التقرير السياسي الشهري لحزب الوحدة (يكيتي)

   تؤكد تطورات الأحداث بأن الصراع الأخير في القفقاس يؤشر لمرحلة جديدة عنوانها الأنسب هو أن سياسة القطب الواحد تشرف على نهاياتها، وتتخطى دوافع هذا الصراع ونتائجه حدود هذه المنطقة من العالم، وإذا كانت جورجيا قد استغلت انشغال العالم بمجموعة قضايا لتعلن ضم إقليم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا مراهنة في ذلك على ضعف خبرة الرئيس الروسي الجديد، وعلى عدم تخلص روسيا بعد من عقدة حربها في أفغانستان
فإن روسيا التي قد تكون استدرجت الرئيس الجيورجي الذي خاض الانتخابات الرئاسية على أساس التعهد باسترجاع هذين الإقليمين، إلى هذا الفخ، وجدت في طموحات جورجيا الساعية لعضوية الحلف الأطلسي فرصة لتصفية حساباتها الدولية مع كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي خاصة بعد دعمهما لاستقلال كوسوفو من جانب واحد ونشر نظام الدرع الصاروخي في بولونيا، إضافة لمشاريع توسيع حلف الناتو شرقاً، وهي- أي روسيا – ترى في إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ليستا فقط معبرين لخط (باكو- تبليسي- جيهان) على البحر المتوسط، الذي يضخ مليون برميل من النفط يومياً باتجاه الغرب، بل تتطلع كذلك إلى تحويلهما إلى قواعد عسكرية روسية لمواجهة ما تراه من اقتراب خطر الحلف الأطلسي من حدودها وإحاطتها بحزام من الدول، ابتداء من دول البلطيق وأوكرانيا وانتهاء بجورجيا وأفغانستان، إضافة إلى أن موسكو ترى أن الظروف باتت مناسبة لاستعادة دورها بعد تقويض الدور الأمريكي وبروز مراكز قوى جديدة تحتل روسيا بينها مكانة هامة في السياسة الدولية بعد أن استردت موقعها التجاري، كما ترى أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية يشل قدرة أميركا على القيام بدور فعال في السياسة الدولية، مما يحدث فراغاً يحرك الكثير من القضايا ويدفع العديد من القوى الدولية والحكومات لسدّه، على غرار ما يقوم به الاتحاد الأوروبي الذي تدخل من خلال الرئيس ساركوزي الذي تترأس بلاده الإتحاد، من أجل وقف إطلاق النار في جورجيا والتوصل إلى اتفاق لسحب القوات الجورجية من أوسيتيا، والقوات الروسية من جورجيا..

لكن الصراع لم ينته عند هذا الحد ولا يزال موضوع الإقليمين المذكورين يتأرجح بين شد وجذب يتراوح بين رغبتهما في الانفصال وبين الرغبة الروسية في ضمهما إلى الإتحاد الروسي، في حين تلملم جورجيا جراحها من جراء الانتقام العسكري الروسي .
  وفي أجزاء أخرى من المنطقة تتحرك بعض الأحداث باتجاه محاولات استثمار هذه المرحلة التي تتراجع فيها فعالية الدور الأمريكي المشغول بالانتخابات القادمة، حيث أقدم العسكر مرة أخرى على قلب نظام الحكم المنتخب ديمقراطياً في موريتانيا، كما أقدم النظام الإيراني على تكريس احتلاله للجزر الإماراتية المحتلة، وتستغل دول الجوار العراقي (تركيا – إيران – سوريا) هذا الوضع لتعيد إحياء محورها المعروف بمعاداته للطموحات الكردية وللعملية السياسية في العراق، وعرقلة جهود المصالحة الوطنية، والانطلاق من قضية كركوك لتكون منطلقاً لصراع جديد يحل محل الفتنة الطائفية التي باتت تقترب من نهاياتها، وباتت الجهات المعادية لمصلحة العراق تنفخ في شرارات الصراع القومي التي تنطلق من مسألة كركوك خاصة بعد التفاهمات التي جمعت بعض الكتل السياسية مع النظامين الإيراني والتركي وتجسدت في القانون 24 الذي يساوي الكرد مع التركمان والعرب بنسبة 32% لكل منهم في مجلس المحافظة تمهيداً للانقلاب على المادة 140 من الدستور العراقي، بما فيها من استحقاقات تبدأ بالتطبيع ثم بالإحصاء وتنتهي بالاستفتاء لتقرير هوية المدينة… ورغم أن الجانب الكردي يؤكد دائماً على أن كركوك، حتى في حال ضمها لإقليم كردستان، ستبقى مدينة عراقية ورمزاً للتعايش القومي وأن المكان الأمثل لحل قضية التركمان القومية هو كردستان، فإن التدخل الإقليمي يزيد من تعقيدات هذه القضية لتظل مشروعاً لدورة جديدة من العنف والاقتتال على حساب مصلحة العراق واستقراره .
  أما لبنان، فإنه يمر بمرحلة اختبار عملي لجدية اتفاق الدوحة واستحقاقاتها، ورغم أن الكثير من جوانب الأزمة اللبنانية تخضع للحسابات السياسية الإقليمية، فإن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتوصل إلى بيان وزاري، تمكنا من التأسيس لمرحلة جديدة رغم بقاء العديد من قضايا الخلاف دون حل، وخاصة موضوع سلاح حزب الله الذي يخل بمبدأ تكافؤ الفرص خاصة في الانتخابات القادمة، ومن بين التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة صياغة العلاقات السورية اللبنانية على أسس جديدة ومدى قدرة رئيس الجمهورية الجديد على تصحيح تلك العلاقات وتنفيذ القرارات الدولية التي تنظّمها، ومنها ترسيم الحدود بين البلدين لترمز إلى حدود التدخل السوري في الشأن الداخلي اللبناني، وتحديد خصوصية المسار اللبناني لتحرير مزارع شبعا، وخاصة بعد أن كادت المفاوضات على المسار السوري أن تنتقل إلى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل، وهو ما يعني أن مشاكل المنطقة تقترب من الانفراج وأن هناك تحولاً في الموقع السوري على خريطتها السياسة، ويستدل على ذلك ببعض الملاحظات ومنها الارتباك الذي يشهده التحالف الإيراني السوري الذي يستند كل طرف فيه إلى خلفية تختلف عن الأخرى، فالجانب السوري يسعى إلى استثمار أوراقه الإقليمية لتحقيق إنجازات يتخذ منها نقاط انطلاق لمساومة الغرب على فك العزلة وتمييع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، وكذلك الضغط على إسرائيل لإجراء مفاوضات سلام من شأنها استعادة الجولان والعودة من جديد إلى دائرة الاهتمام العربي الرسمي، في حين ترى إيران في تلك الإنجازات فتح أبواب الصراع مع الغرب على مصراعيه في محاولة للبحث عن دور إقليمي والحصول على مكاسب في الملفات الخلافية وخاصة الملف النووي..

ويمكن تلمس هذا التباين بين الحليفين من تطور العلاقات السورية مع الإتحاد الأوروبي وإحياء المفاوضات حول الشراكة المتوسطية، وكذلك انتعاش العلاقات السورية التركية لترتقي إلى مستوى التحالف، والتوصل إلى العديد من الاتفاقات ومنها: منع الازدواج الضريبي بين الجانبين وتشجيع الاستثمارات والتعاون الجمركي وتطبيق اتفاق التجارة الحرة والتوقيع على مذكرة تفاهم تضمنت الاتفاق على قضايا عديدة سياسية وأمنية واقتصادية وأخرى تتعلق بالطاقة والمياه … وبالعودة إلى موضوع التحول في الموقف السوري، يبدو أن ثمة أسباباً عدة تقف وراء رغبة السلطة السورية في الانتقال من التشدد الى محادثات السلام مع إسرائيل والى سياسة أكثر اعتدالاً، منها ما تتعلق بالضغوط الناجمة عن المحكمة الدولية، وعن ثقل العزلة العربية والدولية، فضلاً عن العقوبات المفروضة .

والأهم من ذلك هو شعور هذه السلطة بالحاجة في هذه المرحلة الى سياسة خارجية أكثر مرونة  لمواجهة التحديات المتنوعة الآنفة الذكر ، إضافة لتحديات أخرى تتمثل بوجود كثافة في عدد السكان بلغت ٢٠ مليون نسمة، واقتصاد راكد، وغلاء فاحش للمواد الاستهلاكية وأسعار مرتفعة للوقود، وتراجع للموارد النفطية.

ويجمع المراقبون على أن هذا التحول في السياسة السورية يعتبر أحد انجازات الخرق الأوروبي- بضوء أخضر أمريكي- لجبهة الممانعة التي تقودها إيران، ذلك الخرق الذي بدأ باتفاقية الدوحة التي نجحت في إخراج الأزمة اللبنانية من عنق الزجاجة، مروراً باتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية، وصولاً إلى هذه المفاوضات السورية الإسرائيلية، التي قد تكون لها تداعيات مهمة للغاية من شأنها أن تدفع أيضاً لبنان في النهاية إلى توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، كما سيكون لها تأثير جدي على المحادثات الإسرائيلية ـ الفلسطينية.

لكن هذه المفاوضات تتطلب بالمقابل في الداخل ترتيبات خاصة لتحسين الشروط التفاوضية السورية لكي تستند إلى جبهة وطنية واسعة، كما تتطلب إلغاء حالة الطوارئ التي يفترض أنها طبقت أصلاً من أجل مواجهة الخطر الخارجي والاعتداءات الإسرائيلية، والبدء بحوار وطني عام لبناء موقف موحد حول إشكاليات وتحديات التسوية..

لكن ما يجري على الأرض هو أن الاعتقالات تتواصل وتتسع في ظل الحديث عن المفاوضات في استانبول بوساطة تركيا تجاوزت العديد من الحواجز، وأن (12) كادراً من إعلان دمشق يقفون أمام المحكمة الجنائية بتهم ملفقة لا تعني سوى الإصرار على قمع أي رأي معارض، وأن إضافة أسماء جديدة إلى قائمة المعتقلين أصبح أمراً شائعاً بما في ذلك المعتقلين الكرد، ومنهم الأستاذ محمد موسى والمهندس مشعل التمو..

ومن جهة أخرى فإن الاعتقاد السائد الآن هو أن سوريا بدأت تواجه استحقاقات اقتصادية واجتماعية لا يمكن حلها إلا من خلال كسر حزام المقاطعة وإنهاء العقوبات، وأن التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يعتبر خياراً اقتصادياً بقدر ما هو استراتيجي، فالاحتياطي النفطي آخذ بالتراجع، وقد تتحول سوريا خلال عامين إلى بلد مستورد للنفط، كما أن الميزانية التجارية ازدادت عجزاً في السنة الأخيرة، إضافة إلى أن السلام وما يجلبه من استقرار سوف يسمح بقدوم استثمارات جديدة وتكنولوجيا متقدمة قد تساعد على معالجة الأزمة الاقتصادية وتساهم في تخفيف أعباء المعيشة التي تثقل كاهل المواطنين السوريين وتزيد من نسبة الفقراء.
   أما في الداخل الوطني الكردي فإن الأزمة المعاشية تأخذ أشكالاً إضافية حيث يتعاون الجفاف الذي عم المواسم الزراعية مع سياسة الإهمال المتعمد للمناطق الكردية التي تضم مختلف المستلزمات الضرورية لاقتصاد متكامل من مواد أولية زراعية وحيوانية وبترول وثروات معدنية إضافة إلى اليد العاملة المتوفرة والرخيصة التي تضطر للهجرة إلى الخارج وإلى ضواحي دمشق للعمل في البناء والخدمات بأعداد كبيرة..

ونتيجة للبطالة والحرمان من التعليم بين المهاجرين، فإن هذا الموضوع يثير القلق والمخاوف من جراء تبعاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخطيرة .

خاصة في هذه الظروف التي يشهد فيها المجتمع السوري عموماً والكردي خصوصاً، احتقانات بدأت تنتج خطاباً لامسؤولاً وشعارات قومية تفتقد النضج والواقعية ، ولعل العامل الأول والرئيسي وراء هذا الاحتقان هو استمرار إمعان السلطة في القمع  وتجاهل الوجود والحقوق الكردية، بما في ذلك أبسط حقوق المواطنة ، أما العامل الآخر فهو القصور الواضح الذي لا يزال يميّز أداء المعارضة الوطنية السورية في تناولها للقضية الكردية.
  وعلى الصعيد السياسي الكردي فإن الحركة الكردية تمر بحالة من الارتباك والتوتر نتيجة أزمة التحالف وانعكاساتها الضارة، ونتيجة للأجواء المشحونة بالمهاترات التي أساءت للثقة المتبادلة المطلوبة بين الأطراف المعنية، كشرط أساسي لأي عمل كردي مشترك..

وقد عملنا قدر المستطاع على عدم الانجرار لهذا السلوك الخاطئ وسوف نعمل من جانبنا على صيانة التحالف الممكن من خلال المحافظة على تجربة المجلس العام للتحالف وتطويرها وتوسيع قاعدتها والإكثار من مجالسها المحلية، كما سنعمل على تهيئة الظروف الملائمة لعقد مؤتمر وطني كردي تنبثق عنه المرجعية الكردية المنشودة.
في 27/8/2008م 
اللجنة السياسية

 لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا( يكيتي)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…