الإنسان الكوردي بين الانتماء للقومية الكوردية والولاء للوطنية السورية

 

جان كورد

سببان من الأسباب دفعاني فجر هذا اليوم لكتابة هذا المقال، أولهما : الذكرى (49) لتأسيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني – سوريا في 14/6/1957 ، والآخر: البيان الختامي الصادر عن “جبهة الخلاص الوطني في سورية”….
هذه الذكرى عزيزة على قلوب الكورد جميعاً ، وبخاصة أبناء وبنات كوردستان سوريا (غرب كوردستان)، الذين يقفون هذه الأيام بإجلال واحترام للرعيل الأول الذي أسس حزباً ديموقراطياً كوردستانياً – سورياً ، وهو يدرك عظمة المهام وثقل الواجبات التي عليه حملها، وهي ذكرى اليوم الوحيد الذي توحدوا فيه جميعاً تحت سقف واحد، وأعلنوا عن انتمائهم الجماعي للقومية الكوردية في سابقة سياسية هامة وكذلك عن  ولائهم لسوريا كوطن مشترك بينهم وبين غيرهم من مكونات مجتمعه الفسيفسائي…

الكورد – كما تحكي كتب التاريخ الإسلامي – ليسوا غرباء أو أجانب متسللين إلى هذه الديار، كما زعم البعثيون وأمثالهم ولايزالون يجترون ذلك العلف السخيف حول محاولات الكورد لاغتصاب الشمال السوري، فهم أصحاب دول وممالك حكمت مدن دمشق وحلب وحماه وحمص وجعبر وحارم ومعرة النعمان والرقة، وهم من طلائع الذين دافعوا عنها في وجه الصليبيين والخوارزميين والمغول، وكذلك في وجه الفرنسيين والانجليز، وسالت دماؤهم الزكية على هضاب الجولان وأرض فلسطين ولبنان ومختلف أنحاء سوريا….

ومنهم رجال ونساء عظام من أمثال السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي  والملكة الرائعة الصيت ضيفة خاتون والملك العادل ووزير الدفاع الشهيد يوسف العظمة وقائد الثورة المظفرة إبراهيم هنانو والفدائيان الكبيران أحمد بارافي ومحو شاشو، وغيرهما من أبطال الجهاد والكفاح التحرري السوري….

في الرابع عشر من حزيران 1957 قال الكورد كلمتهم الموحدة: “نحن لنا حق الوحدة والحرية والاستقلال كأمة كوردية ، ولكن أيادينا ممدودة لكل السوريين لنعيش مع بعضنا بعضا كأسرة واحدة على أساس الاحترام المتبادل والاعتراف بنا كقومية أساسية في البلاد، لها من الحقوق والواجبات كغيرها من مكونات المجتمع السوري، وليس كمجرد مواطنين يطالبون بهوية شخصية مكتوب عليها : عربي سوري”… ودفاع الدكتور نورالدين زازا ، أول رئيس للحزب، أمام محكمة أمن الدولة العليا، في هذا الصدد آنذاك، منشور في أماكن عدة، يمكن العودة إليه للتأكد من أن نهج  بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا لايزال كما كان، وهو نهج يعتز بالانتماء للقومية الكوردية ولايقلل البتة من الولاء للوطنية السورية من أجل استمرار التعايش التاريخي الطويل الأمد بين الأمتين العربي والكوردية….

السبب الآخر لكتابة هذا المقال هو – كما ذكرت – صدور بيان جبهة الخلاص الوطني في سورية.

فجبهة الخلاص تتحدث عن شعب كوردي في سورية وعن مظالم تعرّض لها هذا الشعب في ظل دولة البعث ويدعو إلى حل قضيته على أساس أن الكورد كغيرهم من المواطنين السوريين، لا أكثر ولا أقل…وبعد أن يدعو البعث المجرم ذاته إلى المشاركة في هذه الجبهة التي ترمي إلى خلاص الشعب السوري من ظلم البعثيين …

التناقض هنا واضح وضوح الشمس ، كما كان “إعلان دمشق” ناقصاً تمام النقص…
فالشعب الكوردي الذي له حق تقرير المصير دولياً لكونه “شعباً” موجود ومظلوم  ولكن تنحصر حقوقه في رفع المظالم عنه ومنح الذين سلبوا الجنسية منهم جنسيتهم العربية السورية في سوريا العربية التي هي جزء من الأمة العربية وعلى الكورد أن يعملوا من أجل توحيد هذه الأمة بالتخلي عن وحدتهم القومية ووطنهم كوردستان….
نعم مقابل حق “المواطنة” عليهم أن يتخلوا عن انتمائهم القومي الكوردستاني تخلياً تاماً… ومن سيمنحهم هذا الحق؟ طبعاً جبهة الخلاص الوطني التي ستقوى
وتشتد بالبعثيين الذين هم في موقع الحكم…

لايخفى على أحد أن كل إنسان على وجه الأرض يعتز بقومه ووطنه ، ويزداد فخراً بما يقدمه أبناء وبنات وطنه من خدمات جليلة للإنسانية ومساهمات في الحضارة
العالمية، وكم تكون فرحة الإنسان كبيرة عندما يفوز فريقه الوطني في مباراة رياضية أو سباق للدراجات أوالخيول أوالجمال أو حتى على مستوى مسابقات الكلاب
والحمير..

نعم إنها كلاب وطنه وحمير وطنه وهو يعتز بها… وهذا حق طبيعي من الحقوق الإنسانية التي لا تحتاج إلى نقاش، إلا أن الإنسان الكوردي محروم من هذا الحق، ووطنه “كوردستان” جمرة من النار يحملها في صدره لأن أعداء الإنسانية من طغاة وعنصريين ومستبدين ، ومنهم البعثيون ومن على شاكلتهم، لا يعترفون بوجود هذا الوطن أصلاً ويعتبرون أي محاولة للافصاح عن حب الكوردي لوطنه “جريمة أوخيانة عظمى” بحق ما يدّعون أنه خاص بهم دون سواهم لايحق للكوردي منازعتهم عليه.

وهكذا نشأ وضع مزدوج المرأى، أو عملة ذات وجهين، على وجهها الأول سمات كوردستانية واضحة وعلى الطرف الآخر سمات وطن آخر أرغم الكوردي منذ طفولته، في المدرسة والمسجد والحزب على تعلم الولاء والانتماء له…

وببساطة: الفرنسي وطنه فرنسا، الهندي وطنه الهند، اليوياني وطنه اليونان، أما الكوردي فله وطنان: وطن حقيقي محفور في وجدانه وأعماقه وامتزج بدمه : كوردستان، ووطن واقعي تمت تربيته قسراً على الولاء له… فهناك حقيقة وهناك واقع، الواقع يمكن تغييره ، كما حدث في كوردستان العراق بعد إسقاط نظام البعث المجرم ، حيث لم يعد هناك تناقض بين الحقيقة والواقع، ولكن الحقيقة لايمكن تغييرها وتبقى حقيقة رغم ركام الواقع الرهيب.

ومع الأسف فإن “جبهة الخلاص الوطني في سورية” كمن يخفي جمرات النار تحت السجادة الجميلة، لاتريد الحديث عنها أو التطرق إليها بصراحة وموضوعية..

فماذا سيحدث إذا ما تعرّضت سورية الأسد إلى هزة بدن ؟ هل سيبقى الواقع الكوردي كما هو الآن؟ لماذا نبحث عن أنصاف حلول ونخفي رؤوسنا في الرمال؟ …

القضية الكوردية في سوريا كما هي في تركيا وإيران والعراق قضية أمّة تعرّضت للتجزئة والانقسام، والحركة الوطنية الكوردية منقسمة انقساماً كبيراً حول مسألة
الانتماء القومي الكوردستاني والولاء الواقعي للوطنية المنبثقة عن التجزئة، وفي غرب كوردستان : الاقليم الكوردي الخاضع للدولة السورية منذ اتفاقية سايكس –
بيكو “الاستعمارية” عام 1916 نجد هذا الانقسام في أجلى صوره، فهناك أحزاب تسمي نفسها بال”الكوردستاني” وهناك أحزاب تتهرب من هذه التسمية وتمنح “الوطنية السورية” مساحة أوسع من “الانتماء القومي الكوردستاني” في أدبياتها… ولكن هذا الوضع لن يدوم..

ومعلوم أن نسبة تزيد عن ال 90% من شعب كوردستان العراق كان مع الانفصال” عن العراق حسب آخر استفتاء حول الموضوع..

ترى ما رأي الشعب الكوردي في كوردستان سوريا حول السؤال نفسه؟

برأيي أن يعقد مؤتمر وطني سوري واسع حول القضية الكوردية التي هي في آخر المطاف قضية سورية تهم المعارضة قبل أن تهم النظام… وعلى المعارضة أن تقوم بجهود مضنية في سبيل جمع عدد أكبر من مثقفي الشعبين العربي السوري والكوردي السوري ، إضافة إلى زعماء الأحزاب وخبراء القانون الدولي وتطرح هذه القضية لمناقشات علمية وسياسية لأن في مناقشة هذه القضية منفعة عامة لكل أبناء سورية وللشعب الكوردي على وجه الخصوص.

يجب بحث جذور هذه المشكلة، تطوراتها، وضعها الحالي في عصر العولمة وعلى ضوء المستجدات في المنطقة على أرض الواقع، والبحث عن حل واقعي وعملي وعلمي لهذه القضية التي فشل البعث في القضاء عليها عن طريق سياسة التعريب والاقصاء والتهجير والتشتيت والانكار، كما فشلت المعارضة الديموقراطية والوطنية السورية في وضع حلول صحيحة لها، سواء في “إعلان دمشق” أوفي “البيان الختامي لجبهة الخلاص الوطني”…لابد أن تكون هناك نقاط اتفاق واضحة تجمع بين أنصار الانتماء القومي الكوردستاني والداعين إلى تذويب القضية الكوردية في “الوطنية السورية”، كما أن هناك نقاط اختلاف لايمكن تجاوزها في أي حال من الأحوال، فهذه
قضية شعب ، ولاتحل قضايا الشعوب بجرة قلم أو بمجرد صدور إعلان كإعلان دمشق، فالقضية الفلسطينية أمام عيوننا ، تكاد تطفو على بحر من الدماء…

ولنحمد الله على أن الكورد في سوريا لم يختاروا الطريق الدامي حتى الآن… وهذا ما يسهّل عمل المخلصين من أجل إيجاد حل عادل لهذه القضية…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…