نجاح حزب العدالة والتنمية في كردستان هو هزيمة لكلّ الأكراد.

  زنار خمو*
الترجمة عن الكرديَّة: هوشنك أوسي

سنكون على موعد مع الانتخابات المحليَّة في آذار المقبل.

ولم يعد يفصلنا عن هذا الموعد سوى أربعة أشهر تقريباً.

ومنذ الآن، وحزب العدالة والتنمية، بدأ حملته الانتخابيّة في مدن ومناطق كردستان.

رئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، وكأنَّ به، قد أضاع حماره في كردستان، إذ يتجوَّل في المدن الكرديَّة، مصطحباً جيشاً من البوليس والجنود وقوى الأمن، ولفيفاً، ممن باعوا ذممهم وأنفسهم من الأكراد.

وأردوغان هذا، في تجواله ذاك، لا ينفكَّ عن إطلاق التهديدات، مزمجراً متوِّعداً الأكراد بالويل والثبور، وتاركاً شباب وصبايا الأكراد لرحمة هراوات العسكر وحملات اعتقالهم.
ويبدو أن الدولة التركيَّة، قد وضعت البلديات التي يسيطر عليها حزب المجتمع الديمقراطي DTP، نصب عينيها.

وإن لم يمكنها الاستحواذ على جميعها، فأقلُّها، بلديات المدن الكبرى، كـ”دياربكر، باطمان، شرناخ، جزير…”، لما لهذه البلديات من مكانة ودلالات خاصَّة لدى الأكراد.

فعبر هذه البلديات، أثبت الأكراد أنهم أصحاب تمثيل لإرادتهم السياسيَّة، لذا، تسعى الدولة حثيثاً، لانتزاع هذه البلديات من أيدي الشعب الكردي.

الإعلام التركي، وكلّ الصحفيين والكتَّاب والسياسيين العنصريين الأتراك، وصولاً لكلّ الأحزاب السياسيَّة التركيَّة، لا يتوانون عن قول: لكي لا يفوز حزب المجتمع الديمقراطي DTP ببلديات هذه المحافظات، سنؤيّد وندعم حزب العدالة والتنمية AKP.

والحقُّ، أنهم منذ الآن ينشطون لتحقيق هذا الهدف.

وفي هذا السياق، صرَّح نائب رئيس كتلة حزب الحركة القوميَّة (المتطرّف) MHP، في البرلمان التركي، محمد شانر: “حافظاً على وحدة الشعب التركي ومصالحه، وحتى لو كان مناقضاً لأفكارنا ومشاعرنا، سندعم حزب العدالة والتنمية.

وإنْ كان إعلان حزبنا عن مرشَّحه لبلديَّة دباربكر، سيبدد أصوات الشعب التركي، ويلحق الضرر بوحدته ومصالحه، فأننا لن نفعل ذلك.

وسنضع قناعاتنا جانباً، وندعم حزب العدالة والتنمية”.


أساساً، هذه ليست المرَّة الأولى التي يرجِّح فيها الأتراك مصالحهم القوميَّة على مصالحهم الشخصيَّة والحزبيَّة.

في الانتخابات البرلمانيَّة والمحليَّة السابقة أيضاً، شكَّلت الأتراك جبهات موحَّدة ضد حزب المجتمع الديمقراطي DTP.

ويتضح أنهم سيعاودن تطبيق نفس السياسة ضد الأكراد في هذه الانتخابات أيضاً..

وعُقبال ما يفعلها أكرادنا أيضاً…
دون شكّ، لا يقتصر هذا التوجُّه على السياسيين الأتراك، بل أن الإعلام التركي كلُّه يدعمه ويكرره، ويحضُّ عليه.

الكاتب في صحيفة “ملليت”، دوغان هابر، معروفٌ عنه كماليته (من كمال أتاتورك)، ومعاداته لحزب العدالة والتنمية، كتب في مقاله يوم 30/10/2008: “ينبغي أن نكون جمعياً في جنوب شرق البلاد (كردستان الشماليّة) AKP-ويون.

أيّ منتسبون لحزب العدالة والتنمية”، مستذكراً كلام مجمت شاندر: الجمهوريّة التركيَّة على وشك أن تفقد استقلالها.

وهي قاب قوسين أو أدنى من التجزئة.

ويبدو ان الرجل، قد رأى بأمِّ عينيه، ما حققه الأكراد، خلال السنوات الماضية، عبر هذه البلديات، من فرص وإمكانات ومكتسبات.

وإن أمكننا الحديث اليوم عن زوال بعض التابوهات في كردستان وتركيا، وأن بعض المسائل صارت اعتياديَّة، فالفضل يعود لهذه البلديات.

وما لم نكن نتخيَّل حدوثه قبل 10 أو 15 سنة الماضيَّة، على الصعيد السياسي والثقافي، حققته هذه البلديات، وجعلته تقليداً وأمراً عاديَّاً.

ودون الإمكانات الماديَّة والاجتماعيَّة لتك البلديات، لكان تحقيق ما نحن فيه حاليَّاً أمراً مستحيلاً.

والدولة تتابع ذلك، بضيق وانزعاج شديدين.

وكي لا ينجح الاكراد مجدداً في السيرة على بلديات كردستان، تقوم الدولة بدعم حزب، يقف على النقيض من مبادئها.

لأن الدولة تعرف جيّداً أن الاكراد عبر هذه البلديات، يبرزون تمثليهم السياسي، ويؤكِّدون أن ليس كلّ الأكراد، يقف جنباً إلى جنب مع أعدائه.

لذا، باتت بلديات كردستان، وبخاصَّة؛ دياربكر، باطمان، شرناخ، جزير…، صارت عوائق حقيقيَّة في مواجهة سياسة الدولة التركيَّة.

والسعي التركي في هذه الانتخابات، سيكون مركَّزاً على ضرورة التخلُّص من هذه العوائق.

ولن تمكِّنهم قوَّته من تحقيق ذلك.

لذا، سنجدهم كالنمل، يبحثون عن أكرادٍ، ناقصي عقل، جهلة، منفعيين، بائعي الذات، كي يساندونهم.

وبدون دعم هؤلاء، لا يستطيع العدو، الحصول على مختاريَّة قرية صغيرة في كردستان.

ومما يظهر حاليَّاً في الانتخابات القادمة، أن المواجهة ستكون محصورة بين حزب المجتمع الديمقراطي DTP وحزب العدالة والتنمية AKP.

وسيشكلّ الأتراك جبهة واحدة خلف العدالة والتنمية، أقلَّه في بعض المدن الرئيسة.

إذن، والحال هذه، ماذا ينبغي على الأكراد القيام به؟.
اليوم، ثمَّة حقيقة ماثلة للعيان، وهي، أنه بدون حزب المجتمع الديمقراطي، لا يمتلك الأكراد أيّ حزب آخر لديه الطاقة الجماهيريَّة لمنازلة الأعداء في الانتخابات البلديَّة القادمة.

إذن، ليس في الساحة، إلاّ DTP، وهو الممثل العلني القانوني للأكراد.

شئنا أم أبينا، هذه حقيقة دامغة وواضحة.

صحيحٌ أن DTP قد لا يمثّل جميع الأكراد، لكن هذا الحزب يمثّل قسماً كبيراً منهم.

إنه حزب كردي علني، ويمثّل الأكراد، قولاً وفعلاً.

ناهيك عن، إن لم يكن حزب المجتمع الديمقراطي ممثِّلاً للأكراد، فيستحيل على القوى والأحزاب الأخرى تمثيلهم.

لذا، لا مناص أمام الاكراد من الالتفاف حول DTP، في هذه الانتخابات، ويعاونون ويساندون بعضهم البعض.

وينبغي انتقاء المرشَّحين من خيرة الأشخاص الكفوؤة.

ومما لا شكّ فيه، إن مسؤوليّة هذا التحالف أو التعاون، لا تقع على عاتق بقيَّة الأحزاب والأطراف والقوى الأخرى وحسب، بل يتعيّن على حزب DTP أيضاً مدّ يد التعاون والتحالف لكلّ الأطراف والأحزاب الكرديَّة الأخرى، بدلاً من الانسياق وراء بعض الجهات التركيَّة العنصريَّة، العارية عن الجماهيريَّة والشعبيَّة، وألاَّ تقدِّم التنازلات لها.

وإنْ كان ثمَّة تنازلات، فليكن لشعبنا.

ينبغي أن يكون مغالبة العدو، هو هدفنا الرئيس.

ويتعيّن على DTP، العمل بجدٍّ ونشاط، وبشكل صميمي، وأن يبذل قصارى جهده، بكلّ إخلاص، كي يجذب الأكراد المتدينين من العدالة والتنميَّة إلى صفوفه.

يعني، لئن DTP حزبٌ كبير، فالمسوؤليّات الملقاة على عاتقه، كبيرة وجسيمة أيضاً، وينبغي عليه التحرُّك على هذا النحو.


في الانتخابات البرلمانيَّة والمحليَّة السابقتين، انخدع قسمٌ من الأكراد، بأضاليل أردوغان الكاذب، وصوَّتوا للعدالة والتنمية.

إذ كانوا يأملون من هذا الحزب إجراء إصلاحات ديمقراطيَّة، وبعدها، سيتوجَّه لحلّ المسألة الكرديَّة.

وبات جليَّاً لنا، نحن الأكراد، وخلال السنين الست الماضيَّة، ألاَّ فروقَ كبيرة بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب التركيَّة الأخرى.

بايكال (زعيم حزب الشعب الجمهوري CHP) وباخشلي (زعيم حزب الحركة القوميَّة MHP)، شأنهما شأن أردوغان، فيما يتعلَّق بتصوّره وأفكاره ورؤيته لحلّ القضيَّة الكرديَّة.

ومعلوم أن حزبيّ بايكال وباخشلي، يريدان صهر الأكراد وجعلهم أتراكاً.

أمَّا أردوغان، فأكثر منهما حرارةً وإصراراً على تحقيق هذا الهدف، ولا يدَّخر أيَّة مناسبة إلاّ ليقول يوميَّاً: “دولة واحدة، شعبٌ واحد، وطنٌ واحد، رايةٌ واحدة، لغةٌ واحدة…”.

والرجل، خلال السنوات الست من سلطة حكومته، لا يقبل حتّى الآن، بالأبجديَّة الكرديَّة.

والاطفال الاكراد الذين اسمائهم ولات أو برخودان، لا يمكنهما الذهاب للمدرسة، لأن دوائر النفوس ترفض تسجيل أسميهما، لاحتوائهما على حرفي الـ”W” و”X”.

وعليه، حزب العدالة والتنمية لا يقبل الأسماء الكرديَّة، إنْ لم تكن منسجمة مع الأبجديًَّة التركيَّة.

لا زال حزب العدالة والتنمية، لا يسمح لنا أن نقول لنوروزنا نوروز، ويجبرنا على أن نقول: نفروز _ nevrûz.

يعني، لم يعد لدى أحد منَّا بصيص أمل في AKP وزعيمه أردوغان الكذَّاب، حتى يدلي بصوته له.

فخلال السنوات الست الماضية، ما قاله حزب العدالة والتنمية في البرلمان بحقِّ الأكراد، أو فعله لأجلهم، هو نفسه ما قاله في البلديات التي تحت سيطرته أيضاً.

ومهما كان حزب المجتمع الديمقراطي يرتكب الأخطاء، ومهما كان أدائه وأفكاره ليس وفق مزاجنا وأهوائنا وما نريده، ونمليه إليه، لكن، يبقى هذا الحزب، هو الذي سلَّط الأضواء على القضيَّة الكرديَّة عبر البلديات التي يسيطر عليها.


ويُقال أنه في البرلمان التركي، عدى عن نوَّاب DTP، يوجد حوالي 100 برلماني كردي.

وفقط في AKP يُقال أنه يوجد 75 برلماني كردي.

حتى الآن، ماذا قال وماذا فعل هؤلاء لأجل الأكراد؟.

وبخصوص بلديات المدن الكرديَّة، التي لا يسيطر عليها DTP، وهي تحت سيطرة AKP والأحزاب التركيَّة، طيّب، ماذا فعلت هذه البلديات للأكراد؟، ماذا قدَّمت لهم؟.

دون شكّ، لم تفعل شيئاً، يستحقُّ الذكر.

أصلاً، لا يقولون عن أنهم أنهم أكراد.

وبقدر ما لا يمثِّل النوّاب الـ75 الموجودين في AKP، كذلك، البلديات التي ستقع تحت سيطرته في المناطق الكرديَّة، لن تمثِّل الأكراد.

وحتى على الساحة الدوليَّة، هكذا، يُنظر إليهم.

وحين يتحدّث العالم عن قادة وممثلين الشعب الكردي في تركيا، فأنه يقصد برلمانيي حزب المجتمع الديمقراطي ورؤساء بلدياته، وليس نوّاب ورؤساء بلديات AKP وCHP من الأكراد.

إذ لا يحسبهم احد على الشعب الكردي.

أولئك، هم لسان حال الدولة التركيَّة، وقد تخلُّوا عن قضيَّة شعبهم، وباعوا النفوس بالفلوس.

لذا، لا يمكننا أن نعتبر الأكراد الموجودين في الأحزاب التركيَّة كممثلين للشعب الكردي.

أصولهم كرديَّة، لكن، هم لسان حال الأتراك.

وجلّ نشاطهم منصبّ على إبقاء الشعب الكردي رازحاً تحت نير العبوديَّة.

ووظيفتهم هو خداع الأكراد، والإبقاء عليهم عبيداً.
بالنتيجة، لا يمكن للمرء اعتبار فشل حزب المجتمع الديمقراطي في كردستان إلاَّ فشلاً لكلّ الأكراد، وانتصار للدولة التركيَّة، وانتصار DTP في مواجهة AKP، هو انتصار للشعب الكردي بأسره، وهزيمة للدولة التركيَّة.

ولا أحد يمكنه أن يدحض أو يفنِّد هذه الحقيقة بأيَّة وسيلة.

وعلى الاكراد المتعلِّمين، المثقفين، الوطنيين، البعيدي والدقيقي النظر، ألاَّ ينخدعوا بكلام السياسيين الأتراك، وألاَّ يسوِّقوا له في كردستان.

فعبد تراكم كلّ هذه التجارب، إن كان هنالك ثمِّة مِن بين الأكراد، مَن يعلِّق آمالاً على حزب العدالة والتنمية، ويقبل أن يكون مرشَّحاً له، أو يدعمه، فهذا الشخص، إمَّا قابع في جهالة عميقة، ويمتلك وعياً وفهماً أعمى، أو هو عدوّ قومه، لا محالة.
1/11/2008
·        كاتب كردي من كردستان الشماليَّة
ــــــــــــــــ

عن موقع رزكاري الكردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…