وقياداته السياسية, على أيدي حكومات دكتاتورية لا تمثل شعوبها؛ فالقائد البارزاني, استطاع ببصيرته النافذة, ونظرته الثاقبة, أن يفرق بين الغالبية العظمى من سواد الشعب العربي, الذي عانى من جبروت الطغاة, وبين الحكومات المتسلطة على رقاب الشعوب في البلاد, والتي حاكت الكثير من الدسائس والمؤامرات لإثارة النعرات العنصرية بين أبناء الشعبين الكردي والعربي والوقيعة بينهما.
صحيح أن الظروف قد تبدلت, والأوضاع تغيرت, وفقد الشعار المذكور بعضاً من بريقه وحيوته, ولكنه بقي محتفظاً بصحة محتواه السياسي, وهو دليل قوة وسؤدد, في مجتمع يمتلك خاصية فريدة في تنوعه السياسي والثقافي والاجتماعي, من المفترض أن تسود بينهم قيم العدالة والحرية والمساواة, لا العكس, ربما الالتزام الجاد من جانب الشعب الكردي في كردستان العراق وقياداته الحكيمة – قديماً وحديثا- بحتمية العلاقة الأخوية, وترسيخ دعائمها بممارساتهم العملية اليومية, جعلهم أكثر قرباً من الهم العراقي وشؤونه العامة, بل أصبحت القيادة الكردية, أكثر التصاقاً بقضايا العراق الوطنية وعلى المستويين الخارجي والداخلي, وهذه حقيقة ثابتة, لا يمكن نكرانها أو تجاهلها, وخاصة بعد مرحلة تحرير العراق, عندما تحول مقرّ القيادات الكردية في بغداد, إلى خيمة كبيرة, تحتضن جميع العراقيين وعلى اختلاف مكوناتهم, القومية والدينية والمذهبية, للحيلولة دون وقوع العراق في شرك المؤامرات الإقليمية, وتالياً دفعه إلى أتون حرب أهلية مدمرة, لا تبقي من العراق ولا تذر.
أما في سوريا؛ فلا بدّ من التذكير, بأن السياسة الشوفينية للحكومات المتعاقبة على دست الحكم في البلاد, وخلال العقود الماضية, قد فشلت في تحقيق مآربها العنصرية, في ضرب مكونات المجتمع السوري بعضه بعضاً, من خلال إنزال التهم الباطلة بالشعب الكردي وحركته السياسية, وافتعال العديد من الحوادث, وتجنيد بعض ضعاف النفوس من أبناء بعض العشائر العربية, للإضرار بالكرد وممتلكاتهم الخاصة, بُعيد عام /2004/ رغم ذلك بقي الكرد وحركتهم السياسية, صادقين للشعار – الأخوة العربية الكردية – طالما آمنوا به وناضلوا من أجله, في الوقت ذاته لم يتراجعوا قيد أنملة عن المطالبة بحقوقهم القومية, عبر النضال الديمقراطي السلمي, للوصول إلى تأمين الحرية للشعب الكردي وتحقيق الديمقراطية لعامة السوريين.
إن التاريخ المشترك بين الكرد والعرب, تؤكد على أهمية عرى الإخوة والتعاون, بينهم وذلك بدءً من العهد الأيوبي, بقيادة القائد الكردي الإسلامي صلاح الدين الأيوبي, وتحريره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, ومروراً بمعركة بياندور وعامودا وجبل الأكراد, ومعارك تشرين, وانتهاءً بالدور التاريخي الوطني للحركة السياسية الكردية في سوريا, منذ الخمسينات وحتى الآن.
انطلاقاً من هذه الحقيقة الساطعة, يترتب على الشعب العربي السوري, وقواه الديمقراطية والتقدمية في الوطن, أن تعي دورها الوطني في المرحلة الراهنة والقادمة, تجاه الشعب الكردي وقواه السياسية, الذي مورست بحقها منذ عشرات السنين سياسات عنصرية مجحفة, وكذلك يتطلب من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية العربية, في البلاد وخارجها, أن ترقى إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها, وأن تتفهم مشروعية وعدالة القضية القومية الكردية, في الأجزاء الأربعة من كردستان, وعليها أنْ تدركَ أيضاً, أن تعدد الهويات وغنى الثقافات في سورية أو أيّ بلدٍ آخر, يجب أن ينظر إليها على إنها عامل قوة, لا مكمن ضعف وخوف وقلق, وأن الحركة السياسية الكردية, لم تسعَ يوماً إلى إزاحة أحد من الخارطتين, السياسية والجغرافية, بل ظلت يدها ممدودةً وعلى الدوام للإخوة والصداقة والتعاون والتكاتف, وتؤمن بأهمية وضرورة العيش المشترك بين فسيفساء المجتمع السوري, وهي راغبة في أنْ تستظل الخيمة السورية الكبيرة جميع الملل والنحل والمذاهب والأعراق؛ فالطريق الأمثل للوصول إلى إرساء دعائم دولة الحق والقانون, تنتفي في ظلها الاضطهاد القومي والطبقي, ويتمتع الكرد بحقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة, إلى جانب أخوته العرب وباقي الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية في البلاد, تمر عبر إرساء دعائم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.