افتتاحية صوت الكورد *
ردا على رد وتوضيحاً على السجال الدائر … سوريا نموذجاً ..
علينا في السبر أن نميز ما نحن بحاجته فعلاً، لنعيد للمخاوف وللتساؤلات نسقها الحقيقي.
كما علينا أن نتخلص من الشماعة العراقية واللبنانية لنميز ما للسلطة وما للوطن، في هذه المرحلة الدقيقة من حياة مجتمعنا.
ليست كل الديمقراطية العلمانية تختصر على فصل الدين عن الدولة…كما ليست كل الديمقراطيات تحكم بحكم الأغلبية أو الأكثرية..و..
ليست كل الديمقراطيات توافقية رغم أهميتها في مراحل تاريخية محددة.
قبل أن نحكم على التجربة اللبنانية والعراقية، لا ضرر من أن نلتفت إلى دراسة التجربة القومية منذ النصف الثاني من القرن الماضي..وسنزيد بالمعرفة علماً لو أننا تمعنا بالتجربة السوفيتية و” الكتلة الشرقية بالعام” قليلاً لنستنتج بدون أي جهد يذكر بأن الذين أوحوا للعالم أجمع على أنهم قد استخلصوا من خلال تجربتهم النضالية وما قاموا على تنفيذه فعلياً هو الحفاظ على اتمام حق الأقليات القومية منها والعرقية والطبقية كنموذج تاريخي كانت كذبة سمجة..والدليل على ذلك ما ظهر على الأفق من صراعات مذهبية وطائفية وعرقية تذكرنا ببدايات القرن.استخلاصاً نستطيع التأكيد بأن القوميات والمذهبيات إن لم تصل إلى درجة الإشباع الذاتي لـ”أناها” ببعدها العرقي والمذهبي، لن تركن إلى أي مبرر لتعطيل فاعليتها لتحقيق هذا التواجد بغض النظر عن لغتها وأسلوبها في التعبير إن كانت سلمية أو عنفية..وما يثير المخاوف أكثر وهذا ما بدا واضحاً لدى الكثير من الكتاب والمثقفين، والسياسيين وخاصة في الآونة الاخيرة هو تبطين الغايات السياسية من خلال تشويه المقاصد المعرفية للمنظومات الفكرية التي بدت جلية وواضحة في الآونة الأخيرة.إن كانت العمليات الإرهابية أو العسكرية أو المقاومة “بغض النظر عن تسميتها” قد زادت من وتيرتها في الآونة الأخيرة، فالسبب لن يعود مطلقاً إلى الديمقراطية كمنظومة إن كانت توافقية أو للأكثرية..وإن كان الوضع اللبناني قد تأزم ليصل إلى حدود المحاور في كسر العظم ما بين مشروعين “قد نتفق على تسميتها أو نختلف” إنما بالتأكيد لم تكن بسبب علمانية الدولة اللبنانية التي ترتكز أصلاً على التقسيم التوافقي.
والتجربة العراقية ظاهرة للعيان..
فمن يقوم على إجهاض الديمقراطية في العراق؟، بالتأكيد هم تلك القوى التي سوقت مهامها مع نهجها الأيديولوجي..القومي والإسلامي..وإلا فما السبب في أن تكون التجربة الكوردستانية في الإقليم ناجحة وهي بحالة تراكمية اطراداً مع ديمقراطيتها الوليدة مع الغزو الأمريكي للعراق لتصل إلى درجة من الإنماء الاقتصادي وصلت إلى حد طلب اليد العاملة من الخارج..في حين نراها بحالة من التدهور في باقي المناطق من العراق؟!!.
الفرق واضح وجليّ إن كنا نود القراءة الموضوعية للأحداث والتي تتوضح مع الوجود للقوى المؤمنة بالديمقراطية في كردستان، رغم حداثة تجربتها وما تحمله من هنات وأخطاء…وبالتاكيد ليسو بلصوص ولا قطاع طرق.إنما هم قوى مؤمنة بالديمقراطية و تسعى إلى تبني منظومتها القيمية والأخلاقية ببعديها الاجتماعي السياسي والاقتصادي، في حين لا نرى من هو مؤمن بهذه الديمقراطية لا نهجاً ولا فكراً في ما تبقى من أجزاء العراق.
وبقليل من الجرأة نستطيع القول ما تبقى في الكثير من دول الشرق الأوسط.
ما نود الوصول إليه هو أن الديمقراطية بحاجة إلى قوى مؤمنة بها كمنظومة متكاملة، غير مبسترة ولا مفتعلة بفكر أقل ما يمكن أن يقال عنه إقصائي، وهنا نلتفت إلى الحالة السورية:
بداية لا بد لنا من النظر إلى القوى التي تدعي أنها منتسبة إلى قوى الرفض “بتلاوينها، العربية منها والكردية” وتسعى إلى التغيير الديمقراطي.
والتي تتلخص بمشاربها الفكرية من منابع الفكر الماركسي أو القومي الانعزالي أو الإسلامي،أو المهادن للسلطة، هذه القوى لم تكن أصلا ولا في أي فترة من فترات تواجدها إلا في الضد من الفكر الديمقراطي ولكل منهما مبررها الأيديولوجي.
لذا نراها تتخبط حتى هذه اللحظة ما بين فكرها وما بين مهامها الوطنية “التغييرية” الملقاة على عاتقها.
إن مشكلة قوى الرفض السورية لم تتخلص بعد من منظومتها القيمية الأيديولوجية، ولا من قراءتها السيوأمنية..
وإلا ما السبب من وراء …كل هذا التشنج في تحديد المعايير لطبيعة التغيير المرتقب على حد تعبيرها؟!!.
والمثل الكردي في سوريا خير دليل.
بغض النظر إن كان الأكراد يمثلون 10% أو 15% أو 3% الموقف لا يتخذ على النسبة العددية للمجموع العام،إذا لم نأخذ في الاعتبار ملايين المستعربين ممن يشكلون الخلفية الوطنية الفاعلة, وكذلك لا يهم إن كان الأكراد يمثلون القومية الثانية أو القومية العاشرة، أيضاً الخلاف لا يكمن في تراتيبيتهم ضمن دائرة القوميات في الوطن السوري بحدود سايكس بيكو.
كما إن الإشكال الكردي لم ينحصر بخصوصيته السورية على أنه موضوعاً للمجردين والخلاف لا يكمن على أنهم مجردون أم مكتومون، أم فاقدون للجنسية.
كان ماركس “يتفحص” أممية الإنكليز من خلال موقفهم من القضية الايرلندية، ولا ضرر لو أننا تفحصنا صدقية ـ الديمقراطيين ـ في سوريا من خلال نظرتهم إلى قضاياهم العالقة وتحديداً المسألة القومية في سوريا.
مازال القوميون في سوريا ينظرون إلى القضايا القومية علىأنها قضايا مفتعلة، وكذلك الإسلاميون الذين يبيحون الخصوصيات العرقية على أساس مذهبي وطائفي، أما الماركسيون واليساريون بالعام “رغم تحفظاتنا” فإن الحال لم تكن أكثر من الحل الستاليني لمسألة القوميات في بعده البراغماتي.
أم أصحاب القراءة الامنوسياسية فلهم مالهم من حسابات…
هنا يكمن الإشكال في سوريا، لا وجود لقوى مؤمنة بالديمقراطية في البلاد لهذه اللحظة، لذا لا حلول ديمقراطية للإشكالات العالقة مجتمعياً بمستوياتها السياسية الاجتماعية والاقتصادية التنموية.
وهنا تكمن رؤية قوى الرفض للتغير الديمقراطي في البلاد “كما يحلو لهم أن يسموها” بأنها ترفض الممارسات القمعية للنظام دون أن ترى في نفسها البديل.
وهنا يكمن جوهر الخلاف في الفهم إلى الديمقراطية هل باتت مطلبأ وضرورة إنقاذية لحل كل الإشكالات العالقة في البلاد، أم أن الديمقراطية محصورة ببعدها الديماغوجي لتحسين شروط بقائها كقوى للرفض فقط.
مع حق حفاظها على نهجها وفكرها ان كان قومياً أو يسارياً أو اسلامياً أوبتبنيهم للقراءة السيوامنية.
ومابين هذين الفيصلين تكمن حقيقة الديمقراطية الأكثرية أو الديمقراطية التوافقية.
———–
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا – العدد (328) آب 2008