دفاعاً عن مشعل التمو ومعتقلي الرأي في السجون السورية

سليمان يوسف يوسف *  

ثمة أسباب وأسباب تدفعني للكتابة دفاعاً عن المعارض الديمقراطي”مشعل التمو”، الناطق الرسمي باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا والناشط في لجان احياء المجتمع المدني، الذي اعتقل خطفا في 15/08/2008  من قبل الأمن السوري وأحيل إلى محكمة الجنايات بتهمتي”إثارة الفتنة لإثارة الحرب الأهلية و النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي”.
فمن جهة أولى: أن الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير والناشطين في مجال حقوق الانسان و قضايا الديمقراطية هي مسألة مبدئية ثابتة وواجب أخلاقي وانساني، بغض النظر عن الاتجاهات السياسية للمعتقلين.

وقد سبق لي وكتبت مقالات بهذا الاتجاه بعد كل حملة اعتقالات جديدة على نشطاء المعارضة السورية، ابرزها بعنوان: “ميشيل كيلو ضمير وطن”، لأضم صوتي الى أصوات الملايين من الأحرار على امتداد الوطن السوري وخارجه المطالبين بالافراج عن المعتقلين السياسيين في السجون السورية.
من جهة ثانية: يزداد الانسان حماسة للكتابة دفاعاً عن نشطاء وطنيين ومثقفين بارزين، تميزوا بحبهم لشعبهم ووطنهم، عندما يعرفهم عن قرب وعمل معهم لسنوات في حقل السياسية والحراك الثقافي والديمقراطي.


من جهة ثالثة: اعتقال الانسان بسبب آراءه وأفكاره هو عمل مرفوض ومدان يتنافى مع ابسط قواعد الديمقراطية وشرعة حقوق الانسان ويتعارض مع الدستور السوري ذاته الذي يكفل حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي، فضلاً عن أن الاعتقال التعسفي وحجز الحريات سلوك يتنافى مع الطبيعة البشرية المجبولة بدماء آلهة الحب والحياة.


من جهة رابعة: اعتقال أي ناشط سياسي ديمقراطي سوري ومن أي تيار أو حزب كان هو، من دون شك، خسارة للحركة الديمقراطية في البلاد ككل.

في هذا الاطار يعد اعتقال مشعل التمو خسارة سياسية ونضالية ليس للحركة الكردية فحسب وانما للحركة الآشورية والعربية وللحراك الوطني الديمقراطي في البلاد عامة.

 
لن أتوقف كثيراً عند التهم الموجهة لمشعل ولغيره من المعتقلين السياسيين فهي تهم سياسية بامتياز لا أساس جنائي جرمي أو جنحي لها.

فمثل هذه التهم  “النيل من هيبة الدولة والشعور القومية واثارة الفتن ..

وغيرها” من التهم الجاهزة هي لتضليل الرأي العام السوري ولتبرير حملات الاعتقال التعسفية التي تقوم بها سلطات الأمن السورية من حين لآخر بحق نشطاء المعارضة بغرض ارباكها واشغالها بقضية المعتقلين بشكل دائم، تالياً اضعافها وابعادها عن مطلبها الأساسي “التغيير الديمقراطي في البلاد”.

اللافت في قضية اعتقال “مشعل التمو” الجدل الذي اثاره في الأوساط السياسية الكردية والسورية عامة، نظراً لما كان يتميز به من خطاب سياسي جريء وبشبكة واسعة من العلاقات السياسية مع مختلف أطياف وتيارات الحركة السياسية السورية، الكردية والعربية والآشورية، الى درجة أن البعض كان يتهمه بالتطرف والبعض الآخر كان يثير تساؤلات وشكوك حول سر جرأته وعدم تعرض السلطات الأمنية له في الوقت الذي هي تلاحق وتعتقل كتاب ونشطاء عرفوا باعتدالهم السياسي.

حالة مشعل ليست وحيدة وانما هي نموذج لظاهرة سلبية في المجتمع السياسي السوري تنال بشكل أو بآخر من سمعة ومكانة المعارضين وبالنتيجة تسيء للمعارضة ذاتها.

طبعاً، الأجهزة الأمنية تدير لعبة التشويش على المعارضين والمعارضة بذكاء، ذلك بفضل خبرتها الطويلة في هذا المجال.

فمن يراقب ويدقق في حالات الاعتقال السياسي في سوريا يجد نفسه في حيرة كبيرة وعاجزاً عن معرفة الخطوط الحمر من الخضر أو من الصفر التي وضعتها الأجهزة الأمنية أمام حركة المعارضين.

من المؤسف جداً أن نرى البعض ممن هم محسوبين على المعارضة ينخرط في هذه اللعبة عن وعي أو عن غير وعي ويسارع لاتهام بعض الناشطين، مثل مشعل، بالتطرف ويحمله بشكل أو بآخر مسؤولية اعتقاله والقول أنه يدفع ثمن شعاراته القومية المتطرفة أو المستفزة، منها “كردستان سوريا”.

ربما كنا سنصدق هؤلاء ونأخذ بتحليلاتهم ونظرياتهم السياسية، ما لم يعتقل سوى مشعل التمو وبعض النشطاء المحسوبين على المتطرفين، لكن وجود في سجون النظام العشرات من المثقفين والمفكرين المعروفين باعتدال مواقفهم وموضوعية خطابهم السياسي، أمثال ميشيل كيلو وفايز سارة وأكرم البني وعارف دليلة وعلي العبدالله و آخرين – افرج عن عارف مؤخراً بعد سبع سنوات من الاعتقال التعسفي-  يسقط نظرياتهم ويجعل تحليلاتهم من غير معنى وبلا  قيمة سياسية.

 
بحكم معايشتي للحركة الكردية ومتابعتي للخطاب الكردي اعتقد بأن مسألة “كردستان سوريا” هي قضية محسومة لدى معظم الأحزاب وفصائل الحركة الكردية في سوريا، هناك من يقولها صراحة وهناك من يقولها مواربة كالقول “المناطق الكردية” أو كردستان بأجزائها الأربعة.

طبعاً، مع اعتزازي بكل القوميات والشعوب السورية، اتحفظ على اطلاق هويات قومية واثنية خاصة “عربية، كردية ، آشورية/سريانية ” على الوطن السوري أو على أجزاء منه، طبعاً مع الاقرار بحق الجميع في ممارسة حقوقه القومية في هذا الوطن دون تمييز أو تفضيل.

فنحن اليوم (عرباً وأكراداً وآشوريون وكل المكونات الأخرى) هويتنا الوطنية هي السورية يجب أن تسمو فوق كل الهويات الخاصة التي أمست جزء لا يتجزأ من تركيبتها الثقافية والاجتماعية والدينية.

قد يجد البعض في هذا الكلام شيء من الطوباوية أو الرومانسية السياسية لأن “الهوية السورية” هي هوية مأزومة، حتى قبل أن يدخل مصطلح “كردستان سوريا” الى الثقافة الكردية وقبل نمو الحالة القومية لدى الآشوريين.

ثم أن الوصول الى هكذا حالة من الاندماج الوطني بين مكونات المجتمع السوري هي عملية تاريخية طويلة لن تتحقق ما لم تتوفر بيئة سورية، سياسية وقانونية وحقوقية وثقافية واقتصادية واجتماعية متكاملة ومناسبة.

طبعاً، مثل هذه البيئة حالياً غير متوفرة لنا نحن السوريون بسبب طبيعة النظام القائم من جهة، وبسبب العقلية الاستبدادية التي يحكم بها البعث البلاد منذ انقلابه على السلطة 1963 من جهة ثانية.

فهذه العقلية الاقصائية الشمولية التي اختزلت الهوية السورية بالعروبة والاسلام، من دون شك، هي فاقمت أزمة الهوية السورية بدلاً من أن تخفف من أزمتها.

فعندما ينشد العربي السوري “بلاد العرب أوطاني”هذا يدفع بكل قوم لأن ينشد نشيده القومي الخاص.
 قطعاً، “اشكالية الهوية السورية” لن تحل باعتقال مشعل التمو وغيره من قادة الحركة الكردية، أو بطمس الهوية الكردية والآشورية أو بتهميش هذه القوميات وبحرمان الكثير من الأكراد من حقهم في الجنسية السورية.

وانما الحل السليم هو باطلاق سراح جميع نشطاء المعارضة السورية، الكردية والعربية، وباشاعة الديمقراطية في البلاد.

ومعالجة “المشكلة الكردية” ومشكلة القوميات عامة، آشوريين وأرمن وغيرهم، في اطار وطني ديمقراطي عادل.

معالجة تنطلق من حقيقة كون تاريخ وحضارة سوريا أكبر وأعمق من أن ينسبان لشعب واحد بعينه، عرب أو غير عرب.

معالجة تقوم على انهاء احتكار حزب البعث للسلطة في سوريا.

الحرية للمعارض الديمقراطي مشعل التمو ولجميع معتقلي الرأي والضمير والكلمة الحرة في السجون السورية، ونرفع لهم أطيب التهاني القلبية والوطنية بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد ونقول لهم ولأسرهم وأطفالهم، الذين خطف السجان الفرحة من قلوبهم، نقول لهم كل عام وأنتم والشعب السوري بألف خير…
 
* سوري آشوري…مهتم بقضايا الأقليات

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…