أحداث واتجاهات.. حزب العمال الكردستاني – تركيا

محمد قاسم

خلال الأسبوعين الأخيرين حدثت أحداث واتجاهات في العلاقة بين الجيش التركي-أساسا-ومعه الحكومة ..وبين مقاتلي حزب العمال الكردستاني..يمكن الإشارة إلى أهمها سراعا.وبعمومية..لأنني لا اهتم بتفصيلاتها بقدر ما أريد الاهتمام بعموميتها الدالة على المؤشرات التي أريد عرضها كأحداث واتجاهات في السياسة التركية تجاه الكرد –ممثلين بحزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا..!
فمن الأحداث المفصلية قتل أكثر من خمسة عشر من جنود الجيش التركي في ظل ظروف الهجوم التركي منذ حوالي عام على معسكرات ومعاقل الغريللا في داخل الجبال الكردستانية داخل تركيا..وفي جبال الشمال العراقي –كردستان- مخترقا الحدود في صيغة متجاوزة للقانون الدولي،ومستغلا ضعف الدولة العراقية مركزيا وفي إقليم كردستان..!وطبعا مستثمرا ظروفا دولية تساعده على ذلك منها توافق الهجوم مع الرغبة العروبية في كل من العراق وسوريا والفارسية في إيران..

وسكوت أمريكا لأمرين أساسيين:
1-فلسفة حزب العمال التي بنيت على الإيديولوجية الماركسية –المعدلة-والمناوئة في مجملها لفلسفة أمريكا السياسية والاقتصادية والثقافية أيضا..وهو خطا ارتكبه حزب العمال الكردستاني منذ البدء..ولا يزال يعيش بعض ظلاله..بتأثيرات مختلفة ربما يتحمل السيد عبد الله أوجلان الجزء الأكبر من نتائجها ..بسبب تفرده بالقرار السياسي والعسكري قبل اعتقاله وفق مؤامرة ربما كانت الدول التي يراها صديقة كانت أول المتورطين..فيها..!
2- ظروف أمريكا في المنطقة بوجود عراق غير مستقر ،ومناوشات تكاد توصلها إلى الاحتكاك العسكري بإيران  فضلا عن حاجتها إلى الرضا التركي لأمور عدة منها وجود قاعدتها في انجرلك..!
وقد نتج عن هذه الحادثة حركة عسكرية تحاول استثمارها لصالح اتخاذ قرارات في مصلحتها ضد الحكومة التي تكاد تجرده من قوتها المطلقة التي كانت تهيمن بها –وباسم العلمانية وحمايتها- على اتجاهات السياسة في تركيا..ظاهرا وباطنا..
ولكن الشعبية الكاسحة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات وهيمنته على البرلمان فوت عليه هذه الفرصة وبالكاد حصلت على قرار بالتمديد للدخول إلى الشمال العراقي –كردستان العراق- بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني هناك..هذه الحجة التي لم تثمر عن فعالية في الأرض تشرف السلوك العسكري..فبقي قرارا على الورق بدون مضمون منتج عمليا..لأن الجيش نفسه لم يعد يستطيع الزعم بان ذلك سيحل المشكلة..فجاء التمديد له-مؤخرا- نوعا من ا لمغازلة من حزب العدالة والتنمية –الحاكم- لاتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية في معالجة وضع الكرد في تركيا..لأكثر من سبب:
·       الانتخابات على الأبواب .والحزب لن يفرط بأصوات الملايين من الشعب الكردي، والتي بها يحكم الآن بهذه الأغلبية وهذا الزخم.
·       إدراك الحكومة بان الحل العسكري فشل –وان لم يصرح بذلك- وان المعالجة السياسية هي الأفضل.خاصة وإن حكومة إقليم كردستان العراق تدعو إليه باستمرار،وأثمرت عن لقاء وفد حكومي تركي بزعامة إقليم كردستان مؤخرا وصف بالبناء..
 وهي دعوة ليست فقط كردية..بل ربما هي الصوت الأمريكي كرديا –إذا جاز التعبير.ولكن أمريكا لا تعلن عن ذلك قبل أن تحقق أكثر من أمر:
منها تحقيق نوع من الاستقرار في العراق متوجا باتفاقية أمنية كادت أن تنجزه بحسب ما يظهر من تصريحات وزير الدفاع الذي يجهد الآن لانتزاع الموافقة من الكونغرس الأمريكي..
ومنها محاولة إقناع حزب العمال بالتخلي عن إيديولوجية تصب نتائجها في عداء مصالحها في المنطقة..وتخدم سياسات بعض دول المنطقة..
ويبدو أنها ستنجح بغياب السيد أوجلان على رأس الهرم في اتخاذ القرار..

وخذلان الأنظمة ذات الأيديولوجية الماركسية الجذور كالبعث في سوريا والعراق والموقف الإيراني المخالف للمصلحة السياسية الكردية عموما..!
ومنها ترتيب إجراءات تسعى إليها أمريكا في المنطقة وفق ما تريده وبحسب مصالحها –أساسا- ولكنها تشرك شعوب المنطقة بطريقة أو أخرى في هذا الترتيب لضمان استمرار مصالحها محمية بأنظمة تتوافق مع سياساتها بشكل أو بآخر..
ومنها..ومنها…الخ,
المهم إن الاتجاه نحو معالجة ذات طابع سياسي للمشكلة الكردية لا يخسر فيها حزب  العدالة كثيرا ولا يربح فيها حزب العمال كثيرا..ولكن يحقق بعض استقرار –خاصة في الجانب الاقتصادي –في المنطقة الكردية…ويبدو ان ذلك سيستجيب للاتجاه الذي يريد حزب العدالة الحاكم آن يثبته في سنوات حكمه القادمة –كما يأمل.
وقد يقبل به المزاج الشعبي الكردي إذا كان مجزيا بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالاستقرار ومستوى المعيشة فضلا عن بعض ملامح سياسية تثبت الكيانية القومية الكردية ثقافيا خاصة في هذه المرحلة.
17/10/2008

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس كوردستان ليست خريطة معلقة على الجدار، ولا نشيدًا قوميًّا يُتلى في المناسبات، ولا لهجة تُنطق في وادٍ دون وادٍ آخر، كوردستان هي وحدة الوجع، وحدة الدم، وحدة الجبل الذي احتضن الثائر، ووحدة الأم التي ودّعت أبناءها في جميع جهاتها الأربع دون أن تسأل، من أي جزء أنتم؟ لكنّ المأساة الكبرى لم تكن فقط في احتلال…

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…