معتقل بالخطأ: أقدم اعتذاري لقيادات الحركة الوطنية الكوردية

سافرت الى دمشق مع والدي لمراجعة طبيبه، وبعد مراجعة الطبيب كتب لي الوصفة الطبية وتركت والدي في عيادة الطبيب لاشتري له الأدوية وفجأة وجدت قوات حفظ النظام يملئون الشارع المؤدي الى البرلمان وإذ بأثنان منهم يطلب مني الهوية ولدى مشاهدتهم لهويتي، قالوا: من الجزيرة، أنت كردي جئت الى الاعتصام! قادوني الى سيارة مغلقة وبدأت أحلف لهم بالله والأنبياء بأنني هنا مع والدي عند الطبيب وهذه هي وصفته الطبية، جئت لاشتري له الأدوية من الصيدلية، وأنا لا أعرف إذا كان هناك اعتصام وأنا من الناس الذين يكرهون السياسة، ولم يسعفني كل هذا الكلام وقالوا لي: أنت كذاب طالما أنت كردي فأنت جئت للاعتصام  وأخذوا هويتي وموبايلي وأدخلوني السيارة المغلقة فوجدتها مليئة بالشباب الكرد واستفسرت منهم ما الذي يحدث ؟ قالوا لي: بأننا جئنا الى الاعتصام أمام مجلس الشعب لإلغاء المسوم /49/ سألتهم وماذا يقول هذا المرسوم ؟
قالوا: بأنه يهدف الى إنهاء الشعب الكردي ويمنعنا من حق التملك حتى لبيوتنا إلا بموافقة وزارة / الدفاع والداخلية والزراعة/..

فهمت الأمر وبدأت أفكر بوالدي الذي تركته في عيادة الطبيب وهو بحالة صحية ليست بجيدة… يألهي ماذا أعمل وكيف يتصرف والدي الذي لايعرف كلمة باللغة العربية، بدأت ألعن القيادات الكردية بيني وبين نفسي لأن موقفي سلبي منهم.

بعد أن أمتلئت السيارة، أغلقوا الباب علينا، وأوعز بعض المسنين منهم للشباب بأن يرددوا هتافات بإلغاء هذا المرسوم، وبدأت الهتافات….نعم للديمقراطية، لا للاستبداد، عاشت سورية حرة ديمقراطية، عاش الشعب الكردي عاشت الإخوة الكردية العربية، لا للمرسوم /49/ ونتيجة الجو الحماسي الذي خلقه أولئك الفتية وجدت نفسي أردد هذه الشعارات وبصوت عال معهم… وقادونا الى مركز الأمن الجنائي ونحن مستمرون في ترديد هذه الشعارات في السيارة المغلقة وتوقفت السيارة لأكثر من نصف ساعة في قسم الجنائية وكان العرق ينصب من رأسنا حتى القدمين وكان أحد الشباب قد اخبأ موبايله فأوعز إليه أحدهم: دق لي هذا الرقم وبدأ يتكلم نحن معتقلون أخبر رفاقنا بذلك والمعنويات عالية جداً وذكر أسماء بعض المعتقلين (فؤاد عليكو-عبد الحكيم بشار-سليمان أوسو –مصطفى جمعة- صالح كدو-وهرفين أوسو…وغيرهم) وأثارت هذه الأسماء الفضول لدي وسألت أحد الشباب من هم أولئك الأشخاص؟ قال لي: أنهم قيادات الحركة الكردية الذين دعوا للاعتصام وبدأت أراقبهم بدقة فوجدتهم يرفعون معنويات الشباب كل من طرفه فقال عبد الحكيم: يجب أن نستمر في هذه الأعتصامات وقال سليمان: سنستمر حتى إلغاء هذا المرسوم ولا تخافوا أما الفتاة الكردية هرفين فذكرتني بالمثل الكردي (الأسد أسدٌ ذكر كان أم أنثى) وبعدها قادتنا السيارة باتجاه طريق حلب وأدخلتنا قطعة عسكرية في حرستا تبين لي فيما بعد أنها مدرسة لشرطة حفظ النظام وبدؤوا يأخذوا بصماتنا وصورنا في ساحة المدرسة وأودعونا في السجن وافترقنا عن بعضنا.

وفي مهجعنا كان العدد بحدود ستين معتقلاً وهناك بدأت أراقب سلوك القيادات وبعد السؤال الدقيق عنهم قال لي أحدهم: هذا فؤاد عليكو سكرتير حزب يكيتي ، وهذا سليمان أوسو وشمس الدين حمو عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي، وهذا مصطفى جمعة نائب رئيس حزب آزادي ولقمان أوسو عضو اللجنة السياسية لآزادي وهذا أبو ديسم عضو قيادي في الحزب اليساري، رأيت فؤاد يقول لأحد المعتقلين بالخطأ مثلي: يا أخوان لاتخافوا ولا تفكروا بأولادكم وأهلكم فنحن نتحمل كل المصاريف المطلوبة لكم ولأولادكم.

أما سليمان فترجل أكثر من مرة يرفع معنويات الشباب وسألت عنه قالوا لي: بأنه صاحب تجربة فقد سجن سابقاً لمدة سنة ونصف وفي أحد المرات أجتمع هؤلاء القادة وقام سليمان وقال لنا: يا أخوان نحن القيادات سوف نتحمل مسؤولية الدفاع عن الاعتصام وانتم جميعاً ليس لكم علاقة بالاعتصام، أعترض أحد رفاقهم وقال: لن نذهب ونترككم فرد عليه سليمان وقال: هذه أوامر يجب عليكم تنفيذها وأنتم تستطيعون دعمنا خارج السجن أكثر من الداخل، بدأ الوقت يمضي والشعور بالجوع ينتاب الجميع والقيادات تطالب بالطعام على حسابهم وليس من مجيب وبعد نصف ساعة بدأ الفرج (الجوع كافر) كانت الساعة حوالي الخامسة مساءً.

وفي الساعة العاشرة ليلاً عزلوا فؤاد عليكو عنا وقال له أحدهم: أنت رأس الفتنة وبعدها قرؤوا أسماء أخرى انضموا الى فؤاد أتذكر منهم: مصطفى جمعة ولقمان أوسو شمس الدين حمو وغيرهم، وبعدها دخل علينا ضابط برتبة العقيد وقال: سوف نقودكم الى الصالة ليلتقي بكم أحد المسؤولين الكبار وفتحوا جميع المهاجع إلا مهجع فؤاد ومن معه وبعد أن دخلنا الصالة دخل علينا ضابط برتبة لواء وشخص آخر مدني، بدأ الشخص المدني يتكلم عن الأكراد (أنتم أحفاد صلاح الدين وإبراهيم هنانو وو….وأشاد بالكرد ودورهم في طرد الفرنسيين ولكنكم اليوم مغرر بكم وقال : إن المرسوم /49/ لايخص الكرد فقط إنما يخص كل السوريين وقال بأن الرئيس عفا عنكم وجهزنا لكم باصات  لتنقلكم الى دمشق ولا أسمح لأحد أن يتكلم.

حاول أحدهم أن يتكلم عرفت أسمه فيما بعد (صالح كدو) ولكن لم يسمح له بالتكلم وفجأة سمعنا صوت من الخلف فوجدت سليمان أوسو واقفاً يتكلم دون أذن من المسؤول وقال له: أن قسماً من المعتقلين لم يأتي الى الصالة ونطالب بإطلاق سراحهم أيضاً، فقال له المسؤول: سوف نطلق سراحهم  وأستمر سليمان بالكلام: أنت قلت كلاماً خاطئاً عنا فنحن لم نعتصم أمام السفارة الأمريكية بل كنا أمام البرلمان السوري ونحن نعتقد بأن هذا البرلمان لكل السوريين ونحن بعملنا هذا مارسنا حقنا الدستوري في الاعتصام فقال له المسؤول: يكفي إلا أنه تابع: أننا نعتقد بأن هذا المرسوم يهدف الى إنهاء المنطقة الكردية من جميع النواحي لذا نطالب بإلغائه وأستمر….

إلا أن المسؤول أنهى اللقاء على عجل وبعد أن خرج المسؤول ومن معه ترجل سليمان ثانية وقال بالكردي: نحن معتصمون في هذه الصالة لحين أطلاق الأستاذ فؤاد ومن معه وبدأ الشباب يهتفون ويصفقون له.

وبعد قليل دخل فؤاد ومن معه وهرفين وفتاة أخرى لا أعرف أسمها وبدأ التصفيق لهم والضباط يوزعون أجهزة الخليوي على أصحابها وعدنا الى دمشق وفي الطريق بدأ ضمير يؤنبني عما كنت أتصوره عن القيادات الكردية بأنهم جبناء، عملاء وتبين لي بعد أثنا عشر ساعة اعتقال معهم بأنهم أبطال يمثلون ضمير شعبهم المضطهد.

وأخيراً أنا هذه الشخصية المستقلة أقدم اعتذاري الشديد لأولئك القادة وسوف أكون في مقدمة كل اعتصام  يدعوا إليه وادعوا الله أن يوفقهم في نضالهم.
 
التوقيع
معتقل بالخطأ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…