هل تتم إبادة الكرد سلمياً في سوريا ؟

  افتتاحية صوت الأكراد *

عنوان غريب ومصطلح أغرب لم نقرأ عنه في القاموس السياسي ، ولكن ما يتعرض له الكرد في سوريا لا ينطبق عليه سوى هذا الوصف والذي نعتقد أن المفكرين والمثقفين الكبار لو درسوا الحالة الكردية السورية لأدرجوا هذا المصطلح في القاموس السياسي ولمنحوا شرف براءة اختراع هذا المصطلح ( العمل ) للسلطات السورية .

وإذا لم يكن هذا المصطلح مقبولاً على وضع الكرد في سوريا فماذا يمكن أن ينطبق عليه من مصطلحات ؟ تمييز عنصري !! أم سياسات وممارسات شوفينية ؟
نعتقد أن الوضع قد تجاوز بذلك كثيراً في ما يجري على الأرض وعبر سلسلة متتالية وبوتيرة متصاعدة من الإجراءات والممارسات الشوفينية وبرزم من المراسيم والقرارات وملحقاتها والتي تؤدي في النهاية إن تم تنفيذها إلى الموت البطيء والجماعي للشعب الكردي بموجب قرارات وصيغ ذات طابع قانوني في ظاهرها .

فمن المعروف أن النشاط الاقتصادي للكرد يعتمد فقط على الزراعة والحرف والمهن الحرة الصغيرة الخاصة وكذلك الأعمال المتعلقة بالعقارات والتي تشكل الفعالية الاقتصادية للشرائح المتوسطة والفقيرة من الشعب الكردي و تمثل الأغلبية الساحقة منه وبنسبة تصل إلى 98% فبعد ارتفاع أسعار المازوت بشكل غير مسبوق لأكثر من ثلاثة أضعاف وعدم استثناء القطاع الزراعي من هذا الارتفاع تم عملياً إلحاق الشلل بالقطاع الزراعي المروي والذي كان يوفر ليس لصاحب الأرض فحسب بل لأعداد متزايدة من العاملين بالزراعة دخلاً معقولاً يسد جزءاً من حاجياتهم وبارتفاع أسعار المازوت تم حرمان كم هائل من العمال الزراعيين من ذلك الدخل وبالتالي ازدياد نسبة البطالة .

ثم تتالت الإجراءات الشوفينية فكان المرسوم (49) والذي ألحق الضرر بالقطاع الخاص المتعلق بالعقارات بل أصاب ما يعادل أكثر من 35 حرفة تعمل بقطاع العقارات بالشلل إضافة إلى المهن والحرف الأخرى المستفيدة منها والمرتبطة بها بشكل غير مباشر .
إن السلطات السورية لم تكتف بعدم القيام بواجباتها الوطنية والإنسانية تجاه المناطق الكردية من توفير للبنية التحتية وتأمين لفرص العمل ومكافحة البطالة وتنشيط القطاع العام ودعم القطاع الخاص وتأهيل المهن والحرف المختلفة بغية تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، بل عمدت وخلال سلسلة من الإجراءات الشوفينية والمشاريع والمراسيم إلى حرمان المناطق الكردية من كل فرص العمل التي من الواجب أن توفرها الدولة ولم تكتف بذلك بل انتقلت إلى مرحلة محاربة ولجم القطاع الخاص هذا القطاع ورغم قلة رؤوس الأموال الداخلة فيه إلا أنه وبسبب اتساع رقعته وفر المزيد من فرص العمل وحقق نوعاً من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لشرائح واسعة من الكرد فما كان من السلطات إلا مواجهة هذا القطاع عبر إجراءات شوفينية ومضايقات متعددة ، ثم توجت هذه الإجراءات بالمرسوم (49) والذي ألحق الشلل الكامل بالقطاع الخاص المرتبط بالعقارات وما يتعلق بها من حرف ومهن وهذا يعني إصابة النشاط الاقتصادي في المناطق الكردية بشلل شبه كامل وبالتالي إما الموت البطيء والجماعي للكرد في مناطقهم أو الهجرة الجماعية الاضطرارية بحثاً عن فرص العمل ولقمة العيش وترك مناطقهم التاريخية ، وفي الحالتين يقترب من مفهوم الإبادة السلمية للكرد ، وإذا كان هناك مصطلح آخر فليمدنا به أحد المثقفين أو السياسيين .
——-
* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي ) العدد (407) تشرين أول 2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…