القضية القومية الكردية وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية

التحالف *

بذلت الدول الغاصبة لكردستان والتي تضطهد الشعب الكردي خلال فترة طويلة من الزمن جهوداً كبيرة لإبقاء القضية القومية الكردية مسألة داخلية بحتة ضمن بلدانها، وبهذه الحجة فقد كانت تمنع أية جهة أو دولة من دول العالم من الحديث عن هذه القضية أو مساندة نضال الشعب الكردي، وكانت تعتبر ذلك من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية وخرق سيادتها الوطنية.

  لقد كان ذلك قاسياً جداً بحق الشعب الكردي ونضاله القومي التحرري في كل أجزاء كردستان، لقد كانت حركته السياسية تقمع بشدة، وكان نضاله يغرق بوحشية في الدماء دون أن يسمع أحد بذلك في كثير من الأحيان، ولم يكن مسموحاً لأية جهة باستنكار ما ترتكب من جرائم بحق الشعب الكردي بحجة أنها أحداث داخلية بحتة وأن أي تدخل يعتبر خرقاً لسيادة البلد المعني.

 

لا شك أن ذلك قد أضر كثيراً بنضال الشعب الكردي، وأخّر إنجاز قضيته القومية العادلة، وكان من الضروري اكتساب أصدقاء على المستوى الدولي يمكنهم إخراج القضية القومية الكردية من عزلتها تلك، وبكل أسف فقد وقعت القضية الكردية خلال فترة طويلة أيضاً ضحية صراع دولي كبير وتوازنات القوى الدولية والإقليمية التي ساهمت هي الأخرى بدورها في تأخير انجاز القضية القومية للشعب الكردي.
ولا شك أن نضال الشعب الكردي الحازم وتضحياته الجسام قد أدت إلى خروج القضية القومية للشعب الكردي شيئاً فشيئاً من نطاق المحلية والعزلة، وبدأت اكتساب أبعاد إقليمية وأبعاد دولية، ولا شك أيضاً أن التغيرات التي حدثت على الصعيد الدولي والثورة العلمية والتقنية كان لها دوراً حاسماً، فاخترقت هذه القضية نطاق المحلية واكتسبت بعداً دولياً هاماً، وهذا مكسب كبير يجب أن تتمسك به حركة التحرر الوطني الكردية بكل قوة.
إن قضية الشعب الكردي بلا شك قضية عادلة وكبيرة، فهي قضية 45 مليوناً من البشر يعيشون في قلب الشرق الأوسط الفائق الحساسية، وهي قضية أكبر شعب في العالم لا يزال محروماً من حقوقه القومية والديمقراطية، وتعرضت بلاده للتجزئة والتقسيم بين مجموعة من الدول الكبيرة التي تتجاهل وجود الشعب الكردي وتحاول بكل السبل طمس قضيته القومية وتذويبه في بوتقة قومياتها، ولهذا السبب وبقدر ما تكون لهذه القضية أهمية إقليمية ايجابية، تجابهها عقبات إقليمية سلبية بسبب تآمر الدول الغاصبة لكردستان واتفاقها فيما بينها على ضرب حركة التحرر الوطني الكردية مستفيدة هي الأخرى من أهميتها كقوى إقليمية كبيرة لها علاقات دولية واسعة وتستطيع تأمين مصالح هذه القوى الدولية.
إن حماية البعد الدولي للقضية الكردية أكبر من حاجة ملحة، ذلك أن الدول الغاصبة لكردستان تتحين كل الفرص للانقضاض على مكتسبات نضال الشعب الكردي، ومثال كردستان العراق وموضوع كركوك دليلٌ واضح على ذلك، ولاشك أن حركة التحرر الوطني الكردية يجب أن تستوعب الوضع الدولي وتتمثله بوضوح لتستطيع اثبات عدالة قضية الشعب الكردي على الصعيد الدولي من جهة، وتأمين التضامن الدولي اللازم لمساندة نضال الشعب الكردي من جهة أخرى.

لقد أصبحت أوساط دولية وإقليمية تقتنع اليوم بجدية أن القضية الكردية هي إحدى قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، وهي بهذا المعنى إحدى القضايا الدولية التي يجب تأمين حل عادل لها، وبدون ذلك لن يشهد الشرق الأوسط الأمن والاستقرار، وهو ما سينعكس على مصالح العالم بأسره.
——-
* جريدة يصدرها التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا –  العدد / 77 / –  آب 2008م

 

لقراءة مواد العدد انقر هنا  hevbendi_77

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…