محافظة الحسكة في ظل المرسوم رقم / 49 / لعام 2008م

  نشرة روز *

لم يعد خافياً على أحد سلسلة المشاريع والسياسات والإجراءات الشوفينية التي تستهدف المناطق الكردية والتي باتت مكبلة بقيود ثقيلة تنهك الشعب الكردي من خلال لجم تطوره الخاص, فاستمرار العمل بنتائج الإحصاء الجائر لعام 1962 في الجزيرة, والحزام العنصري العربي بتوزيع أراضي ما كانت تسمى بمزارع الدولة على مواطنين عرب استقدموا من محافظتي الرقة وحلب، والاستيلاء على أراض حجرية ضمن حرم القرى الكردية الواقعة ضمن هذا الحزام بحجة وجود نقص في ملكيات العوائل المستقدمة , وإثارة الفتن بين فلاحي وضع اليد والملاكين الكرد في منطقة الحزام العربي بالجزيرة بشكل خاص من خلال مرسوم العلاقات الزراعية
وفي هذا الإطار يأتي المرسوم رقم 49 الذي صدر بتاريخ 10/ 9 /  2008  والذي تضمن تعديل بعض المواد من القانون رقم /41/ تاريخ 26/10/ 2004 الناظم لأحكام التملك والاستثمار في المناطق الحدودية والذي كان بدوره ألغى المرسومين التشريعيين رقم / 193 / تاريخ 3/4/1952ورقم /75/ تاريخ 28/7/1962.وهو (يمنع نقل أو تبديل أو اكتساب أي حق عيني عقاري كان في منطقة حدودية أو أشغاله عن طريق الاستئجار أو الاستثمار….

إلا بترخيص مسبق) علماً أن شريحة واسعة جداً من الذين يطبق عليهم المرسوم   (( وهم أبناء الشعب الكردي)) لا توافق الجهات الأمنية لهم على منحهم الترخيص القانوني للتملك (( وهذا ثابت من التطبيق العملي على مدار أكثر من نصف قرن من تطبيق المرسوم التشريعي رقم 193 وتعديلاته في محافظة الحسكة  ))  اذ أن حوالي  95 % إذا لم نقل أكثر من البيوع التي تمت في الأراضي الزراعية في ظل تطبيق المرسوم 193 وتعديلاته وعلى مدار أكثر من نصف قرن من الزمن ( كون المرسوم المذكور طبق على الأراضي الزراعية دون العقارات الواقعة ضمن المخطط التنظيمي للمدن ) مازالت منظورة أمام القضاء حتى هذه اللحظة على اعتبار أن المحاكم وبعد سماع إقرار البائع بالبيع للمشتري كلفت المشتري بالحصول على الترخيص القانوني المنصوص عنه في المرسوم 193 لعام 1952 وتعديلاته ليتسنى للمحكمة إصدار قرار قضائي بذلك وتم شطب الدعوى إلى أن يبرز الترخيص القانوني المنوه عنه من قبل المشتري وأن المذكور لم ولن يستطع الحصول على الترخيص القانوني لمجرد أنه ينحدر من أصول كوردية.

وبالتالي فان البائع أو أي من ورثته يستطيع وفي أية لحظة تجديد الدعوى المشطوبة والسير بالدعوى وبالتالي فالقضاء ملزم بحسب هذا المرسوم أن يرد الدعوى لعلة عدم إبراز الترخيص القانوني وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد , فأية نتائج كارثية ستترتب على هذا المرسوم وأي جرائم سترتكب بسببه؟؟؟.

 
ان دراسة متأنية للمرسوم رقم / 49 / لعام 2008 م والذي ننشر في موقع آخر من نشرتنا هذه  نصه الكامل تبين أن النتائج العملية لتطبيق هذا المرسوم ستكون كارثية على المحافظة بكل المقاييس فهو :
أولاً – من الناحية الاقتصادية : ستصاب هذه المناطق بالشلل التام بسبب الجمود الاقتصادي وهروب المستثمرين ورؤؤس الأموال منه وكذلك هجرة الأيدي العاملة للبحث عن لقمة عيشها لأن أي نشاط اقتصادي سواء كان صناعياً أم زراعياً أم تجارياً أم خدمياً سواء تعلق بالبيع أو الرهن أو الإقراض أو التصنيع أو التجارة لا بد له من أن يكون له ارتباط بشكل أو بآخر بالعقار وبالنتيجة الاصطدام بالمرسوم / 49 / ومن الطبيعي أن يكون أول رد فعل لصاحب النشاط هو الابتعاد عن هذه المنطقة غير الآمنة اقتصادياً.
 ثانياً – من الناحية الاجتماعية : ينذر هذا المرسوم بالبطالة المرعبة التي سوف تستشري بين أبناء هذه المحافظة والتي ستكون نتيجة مباشرة من نتائج هذا المرسوم ومن ثم الجريمة بجميع أنواعها سيما مع البطالة والفقر المدقع المتوقع كنتيجة لأعمال هذا المرسوم وكذلك الهجرة المحتومة التي لا بد منها, أضف إلى ذلك كارثة أخرى هي من أعمال ونتائج هذا المرسوم وهي حالة البيوع السابقة لهذا المرسوم والتي هي من نتاج تعديل المادة الرابعة من القانون / 41 / لعام 2004 والتي تؤكد على أن: كافة الدعاوى المنظورة قبل صدور هذا المرسوم ترد ما لم تكن الرخصة المنوه عنها مبرزة في الاضبارة هذا أذا ما عرفنا أن ما نسبته 95 % من هذه البيوع الزراعية التي كان فيها المشتري من أصول كردية لم يحصل على الترخيص المطلوب وبالنتيجة بقاء الدعوى على حالها وبالتالي يستطيع البائع أو ورثته وفي أي وقت كان تجديد الدعوى وطلب السير فيها وبالنتيجة سوف تقضي المحكمة برد الدعوى لعلة عدم إبراز الترخيص القانوني وإعادة الحال على ما كان عليه قبل التعاقد , وأي نتائج كارثية ستحدث عن ذلك والمرسوم واضح في ذلك حيث اعتبرت جميع البيوع التي لم تقترن بالحصول على الترخيص المذكور باطلة وتستوجب إعادة الحال على ما كان عليه قبل التعاقد, وبالنتيجة ضياع حقوق العباد والمزيد من المشاكل الاجتماعية, و حيث أن من يتنصل القانون من حفظ حقه سيضطر إلى حفظ حقه بالذات ) شريعة الغاب (.
ثالثاً – من الناحية القانونية : ستصبح هذه المحافظة محافظة استثنائية بجدارة ويحق لها دخول موسوعة غينس للأرقام القياسية قوانين خاصة استثنائية وتعليمات خاصة استثنائية إحصاء استثنائي 1962 وحزام استثنائي عام 1973 وحالة طوارئ وأحكام عرفية جزائياً ومراسيم وقوانين استثنائية مدنياً ( 193 و 75 و 41 و 49 ….

) والحبل على الجرار, وبالنتيجة مزيد من الفقر المدقع المستشري أصلاً في هذه المناطق, ومزيد من الهجرة المستمرة التي لم تتوقف لحظة وهي في خطوات متسارعة وخاصة بعد انتفاضة آذار 2004 ومزيد من البطالة ومزيد من الجرائم, فلم نكن نتصور بأنه سيكون هناك مرسوم أسوء من مرسوم تطبيق الإحصاء الاستثنائي عام 1962 الذي جرد الآلاف من جنسيتهم إلا هذا المرسوم الذي سيجرد الملايين من وسائل عيشهم وحياتهم .

 وهنا يتبادر إلى أذهاننا هذا السؤال (( يا ترى ما هي الأسباب التي تقف وراء اصدارهذا المرسوم ؟؟)) أهي تتعلق بأمن الدولة والأمن العام والأمن القومي والأمن الاستراتيجي؟؟؟ أم هي سياسة الاضطهاد الممنهج وبنصوص القانون؟؟؟))
إننا نعتقد بل نجزم أن ما لم يكن بالإمكان تنفيذه بموجب الحزام العربي عام 1973يراد تنفيذه بموجب هذه القوانين والمراسيم الاستثنائية,.بل ان هذا المرسوم هو استكمال للمرحلة الثانية للحزام العربي والقاضي بترحيل الكرد من مناطقهم التاريخية .
فبعد تدمير القطاع الزراعي بشقه المروي جاء تدمير الحرف والمهن الصغيرة الخاصة من خلال منع عمليات البيع والشراء للمحلات التجارية وكل العقارات التي تحتاجها المهن والحرف المختلفة.

 
إننا في الوقت الذي نؤكد أن الوحدة الوطنية الحقيقية ومصالح الوطن العليا تقتضي التخلي عن جميع السياسات والممارسات الشوفينية تجاه الشعب الكردي وقضيته العادلة ، وإلغاء جميع المراسيم التي تستهدفه وجوده  كمكون أساسي من مكونات الشعب السوري و يشكل القومية الثانية في البلاد، ومعالجة آثارها وتداعياتها وأضرارها، وفتح حوار جدي ومتكافئ مع الحركة الوطنية الكردية على أساس الشراكة في الوطن بعيداً عن الهيمنة والتسلط، والإقرار الدستوري بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي  , نؤكد في الوقت ذاته أن مثل هذه المراسيم والإجراءات المرافقة لا تزيد الشعب الكردي إلا إصراراً على النضال الوطني الديمقراطي المتصاعد باطراد  وتدفعه  إلى التمسك بحقوقه القومية والديمقراطية  في وجه السياسات الشوفينية والعنصرية للسلطة .

ولعل ما حصل في الأيام الماضية  من تحركات ونشاطات سياسية و مهنية واجتماعية , سواءاً المذكرة التي قدمت باسم أبناء المحافظة الى اللجنة الوزارية , والتي نشر نصها في العدد / 407 / من الجريدة المركزية لحزبنا ( صوت الأكراد ) الصادر في تشرين الأول عام 2008 م , أو المذكرة التي قدمت باسم الفعاليات الاقتصادية والمهنية في المحافظة الى السيد رئيس الجمهورية , أو الاعتصام الجماهيري أمام البرلمان يوم الأحد الثاني من شهر تشرين الثاني 2008 م , أو بيانات  الادانة ولاستنكار من الحركة الوطنية , والمنظمات الانسانية , في البلاد الا دليل راسخ على مدى اصرار كافة الشرائح الشعبية على رفض هذا المرسوم بسبب النتائج الكارثية  على أبناء المحافظة عموماً والشعب الكردي بشكل خاص  

* نشرة دورية تصدرها اللجنة المنطقية للحزب الديموقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الجزيرة _ العدد /95/ تشرين الأول   2008
م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…