جمهورية إيمرالي: الملائكة في العموميات، الشيطان في التفاصيل

ديـــار ســـليمان

الشعب الكوردي يتعطش الى رمـوز أو الى تعاويـذ لا فرق، إنه يتسولها كالضريـر أو يصنعها كما كانت قريش تصنع آلهتهـا ومن ثم يعبدها وعند الضرورة يلتهمهـا ويقذف النـوى الى أبعد مدى، فالضرورات تبيح الإلتهامات.

وتستمر عجلة صنع الرموز من السراب بالدوران، ويستمر (أخينـا) في الركوع والسجود لها ومنحها القداسة طالما كانت تخاطب مركز العاطفة فيه وتدغدغه إلى أن يأتي ثانية من يشيطنها…
لكنها (أي قـريشستان) ـ ورغم (إنها تـدور) ودارت كثيرآ ـ بقيت في المركز تدور حول نفسها، بحيث بقيت أسيرة جـهل أبو جهل ومـال أبو لهب و سـطوة أبو سفيان، إذ ظل عصيآ على عقلها التصديق أن هبل، الـلاة والعـزة آلهة غير قابلة للأنبطـاح فكل ما يصدر عنها تكتيكٌ يوحى، إذ لا يمكن أن ينقـل عنها ما هو هـوا في هوا.
عمومآ، هناك من يلعب على هذا الوتر ويجيد اللعب الى أبعد مدى، فينشر مثلآ وبتوقيت محدد رسـومآ مـسيئة للرمز أعلاه حيث عوامل الإثارة متوافرة و العملية ليست بحاجة إلا الى عود ثقـاب واحد ليتحول ما هو عادي الى مسلسل تركي مدبلـج.
السيد عبدالله أوجلان الذي كان يعرف نفسه بأنه محرر وموحد كوردستان القادم ويدعو لقيامها على أراضي كوردستان المحتلة من قبل تركيا ولا يرضى بأقل من ذلك بديلآ ويهدر دم كل من يدعو الى أقل من ذلك بمليـم تحول اليوم بالقدر ذاته الى أشد المدافعين عن الجمهورية التركية بحدودها الحالية والداعين لتعميق الديمقراطية فيها إستنادآ الى الفكر الكمالي حسب كل ما يصدر عنه من أقوال ويدعو الى محاربة كل من يحلم بتشكيل دولة قومية كوردية باعتبار أن ذلك بدائية وتخلف، كما أصبح يشعر بأنه مواطن تركي مستقل ويعبر عن رأيه بحرية رغم سجنه (حسب تصريحاته لمحاميه)، قيل بإنه تعرض الى سوء معاملة في السجن وهذا محل إدانة أي إنسان رغم ان للسجون ظروفها المعروفة وهي ليست على كل حال منتجعات ترفيهية، لكن رغم ذلك ينبغي إدانة أول من بنى جدارآ ليحتجز خلفه إنسانآ.
لكن، لكن هناك ظواهر لا نجد لها تفسيرآ، ظواهر وجدت هكذا ويطلب منا أخذها كما هي وعدم محاولة إعمال العقل فيها، فلقـد صدر في سوريا ما أصبح يعرف اليوم ب (مرسوم بشار) الذي لا يهدف الى إساءة معاملة ثلاثة ملايين كوردي ورفسهم خارج الحيـاة فقط بل الى القضاء عليهم قضاءً مبرمـآ ومحوهم من الوجود، لكن الرعب من السلطة قد شـل حتى الآن ذلك العدد الكبير من النـاس على الأتيان بأي إشارة تدل على الرغبة في الحياة في وجه هذا الموت القادم، لا بل أكثر من ذلك وجدنا تسعة من أحزاب الحركة الكوردية في سوريا تصدر بيانآ على شكل نعـوة تسلم فيه بقضاء الله وقدره بإعتبار المرسوم (إختبارآ أيمانيـآ) وترمي الكـرة في ملعب الكورد في المهجر لعل وعسى، لكننا في نفس الوقت شهدنا خروج الإحتجاجات (الشجاعة) من أنصار حزب العمال التركي في غير مدينة سورية إن لم يكن برعاية فتحت أنظار الحكومة السورية التي برهنت بذلك بأنها تحترم حرية مواطنيها في التعبير وذلك ضد الحكومة التركية التي هي حاليآ حليفة للحكومة السورية التي تخطب ود الأخرى في كل مناسبة!؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي الموضوعين أعلاه هو أكثر أهمية، ولمصلحة من محاولة البعض تسعير معركة (إساءة المعاملة) ليغطـي غبارها على الهولوكوست الكوردي في سوريا ليمـر بهدوء، ثم أين العشرين مليون كوردي في تركيا في معركة ـ إساءة المعاملة ـ هذه التي يطلب من غيرهم دفع فاتورتها كالعـادة؟ وما الذي يعنيه السيد أوجلان بالنسبة لكوردستان سوريا لدرجة تجاهل البعض لمسألة الوجود الكوردي المهدد كرمى له؟ وهل يجب علينا إضافة الى تجاهل التسهيلات التي يقدمها النظام السوري لإنصار العمال الكوردستاني في مسائل تخص الشحن العاطفي لامور تخص الخارج السوري، هل يجب علينا إضافة الى ذلك ركوب موجـة الترديد الببغاوي للإعجابات و المـدائح والثنـاءات التي يدعي البعض صدورها عن كتاب العواميد في الصحف التركية على الإدارة العمالية لدفة المعركة باعتبارها الحقيقة التي يراها عدونا الموضوعي في حين نتنكـر لها نحن الجاحدون عملآ بأمثولة ان لا كرامة لنبي في قومه؟  
ثم هناك مسألة الحرب التي تدور رحاها على جزء من أراضي أقليم كوردستان والتي لم تحقق منذ ثلاثين عامـآ سوى هدف إعلامي مفاده إننا هنا مع حقيقة كون الضحايا من الجانبين التركي والعمالي هم من الكـورد.
و يـستمر الرمـز في حياتنا تعويـذة نعلقها على صدورنـا، نتدفأ عليها في ليالي الشتاء القارسـة ونشـرب منها في صيفنـا الظامئ.

القامشلي في 27.10.2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…