لا شك ّأنه يتطلب منّا أثناء قراءتنا لموقف ما , أو تجربة سياسية أن نكون أكثر إنصافاً وموضوعية , وخاصة إذا كانت القراءة تتعلق بتاريخ نضال حركة تحررية تعمل من أجل قضية عادلة , أو شعب لا يزال يمارس بحقه كافة أشكال القهر والحرمان.
فإذا ما أردنا أن نحصي إيجابيات الأحزاب الكوردية في سوريا لا شكّ أنها كثيرة على الرغم من إمكاناتها المتواضعة والبسيطة , لقد استطاعت أن تحافظ على هويتها القومية, ووقفت في وجه كافة أشكال المشاريع والمخططات التي تستهدف الشعب الكوردي , فهي لا تزال تمثل إرادة الشعب الكوردي في سوريا بكل علاتها , وتناضل من أجله.
إذن , لقد بات جلياً للجميع الحالة التي وصلت إليها هذه الأحزاب من التشرذم والتفكك , وعدم قدرتها على المواكبة والتغيير بالشكل المطلوب , بالإضافة إلى حالة الملل القائمة في أوساط الأحزاب نفسها, وانشغالها بأبسط المسائل الثانوية على حساب القضايا الأساسية.
إن ما تقوله وتطرحه هذه الأحزاب في برامجها و أدبياتها الحزبية , وما تجسدها على أرض الواقع شيئان مختلفان تماماً , فإذا تصفحناها فسوف نرى الكل يطالب بوحدة الصف الكردي و الموقف, بل يصل الأمر عند البعض إلى طرح الوحدات الاندماجية , و يقال عن أهمية المرحلة , ناهيك عن طرحهم شعارات تتعلق بالتداول والديمقراطية والرأي الآخر , لكنّها في التطبيق والممارسة تجسد عكس ما تطرح تماماً .
يبدو أنها لا تزال تتعامل في كثير من الأحيان مع ما يجري وفق ذهنية المصلحة الحزبية الضيقة , وقائد الضرورة, والشخص الأول والرمز, والأفكار المعلبة المستوردة.., على حساب القضية, إن جاز التعبير, وانطلاقاً من هذا علينا أن نحمل مسؤولية ما يجري للقيادات الكوردية بالدرجة الأولى, إضافة إلى أسباب وعوامل أخرى هامة , فإن ولوج هذه القيادات في بعض المسائل التي لا تفيد الشعب الكوردي , دليل على ما ذهبنا إليه , وإلا كيف نفسّر ما يجري الآن.
إذن , هذه الأحزاب بحاجة إلى وقفة جدية لإعادة النظر في مفرداتها ومواقفها , والاستفادة من الظروف القائمة بما يخدم القضايا الأساسية , والالتفات إلى معاناة الشعب , وتقدير تضحياته, وإيجاد مخرجاً لأزمتها القْائمة , وتجسيد ما يطرح ويقال من مواقف وأطروحات الإيجابية عملياً , والتخلي عن الخلافات الشخصية التي تكون سبباً في الـتأزم والتعقيد والتفكك , وإلا سيتم استهداف الجميع بدون استثناء من قبل النظام , كما يحدث الآن.
وآن الأوان أيضاً أن يمارس المثقف دوره الحقيقي المنوط به دون أن يكون طرفاً في الصراع الداخلي, فبقاءه صامتاً متفرجاً أكثر من ذلك سيزيد الأوضاع سوءاً, وانطلاقاً من هذه الحقائق بات التحرك ضرورياً ليتصدى الجميع لمهامه وفق ما تقتضيه مصلحة قضيتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ