البيت الأبيض في عهدة أوباما أهو انتصار للديمقراطية أم نتاجها ..؟!.

روني علي

    بعد أن تقدم الديمقراطي باراك أوباما كمرشح في انتخابات الرئاسة الأمريكية، كثرت التحليلات والتكهنات من لدن المهتمين بالشأن السياسي وهي تتناول مصير السناتور الأسود وما ينتظره، وكانت أكثرها رواجاً وتقبلاً في منطقتنا، تلك المقللة من فرص نجاحه وعدم إمكانيته تخطي عتبة الفوز على منافسته الشقراء هيلاري كلنتون بداية،ً ومنافسه الجمهوري جون ماكين لاحقاً، ويعود السبب في ذلك بحسب مروجيها إلى عاملين اثنين

أولهما: النزعة العنصرية المهيمنة على الثقافة الأمريكية والتي ستكون لها كلمة الفصل في النتائج، كونها ستملي على الناخب الأمريكي لأن يصوت لصالح العرق، حتى لو كان ممتعضاً من حكم الجمهوريين وسياسات جورج بوش، وثانيهما : ما أشيع عن علاقات الرجل بالإسلام والمسلمين، وبالتالي فإن أصوات المنحدر من أصول أفريقية لن تؤهله لأن يحجز كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي.


  من المؤكد أن تلك التحليلات، في تشخيصها للحالة الأمريكية، كانت متأثرة بواقع الشرق ومخلفات الثقافة الشمولية التي أسست للحكم الفردي الاستبدادي المعلن – ممارسةً – لحالة القطيعة بين الحاكم والمحكوم، وفرخت النزعات القومية والعنصرية التي أصبحت سمة مجتمعاتنا وتؤجج من حالات التناحر والتنابذ بين أطيافها، بعد أن عملت ثقافة القوة على تقسيمها وفقاً للعرق والدين والمذهب، ووضعت أنظمة الحكم درجات للمواطنة استناداً إلى تلك العوامل ومدى الاتفاق أو الاختلاف مع من يحكم، بحيث باتت معها شعوب وقوميات وطوائف ومذاهب خارج قوس الفعل والمشاركة في رسم مستقبل البلاد، بل هي عرضةً للقمع والاضطهاد، كون الدساتير الموضوعة في بلداننا هي على مقاسات الفئة التي تحكم أو الحزب القائد، وعليه لا يجوز للمسيحي أو المتزوج من المسيحية أن يحكم في دولة (إسلامية) ولا يمكن أن يكون الأمازيغي أو الكلداني أو الآشوري أو الكردي قائداً  لدولة هو جزء من مكوناتها البشرية تاريخياً وجغرافياً، علاوة على أن بعض الدساتير تحتكر السلطة في الحزب الحاكم كونه قائد للدولة والمجتمع، وحتى إن وجدت بعض التجارب كاستثناءات من القاعدة العامة، كما في حالة العراق ولبنان وفلسطين وأرتيريا ما قبل الانقلاب، فهي تبقى عرضةً للنسف والاختراق، كون المطلوب في واقعنا هو الحد من تعميم الديمقراطية بهدف الحفاظ على مكتسبات السلطة والثروة من جهة، وإشباع نزعات الاستعلاء والتفوق العنصري أو الديني من جهة أخرى، مع أن العديد من الدول الأوربية، الموصوفة وفقاً لثقافتنا بالانحلال القيمي لمجتمعاتها، قد فتحت باب الدخول إلى برلماناتها ومجالسها البلدية أمام متجنسيها من أصول أفريقية وآسيوية، اعتماداً على مبدأ المواطنة وعنصر الكفاءة، وأكدت تجربتها المعتمدة على احترامها لنتائج الصندوق الانتخابي، بمنأى عن العرق واللون والانتماء، سواء السياسي أو القومي أو الديني، أنها الأكثر تماسكا في وحدتها الوطنية والأكثر تجانساً في نسيجها المجتمعي، بل والأكثر قابلية للتطور، على عكس مجتمعاتنا المتفشية فيها ظاهرة اغتراب المواطن عن الوطن.

فالغياب الكلي لأسس الديمقراطية في بناء مرتكزات الدولة، وما في ذلك من تغييب لدور المواطن وطاقاته، خلق نوعاً من التشوه حتى في ذهنية النخب والمشتغلين في حقول الفكر والثقافة، ودفعت بالبعض لأن يجتهد ضمن منظومة الوطن الذي هو برسم الحاكم والقومية السائدة، وأن يجيد الكتابة والتنظير عن موبقات الرأسمالية وشرورها، مردداً في ذلك ما تمليه عليه ثقافة الأمر الواقع، متجاهلاً قراءة الوقائع المحيطة به والأسباب الكامنة وراء الأزمات التي تعصف بالمنطقة طولاً وعرضاً، كونه مدرك أن في الوقوف على تخومها خروج عن المألوف ودخول إلى مسارات قد لا تحمد عقباها..

فلو حاولنا تلمس الأسباب الحقيقية لنجاح أوباما في الانتخابات، لوجدناها في حالة التفاعل بين الوطن والمواطن وأيضاً الوعي الديمقراطي الذي يحدد الحقوق والواجبات انطلاقاً من المصلحة الوطنية .

فالترحيب الذي لاقاه الرجل من مواطنيه، وكلمات الإشادة به من خصمه السياسي جورج بوش، والتهنئة التي قدمها له منافسه ماكين الذي اعترف من خلالها بهزيمته وأعرب عن استعداده التام للتعاون معه بما يخدم قضايا بلده، هي في مجملها حصيلة الثقافة الديمقراطية ورضوخٌ لإرادة الناخب الأمريكي الذي أجبر الخصم قبل الصديق لأن يشيد بدوره ويتحدث عن الديمقراطية المنتصرة في أمريكا، بعد أن أصبحت في عهدة من ينبغي أن يكون وفقاً للسائد في واقعنا مواطناً من الدرجة الرابعة أو حتى غير منتمياً إلى الهوية الوطنية، إذا ما قارنا وضعه الطارئ على الجغرافيا الأمريكية بأوضاع (البدون) أو (الأكراد المجردين من الجنسية) المتأصلين في انتمائهم الوطني..

   فللتجربة الأمريكية وهي تفرش البيت الأبيض أمام باراك (حسين) أوباما دلالاتها التي لا يمكن المرور عليها وكأنها حدث عابر أو نتاج أزمات الرأسمالية وإخفاقات السياسة الأمريكية، وإنما ينبغي أن تشكل بالنسبة لنا كشعوب المنطقة وأنظمة الحكم درساً لا بد من الوقوف عنده، لأن السؤال المطروح علينا هو: هل يمكننا التنبؤ بحدوثها في واقعنا والإنسان في ثقافتنا لم يزل يبحث عن نفسه وكيانه، كونه مكبل بقيود القسر والقهر والحرمان، ولم يتنفس بعد هواء الحرية الذي يمكنه من التعبير عن إرادته، بل بقي أسير جهله للصندوق الانتخابي الحقيقي، وهو في رحلة المواجهة مع الموت على مقصلة الخلاف في الرأي أو الاختلاف في الانتماء، وإن كنا ندعي مجاراتنا للغرب أو مواجهتنا لقيمه المتفسخة..؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…