محاولات الأنقلاب على الدستور

الدكتور منذر الفضل

-1-
مرحلة إعداد الدستور

في مايس من عام 2005  بدأت مرحلة إعداد كتابة الدستور العراقي بعد إنتخاب لجنة من مختلف الاحزاب والشخصيات والكتل السياسية بلغ عددها 55 عضوا ومن ثم إشترك فيها فيما بعد 25 عضوا من العرب السنة ما بين عضو ومستشار من خارج الجمعية الوطنية العراقية  لأنهم في الاصل كانوا من المقاطعين للعملية السياسية .
وقد جرت نقاشات طويلة ومعقدة بين اعضاء اللجنة كانت تشوبها إنفعالات أحيانا الى جانب الهدوء في أحيان اخرى بسبب أهمية المواضيع المطروحة وغرابة طروحات بعض أعضاء اللجنة مثل تخوين من يحمل أكثر من جواز سفر والعودة للحكم المركزي بحجة ان الفيدرالية تقسيم للعراق وبين تضمين الدستور ما يكرس عبادة الشخصية الدينية و التمييز بين عراقيي الداخل والخارج وتغييب حقوق المكونات الصغيرة ومصادرة حقوق الكورد والتضييق على مؤسساتهم التي بنوها عبر سنوات طوال وناضلوا من أجلها كثيرا أو إعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع في العراق وغير ذلك.
 واذا كان ليس من الممكن الحديث عن جميع تطورات كتابة الدستور وصياغته في هذه السطور بما يكشف عن عقليات البعض التي لا تصلح لشغل اي موقع في العراق الجديد  إلا انه بقدر ما يتعلق الامر بما يثار من ضرورة تعديل الدستور وإرتفاع هذه الاصوات الان بكل قوة , فانه يمكن القول بأن هناك نقاط متعددة تحتاج الى التعديل في الدستور ونحن لسنا ضد هذا التعديل ولكن ما هي حدود التعديل ؟ ومالذي يراد تعديله ؟ وما هو الهدف من وراء ذلك ؟ و هل يجري التعديل حسب اليات الدستور أم بطريقة الانقلاب عليه ؟
لقد كنا من أوائل المتحفظين على بعض نصوص الدستور بعد الانتهاء من كتابته وبخاصة ما يتعلق منها بطريقة كتابة الدستور وفي  ضعف قواعد حقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المرأة فيه, وهذا التحفظ مازال موجودا حرصا منا على  بناء العراق الفيدرالي والتعددي الديمقراطي الذي يجب أن  يقوم على حكم المؤسسات وسيادة القانون بحيث يخضع الجميع له , حكاما ومحكومين  , لقطع دابر الفساد وتقديم مصلحة العراق على مصالح الاشخاص.


إلا إن ارتفاع الاصوات لتعديل الدستور من بعض الاطراف – وكما هو واضح – ليس من أجل بناء هذه الاسس الجديدة سالفة الذكر و إنما الغاية منه  العودة للحكم المركزي والتراجع عن كثير من المبادئ الجوهرية التي تمس صميم شكل الدولة العراقية ونظام الحكم فيها والطعن  بحقوق ومكتسبات شعب كوردستان التي بأحترامها سيتحقق الاستقرار للعراق .
-2-
وضوح موقف الكورد من التعديلات الدستورية
 
أن موقف الكورد من التعديلات الدستورية واضحة , وهم لا ينكرون ضرورة إجراء بعض التعديلات على الدستور بما يعزز بناء الديمقراطية ومؤسسات الدولة الاتحادية القائمة على مشاركة الجميع في السلطة والثروات , شريطة أن تجري هذه التعديلات وفقا للاجراءات التي حددها الدستور .

ومن خلال متابعة مواقف الكورد يتبين انهم من أكثر الاطراف المشاركة في العملية السياسية وضوحا في التمسك بالدستور واحترام نصوصه  وعدم التراجع عن مستحقات النضال المشترك المعروفة والتي ناضلت من أجلها القوى الوطنية العراقية .
والكورد يعتبرون بأن التراجع عن أسس الدستور ومنها الفيدرالية والتوزيع العادل للثروات وهوية العراق واحترام حقوق الانسان وحقوق المرأة  وحقوق شعب كوردستان وغيرها من القواعد المتفق عليها هو بمثابة إنقلاب على الدستور ويلاقي الرفض المؤكد منهم ويدعمهم في ذلك قوى وطنية عراقية آخرى مناصرة للديمقراطية .


ومما يدعم رأينا هذا , إضافة الى مواقف السياسيين الكورد الواضحة , هو ما لمسته من سيادة رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني أثناء لقائي مع سيادته في مايس 2006 في القصر الرئاسي في مصيف صلاح الدين حيث تحدثنا عن قضية الدستور والنصوص القابلة للتعديل وعن حقوق شعب كوردستان التي تضمنها الدستور , وقد أكد سيادته لي بأن :  ((أي تعديل يضر بحقوق شعب كوردستان لن نقبل به )) .

وهو ذات الموقف الذي عبر عنه سيادته يوم 12 نوفمبر 2008 بعد عودته الى إقليم كوردستان من زيارة له الى الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا في مؤتمر صحفي له  في مطار هولير بقوله : (( إن الكورد لن يسمحوا باجراء تعديلات دستورية تمس مصالح الشعب الكوردي أو تقلل من صلاحيات إقليم كوردستان )) .


أن من حق الكورد التمسك بالدستور , رغم أنه لم يتضمن إلا الحد الادنى من حقوقهم التي ناضلوا من أجلها طويلا , ومن حقهم أن يقلقوا من وجود عقليات عربية عنصرية او دينية متطرفة تتحين الفرص للسيطرة على الحكم ومحاولة إرجاع النظام المركزي .

فهناك بعض الأطراف من العرب العنصريين تنكر على الكورد هذه الحقوق وتريد ارجاع عجلة الماضي حتى الى ما قبل اتفاقية اذار عام 1970 !  وبالتالي ليس غريبا أن يصرح مثلا صالح المطلق  قبل أيام على إحدى الفضائيات  حين سئل عن موضوع تعديل الدستور بما يلي (( نحن سنعدل الدستور ونلغي الفيدرالية ونعيد هوية العراق العربية , وإن  كوردستان هي مصطلح غريب ودخيل على المجتمع العراقي ,  فكوردستان موجودة في مهاباد  , وأما في العراق فلا يوجد سوى شمال العراق )) !! .
 أية كارثة ستلحق بالعراق فيما لو قفز أصحاب هذه العقليات المنغلقة الى السلطة في العراق ؟ .
– 3-
تحالفات الاضداد للانقلاب على الدستور
تجري منذ فترة نشاطات محمومة لبعض الأطراف السياسية للعرب السنة والشيعة لتعديل الدستور النافذ وإفراغه من محتواه وتجريده من حقوق الشعب الكوردي وبعض المكتسبات التي تحققت عبر صراع طويل معروفة للقاصي والداني .

وكجزء من هذا النشاط عقدت في عمان عاصمة  المملكة الأردنية الهاشمية ندوة للأيام 29-30 أب 2008 ضمت شخصيات سياسية وأكاديمية عراقية مختلفة منهم غسان العطية وخلف العليان وفالح الفياض (ممثل الدكتور الجعفري) وظافر العاني وممثل صالح المطلق وبعض اتباع الحزب الأسلامي وشخصيات عربية سنية وكذلك بعض بقايا البعث والعروبيين من المتواجدين في الأردن بالأضافة الى ارشد الزيباري وغيرهم .
 وللأسف لم يكن هناك أي حضور للتحالف الكوردستاني في هذه الندوة حيث جرى نقاش طويل ضمن محاور متعددة حول قضية تعديل الدستور وفقا لما شاهدته على قناة فضائية الجزيرة المباشر.

ومن خلال مجريات الندوة فان إجماع الرأي بين هذه الجماعات دار حول محاور مهمة وخطيرة يقتضي منا الوقوف عندها لكي نبين الاخطار الناجمة من الافكار والاراء التي طرحت والتي سيتضرر منها العراق الجديد ومستقبله الذي يجب ان يقوم على الفيدرالية والديمقراطية ودولة القانون وكذلك احترام حقوق الكورد وكوردستان ويبدو انها  ستكون برنامج عمل للتحالف السياسي الجديد لعام  2009 ,  وملخص ما جرى في الندوة من طروحات مايلي :
1-    إتفاق المجتمعين في الندوة على ما أطلق عليه من (وقف التمدد الكوردي) وتعطيل تنفيذ المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها .
2-    رفض تام لمصطلح المناطق المتنازع عليها بحجة انه يدخل في مجال النزاع بين الدول وليس في القضايا الوطنية الداخلية .
3-    الأتفاق على تعديل نص المادة 112 المتعلق  بتوزيع الثروة وعدم السماح للأقاليم باستثمار النفط والغاز من طرفها وحصرها بيد المركز فقط كما جرى التركيز أيضا على (عدم شرعية عقود النفط والغاز التي أبرمتها حكومة إقليم كوردستان).
4-    الغاء نص المادة 115 المتعلق بصلاحيات الأقاليم .
5-    الغاء نص المادة 121 المتعلق بصلاحيات الأقاليم وعلوية قانون الأقليم على القانون الفيدرالي وإعتماد المبدأ المعاكس تماما وهو علوية القانون الأتحادي على قانون الأقليم لانه ينسجم مع الحكم المركزي الذي يسعى اليه التكتل السياسي الجديد بحجة حماية مصالح الوطن.
6-    تعديل نص المادة 4 وبخاصة ما يتعلق باللغات – فقرة رابعا, والمقصود بها هو منع اللغة الفارسية ان تكون ضمن اللغات في اية منطقة او مدرسة او مدينة وهو ما ينسجم مع الرؤية العروبية المتطرفة.
7-    العودة للنص على هوية العراق العربية وأعتبار العراق جزء من الأمة العربية.
8-    التراجع عن مبدأ الفيدرالية وايجاد وضع خاص لكوردستان يتحدد في إدارة المحافظات الثلاثة  فقط وهي دهوك واربيل والسليمانية (حدود 19 -3-2003).
9-    تحديد صلاحيات رئيس الأقليم  وجعلها محددة وضيقة وتعديل المادة 120 من الدستور.
10- تغيير ديباجة الدستور بما ينسجم مع الاتجاه العروبي.
11- اعتماد المشاركة في السلطة على أساس معيار الكفاءه والوطنية والتكنوقراط من خلال إلغاء برنامج المحاصصة الطائفية.
12- إتفاق الأراء على ان كركوك (مدينة عراقية) ويجب ان تتبع المركز وان على الكورد التنازل عن مطالبهم بحجة ان الزمان إختلف والظروف تغيرت ..! وان الشراكة تتطلب تنازلات من الكورد .
13- ان الكورد ينفذون سياسة أمريكية لتقسيم العراق والسيطرة على حقول نفط كركوك وهذه السيطرة تدخل ضمن بوادر السلام بين سوريا واسرائيل وبالتالي سيكون هناك إحياء لخط انابيب حيفا .

(رأي كمال السامرائي) .
ولاشك إن هذه الآراء تنسجم مع فكر القوى العنصرية وسياسة النظام السابق وينادى بها المتشددون العروبيون واتباع مدرسة ولاية الفقيه أيضا , وقد استمعنا أيضا الى جانب من هذه الطروحات إبان عملنا في لجنة الدستور عام 2005 وهي مصدر الخطر على الديمقراطية والفيدرالية وحقوق الانسان وتدفع باتجاه الدكتاتورية التي ناضل أغلبية العراقيين ضدها من اجل السلام , لا بل إن جميع مؤتمرات المعارضة العراقية التي حضرتها قبل سقوط النظام الدكتاتوري كانت تؤكد على القيم الموجودة الآن في الدستور .

 وهنا نتساءل مالذي استجد حتى تتغير مواقف بعض حلفاء الأمس للكورد وهم الذين كانوا وقودا لحروب صدام وضحية من ضحاياه ؟.
-4-
تصريحات السيد المالكي  المتناقضة ومجالس الاسناد في كركوك
كان السيد نوري المالكي عضوا في لجنة كتابة الدستور وساهم في نقاشات كثيرة عند اعداد كتابة نصوصه , وحين طرح  الدستور للتصويت نال موافقة أغلبية اصوات العراقيين ونجح في هذا التصويت ,  وبقيت الحاجة الى تعديل بعض نصوصه , وشكلت في مجلس النواب لجنة للتعديل طبقا لنص المادة 142 من الدستور .
ووفقا لتصريحات السيد رئيس الوزراء نوري المالكي المتعددة فانه يعبر بصورة متناقضة عن رؤيته للدستور ,  فهو يقول عن الدستور عام 2006  وفي الذكرى السنوية الاولى للتصويت عليه بأنه (( أرقى الدساتير في العالم لأنه يكرس مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان وبناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون ))  .
إلا أنه يعود  فيتراجع عن رأيه هذا  في كلمته يوم 8 -11 -2008 أمام المشاركين في مؤتمر النخب والكفاءات العراقية  قائلا بأن (( الدستور كتب في ظل أجواء الاستعجال والخوف من الماضي ووضعت فيه قيود على سلطات المركز ويخشى ان تصادر الفدرالية الدولة … الخ , مما يوجب تعديله واعادة السلطة المركزية للحكم وتقييد صلاحيات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم لتقوية حكم المركز لانها تمارس دورا دكتاتوريا وتجاوزات يجب وقفها )).
يضاف الى ذلك إن دعوات السيد المالكي لتشكيل ما يسمى بمجالس الاسناد في كركوك وفي المناطق المتنازع عليها  من العشائر العربية والتركمانية والعشائر الكوردية التي كانت تسمى بالجحوش في زمن النظام السابق وتسليحها تشكل مصدرا خصبا لاشعال نار الحرب الاهلية لأنها فتنه كبيرة .

إضافة الى إن هذه البادرة الخطيرة من السيد المالكي تتناقض مع بناء دولة القانون والمجتمع المدني , فهي خطوة باتجاه عسكرة الدولة والمجتمع بالاستناد الى قوة العشائر والمجاميع المسلحة على حساب هيبة الدولة المدنية التي يسود فيها القانون , إضافة لكونها خرق واضح للدستور العراقي .


كما ونعتقد بأن إجراءات السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في تشكيل ما يسمى بمجالس الاسناد في كركوك وبعض المناطق المشمولة باحكام المادة 140 من الدستور هي إجراء خاطئ ويحمل مخاطر كبيرة على العلاقات الكوردية – العربية وتضر بمستقبل العملية السياسية , لا بل تهدر الثقة بين الاطراف  المعنية لا سيما وإن حزب الدعوة جناح  السيد المالكي طرف في ( جبهة المعتدلين التي وقع عليها يوم 16 آب 2007 في بغداد) مما يوجب على هذا الحزب احترام التعهدات التي وافق عليها في وثيقة الجبهة وإلا فأنه سيفقد المصداقية في أي تحالفات قادمة .


ولهذا نتمنى من دولة السيد رئيس الوزراء أن ينفذ تعهداته وفقرات برنامجه الذي طرحه عند استلامه للسلطة في عام 2006  , وأن لا يخسر أصدقاءه وشركاءه الكورد وهم القوة المناضلة  التي أسهمت في اسقاط الدكتاتورية التي قضت على خيرة شباب العراق , وأن يتذكر جيدا ما قدمه شعب كوردستان له ولحزب الدعوة من دعم مالي وعسكري ومعنوي اثناء  النضال المشترك في مقاومة الدكتاتورية  من ربوع كوردستان.
Stockholm
14 NOV 2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…