كركوك والمأزق الكردي

  بقلم: فؤاد عليكو

يشهد المتتبع للمشهد السياسي العراقي اليوم تقدما ملموسا قد تحقق على الصعيد الامني، إذ خفت حدة الهجمات الارهابية الإنتحارية وتقلصت مساحة التحرك الجغرافي للقوى الظلامية، يقابله تقدم إيجابي على الصعيد السياسي والاقتصادي وإنفتاح العديد من الدول العربية على النظام الجديد من خلال فتح سفاراتها في بغداد وكذلك الزيارات الدبلوماسية المتبادلة وعلى مستويات مختلفة وإبرام إتفاقيات تجارية طويلة المدى بينها وبين العديد من الدول العربية والاقليمية في مجال النفط والمياه وغيرهما.
في ظل هذه الاجواء المتفائلة نتفاجأ بقرار البرمان العراقي بافتعاله مشكلة كركوك واصداره القرار رقم (24) المتعلق بانتخاب المجالس المحلية في المحافظات وتخصيص المحاصصة غير الموضوعية لمحافظة كركوك إرضاء للتركمان والعرب على حساب الكرد وكثافتهم السكانية ضاربا عرض الحائط بالمخالفة الدستورية  للمادة (140) من الدستور العراقي المتعلق بمعالجة قضية كركوك، ورافضا في الوقت نفسه اقتراحات البرلمانيين الكرد الداعية الى التهدئة واعطاء المزيد من الوقت للمناقشة والاستشارات السياسية بين مختلف الكتل السياسية  والبرلمانية  وعدم التسرع في طرح القانون للتصويت، لأن من شأن ذلك تعقيد المشكلة بدلا من حلها وما يترتب عليه من تداعيات سياسية وأمنية، الجميع بغنى عنها اليوم.

لكن كل هذه المحاولات والاقتراحات الكردية المرنة قوبلت بالرفض التام، فطرح الموضوع على التصويت وانسحب البرلمانيون الكرد من الجلسة، الى جانب اختلاق مشكلة وجود البيشمركة في محافظة ديالى والطلب منها الانسحاب الفوري من المنطقة تحت ذريعة انتفاء الحاجة لوجودها، كل ذلك يدفع بالمراقب السياسي للمشهد العراقي الى الاعتقاد بان ثمة لعبة غير شريفة تمارس بحق الكرد قد تصل الى حد المؤامرة.

وليس مستبعدا أن يكون للقوى الاقليمية المهتمة بالشأن العراقي والكردي بشكل خاص دور فيها، وتحديدا تركيا وايران وسوريا، التي جاءت لقاءاتها على مستوى الرؤوساء في هذا التوقيت بالذات.

كما تزامنت زيارات القوى الشيعية العراقية الى طهران والسنية الى تركيا.

ويبدو في الأفق ان هناك محاولات حثيثة من قبل هذه القوى لتحقيق المصالحة بين الكتل الشيعية والسنية على حساب الكرد وما يترتب على ذلك من عزل الكرد وعدم افساح المجال امامهم للمطالبة بتطبيق المادة(140) وبالمناطق الكردية الأخرى خارج الدائرة  الجغرافية الحالية للاقليم، مثل خانقين وشنغال و…الخ.

وبالتالي حصر الاقليم في دائرة جغرافية ضيقة وفقيرة اقتصاديا لا تملك مقومات الاستمرار والنجاح، إضافة الى تقسيم المجتمع الكردي جغرافيا الى منطقتين داخل وخارج الاقليم وما يترتب على ذلك من تداعيات جيوسياسية على المدى البعيد.

وإذا ما تحقق مثل هذه المصالحة والتسوية بين هذه القوى وفق هذا السيناريو، فمن شأن ذلك اضعاف الدور الكردي في المشهد العراقي ووضعهم في زاوية سياسية ضيقة، تقل لديهم فرص المناورة السياسية المطلوبة، ناهيك عن الموقف المرن للقوى الدولية والاقليمية الداعمة لاستقرار العراق تجاه هذه التوجهات.

لا بل ان معظم القوى الاقليمية سوف تضغط بقوة على القوى الدولية وتحديدا امريكا للحؤول دون ممارستها الضغط على القوى العربية لصالح الكرد، وليس مستبعدا أن تتصرف امريكا وحلفاؤها بإيجابية مع هذه القوى حرصا منهاعلى مصالحها التي قد تتضررعراقيا واقليميا إذا ما وقفت الى جانب الكرد في هذه القضية.

كما يجب ان لا يغيب عن بالنا تقريرعضوي مجلس الشيوخ الامريكي بيكر- هاملتون بهذا الصدد، واذا ما تحقق ذلك وسارت الأمور في هذا الاتجاه السلبي كرديا فمن شأن ذلك وضع القوى الكردية أمام معادلة سياسية غير متكافئة إقليميا ودوليا.

وفي إطارهذه الرؤية يطرح السؤال نفسه، كيف الخروج من هكذا معادلة سلبية؟

 الجواب يكمن في المقولة الكردية القائلة (لا أصدقاء لنا سوى الجبال )، والتي يمكن تعديلها وتأويلها بأن (لابديل عن الاعتماد على الذات كردستانيا)، وبتعبير أدق، على القوى الكردستانية العراقية أن تعيد النظر في مجمل سياساتها مع دول الجوار والتخلي عن المفهوم القطري في التعامل مع هذه الدول، وتستثمر طاقات الشعب الكردي في الاجزاء الاخرى وفي الخارج.

فكردستان التي تناهز مساحتها نصف مليون كيلو مترامربع، تشكل بقعة جغرافية مترابطة، يعيش عليها حوالي خمسون مليون كردي، وما على القوى الكردستانية إلا ان تستثمر هذا الواقع الجيوسياسي الهام، وذلك بالبدء وبشكل جدي ببناء علاقات تضامن وتكامل مع القوى الكردستانية في الاجزاء الاخرى ودعوة جميع المنظمات الكردستانية ومن جميع الاجزاء، الى عقد مؤتمر كردستاني وفي العاصمة هولير نفسها، تنبثق عنه هيئة سياسية كوردستانية تشخص الواقع السياسي لكل جزء وتحدد مطالبها وفق هذا التشخيص وترسم آلية للتعاون المشترك.

وبتعبير آخر، على القوى الكردستانية العراقية ان توسع دائرة الصراع الكردستاني مع دول الجوار وتعتمد على طاقات (50) مليون كردي بدلا من خمسة ملايين لتضع القوى الدولية والاقليمية امام المعادلة الحيوية والحقيقية للمنطقة فتدرك بذلك أن لا مجال لاستقرار الشرق الاوسط والبحث عن مشاريع استراتيجية في المنطقة دون حل القضية الكردستانية، خاصة وأن الجغرافية الكردستانية تملك الكثير من المقومات الآساسية لاقتصاد المنطقة (النفط –المياه).

وعندها فقط تستطيع القيادة السياسية  في كردستان العراق أن تتعامل من موقع الند للند مع القوى الاقليمية، وخاصة دول الجوار التي تقتسم كردستان.

وإن لم تستثمر هذه القيادة العمق الكردستاني بشكل أفضل، سيبقى التدخل الخارجي في شؤون الاقليم مستمرا وتبقى التجربة الفدرالية مهددة و تستمر سياسة قضم جغرافية كردستان لتغدو بالتدريج هيكلا هشا ويصبح الانقضاض عليها ووأدها سهلا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…