د.آزاد أحمد علي*
ورد في كتاب “تاريخ حلب الطبيعي” للأخوين راسل، وصفٌ نموذجيّ لطريقة معاملة الأكراد في ولاية حلب أواسط القرن الثامن عشر.
وكشفَ الطبيبان، دون قصد،عن معاناتهم في ظلّ الإمبراطورية العثمانيّة،و تمظهر اضطهادهم بوضوح في شكل الأحكام والعقوبات، وخاصة طريقة إعدامهم المروّعة بالخازوق: ((إن حكم الإعدام المعهود هو الشنق، وقطع الرأس، والخنق والخوزقة.
وفي هذا العقاب الأخير، يرغم المجرم المنكود، عندما يقاد لتنفيذ الحكم فيه، إلى حمل الخازوق بنفسه في بعض الأحيان.
وينحصر ذلك بشكل رئيسي بالأكراد.
ورد في كتاب “تاريخ حلب الطبيعي” للأخوين راسل، وصفٌ نموذجيّ لطريقة معاملة الأكراد في ولاية حلب أواسط القرن الثامن عشر.
وكشفَ الطبيبان، دون قصد،عن معاناتهم في ظلّ الإمبراطورية العثمانيّة،و تمظهر اضطهادهم بوضوح في شكل الأحكام والعقوبات، وخاصة طريقة إعدامهم المروّعة بالخازوق: ((إن حكم الإعدام المعهود هو الشنق، وقطع الرأس، والخنق والخوزقة.
وفي هذا العقاب الأخير، يرغم المجرم المنكود، عندما يقاد لتنفيذ الحكم فيه، إلى حمل الخازوق بنفسه في بعض الأحيان.
وينحصر ذلك بشكل رئيسي بالأكراد.
وغالبا ما ينفذ هذا الحكم الباشا، خلال سيره عبر الأقاليم، وهو يدعي حق تنفيذ الإعدام بصورة عاجلة، شأنه شأن الضباط العسكريين، بهدف زرع الرعب في نفوس الناس.
ويتركون الجسد معلقاً على جانب الطريق العام.
وقلما يرى ذلك في حلب، رغم أن الناس تذكر جيداً حسين باشا، الذي خوزق منذ بضع سنوات عشرين كردياً مرة واحدة في مكان قريب من المدينة.
وبقي عدد منهم أحياء عدة ساعات وهم على الخازوق، ولا يعرف كم من الوقت بقوا أحياء.
وقد تم الحصول على إذن لوضع حد لتعذيبهم بإطلاق النار عليهم.
إلا أنه لم يسمح بإنزال أجسادهم، لكي يثير مشهدهم الرعب والاشمئزاز.
وكان من عادة الباشا، عندما كان يسافر، أن يحمل معه عدداً من المذنبين الذين سبق إدانتهم، ويخوزقهم واحداً تلو الآخر عند كل مرحلة.
ويتركهم لكي تلتهمهم الطيور الجارحة، لأن الخازوق مرتفع بحيث لا تتمكن الحيوانات البرية من الوصول إلى الأجساد.
وقد أكسبته ممارسته المتكررة لهذا الضرب من العقاب لقب الخازوقجي.)) انتهى النص ـ تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر، الكسندر وباتريك راسل، ترجمة: خالد الجبيلي.
حلب 1999 ـ ص226
من الصعب تصديق كل ما ورد في هذا النص ما لم يدوّن في كتاب موثق لطبيبين وعالمين أوربيين عاشا مطولاً في مدينة حلب، أواسط القرن الثامن عشر، كما لا يمكن الارتكاز إلى الرواية ما لم يستشف من قراءة الكتاب الكثير من الموضوعيّة والنزعة العلميّة في تناول مواضيع أخرى طبيعيّة وطبيّة وجغرافيّة متنوّعة.
تثير، أول ما تثير، هذه الوثيقة الأسى والحزن والدهشة لما قد تعرّض له إنسان المنطقة من مظالم وفظائع وصلت ذروة الاستبداد والقسوة.
القسوة في طريقة الحكم لدرجة ترويع البشر.
مظالمٌ تتجاوز الخيال، ومآسي لم يصلنا سوى القليل من أخبارها وآثارها.
وما يسبب الحزن أيضاً أن ثقافة العنف والقسوة في الحكم لم تذبل جذورها الاجتماعيّة بعدُ، بل تسرّبت إلى حاضرنا، وأول ما تسربت إلى السلطات التركيّة الحاكمة في حقبٍ لاحقة للحدث الموصوف، وإن بصيغ ملطّفة ومخفّفة.
كما يشير هذا النص ـ الوثيقة بوضوح إلى المظالم والقسوة التي تعرّض لها الأكراد في المنطقة منذ أمدٍ بعيد، لدرجة أن خصّتهم السلطات العثمانيّة (كمجموعة أثنية ـ اجتماعية) حصراً بأبشع وأقسى عقوبة عُرفت في تاريخ استبداد ومظالم البشريّة على الإطلاق، وهي عقوبة القتل بالخازوق: أي بواسطة إدخال قضيب معدنيّ ثخين حاد الذروة في مؤخرة الإنسان والضغط عليه بقوة حتى يخرج القضيب من فمه أومن كتفه أو من رأسه.
القضيب المعدني يعرف بالخازوق، والعملية البشعة تعرف بالخوزقة.
إن قراءة متأنيّة للعديد من أحداث المنطقة تؤكد على أن الماضي السياسيّ يؤثر على حاضرنا، وأن فعل التاريخ السياسيّ راهنٌ وثقيل الحضور.
فاستمرار التعامل بعنف مع الشأن الكرديّ ، مؤشرٌ على الحضور الفاعل للماضي الاستبداديّ للحكم التركيّ والامتداد بظلاله المرعبة إلى اليوم.
وإن اختفت عقوبة الإعدام بالخازوق، إلا أنّ شبح الخوازيق التي تعلوها الأجساد البشريّة الحيّة، في انتظار أن تنهشها الطيور الجارحة، لم يغِب عن الثقافة السياسيّة والعسكريّة التركيّة المعاصرة طوال السنوات الماضيّة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفارق الزمنيّ والتطور الموضوعيّ الحاصل في نُظُم الحكم وتقدم المجتمعات، تبقى السلطات التركيّة الوريث الشرعيّ ،غير الوحيد، لتراث القسوة هذا، المستخدم في اضطهاد شعوب المنطقة، وفي مقدمتهم الأكراد.
والمفارقة الفكرية والأخلاقيّة تكمن اليوم في الرهان على ورثة والي حلب حسين باشا الخازوقجي، بوصفهم النموذج الديمقراطيّ والمعتدل.
فقد أصبح باشاوات الحاضر موضع إعجاب عدد غير قليل من المثقفين والمفكرين الباحثين عن نموذج (يُقتدى) به في المنطقة.
لا بل ارتقى الإعجاب إلى سوية عالية من الثقة، لدرجة توكيلهم لحل قضايا كبرى مثل الجولان المحتل، والإشراف على عملية السلام في المحور السوري _ الإسرائيلي دون غيرها من الدول.
إن مباركة بعض الأوساط الأوربية والأمريكية وخاصة إدارة بوش لورثة ثقافة الاستبداد الرئيسيين، ودعمها الصريح للسلطات التركية وتشجيعها بكافة الوسائل للحرب على الأكراد، الذين هم موضوعيّاً وَرَثَة ضحايا الخازوق، والتعامي عن ثقافة الاستبداد المتوارثة والمتوارية في تلافيف أغلب أنظمة الحكم في المنطقة يثير أكثر من تساؤل.
فما هي المقاييس المعتمدة في توصيف وتحديد الضحية والجلاد بين أبناء شعوب المنطقة؟ وما هي المعايير الفعليّة للدفاع عن حقوق الإنسان، وهل يمكن في سياق الدفاع عن الحريات والديمقراطية صرف النظر عن تراث العنف والاستبداد العثماني المتسرّب إلى الثقافة السياسية التركية المعاصرة بصيغة أو بأخرى.؟!
وما يؤسف عليه حقاً أن الرئيس بوش عندما زار فلسطين مطلع هذا العام وسار بعملية استعراضيّة على درب المسيح المخلّص، مستحضراً صورة السيد المسيح، عليه السلام، وهو يحمل صليبه لتخليص أبناء المنطقة والبشرية من الظلم والعنف، لم يكن يدرك مدى تجذّر ثقافة الاستبداد في المنطقة، وعلى الأرجح لا يعرف الكثير عن تاريخ معاناة شعوبها، ولم يعلم يوماً أن الكثير من أبناء شعوب المنطقة حملوا طوال قرون خازوقهم، وساروا بصبر لمواجهة وتغيير ثقافة الاستبداد القائمة، وناضلوا بتفانٍ للخلاص من الاستبداد وجور الحكام، ومازالوا يدفعون ثمن مواقفهم وحرمانهم.
لكن على ما يبدو وفي سياق إدعاء الدفاع عن الحريات العامة، وإعادة دمقرطة المنطقة لا يعرف أيضاً العديد من الحكام في الغرب أنهم يسعون من وقت لآخر للتحالف مع ممثلي الاستبداد في المنطقة على حساب معاناة ومستقبل أبناء شعوبها المقهورين منذ عصر الخازوق وإلى زمن القنابل العنقودية.
ويتركون الجسد معلقاً على جانب الطريق العام.
وقلما يرى ذلك في حلب، رغم أن الناس تذكر جيداً حسين باشا، الذي خوزق منذ بضع سنوات عشرين كردياً مرة واحدة في مكان قريب من المدينة.
وبقي عدد منهم أحياء عدة ساعات وهم على الخازوق، ولا يعرف كم من الوقت بقوا أحياء.
وقد تم الحصول على إذن لوضع حد لتعذيبهم بإطلاق النار عليهم.
إلا أنه لم يسمح بإنزال أجسادهم، لكي يثير مشهدهم الرعب والاشمئزاز.
وكان من عادة الباشا، عندما كان يسافر، أن يحمل معه عدداً من المذنبين الذين سبق إدانتهم، ويخوزقهم واحداً تلو الآخر عند كل مرحلة.
ويتركهم لكي تلتهمهم الطيور الجارحة، لأن الخازوق مرتفع بحيث لا تتمكن الحيوانات البرية من الوصول إلى الأجساد.
وقد أكسبته ممارسته المتكررة لهذا الضرب من العقاب لقب الخازوقجي.)) انتهى النص ـ تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر، الكسندر وباتريك راسل، ترجمة: خالد الجبيلي.
حلب 1999 ـ ص226
من الصعب تصديق كل ما ورد في هذا النص ما لم يدوّن في كتاب موثق لطبيبين وعالمين أوربيين عاشا مطولاً في مدينة حلب، أواسط القرن الثامن عشر، كما لا يمكن الارتكاز إلى الرواية ما لم يستشف من قراءة الكتاب الكثير من الموضوعيّة والنزعة العلميّة في تناول مواضيع أخرى طبيعيّة وطبيّة وجغرافيّة متنوّعة.
تثير، أول ما تثير، هذه الوثيقة الأسى والحزن والدهشة لما قد تعرّض له إنسان المنطقة من مظالم وفظائع وصلت ذروة الاستبداد والقسوة.
القسوة في طريقة الحكم لدرجة ترويع البشر.
مظالمٌ تتجاوز الخيال، ومآسي لم يصلنا سوى القليل من أخبارها وآثارها.
وما يسبب الحزن أيضاً أن ثقافة العنف والقسوة في الحكم لم تذبل جذورها الاجتماعيّة بعدُ، بل تسرّبت إلى حاضرنا، وأول ما تسربت إلى السلطات التركيّة الحاكمة في حقبٍ لاحقة للحدث الموصوف، وإن بصيغ ملطّفة ومخفّفة.
كما يشير هذا النص ـ الوثيقة بوضوح إلى المظالم والقسوة التي تعرّض لها الأكراد في المنطقة منذ أمدٍ بعيد، لدرجة أن خصّتهم السلطات العثمانيّة (كمجموعة أثنية ـ اجتماعية) حصراً بأبشع وأقسى عقوبة عُرفت في تاريخ استبداد ومظالم البشريّة على الإطلاق، وهي عقوبة القتل بالخازوق: أي بواسطة إدخال قضيب معدنيّ ثخين حاد الذروة في مؤخرة الإنسان والضغط عليه بقوة حتى يخرج القضيب من فمه أومن كتفه أو من رأسه.
القضيب المعدني يعرف بالخازوق، والعملية البشعة تعرف بالخوزقة.
إن قراءة متأنيّة للعديد من أحداث المنطقة تؤكد على أن الماضي السياسيّ يؤثر على حاضرنا، وأن فعل التاريخ السياسيّ راهنٌ وثقيل الحضور.
فاستمرار التعامل بعنف مع الشأن الكرديّ ، مؤشرٌ على الحضور الفاعل للماضي الاستبداديّ للحكم التركيّ والامتداد بظلاله المرعبة إلى اليوم.
وإن اختفت عقوبة الإعدام بالخازوق، إلا أنّ شبح الخوازيق التي تعلوها الأجساد البشريّة الحيّة، في انتظار أن تنهشها الطيور الجارحة، لم يغِب عن الثقافة السياسيّة والعسكريّة التركيّة المعاصرة طوال السنوات الماضيّة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفارق الزمنيّ والتطور الموضوعيّ الحاصل في نُظُم الحكم وتقدم المجتمعات، تبقى السلطات التركيّة الوريث الشرعيّ ،غير الوحيد، لتراث القسوة هذا، المستخدم في اضطهاد شعوب المنطقة، وفي مقدمتهم الأكراد.
والمفارقة الفكرية والأخلاقيّة تكمن اليوم في الرهان على ورثة والي حلب حسين باشا الخازوقجي، بوصفهم النموذج الديمقراطيّ والمعتدل.
فقد أصبح باشاوات الحاضر موضع إعجاب عدد غير قليل من المثقفين والمفكرين الباحثين عن نموذج (يُقتدى) به في المنطقة.
لا بل ارتقى الإعجاب إلى سوية عالية من الثقة، لدرجة توكيلهم لحل قضايا كبرى مثل الجولان المحتل، والإشراف على عملية السلام في المحور السوري _ الإسرائيلي دون غيرها من الدول.
إن مباركة بعض الأوساط الأوربية والأمريكية وخاصة إدارة بوش لورثة ثقافة الاستبداد الرئيسيين، ودعمها الصريح للسلطات التركية وتشجيعها بكافة الوسائل للحرب على الأكراد، الذين هم موضوعيّاً وَرَثَة ضحايا الخازوق، والتعامي عن ثقافة الاستبداد المتوارثة والمتوارية في تلافيف أغلب أنظمة الحكم في المنطقة يثير أكثر من تساؤل.
فما هي المقاييس المعتمدة في توصيف وتحديد الضحية والجلاد بين أبناء شعوب المنطقة؟ وما هي المعايير الفعليّة للدفاع عن حقوق الإنسان، وهل يمكن في سياق الدفاع عن الحريات والديمقراطية صرف النظر عن تراث العنف والاستبداد العثماني المتسرّب إلى الثقافة السياسية التركية المعاصرة بصيغة أو بأخرى.؟!
وما يؤسف عليه حقاً أن الرئيس بوش عندما زار فلسطين مطلع هذا العام وسار بعملية استعراضيّة على درب المسيح المخلّص، مستحضراً صورة السيد المسيح، عليه السلام، وهو يحمل صليبه لتخليص أبناء المنطقة والبشرية من الظلم والعنف، لم يكن يدرك مدى تجذّر ثقافة الاستبداد في المنطقة، وعلى الأرجح لا يعرف الكثير عن تاريخ معاناة شعوبها، ولم يعلم يوماً أن الكثير من أبناء شعوب المنطقة حملوا طوال قرون خازوقهم، وساروا بصبر لمواجهة وتغيير ثقافة الاستبداد القائمة، وناضلوا بتفانٍ للخلاص من الاستبداد وجور الحكام، ومازالوا يدفعون ثمن مواقفهم وحرمانهم.
لكن على ما يبدو وفي سياق إدعاء الدفاع عن الحريات العامة، وإعادة دمقرطة المنطقة لا يعرف أيضاً العديد من الحكام في الغرب أنهم يسعون من وقت لآخر للتحالف مع ممثلي الاستبداد في المنطقة على حساب معاناة ومستقبل أبناء شعوبها المقهورين منذ عصر الخازوق وإلى زمن القنابل العنقودية.
- كاتب كردي من سوريا
- pesar@hotmail.com