Shengo76@hotmail.com
“إن الذي لا يعلم بوجودي لا يُعَدُّ مسيئًا إليَّ.
ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي ويعلن اعترافه بي، ثم ينسب إليَّ الشرور والنقائص”
عبدالله القصيمي
هذه الأيَّام، يُكثِرُ مثقفونا الأفاضل، في مستهِّل مقالاتهم، بالاعتذار من القرَّاء.
ولا شكَّ، إن الاعتذار من شيم الكرام، إنْ كان صادقاً وصميميَّاًَ.
ولكلٍّ، دواعيه ومبرراته ومسوِّغاته من الاعتذار، آناء بدئه بالكتابة، والتعبير عن الرأي، وجعله للاعتذار ناصيةً أو عتبةً لإقدامه على فعلٍ ثقافيّ معرفيّ، في سياق عمليَّة الكتابة، إذ يُخامرُ الكاتبُ شكٌّ بأنَّه فعله هذا، قد يثير التباساً لدى القارئ، أو لا يرضيه، أو قد يتحفَّظ عليه.
لكن، ما بات في حكم المفروغ منه، إنَّ الغالبيَّة العظمى، ممن يستهلُّون مقالاتهم بالاعتذار من القرَّاء، لا نراهم، وهم يختتمونها، إلاَّ وهم قابعين في الدرك الأسفل من الذمِّ والطعن والشتمِ والمهاترة والمزايدة…، التي من المفترض أن مثقفينا، قد سعوا حثيثاً إلى نأي أنسفهم عنها!.
وقلَّة قليلةٌ جداً، ممن يمكن أن ينطبق على اعتذارهم، فحوى ومغزى وعمق ونُبل الاعتذار.
كتب الأخ العزيز بدرخان علي، ردَّاً على ردِّي، بمقال: حمل عنوانين، الأول، عنوان رئيس، هو : (أيُّ دورٍ للمثقّف في الشّأن العام؟ “هوامشٌ وإضافات”).
والثاني، فرعيٌ، هو: “عن
الكتابة السياسيّة الكرديّة ولُغة التفكير”، جاعلاً العنوان الفرعي، مرتكز الحلقة الأولى، في عمليَّة سبره أو غوصه في حيثيات وتفاصيل ومغزى دور المثقف الكردي، واهتمامه بالشأن العام.
وآمل أن يُبعدني الأخ الكاتب، وطريقةَ اهتمامي بالشأن العامّ، وطريقة نقدي لواقع الحال المزريَّة للشأن الكردي السوري، وكيفيَّة ردِّي على من اختلف معه في الرأي…، آمل منه أن يبعدني عن مقاييسه في جسّ النبض، وقياس الحرارة، والتشخيص والتحليل…، وليتسع صدره الكريم، لقول ما يلي:
ما أن انهى الكاتب العزيز اعتذاره للقارئ، وخشيته أن يُكثر الحديث، باستخدام ضمير الرفع المنفصل، للمفرد المتكلَّم، “أنا”، ظاهراً أو مستتراً، على اعتبار أن استخدام هذا الضمير من قبل البعض، هو إيثارٌ للذات على الآخر، ومدحٌ للذات، وانتقاصٌ من شأن الآخر، (حسبما، استُشِفَّ من اعتذاره)، ما أن انتهى من هذا، حتى باشر ردَّه عليَّ بالقول: “وددتُ لو أنّ الأخ الكاتب “هوشنك أوسي” لم يفهم ما ذهبتُ إليه في مقالي” أفكارٌ أوليّة في المسألة الكرديّة في سوريا وأزمة الحركة السياسيّة” بمثابة ردٍ شخصيّ عليه.
ولهذا السبب أعزو عجزَ الزميل الناقد، في ردّه على مقالي، عن تتبّع المقال كنصٍ متكامل ورؤية سياسية واحدة متناسقة، كما أزعم، لا فقراتٍ متناثرة رأى فيها الأخ هوشنك، من غير وجه حقّ، أنها مليئة بالتناقضات”.
سأحاول أن أصدِّق بأنَّ الكاتب العزيز، لم يكن في وارد النيَّة بردِّ انتقادات كاتب هذه السطور عن أحزابه التليدة والعتيدة والمتوالدة، أثناء كتابته لمقاله المُشار إليه أعلاه: “أفكار أوَّليَّة في …”، وإن هذا المقال، لم يكن ردَّاً شخصيَّاً عليَّ، وهو الذي يذكر: “والمقال لم يكن ردّاً على ما كتبه هو، قبلاً، إلا في عدّة نقاط محدّدة”.!!.
يا صديقي؛ قد تبدو لبعضِ “البناة” أنَّ عمارتهم الكتابيَّة سياسيَّاً أو معرفيَّاً أو فكريَّاً، شديدة الاتساق، وفي غاية الانسجام والترابط والتناغم والترتيب…، وإنَّ عمارته تلك، مسبوكةً سبكاً متيناً، ومحبوكةً حبكاً مكيناً، ومشيّدةً تشييداً رزيناً، من الخارج، وأثناء نظرهِ إليها بشكل كامل، إذ قد يزيغ شدَّة الانبهار بها، بصرهُ وبصيرتهُ عن رؤية الكثير من مثالبها ومعاطبها.
لأنه، وعلى ما يبدو، قد وظَّف فيها عصارة جهده الثقافي والمعرفي والسياسي واللغويّ، حتَّى خرج بتلك العمارة التي تتلألأ أمام ناظريه، ولا يخامره أدنى شكّ بأنَّ الخلل أو الضعف والارتباك أو التضاد…، قد يأتيها من أيّ جنبٍ من جوانبها، أو من أيَّة ثغرة فيها!.
ولكن، إنْ بدأت بتقطيع هذه العمارة، والتمعُّن في كلِّ مقطعٍ على حدا، ستجد منسوب الوهم في قراءتك الكلِّيَّة الظاهريَّة لهذه العمارة “النصّ”.
وعليه، قد تبدو لنا السفينة، وهي تطفو على سطح البحر، بأنها في كامل هيئتها السليمة الجاهزة للإبحار، لكن، حين التدقيق في تفاصيل تفاصيلها بشيءٍ من التعمُّق، قد يكتشف المرء بأنَّ السفر على هذه السفينة، هو ضربٌ من اشتهاء الهلاك، أو الدفع صوبه.
وبالنتيجة، لا لازلت عند كلِّ حرفٍ، في ردِّي على مقالك الأول.
وأثناء تقطيعه له، والردِّ عليه، حرصتُ إيَّما حصر، بألاَّ أؤذي فكرتك.
وقد توَّقفت عند النقطة والفاصلة التي حددتها، لمسار عباراتك وجملك، وفقرات نصِّك.
وإن كان هنالك أيَّ أذى لأفكارك التي أوردتها في مقالك ذاك، كان الأجدى بك الإشارة إليها، بدلاً من الإشارة إلى “عجزي عن الردّ عليك”، وربط سبب هذا العجز، بتفكيكي لمقالك السالف، والردّ عليه، فقرةً فقرة، ومقاربة الأفكار الواردة في الفقرات ببعضها، وكشف التناقض والتضاد الحاصل بينها!.
ولا أنفي أنني حرصتُ على تتبُّعكَ في مقالك السالف، خطوةً خطوة، وفكرةً فكرة، وفقرةً فقرة…، يعني، “عالدعسة”، كما يقال في العامّيَّة، قدر استطاعتي.
ويستكمل الأخ بدرخان كلامه بالقول: “… ومن حيث القناعة الشخصية والاستقامة الأدبية وابتغاء الجدوى، لكل ذلك أرفض الكتابة والكلام في أيّ شأن أكون حديثَ العَهد به أو لمجرد الرّد والسّجال الظرفيّ العابر.
وفي الواقع كنتُ بصدد كتابة مقال لمجلة “الحوار” لملفّها القادم- قيد الإعداد- بخصوص الحركة الكردية في سوريا بعد انقضاء خمسين عاماً على انطلاقتها التنظيمية ومرور خمسة عشر عاماً على صدور مجلة “الحوار” بنفس الوقت.
وجاءت مقالات الكاتب هوشنك، التي أغرق بها المواقع الالكترونية حول الموضوع ذاته (وكان بإمكانه تخصيص عدّة مقالات أو محاور وتكثيف “أفكاره” دون افتعال وانفعال وصخب وضجيج ودعاية وإعلان)، جاءت مقالاته تلك لتحفّزني على بعض الإضافات والتلميح لوجهته الخاطئة في النقد دون التصريح بالاسم، ومن دون إساءاتٍ شخصيّة بالتأكيد، وهو قد ردّ الكلام بأحسنِ منه، فله مني كثير الامتنان، رغم بعض اللكَمَات الخفيفة هنا وهناك التي لن تُفسد للودّ قضيّة”.
يا عزيزي..
أيَّة لكمات، وأيَّة ركلات، وأيَّة ضربات جزاء، وأيّ تسلل لمعترك الكتابة حول شؤون وشجون الحركة الحزبيَّة الكرديَّة السوريَّة، وأيَّة دعاية وأيُّ إعلان…، بالله عليك!!؟.
وفي هذه الفقرة أيضاً، ثمَّة تناقض مع الفقرة السابقة التي ينفي فيها الأخ بدرخان أنَّه، لم يتقصَّد الردَّ الشخصي عليَّ، إذ يذكر بأنَّه لم يصرح باسمي، وموحياً بأنَّه كتب مقاله، لردِّي عن الظلم الذي اقترفته بحقِّ نفسي، وبحقِّ الحركة الحزبيَّة، بـ”الأخذ على يدي”، (وفق القاعدة الشرعيَّة)، وردِّي عن “الوجهة الخاطئة” التي اخترتها لنفسي، وإعادتي إلى جادة صوابه وصواب عبقريَّة حركته الحزبيَّة، مشكوراً محمودا!!؟.
وليسمح الأستاذ بدرخان بالتوقُّف فقط عند مسألة “الاستقامة الأدبيَّة” التي أشار بأنَّه يتحلَّى بها.
وأنا واثقٌ من هذه الاستقامة، إلاَّ أنَّها، وللأسف، قد شابها، عطلٌ صغير جداً، وهو، تنويهه في أسفل مقاله “أفكار أوَّليَّة في المسألة الكرديَّة…” بأن المقال، هو خاص لملَّف مجلَّة “الحوار” العزيرة، وأنَّ كاتب المقال، استبق نشرها في الحوار، بنشرها في المواقع الالكترونيَّة، بداعي الفائدة…، ثم تفاجأت بنشر نفس المقالة في محلق نوافذ لجريدة المستقبل اللبنانيَّة، عدد 20/7/2008!، دون ذكر التنويه أن المقال هو للحوار!.
ثمَّ كرر الأستاذ بدرخان نفس التنويه في معرض ردِّه عليَّ أيضاً، بأن المقال كان لملّف “الحوار”، ولم يشر إلى نشر مقالته في “نوافذ”، قبل ردّ بدرخان عليَّ في مقاله الجديد: “أيّ دور للمثقف في الشأن العام…”!!؟.
وبحكم درايتي وتجربتي المتواضعة، (وليعذرني الأخ بدرخان من استحضار الـ”أنا” هنا)، اعتقد بأنَّ أيَّ كاتبٍ منَّا، إنْ طلبَ منه أيّ منبرٍ إعلاميّ صحفيّ، مادَّةً ما، ينبغي أن يبقى محافظاً على هذا الوعد، إن وعدها، وألاَّ يرسل هذه المادَّة للنشر في جهة أخرى، إلاَّ بعد نشرها في الجهة الأصل التي طلبت منه الاشتراك في ملفِّها.
أو أخذ الإذن منها.
والتحجج بتأخُّر طبع “الحوار”، لا تنقي الاستقامة الأدبيَّة لدى الكتاب بدرخان عليّ من تلك الشائبة الصغيرة جداً، التي لها دلالاتها في المهنيَّة الصحفيَّة والأدبيَّة، وما أنا بصدد ذكرها.
وليعذرني أيضاً الأخ بدرخان، فأن كنتُ في هيئة تحرير “الحوار”، لسحبتُ هذه المادة من النشر، لفقدانها صلاحيتها الصحفيَّة، بعد نشرها في المواقع الكرديَّة، من ثمَّ في المستقبل اللبنانيَّة.
ولما في ذلك، من إساءة لـ”الحوار”، من لدن كاتبٍ ينتمي لنفس الحزب الذي يرعى طبع ونشر وتوزيع هذه المجلَّة!.
وأعتقد أن الأخ الأستاذ د.
آزاد علي، يقرأ الآن هذه الأسطر.
وغالبُ الظنِّ أن الأوان قد فات، لأن الحوار، تكون الآن، قد طُبِعتْ ووصلتْ لأيدي قرَّائها الأعزَّاء.
وقد أخذت مقالة الأستاذ بدرخان، المكررة النشر، مساحة واسعة من “الحوار”، لكِبر حجمها، قياساً بحجم “الحوار”!.
ويقول العزيز بدرخان: “وبسبب عدم تناول الصديق الناقد أوسي للنصّ كوحدة متكاملة نراه يوجه إلينا سؤالاً في غاية الإحراج عن أزمة الحركة الكردية من بداية ردّه:” وهل هي أزمة حوار؟ أم أزمة خطاب؟ أزمة قيادة؟ أم أزمة تنظيم؟ أم أزمة مجتمع؟ أم أزمة وعي؟.
أم كل ذاك، مجتمعاً؟ أم ماذا؟” وذلك لأني لم أحدّد طابع الأزمة في عنوان المقال!.
وكأن مقالتي تدور عن شيء آخر غير تحليل أزمة الحركة نفسها؟ (بالإضافة لأزمة نقدها وشَطَط النقاد) وأدّعي، في هذا السياق، أني خرجت بتصور مركّب لأبعاد الأزمة ولم اكتفي بالمقولات الجاهزة التي تُقال بهذا الخصوص.
وعملتُ على ردّ أزمة الأحزاب إلى سياق أزمة أعرض وأشمل من مشكلة قيادة وأفراد وإراداتهم وشجاعتهم أو خوفهم.
فهذا التّساؤل من الأخ الناقد لا يوجه إليّ.
ويُستَحسن أن يحتفظ الأخ السائل بالسؤال لنفسه فهو، ونحن أيضاً، بأمسّ الحاجة إليه.
علّه يفيد أمته وشعبه عندما يَفرغُ من النظر إلى الأزمة على أنها نتاج إرادات سيئة وجبانة وحسب.
وكفى الله المثقفينَ الكرد عناءَ التفكير والتواضع والانسجام مع النفس.
وسؤاله ذاك إن دلّ على شيء فهو يدّل على قراءة غير جيّدة للنص كما قُلت (والقراءة الجيّدة أفضل بكثير من الكتابة السيئة وأكثر “إمتاعاً ومؤانسة” كذلك).
وحبذا لو عاد الأخ الناقد إلى المقال من دون حزازاتٍ شخصيّة”.
أيَّة حزازيات شخصيَّة؟! وبين مَنْ ومَنْ؟!.
وإنْ كنتَ تقصد بين هوشنك أوسي وبدرخان علي، فأنا لم ألتقي بشخصكم الكريم في حياتي، أو قد تكون الصدفة جمعتنا في مكانٍ ما، دون أن يدور بيننا تعارف.
وأقرأ لكم، ما تيسّر لي وصادفته.
وسبق لي أن أثنيت على الكثير من كتاباتك، وذكرت هذا للأخ الدكتور آزاد علي، وللأخ الدكتور م.ع.ع.
وكتبت لك شخصيَّاً قبل ما يقارب السنة، وأثنيت على كتاباتك، طالباً منك المشاركة في مجلَّة سورغول، التي أنا من محرريها.
وقد اعتذرتَ عن المشاركة، لضيق الوقت وكثرة المشاغل، وطلبت تأجيل المشاركة لأعداد أخرى من المجلَّة.
وعليه، أيَّة حزازيات أو “مزازيات” شخصيَّة بيني وبينك!!؟.
بالله عليك، عن أيَّ شيءٍ تتحدَّث!!؟.
والخشية أن يكون تفكيكي لنصِّه، والرَّد على فقراته، كلّ واحدةٍ على حدا، قد نال من السيّد بدرخان كلُّ ذلك الحنق والارتياب، ما جعله يعزو “جلّ الأخطاء” التي أوقعت نفسي فيها، إلى ذلك التفكيك، ولم أنظر إلى مقاله، ككتلة واحدة كاملة، حتَّى أكتشف بأنَّه، إيّ المقال، كاملُ الأوصاف، والاتساق والانسجام والمتانة الفكريَّة، والكياسة المعرفيَّة، لا يأتيه الشكُّ أو الخلط أو الخلل أو اللغط أو الغلط…، لا من أمامه، ولا من ورائه، لا من فوقه، ولا من تحته!.
والخشية أيضاً أن يكون الكاتب العزيز، قد نحى به الافتتانُ بمقاله ذاك، منحى افتتان نرسيس بصورته المنعكسة على صفحة الماء!.
والعائد لمقال “أفكار أوَّليَّة في المسألة الكرديَّة…” لن يألو جهداً في معرفة، بأنه ردٌّ للنقد على الحركة الحزبيَّة، و”نقدٌ” ناقض وطاعن لناقديها، وضرورة وضع كلّ هؤلاء النقَّاد في مختبرات تكشف للشعب الكردي السوري مدى صدقيَّة نواياهم ومراميهم وخفاياهم ونوازعهم الشريرة…، أكثر منه تحليل لأزمة هذه الحركة، وتشخيص “مركَّب” أو مبسَّط لها، وصولاً لوضع الحلول أو المخارج الناجعة لها.
وبمنتهى اللطف والعُرف والاستقامة الصحفيَّة والأدبيَّة، يقول الأخ بدرخان: “ويُستَحسن أن يحتفظ الأخ السائل بالسؤال لنفسه فهو، ونحن أيضاً، بأمسّ الحاجة إليه.
علّه يفيد أمته وشعبه عندما يَفرغُ من النظر إلى الأزمة على أنها نتاج إرادات سيئة وجبانة وحسب.
وكفى الله المثقفينَ الكرد عناءَ التفكير والتواضع والانسجام مع النفس”.
يا صاحبي؛ بعيداً من ردِّ السؤال إلى صاحبه، وجعل ذلك، مبتدأ خارطة طريق، لخدمة الأمَّة الكرديَّة والشعب الكردي في سورية، واقتراباً أكثر من الانسجام والتصالح مع الذات، وبمزيدٍ من التواضع، هل يُعقل أن يطالب أحد المشتغلين في الحقل الثقافي والصحفي، والمهتمِّ، أكثر منْ غيره بالشأن والهمِّ والغمِّ العامّ، حزبيَّاً ومثقفاً، هل يُعقل أن يطالب شخص بهذه المواصفات، أحد أترابه، الذين يقلُّون عنه شأناً واهتماماً وأمانة وحصافة، بأن “يحتفظ السائل بسؤاله لنفسه”، ثم يستدرك ويقول: “نحن أيضاً بحاجة لهذا السؤال”!؟.
كيف تطالب السائل بالاحتفاظ بسؤاله لنفسه، مع مع إقرارك بوجود الحاجة الماسَّة لديك ولدى غيرك إلى ذلك السؤال!؟.
إمَّا أن الأستاذ العزيز، في انسجام وتصالح تامٍ ما ذاته، لدرجة التضاد، أو أن الأخ الفاضل بدرخان، يتكلِّم كلاماً، يصعب على أمثالي فهمه.
وبالتأكيد، ليس ثمَّة ما يمكنْ أن يقارب الإلغاز الصوفي، فيما كتبه الأخ بدرخان، كأنَّها “يائيَّة” ابن الفارض، وليس ردِّي عليه بـ”الفتوح المكيَّة”، إذ حين كتب ابن عربي لابن الفارض عن مغزى ومعنى “يائيَّته”، ردَّ عليه ابن الفارض قائلاً، بما معناه: “إن عُدتَ للفتوح المكيَّة، ستعرف معنى قصيدتي”!.
فمقال السيّد بدرخان، واضح، وردِّي على مقاله ذاك، لا يقلُّ وضوحاً عنه.
وليعذرني مرَّة أخرى، الأخ والأستاذ بدرخان، برفضي لأن يكون أستاذي في تعلُّم أصول القراءة الأفقيَّة والعاموديَّة للنصّ، مع رغبتي الصادقة في أن يكون أستاذي في تعلُّم أصول وفنون الكتابة!.
وليس في هذا أيُّ انتقاصٍ من شخصه ومقامه الكريمين.
وعليه، أقبل ببدرخان، أستاذاً في الكتابة فقط، وليس في القراءة، حتَّى لو بدت له، قراءتي لمقالته، “سيّئة” للغاية!.
ولَعمري بأنَّه لكلٍّ منَّا حضوره، الثقافي والكتابي، باللغة الأم أو بلغة الجيران العرب، في الصحافة الكرديَّة والعربيَّة.
والأجدى، أن نترك للقارئ العزيز، وبقيَّة الزملاء من الكتَّاب والمثقفين، مسألة الفصل أو التفاضل بين كتاباتنا وقراءاتنا، من حيث الكمُّ والكيف والنوع.
ولنتحلَّى بقليل من التواضع، قبل أن نعطي دروساً في أصول الكتابة والقراءة، وأيُّهما أجود أو أسوأ.
فرغم كل الانتقادات التي وجهتها لمقالك السالف الذكر، لم أسمح لنفسي، ولن أسمح، تلميحاً أو تصريحاً، بأن أقول عن كتابتك وقراءتك أوصافاً من هذا القبيل.
أمَّا عن تمنِّيك لكاتب هذه السطور بأن أخدم أمتي وشعبي، وقولك “علَّه…”، وهذه أيضاً، أشكرك عليه، واتركها برسمك وبرسم حزبك الذي يعرفني، وبرسم بقيَّة طاقم فريق الحركة الحزبيَّة، مع الأحزاب الاحتياط، التي ننتظر تفقيسها، في موسم تفقيس الأحزاب الكرديَّة القادم!.
أنا أعرف كيف أخدم أمتي وشعبي، ومن الزاوية التي أراها مناسبة.
ومواقفي وآرائي واضحة، ولا أخجل منها.
ولن أطالب بشهادة حسن سلوك قومي ووطني من حركة حزبيَّة، أدمنت الطعن والتلف والميوعة، واستنفدت كل وسائل وأساليب وأشكال الانشقاق والتناحر على الإمارة الوهميَّة والمشيخة وقيادة القبيلة السياسيَّة.
ولا من زائفٍ دجَّالٍ عربيد في ديار الجرمان، لَعمري أنه من محازبيكم، إذ يستميتُ خائباً في إرفاقي بالنظام السوري، لمجرَّد أنني لست معتقلاً، شأني شأنك، على اعتبارك كاتب وناشط سياسي في حزب كردي، وشأن زعيم حزبه، وبقيَّة زعامات الحركة الحزبيَّة، التي مسموح لها أن تقود أحزاب كرديَّة “معارضة” للنظام، وتنشقُّ عن أحزاب، وتناحر أحزاب…، هذا المعشر، لا حرج على وجودهم طلقاء في دولة البعث والأمن، أمَّا كاتب هذه السطور، في محلُّ شبهة من قبل زائف مستعارٍ، عارٍ عن الخلق والوعي والكلام السديد!.
تصوِّر، أن يصل الحال بنا، أن يأخذ الحقيقيُّ والصريحُ مع نفسه وقومه وقضيته وكلمته، في ظلِّ دولة البعث، شهادة حسن سلوك ثقافي وطني وقومي، من شخصٍ زائف، يتمتمرس خلف اسمٍ مستعار، في بلادٍ، غير بلاده!.
تصوَّر أن مظلوم دوغان ومعصوم قورقماز وبيريتان وبيرفان وزيلان وساكنة جانسز ونورية كسبير وزخو اليوسف وهيفيدار شيار ونرجس إسماعيل وسما كرداغي وآلاف المناضلين والمناضلات، الذين قضوا حياتهم في السجون والمعتقلات وعلى قمم الجبال، دفاعاً عن الشعب الكردي وحقوقه، تصوِّر، أن يأخذوا شهادة حسن سلوك من دجَّال زائف، في أفضل أحواله، هو نكرة وطنيَّة وقوميَّة، ومن شخص آخر، بالكاد يمكنه فكُّ الضادِّ لفظاً، وليس تدويناً!!.
وليس ذنباً أن تكون طليقاً في دولة البعث، شأني شأنك، بل الذنب كلُّ الذنب، أن يكون البعث غائراً في سلوك ووعي المرء، حتَّى وهو خارج سورية!.
والعيب كلُّ العيب، أن يكون الكثير من قادة الحركة الحزبيَّة أشبه بالنسخ البعثيَّة، في أدائها مع بعضها، وفي تعاطيها مع نقَّادها!.
نعم، أزمة الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، هي تماماً، نتاج إراداتٍ سيّئة، وذهنيَّات أكثر سوءاً.
كيف تفسِّر لي انشقاق اسماعيل عمر عن البارتي، ويسمِّي حزبه الوليد بـ”الوحدة”!؟.
كيف تفسِّر لي البيان الأخير لجماعة فؤاد عليكو، إذ يصف اجتماع لجنته القياديَّة بأنها “عُقدت في جوٍّ ديمقراطي مميز”!، وهذا “الحزب”، هو عبارة عن ائتلاف المنشقِّين عن أحزابهم حول شيخهم عليكو، وقد أوشك عقد الشراكة بين معشر هؤلاء المنشقِّين الذين سمَّوا أنفسهم “يكيتي”، على الانفراط!؟.
كيف تفسِّر لي هذه الأجواء الموبوءة والمسمومة التي تخيّم على الحركة الحزبيَّة منذ سنة 1961 وحتَّى الآن، بمعيَّة قادتها الطاهرين النظيفين، ذوي الأيادي البيضاء، الذين وجدوا أنفسهم فجأةً، أمناءً عامِّين لـ99 حزب كردي سوري، بقدرةِ قادر، لمدد تتراوح بين 20 إلى 43 سنة!؟.
نعم، هي أزمة إرادات سيّئة وذهنيَّات أسوأ، إلى أن يثبت العكس.
وما يزيدُ في الطنبور نغماً، الجُبن والتخاذل الفاقع في أداء مثقفينا الأفاضل، وحصَّتهم الأكبر في هذه الأزمة، عبر عمليَّات الترقيع والمكياج والتجميل والتبرير…، إن همُ تكلَّموا، أو الصمت، إن همُ علموا!.
ويقول أستاذنا الفاضل بدرخان: “أما تساؤله الآخر:” هل ملفُّ معاناة الشعب الكردي في سورية، ينطبق عليه وصف؛ المسألة، أم المشكلة، أم القضيَّة!؟” فسؤالٌ وجيه ومفيد.
لكنه بدوره أخطأ الوجهة في طرحه.
إذ سبق لي أن توقفت عند المفاهيم تلك في مقالٍ سابق، أحسبُ أن الأخ هوشنك مطّلعٌ عليه مادام متابعاً لكتاباتي، القليلة المتواضعة، مشكوراً.
هنا، السؤال وجيه ومفيد، لكن بوجهة خاطئة!”.
لا عليك، أقبلها منك!.
وحين قلت: بأنني متابعك لكتاباتك، لا يعني هذا البتَّة، بأنَّني متابع لصيق لها، واستقصي كل سعلة أو وعطسة أو همسة صادرة من بدرخان علي.
بل أقرأ كل ما أصادفه.
وقد أقرأ مقالات لك، وتفوتني أخرى.
ولا يعني هذا أنني غير متابع.
وحول أيُّ المفاهيم ينطبق على الحال الكرديَّة السوريَّة، أهي مسألة أم مشكلة أم قضيَّة، يقول السيّد بدرخان: “
وكنت قد أثرتُ الموضوع في حينه لطرحه للنقاش السياسيّ والإيديولوجيّ.
لكن لا.
فـ”الأوساط” السياسية والثقافية الكردية لديها الكثير من القصص والحكايا و”السوالف” ما تضيّع وقتها به ، والوقتُ من ذهب يا صديقي.
و المقال المومأ إليه جاء بعنوان: “في إحداثيّات المشكلة الكرديّة في سوريا” وهو منشور في ملحق نوافذ الأسبوعي (المستقبل اللبنانية) بتاريخ 18 تشرين الثاني2007 ومن المفيد نقل ما يتعلق بتساؤل الكاتب أوسي:
(…خطاب يقولُ بوجود شأنٍ كرديّ أو حقوقٍ كرديّة أو مشكلةٍ كرديّة، أو قضيّةٍ كرديّة، أو مسألةٍ كرديّة في سوريّا!.
والتوصيفاتُ هذه جميعها، تنطبق على الحالة الكردية، برأييّ، تبعاً لزاوية النّظَر ومستوى الرؤية، والقرب والبعد: فهي شأنٌ سياسيّ و اجتماعيّ وثقافيّ، وثمّة حقوقٌ مهضومة لجماعةٍ مخصوصةٍ من المواطنين ينتمون لإثنية ـ قومية بعينها (تضاف لحقوقهم المستلبة كسائر مواطنيهم السوريين) وهي أيضاً مشكلةٌ ومصدر قلق لاستقرار النّظام السياسيّ والاجتماعيّ للدولة السوريّة لا السّلطة فحسب، الذي لا يعترف بتعدديّة أثنيّة وقوميّة، ويقولُ بالمجتمعِ العربيّ القوميّ الواحد المتجانس، وكذلك قضيّة شائكة ذات شحنة عاطفيّة وشعوريّة للقائلين بها، وأخيراً هي مسألةٌ سياسيّة وتاريخيّة، مُعقّدة ومُركّبة على مستوى المنطقة برمّتها وعابرة للحدود، كونها تخصّ قوميّة بعينها تبحثُ عن تحقّقها في شكلٍ أو معادلٍ سياسيٍ ما، يتداخل فيها التاريخي والجغرافي والسياسي والإقليمي والدولي، والواقع بالرمز والذاكرة والحاضر بالماضي، وهنا عقدة “الحلّ النهائيّ” وأسّاس المسألة التاريخية بنظري، بل وأصعب مستويّات المُقاربة أيضاً، ولَنْ أتعرضَّ لها في هذه السّطور…).-انتهى الاقتباس- وقد أضيفُ، ها هنا، أن سياق الكلام يفرض على المرء الاستعانة بمفهومٍ دون آخر.”
يا أستاذي، اقتباسك، جاء في غير محلَّه، ليزيد في ارتباك ردَّك، ارتباكاً، لجهة أنك تبنَّيت الشأن الكردي السوري في مقالك، المأخوذ منه الاقتباس على أنه مشكلة (في إحداثيّات المشكلة الكرديّة في سوريا)، وفي مقالك، موضوع النقاش، اخترت مفهوم المسألة لتوصيف الحال الكرديَّة السوريَّة (أفكار أوَّليَّة في المسألة الكرديَّة في سورية…)، الخاصّ بملفّ مجلَّة الحوار، والمنشور في ملحق نوافذ أيضاً.
وفهِمنا من الاقتباس، أن الشأن الكردي أو الحال الكرديَّة في سورية، تكتسب درجة المشكلة، لأنَّها “مصدر قلق لاستقرار النّظام السياسيّ والاجتماعيّ للدولة السوريّة لا السّلطة فحسب، الذي لا يعترف بتعدديّة أثنيّة وقوميّة…”.
إذن، هي مشكلة، من وجهة نظر الدولة، بالدرجة الأولى، والسلطة بالدرجة الثانيَّة.
فلماذا تتبناها أنت، لتختارها عنواناً لمقالك، الذي اقتبست منه تلك الفقرة المشار إليها أعلاه!؟.
وكان الأجدى بك، ككردي سوري، وناشط سياسي حزبي، أن تتبنِّى وجهة النظر التي ترى في الحال الكرديَّة بأنها مسألة، على اعتبارها الأكثر إنصافاً واتساقاً وانسجاماً مع وجهة نظرك، كما فعلت في مقالك “أفكار أوليَّة في المسألة…”.
خاصة، أننا فهمنا بأنك الأقرب إلى تصوُّر أنها مسألة وليست مشكلة!.
وحين أراد صاحبنا إضافة شيء لاقتباسه، فقد زاد في الطين بلَّة، إذ قال: “أن سياق الكلام يفرض على المرء الاستعانة بمفهومٍ دون آخر”.
وهنا، ينطبق على أستاذنا الفاضل، القول الدارج: “أرادَ تكحيلها، فأعماها”.
يا صاحبي، سياق الكلام يفرض على المرء، الاستعانة بمفهوم دون آخر، وليس عنوانه العريض الأبرز، الذي هو خلاصة الكلام أو المقال، ومدخله الوحيد، الذي ينبغي أن يختاره الكاتب بعناية وأناة.
فقد استخدمت مفهومين مختلفين مستقِّلين عن بعضيهما، لفظاً ودلالة، في عنواني مقاليك الذين تناولا نفس الشأن، وليس في سياق الكلام!.
فمرَّة ذكرتَ “مشكلة” ومرَّة “مسألة”!؟.
فأرسِ بنا على برٍّ، الله يرضى عليك.
فلو كان الأمر في سياق مقالة واحدةٍ، لمرَّقناها، ولكن، ظهر شيء آخر، هو اختيارك لمفهوم “المشكلة” في عنوان مقال آخر.
ومن يدري، لربما استخدمت مفهوم “قضيَّة” في عنوان مقالٍ ثالث!؟.
يا سيّدي، وأنت الأدرى منّي في التأنِّي، باستخدام المفاهيم.
وسياق الكلام، لا يفرض علينا، ولا يبرر لنا أن نطلق المفاهيم على الأمور والأحداث، كيفما اتفق.
ثم نبرر ذلك، بأن سياق الكلام، اقتضى على المرء كذا وكذا، لزوم التنويع والتجميل والزخرفة الطاردة للملل والكسل والشرود عن القارئ…!.
إن مسألة وصف الأحداث والأمور بمفاهيم معيَّنة دون غيرها، هي في الوقت عينه، إطلاق أحكام قيميَّة عليها.
فيرجى أخذ الحيطة والحذر، بخاصة أنك بدأت تناولك لـ”أي دور المثقف الكردي في الشأن العام”، والكتابة السياسيَّة وقضايا فكريَّة أخرى، آملاً لك النجاح في مسعاك.
وأمَّا قولك: “… بالنسبة لمواضيع شتّى لا موضوعنا هذا لوحده.
و بشكلٍ عام ولأسباب تعبيرية محضة قد يكون الانتقال من تعبير لآخر في النصّ عينه أكثر جمالاً وبهاءً ونفاذاً للذهن والذائقة الأدبية تفادياً لتكرار الكلمة ذاتها، الأمر الذي يبعث على الملل وكسل القارئ وشروده ربّما، أقلّه بالنسبة إليّ.
وهذا شأنٌ لغويّ “اكتشفته” بانطباعٍ ذاتيّ ولم أعثر على رأيّ لعلماء البلاغة والبيان في ذلك، بعدُ”.
وأعتقد، لن تجد مسنداً لرأيك هذا، لأنك لست بصدد كتابة موضوع أدبي، ذو صبغة إنشائيَّة، الإكثار من الزخرفة اللغويَّة، من شأنه الزيادة من جمال النصّ ورونقه.
ولا أنت معاصرٌ للحقبة الأمويَّة أو العباسيَّة وما تلاهما، حتَّى تكتب بلغة تراثيَّة عن شأنٍ سياسي معاصر!.
في الكتابة السياسيَّة، وأنتَ الأكثر دراية منِّي بها، ينبغي الحيطة والحذر، مخافة الإيقاع بالقارئ في شرك التشويش والالتباس، أثناء ضبط الأحداث بمفاهيم معيَّنة دون غيرها، وإطلاق اصطلاحات متعددة على أمرٍ أو حدثٍ معيَّن.
إذ يستحيل عليَّ أن أصفَ مأثرة الثاني عشر من آذار، بأنَّها “أحداث شغب ومؤامرة وفتنة وانتفاضة…” في آن.
أمَّا إنْ كان قصد الكاتب بالتنويع اللغوي، وتوظيف لغة الأدب في الكتابة السياسيَّة، فهذا ما أحبِّذه أيضاً، وأسعى إليه، دون المسّ بالمفاهيم، أثناء إطلاقها على الظواهر او الحالات أو الأحداث…الخ.
ويفاجئني الأخ بدرخان بالقول: “ثم من قالَ لك، لتقول لنا، أن” لكلٍّ من هذه الاصطلاحات في العلوم السياسيَّة، مدلولاتها ومضامينها”؟ ومتى كان بالأمر المهم والخطير أن نعود إلى كتب العلوم السياسية لنرى ضالتنا المنشودة فيها، أي اكتشاف مفاهيم بيئتنا و قياسها بمدى انطباقها أو عدم انطباقها على نموذج معياريّ دُرس في زمانٍ ومكانٍ ما مدّون في كتابٍ ما.
فالمثقف الحقيقيّ والباحث اليَقِظ يبتدع أسئلته السياسية والاجتماعية والثقافية بدلالة الواقع المتحرك والغني، لا بالنظريات الجاهزة – أياً كانت- فالنظرية رمادية اللون بينما شجرةُ الحياة دائمة الخضرة، على قولٍ معروف.
هذا إن أحسنّا فهمَ تلك النظريات في سياق صياغتها.
هذا إن كان ثمّة نظريات ثابتة في العلوم السياسية.
ويبقى للإطّلاع المكثّف على الكتب، والتجارب الأخرى، ضرورة وفائدة (ومتعة) جمّة لا جدال فيها و لا غنى عنها يكتشفها أي قارئ جيّد للنصوص مع مرور الزمن.
ثم أية “علوم سياسية” تلك التي اهتمت بالمسألة والمشكلة والقضية؟ وفوق ذلك “مدلولاتها ومضامينها”؟ أم أن الأمر هو مجرد حشو الكلمات الكبيرة كيفما اتفق وإنشاءٌ وإطنابٌ لغوي؟”.
أيضاً، لو كان هذا الكلام، صادر من شخص آخر، غير بدرخان علي، المثقَّف والسياسي الحزبي الكردي السوري، لكان وقعه أخفّ!!.
لأنَّ هذا الكلام، ما أقربهُ مجاورةً لما يكثُر العربان في الحديث عنه بالقول: واقعنا وواقعهم، وأفكارنا وأفكارهم، وقيمنا وقيمهم وتقاليدنا وتقاليدهم، أثناء حديثهم عن الديمقراطيَّة والانفتاح والتعدديَّة والليبراليَّة الموجودة في الغرب ونتاجه الحضاري، وقيم الحداثة هناك!.
نعم يا عزيزي، لكلِّ من هذه الاصطلاحات والمفاهيم، مدلولاتها ومضامينها.
بدليل مقالك، الذي أتيتني به كحجَّة عليَّ، فاتضح أن المقال صار حجَّة عليك!.
لو لم يكن ثمَّة اختلاف بين هذه المفاهيم، فلما استفضت في شرحها، وتوضيح زاوية انطباقها على الحال الكرديَّة السوريَّة، في مقال خاص، منشور في جريدة عربيَّة، ذات شأنٍ وصيت!.
وثمَّ أتيتني باقتباس، كقرينة “يعزز” موقفك في رأيك وردِّك عليَّ!.
ولا شكَّ أنَّ المثقف الحقيقي والباحث اليقظ الفطن، لا يملُّ العودة لكتب التاريخ والعلوم الإنسانيَّة، مهما كانت عتيقة، وتحوي على نظريات، ربما، أقول ربما، فات أوانها.
وإلاَّ، لكان مكان جهد أفلاطون في “الجمهوريَّة الفاضلة” وجهد أرسطو في “فن الشعر”، وجهد روسو في “العقد الاجتماعي”، وجهد ماركس في “رأس المال”، وجهد أنجلس في أصل العائلة والملكيَّة والدولة” وجهد لينين في “الدولة والثورة”، وجهد ويل ديورانت في “قصَّة الفلسفة” و”قصَّة الحضارة”، وجهد ابن خلدون في “مقدمته”…، على سبيل المثال لا الحصر، هو مكبِّ الزبالة، أو في أفضل الأحوال، رفوف المكتبات، للتكديس، أو لزوم الاقتناء بداعي الزينة!.
المثقَّف الحقيقي والباحث اليقظ والفطن، شأنك، يبتدع أسئلته، ولا خلاف على ذلك، لكن، إنْ اتَّجه صوب استخدام المفاهيم، فضالَّته التأنِّي والحيطة والحذر، مخافة السقوط في الابتداع، بدلاً من الإبداع.
صحيح أننا، أو أنني، في مطالع عمري في الكتابة، ولم أؤلِّف كتباً في الفكر والعلوم السياسيَّة، لكن قناعتي هي التالي: الخوض في القضايا الفكريَّة، وبخاصَّة منها السياسيَّة، هي ليست صوغ نصّ إبداعيٍّ أدبيّ، قد يحقُّ فيه للأديب، ما لا يحقُّ لغيره، لزوم التجريب، بداعي الاستحصال على الجديد أو التجديد.
وإحدى أهم تجلِّيات الأزمة في الحركة الحزبيَّة الكرديَّة، هي أنها لم تنتج فكراً سياسيَّاً، يتعدُّ به، ويُعتمدُ عليه.
وغالب الظنِّ أن قادة هذه الحركة، لم تتعب نفسها في العودة إلى النتاج الفكري العربي والعالمي، بالقدر الذي يؤهِّلها لإنتاج فكر سياسي كردي، ذو خصوصيَّة سوريَّة.
طبعاً، لا الأستاذ بدرخان، بصدد طرح أسئلة مدرسيَّة عن ماهيَّة العلوم السياسيَّة، ونشأتها ونظرياتها، عليَّ، ولا كاتب هذه السطور، بصدد الردِّ عليه بأجوبة مدرسيَّة.
وأترك الخوض في إعطاء صورة وافيَّة عن العلوم السياسيَّة للأخ بدرخان، من قبل الأخوة، أصحاب الاختصاص، الذين قرأوا ردّ الأستاذ بدرخان عليَّ، وسيقرأون هذا الردَّ أيضاً.
وليس عجزاً عن الردّ، بل لإشراك، منْ يفترض أن يكونوا شركاءنا في هذا النقاش، مِن مثقفينا الأفاضل، أصحاب الإجازات الجامعيَّة والشهادات العليا في العلوم السياسيَّة.
كما لست بصدد إعطاء قائمة بالكتب التي اضطلعت عليها، ذات الصلة بهذا الشأن، للأستاذ بدرخان، كي يتأكَّد أو تتبلور لديه الثقة، أن كاتب هذه السطور، لم يتعمَّد إيراد اصطلاحات أو عبارات في أيٍّ من مقالاته، إلا عن دراية ووعي، لا بأس به، إزاء فحواها ومضامينها، وليس لزوم البهرجة اللغويَّة، وما تمليه عليَّ سياقات الكلام، لزوم التنويع والتزويق والتسويق، وطرد الملل الكسل والسأم عن القارئ، وليس بداعي الحشو وعرض العضلات الثقافيَّة، أو ما شابه ذلك.
يقول الأخ العزيز بدرخان علي: “أمّا عن الإتيان باسم “هتلر” وحشرِه في سياق رد الأخ هوشنك فلم أجد مسوّغاً له حتى الآن، فضلاً عن أنه استحضار سيءٌ ومغلوطٌ وفي غير مكانه تماماً.
لكنه يُردف كلامه عن هتلر بمعلومة خطيرة يوجهها إلي حصراً ، مشكوراً ، فلنُصغ جيداً: (هل تعلم أن محاربة ألمانيا لهتلر ولفكره، بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة، وصلت لحدِّ منع إطلاق اسم هتلر على المواليد الألمان الجدد، ورفض تسجيلها في القيود المدنيَّة!؟ هكذا اجتازت ألمانيا، زعيمها السابق هتلر.
والسؤال؛ هل كانت ألمانيا ستصل إلى ما هي عليه الآن، لولا ما فعلته مع هتلر!؟”.
طبعاً، لن أصف الكاتب العزيز، بإن قراءته لمجرى النصّ وسياقه كانت سيئَّة، لأنه طرح سؤال عن جدوى الإتيان باسم هتلر، وإنه جاء حشراً، بطريقة سيئَّة ومغلوطة، حسب قوله!.
وليعذرني الأخ بدرخان، والقارئ العزيز، لإعادة نشر الفقرة من مقالتي، كي نرى مبرر الإتيان بالمثال السالف، وكيف أتى: ” نعم، في هذه الحركة (الحركة الحزبيَّة) من الشياطين، ما فيها!.
وفي هذه الحركة، ملائكة ومخلصين، ما فيها.
لكن، مهمَّة النقد السياسي، أن يشير إلى الشياطين أكثر من إشارته للملائكة.
وكم من الزعامات في التاريخ، تدثَّرت بالدفاع عن الشعب ومصالحه، وأظهرت نفسها لشعوبها في هيئة المخلِّص والملاك، وإذ بها دمَّرت أوطاناً ومجتمعات، كهتلر وستالين وصدَّام…الخ.
ستالين، حين كان يخطب في الشعب الروسي، كان يبدأ بعبارة: “أيها الشعب العامل”، وصفَّى هذا الدكتاتور 500 ألف من قيادات وكوادر الحزب الشيوعي، أثناء حكمه.
ألمانيا، هي التي أتت بهتلر للحكم، عبر صناديق الاقتراع.
لكن، هذا الدكتاتور، جعل من ألمانيا أكواماً من الردم والأنقاض.
هل تعلم أن محاربة ألمانيا لهتلر ولفكره، بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة، وصلت لحدِّ منع إطلاق اسم هتلر على المواليد الألمان الجدد، ورفض تسجيلها في القيود المدنيَّة!؟.
هكذا اجتازت ألمانيا، زعيمها السابق هتلر.
والسؤال؛ هل كانت ألمانيا ستصل إلى ما هي عليه الآن، لولا ما فعلته مع هتلر!؟”.
على ضوئه، كان الحديث عن الحركة الحزبيَّة، التي ينبغي أن تنتقد ذاتها مراجعةً متأنيَّة ممحِّصة، مهما كانت الأكلاف.
وعدم الانخداع بالأقوال الملائكيَّة الصادرة من قيادات الحركة، بينما نرى منها أفعالاً شيطانيَّة، تشيب لها الولدان، منذ نصف قرن.
ورغم أن قامات زعاماتنا الكرديَّة، لا تصل لقامات زعامات العالم الذين ملأوا التاريخ دماراً وحروباً وحرائق، لكن، لا يخامرني أدنى شكّ، وقياساً بالأضرار التي ارتبكها قادة الحركة الحزبيَّة الكرديَّة السوريَّة بحقِّ الشعب والمجتمع الكرديين في سورية، لو كان هؤلاء القادة، قادةً للعراق أو الاتحاد السوفياتي وألمانيا وقتئذ، لربما كانوا أسوأ من صدَّم وستالين وهتلر!.
والإتيان باسم الأخير، كان كمثال عن القائد الذي أبهر الناس بأقواله، فجاء به الألمان للحكم عبر صناديق الاقتراع.
وبعد أن فعل ما فعل بألمانيا والعالم، انتقدت ألمانيا ذاتها، واعتذرت من اليهود ومن ضحايا حروب هتلر.
وحديثي عن رفض السلطات الألمانيَّة تسجيل أسماء المواليد ضمن سجلاّت القيود المدنيَّة، هو أن عمليَّة “تكنيس” النازيَّة ومخلَّفات الهتلريَّة، وصل إلى هذا الحدّ.
وأعود لطرح السؤال السابق: هل كانت ألمانيا ستصل إلى ما هي عليه، إنْ هي لم تفعل ما فعلته بحقِّ التجربة الهتلريَّة من “تكنيسها” من كافة مناحي الحياة!؟.
تصوَّر إن هتلر لم ينتحر، وألمانيا لم تعتذر عن أفعاله، ولم تقم بـ”تكنيس” النازيَّة، وأصَّرت ألمانيا على هتلريَّتها ونازيَّتها، ماذا كان حالها، وحال أوروبا والعالم معها!؟.
أنا أتيت بألمانيا، كمثال على فعلٍ نقديٍّ جامع حازم وصارم وشديد، لزعيمها الفوهرر، بعد كل ذلك التغنِّي بعيني هتلر، عسى أن يحرَّك ذلك نبضاً في مثقفينا الحزبيين، كي لا ترعبهم قامة (طالباني وبارزاني وأوجلان) واسماعيل عمر وحميد درويش وفؤاد عليكو وخير الدين مراد ومحمد موسى، فكَّ الله أسره، وأسر كل معقل سياسي ومعتقل رأي في العالم…، بالعذر من الثلاثة الأوائل، لحشرهم مع البقيَّة من قادة الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية.
لكن، ماذا تقول في قومٍ، “يحسنون” القراءة، و”يحسنون” الكتابة، و”يحسنون” التشخيص ووصف الأدويَّة واستخدام المباضع، أثناء “الطعن، بطريق النقد _ النقض، فيسيئون النيَّة والمرمى والأحكام على غيرهم، من المختلفين معهم في الرأي!.
ويقول العزيز بدرخان: “… وأعيدَ إعمارُ ألمانيا (وغيرها من الدول الخاسرة في الحرب) بمساعدة الدول المنتصرة من أول وجديد”.
من باب الاستئناس بالمعلومة وزيادة العلم بالشيء والإيضاح، لا أكثر، ولا اقلّ، أعتقد أن الدول المنتصرة في الحرب، وهم معشر الحلفاء، مضافاً إليه الاتحاد السوفياتي.
هؤلاء المنتصرون، وفي مؤتمر قمَّة جمع بين ستالين وترومان وتشرشل، بعد انتهاء الحرب، اتفقوا على إلزام ألمانيا بدفع التعويضات للدول المتضررة من الحرب.
أمَّا السوفيت، فهو أيضاً كان أكواماً من الردم والأنقاض، رغم انتصارهم على النازيَّة، ابتداءاً من ستالينغراد (سانبطرسبورغ) وامتدادهم في اوروبا الشرقيَّة.
وعليه، انتصارهم في الحرب، لم يكن يخوَّلهم تعمير ألمانيا وأوروبا.
ثمَّ أن فرنسا وبريطانيا أيضاً، انتصرتا في الحرب، ولم تكن تقويان على بناء نفسيهما، حتَّى تعيد بناء ألمانيا، وبقيَّة الدول الخاسرة.
الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، كانت في عزِّ مجدها المالي، وضمن المنتصرين في الحرب، وهي التي أطلقت مشروع مارشال سنة 1947 لإعادة إعمار أوروبا، بمن انتصر، ومن هُزِم في الحرب العالميَّة الثانيَّة.
وافق السوفيت على مشروع مارشال في البدايَّة، شريطة ألاَّ يمسَّ بسيادة الدول الاوروبيَّة.
لكنهم، عادوا وعارضوه، وأطلقوا في مواجهته، مشروع مولوتوف في اوروبا الشرقيَّة الخاضعة للنفوذ السوفياتي.
وعليه، أمريكا وحدها، كانت، المقاول الاقتصادي والسياسي الوحيد، وصاحب الامتياز، من بين المنتصرين في الحرب، في مشروع إعادة بناء أوروبا.
أمَّا المعلومة التي أتانا بها السيّد بدرخان، فيرجى منه، المزيد من التوضيح، أيُ المنتصرين يقصد في الحرب العالميَّة الثانيَّة، عدى السوفيت والانكليز والفرنسيين، الذين بنوا ألمانيا وغيرها من الدول المهزومة، وهم الطليان والألمان واليابانيين؟!.
ويستدرك الأخ بدرخان كلامه، بتورُّط المجتمع الألماني في تغذية الهتلريَّة ودولتها المقدَّسة، وتغزُّل النساء بعيون الفوهرر، وعلاقات ذلك الموروث الشرقي، قائلاً: “والنسوة حين يتغزّلْنَ بشوارب الرجال، وما شابه، إنّما يضفينَ مُسحةً جنسانية “جندرية gender” خَجولة على الشجاعة والبطولة تعويضاً عن بعض الكبت والحرمان الجنسيّ لديهن وكذلك بسببٍ من عقدة النقص المزمنة تجاه “الرجل” في بيئتنا القاسية والظّالمة بحقهنّ حقيقة.
أما الرجل فهو يستند إلى ميراثٍ عميق من العنصرية الجنسية والنرجسية الفائقة و “عقدة النقص” والخوف تجاه الزعيم والقائد..
ولا تناقض بين النرجسية وعقدة النقص إن بدى كذلك.
إذ هي أعراض لمرضٍ واحد.
وعقدةُ النقص ما هي إلا نرجسيّةٌ جَرَيحة في الصميم.
والنرجسيّةُ بدورها عقدةُ نقص بليغة تجاه الآخرين (هل من تناقض؟).
وكم هي ظاهرة معيبة ومُهينة للمرأة كأنثى هذا التغزّل الكريه الباعث على القرف.
وللرجل كذلك هذا الافتنان العظيم بهرموناته الجنسية الغزيرة و”رجولته” التي لا تبعث على أيّ فخر.
فكم يجدر بنا حذفها من ثقافتنا الشعبية ولو كلّفتنا العملية هذه حذف العشرات من الأغاني الكردية -الجميلة منها وغير الجميلة- من ذاكرتنا المثقلة والمُرهقة بالخُرافات والنرجسيّات والأوهام وذلك إنصافاً للمرأة وتخفيفاً من سَطوة الفحولة والذّكورة الطاغيّة في حياتنا العامة”.
هذا المقطع كله، لا لزوم له، إلاَّ بداعي الاستطالة، وحشر بعض المظاهر، ذات الصلة بعلم النفس، كعقدة النقص والنرجسيَّة والجندر وخلافوه…، ولم ينسى الكاتب التعريج على قضيَّة حقوق المرأة، والعودة لتراثنا، لحذف ما يسيء لها…الخ.
إذ ليس لهذا المقطع أيَّة آصرة بإدراج اسم هتلر في مقالي، ولا بـ”أيّ دور للمثقف في الشأن العام”.
ربما يمكن إدراج هذا المقطع، إلاَّ تحت بند “العنوان الفرعي “هوامش وتوضيحات”!.
على كل حال، حشر ذلك المقطع، ربما كان بنيَّة الإفادة التي يُشكر عليها الأخ بدرخان، رغم إنه كان إقحاماً فجَّاً، في سياق النص ككل، كمنْ يتحدَّث عن الطبّ، ثمّ ينزلق فجأة بحديثه نحو خصائص ومنافع زراعة البطاطا.
فكلا الحديثان، عن الطبّ وعن زارعة البطاطا، هامان ومفيدان.
لكن، بعد الشكر الجزيل للأخ الأستاذ على معلوماته عن علم النفس والعلاقة بين عقدة النقص والنرجسيَّة والجندر…، إلاَّّ أنَّه أكثر منِّي، بأنَّ “لكلِّ مقامٍ مقال”.
وبـ”اختزالٍ شديد”، كما قال الأخ بدرخان، حين استفاض واستطال في تعقيبه على إيرادي “السيّئ المغلوط” لاسم هتلر في سياق مقالي السابق.
يختتم اختصاره الشديد بما يلي: “يمكن القول أن ظاهرة “هتلر” كانت مزيجاً متطرفاً لعناصر جدّ متطرفة ومدفوعة لحدودها القصوى لكنْ غير معزولة عن السياق العريض للحداثة السياسية (عبادة الدولة-الأمة) وهي أتت كطرازٍ خطير من أنماط الحكم تبلور في أوربا بسبب التحوّلات التي عجّلت الطلب على الدولة فائقة المركزية والقوية عسكرياً واقتصادياً واقتضى ذلك، من بين ما اقتضى، تنسيق بُنى المجتمع كلّها لخدمة عبادة الدولة والأمة والزعيم (عَطْفاً على فكر عرقي شوفينيّ في حالات معينة).
الطراز هذا أنتج ما يسمى بالعلوم السياسية بالظاهرة الشمولية (التوتاليتارية).
هنا، تصبح العلوم السياسيَّة، علوم ناجزة وسديدة، ومعترف بها من قبل الكاتب، والعودة إليها ولنظرياتها، مستحبَّة، وبل من مقتضيات أو وضرورات الكتابة السياسيَّة!.
ويبدو أن الأخ بدرخان، ودودٌ، لدرجة أنه مصرُّ على تبنِّي الفكرة وضدَّها، في مسعى تنزيه الذات عن الخطأ، من حيث يدري ولا يدري!.
دون أن ننسى إضافة، أن الأخ بدرخان، يكمل اختصاره الشديد عن هلتر والظاهرة الهتلريَّة، ليصل به المطاف إلى الاستشهاد بعالم النفس والفيلسوف الألماني الأصل، الأمريكي الجنسيَّة، إريك فروم، ضمن كتاب الأخ والصديق الأستاذ العزيز جاد كريم الجباعي!.
ويقول الأخ بدرخان: المثقفون الحقيقيون لا يكتفون بالكتابة فقط.
لكن القارئ الجيّد والمتابع لأحوالنا الثقافيّة الرديئة سيكون متسامحاً وواقعيّاً ولن يسيء الظن مع الأخ هوشنك، على ما أرجّح.
فالمثقف الكردي كثيراً ما يورد كلاماً لا يعرف معناه وسياقه.
فقط هو الانبهار بالكلام الفاقع والكبير والإتيان بأمثلةٍ كيفما اتفق واستعراض ثقافة الأسماء والعناوين- وقتلاً للوقت الفارغ-.
وليس الأخ هوشنك وحيداً في هذا “المضمار” كي نحمّله وزر الواقعة الكبيرة بأكملها.
فمعظمنا أبناءُ بيئة فقيرة للغاية لجهة الثقافة والفكر والمنطق والسياسة ولغة التفكير التي لا تُقاس جدّيتها ونفاذُها بخلوّها من الأخطاء النحويّة والصرفيّة بل كونها مستوى من مستويات التفكير وأداة عقليّة تجريديّة محضة.
وهنا، تحديداً، لو فتحتُ باب التناقضات على جهة الزميل الناقد، لكان ذلك في غير صالحه على الإطلاق وقد يعود الأمر عليه بنتائج وخيمة على صحته البدنيّة والنفسيّة، لا نريدها له”.
أيَّها الحيكم العزيز، أناشدك بفتح باب التناقضات، حرصاً على صحَّة ونفسيَّة مجتمع، وانتشال كرديٍّ يدعى هوشنك، ومن يميل إليه في الرأي والموقف.
وافتح البابَ، كي يعرف القارئ العزيز، كمّ الأخطاء والمغالطات والتناقضات التي سقط فيها كاتب هذه السطور.
افتحه، ولا عليك.
افتحه، ولا تستر عيوباً وأخطاء وهفوات، من واجب المثقف الزميل والحريص على زميله وشريكه في الكلمة، والمختلف معه في الرأي، ألاَّ يتغاضى عنها.
فالتغاضي عن التناقضات والأخطاء، ظلمٌ بحقِّ صاحبها.
افتحه، بجاه كلِّ المثقفين والمتنورين، شأنك، ولا تخشى شيئاً، لا صحتي البدنيَّة ولا النفسيَّة، إذ ينبغي عليك الحرص الشديد على صحتي المعرفيَّة والثقافيَّة، لكون صاحب هذه السطور، يزعم بأن له حيّزه وحضوره الثقافي المتواضع، واهتمامه المتواضع بالشأن العام، الكردستاني والكردي السوري، والسوري!.
أفتح باب “تناقضاتي” عليَّ، أدامك الله فاتحاً لبصائر أمثالنا، من المغلوبين على عقولهم ووعيهم ومداركهم ومعارفهم، إذ يدرجون في مدَّوناتهم، ما لا يفقهون.
افتحه، وأطرح أسئلتك التي هي “في غاية الإحراج”، جازك الله على صنيعك الثقافي والمعرفي خير هذه الأمَّة الكرديَّة، وخير هذا الشعب الكردي السوريَّ، وخير هذه الحركة الحزبيَّة بأحزابها الـ99، وبعجرها وبجرها، بقضِّها وقضيضها!.
أفتح باب التناقضات عليَّ، بفعلٍ مضارعٍ، ينجيني من ضلال تناقضاتي، وليكن شفائي من هذه التناقضات، على يديك الكريمتين.
ويصرِّح الحكيم بدرخان، بـ”تهديدٍ” ثقافيٍّ، ولا أروع، إذ يقول: “… وهو إنْ ألحّ علينا سنُحيله إلى تناقضٍ صارخ، ينسف كلّ موضوعيته وحرصه، في مقالاته التي كتبها بالتتابع وكيف انتقل سعادته، بسَلاسة ورَشََاقة، بين متناقضاته التي لا تعود لأسباب متّصلة بضعف التحليل السياسيّ أو فرط “الجرأة” النقدية أو الجهل بـ”العلوم السياسية” أو عدم الاتّساق والانسجام مع النفس على الإطلاق.
إنّما بموقفٍ سياسيّ وإيديولوجيّ بالغ الوضوح والدّقة.
وليس صعباً على متابعٍ محايد أن يطرح عليه أسئلة في غاية الإحراج بهذا الخصوص.
لكننا نودّ الجدال والحوار على أرضية التخاصم السياسيّ ” العلنيّ والسلميّ” والدردشة الثقافية والمداولة السياسية والاحترام الشخصيّ المتبادل والخيارات السياسيّة الحرّة والمشتركات الإنسانية و”القومية” الكثيرة”.
وهل رأيت أكثر من هكذا إلحاح؟!.
خيو: أفتح الباب، ولا تتركه موصداً، أعانك الله على فتحته فتحاً مبيناً.
يا سيّدي الفاضل، إن كنت تومئ إلى خلفيتي السياسيَّة، وانسجامي مع حزب العمال الكردستاني، وأفكار السيّد أوجلان، فقد قلتها سابقاً، وأكرر لك ولغيرك القول، لربما لم تلمح ذلك في مقالاتي، إنني كنتُ من ضمن النشطاء في هذا الحزب، ولا زلت من الموالين له، ومن المنتقدين للكثير من سلوكياته.
أضف إلى ذلك، إنني كنت ولا زلت منسجماً مع الكثير من أفكار السيّد أوجلان، ومتضامن معه في محنته، وهو القائد الكردي الأسير، لدى طغمة فاشيَّة، ما دام فيَّ عرقٌ ينبض.
لكنني انتقده فيما أراه يستحقُّ النقد، لا التطاول والإهانة والتجريح والتسويف والقدح والذمّ.
وانتقدت فيه الستالينيَّة، وانتقدتُ في حزبه المركزيَّة الحديديَّة.
انتقدت أوجلان وحزبه قبل أن أنتقد الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية.
انتقدت اوجلان وحزبه، بالصراحة والجرأة والوضوح والشفافيَّة، التي تعجز أنتَ عن انتقاد حزبك “الوحدة…” وزعيمه اسماعيل عمر.
وطبعاً، نفس المعيار الأيديولوجي والسياسي، ينطبق على معشر الأحزاب الكردية، في تماديها وتطاولها على ثوار حزب العمال وزعيمه، قياماً وقعودا.
ولاحظ، بأنني، وفي معرض ردِّي السابق عليك، لم أتناول هذه النقطة، كما “هددتني” بها، وكأنَّك اكتشفت كشفاً عظيماً، ومسكت عليَّ “سرَّاً”، لا تنوي فضحه والإفشاء به، مخافة أن تصيب صحَّتي النفسيَّة والجسديَّة بسوء!.
لا يا سيّدي، أناشدك، بأن تضع كل ما في جرابك من تناقضات وأسرار تعرفها عن هوشنك أوسي، على طاولة البحث والنقاش والتداول.
فليس لديَّ ما يخفيني، أو أخشى منه على صحتي البدنيَّة والنفسيَّة!.
فعدى عن تأييدي لحزب العمال، ولأفكار أوجلان، إن كان لديك أيُّ شيءٍ آخر، فأناشدك، ألاَّ تبخل به عليَّ، وعلى القرَّاء الأعزَّاء!.
ولن ينجيك قولك: “ولأني لا استسيغُ المضيّ في السجال على طريقة الأخ الكاتب لأعلّق على كل مقطع وكلمة وندخل القارئ في لعبةٍ مضللة وغير مفيدة كثيراً له (و لَنَا) فضلاً عن إهدار وقته الثمين بـ:قلتَ وقلتُ.
قصدي كذا وقصدك كذا.
أو أن نُوهم القارئ (وأنفسنا قبلهم) بأننا وضعنا كتباً مهمّة في المسألة الكردية أو العلوم السياسية.
وينهي الكاتب العزيز بدرخان علي مقاله بالوعظ وإسداء النصح ليّ وللقارئ العزيز بالقول: “نقطة أخيرة أثيرها هنا، لوجه الله و الثقافة العامة، واختتم بها الردّ المباشر على الناقد الكريم لأنتقل إلى محورٍ آخر استكمالاً لورقتي الأوليّة وتدوين “هوامش” أخرى على دفتر الأزمة (كِدنا نقول “هوامش على دفتر النكسة”).
ولا بد أن يتنبّه إليها أيّ قارئ جيّد.
وهي حشر الناقد أوسي لنصٍ طويلٍ منقول من مقالة متواضعة لكاتب عربيّ متواضع (دع الألقاب جانباً) منشورة حديثاً في جريدة الحياة.
أقول، أولاً ، هذا الاقتباس غير ذي فائدة كبيرة في دعم فكرة الرّد على مقالي.
وخارج السياق المطابق ثانياً.
وتجيء كحشرٍ وإقحام مُصطنَعَين.
وتبدو المادة الطويلة المنقولة كزائدةٍ عن النصّ وغير انسيابيّة في نسيج المادة المكتوبة ثالثاً .والحشر هذا يعود للانبهار بالمقولات الجميلة التي قلّما تكون مفيدة في بناء أدوات المقاربة وابتكار مداخل للولوج إلى التحليل السياسيّ والاجتماعيّ رابعاً.
والأهم هو جوهر الأفكار المنقولة وأخذها بحذرٍ دائم ، من أية جهة أتت، لا سيما إذا كانت مقولات تبشيريّة و وعظيّة وعموميّة ولا تعود بمردودية تحليليّة جدّية على وجهة المُقارَبَة وموضوع البحث، إلا إذا كان اقتباساً قصيراً يضفي جماليّةً ما على النص.
وأخيراً لو علم الأخ الفاضل -سامحه الله- برأيي المنشور قبل مدة قصيرة، في آخر كتاب أصدره صاحب المقالة المنقولة لما أرهَق نفسه كثيراً بإيصالها إليّ.
وأخيراً وليس آخراً، و مع جزيل الشكر على أتعابه معنا، لا يُعقل كلّما قرأ واحدنا نصّاً ما وأعُجب به (بصرف النظر عن سويّته وجدّته) أن يقذفَ به في وجه القرّاء في اليوم التالي أو بعد ساعاتٍ معدودات (بفضل تقنية “النسخ واللصق” الكمبيوترية الضّارة و المُسيئة غالباً) من خلال مقالةٍ مكتوبةٍ على عَجَل كما فعل الزميل أوسي في أمكنةٍ متعددة”.
إذا كان كاتب وباحث أكاديمي، وأستاذ في كليَّة الفلسفة، من طينة د.
أحمد برقاوي، والقريب من الهموم الكرديَّة السوريَّة، والمتعاطف معها، على حدِّ علمي، وله حوارات حول المسألة الكرديَّة مع كتَّاب أعزَّاء، (سلار أوسي، و د.
سربست نبي)، إذا كان هذا الباحث، “متواضعاً” ومقاله متواضع، و(نشرته جريدة عربيَّة “متواضعة”؛ هذه من عندي)، برأي الأخ بدرخان، فحريٌّ جداً به، الخوض في النرجسيَّة، والإكثار من الحديث عن التواضع!.
ثمَّ، ما علاقة رأيك في آخر كتاب له، أو أوَّل كتاب له، باقتباسي لمقطع من مقاله المنشور في الحياة، وإنني ولو علمت برأيك عن الكاتب، لما أرفقت مقالي باقتباسٍ من مقاله المنشور في الحياة!؟.
أم كان عليَّ استشارتك في؛ لمن اقتبس، والاستفسار عن مدى أهميَّته بالنسبة لك!؟، وهل اقتبس، من جديده أم عتيقه؟!.
وما علاقة طزاجة المادة، بجدوى الاقتباس منها، وهل خير المواد المنشورة، الجاهزة للاقتباس، هو أكثرها قِدماً!؟.
وهل يفتقد الاقتباس قيمته وجودته، إن كان المقتبس منه حديث النشر!؟.
لقد حار بنا الميل مع الاخ بدرخان، فتارةً يطالبنا بعدم الرجوع للنظريات القديمة في زمن التحولات الكبرى التي تعيشها أحزابه، وتارةً يطالبنا بعدم الالتفاتة إلى الجديد المنشور توَّاً، نظراً لتواضعه، ولأن الأخ بدرخان، قد تجاوز دوره في حيّزه الحزبي، والسياسي الكردي السوري، وعياً ومعرفةً وثقافةً ودوراً واهتماماً بالشأن العام، دور د: أحمد برقاوي في الحيّز العربي والفلسطيني، وحضوره في المشهد الفكري العربي، بسنين ضوئيَّة!؟.
ثمَّ أن الفقرة التي اقتبستها، كان حول المثقف وقلقه وطرحه للأسئلة وحزنه على الشديد وهو يتابع الشأن العام!؟.
ولاحظ عزيزي القارئ التقارب بين عنواني المقالين، مقال برقاوي: “”المثقف متأمِّلاً الشأن الاجتماعي لا يطرح غير الأسئلة النقدية … ويحزن”، ومقال بدرخان علي: “أيُّ دورٍ للمثقّف في الشّأن العام”!؟.
إنَّه لمن من محاسن تواضع التقارب، وتقارب التواضع بين العنوانين!.
تُرى، لو كان الاقتباس، من كتاب الأستاذ والصديق العزيز جاد كريم الجباعي، الذي أشرتَ إليه، وأثنيتَ عليه، وقد نشرتُ عدة فصول منه في مجلَّة سورغول، ويمكنك أن تسأله، لو كان الاقتباس من ذلك الكتاب، فهل كانت ردَّة فعلك، بهذا الانفعال غير المبرر!؟.
ومن رمى في وجهك الاقتباس، وكم مرَّة سقط كاتب هذه السطور في هذه السقطة، أم هو إلقاءٌ لكلامٍ جزاف، ووضع أحد المختلفين معك في الرأي، في مرمى الطعن، والتشكيك في الصدقيَّة الثقافيَّة والكتابيَّة، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأنا الذي يكنُّ لك احتراماً وتقديراً، لا يعكرِّه انتمائك الحزبي، ومشربك الفكري.
كان الأجدى والأجدر بك، أن تحدِّثنا عن وقائع معيَّنة، وأن تقرنها بالدليل، وليس رشق الكلام، كيفما اتفق، بخاصَّة، بحقِّ من يكنُّون لك احتراماً، لا يخفونه.
خلاصةُ القول: لا يسعني إلاَّ إسداء الشكر الجزيل لك، على حسن ردِّك، وتعاليمك في أصول الكتابة والقراءة والتحليل والانتقاء والاقتباس، وخير ما آمله منك، أن تنفِّذ “تهديدك” الثقافي المعرفي، بفتح باب التناقضات عليَّ.
ولا شكَّ أنه مهمٌّ جداً منك، أن تلتفت للتأمُّل والتبصُّر في أحوال وأداء مثقفينا في الشأن العام.
ولا يسعني إلاَّ أن أعاضدك، وأشدَّ على يمناك ويسراك.
فالحال السياسيَّة الكرديَّة، ليس من التجنَّي عليها، بوصفها بالمنكوبة.
كما الحال الثقافيَّة، ليست بأفضل منها.
فلعَّلك والأعزَّاء القرَّاء، تتابع تلك المهزلة الدائرة بين اثنين من “مثقفينا”، يُفترض، أنَّ كلايهما يحملان دكتوراه في القانون.
أحدهما يدرِّس في إحدى جامعات كردستان العراق، ويتخرَّج من تحت يديه الكريمتين أجيال كرديَّة.
هذا الأخير، لم يشفي غليله كل تلك جرعة السبّ والشتم والرجم والإهانة التي وجهها لزميله، وصديقه الحزبي القديم، فاتجه لتشبيهه بـ”البغل”، حين أورد المثل الكردي، في وصف زميله، قائلاً: “سئل البغل، من أباك، أجاب: الحصان خالي”.
ولا يكتفي هذا الحقوقي والأستاذ الجماعي، بتشبيه صاحبه بـ”البغل”، ثمَّ يُخاطبه، في مقالته ذاك، بـ”يا صاحبي”، ثمَّ يسدي على مسامع (“البغل”) سديدَ مواعظه ونصائحه!!.
إنَّه لأمرٌ محزنٌ تماماً، ومضحكٌ تماماً، وبحاجة لعزيز نسين، كي يُألِّف عليها قصَّة من قصصه الساخرة.
فهل رأيت في حياتك، أن يشبِّه شخص، زميله بالبغل، ثمَّ يناديه؛ يا صاحبي، ثمَّ يتحدَّث معه، ويسدي إليه النصح!!؟.
فتصوَّر يا رعاك الله!!.
أنَّه لأمرٌ باعثٌّ على القرف والغثيان.
هكذا نسق من المثقفين “الأكادميين”، الذين يخرجون خصومهم من آدميَّتهم، من المؤسف القول: أنَّهم من مفرزات الحركة الحزبيَّة!.
نعم يا عزيزي، ليس من باب التيئيس، وبثِّ الإحباط، وإذكاء الشقاق، لكن الواقع السياسي والثقافي هو أكثر بؤساً مما نتصوره!.
وليس من باب الحشر أو الحشو أو الإقحام، بل من التنويه، اسمح لي القول: ما أحوجنا لنعود إلى “العقد الاجتماعي” لروسو، ونحن نتأمَّل راهن أحزابنا السياسيَّة، على اعتبار هذه الأحزاب، عقود شراكة اجتماعيَّة سياسيَّة فكريَّة بين مجموعة أفراد، تجمعهم أهداف ومبادئ وأخلاق وقيم وآمال مشتركة، تزعم بأنَّها تخدم صالح الشعب الكردي في سورية!.
لذا، أيُّ جهدٍ في هذا المسعى، ومهما بلغت درجات الاختلاف معه، إلاَّ أنَّه مشكور، و”على العين والراس”، مع الإبقاء على حقِّ الاختلاف!.
وليس انتقاصاً، أن “نستعين على نصف الكلام، بالصمت.
وعلى النصف الآخر له، بالتفكُّر”، على حدِّ تعبير الإمام الشافعي.
والحقٌّ، إنَّ في محاولة التفكُّر، إنتاجٌ وإذكاءٌ لشعاع الحِكمة، ونأيٌ للذاتِ عن شرارةِ الطغمة.
أمَّا أنا، فقد اكتفيت بما أثرته من أسئلة وملاحظات وانتقادات حول نشأة الحركة الحزبيَّة الكرديَّة في سورية، وحول راهنها المأزوم، وحول الدعوة لمراجعة الذات الحزبيَّة السياسيَّة نقديَّاً، وإصلاحها وتغييرها…الخ.
لقد اكتفيت بما أتاني من سبٍّ وشتمٍ وذمٍ وانتقاصٍ وطعن وإهانة من ثلَّة الجبناء المتوارين خلف أسماء مستعارة، المخلصين جداً لأحزابهم الـ99، ولقادتهم الـ99، ولبؤسهم وخراب حالهم، وحسبهم ما وجدوا عليهم أنفسهم، وحسبهم ما سينعم به أولادهم وأحفادهم من لدن هذه الحركة الحزبيَّة البطلة في عقلانيَّتها، والشجاعة في موضوعيَّتها، والناجزةِ الإرادة والتوحُّد في تحقيق المزيد من الإنجازات _ الإخفاقات للشعب الكردي السوري.
ولا أخفي، إنَّه يخامرني الشكّ، أنني قد أوليت اهتماماً بهذه الحركة، فاق حجمها وأداءها وحراكها ونتاجها وقادتها وملائكتها وشرفاءها وحكماءها، ودجَّاليها ومنافقيها وجبناءها وأشباحها، وأقزامها وأبطالها…الخ.
ولا أنفي عن نفسي السقوط في الخطأ، ولا أسمح لأحد أن ينفي عنِّيَ الصواب، إلاَّ بالدليل والحجَّة والقرينة.
أمَّا أنا، فأغلق هذا الملفّ، وليشهد الشعب الكرديُّ وشرفاءه، بأنني ما فتحته، لغرضٍ في نفسي، بحثاً عن صيتٍ كاذب، بل بداعي الحقِّ والواجب، في الإشارة إلى ضرورة الإصلاح والتغيير.
ليشهد الشعب الكردي السوري وشرفائه ووطنيوه، بأنني لا أسعى لاقتلاع أحد، وزرع آخر محلَّه!.
أغلقُ هذا الملفّ، آملاً أن يفتحه غيري، ليديره أفضل منِّي، وفيما له خير هذا الشعب المظلوم والمغبون والمقهور، لشدَّة ما يلقاه من استبداد وقمعٍ من نظام فاسد، ومن بؤس وخراب حركةٍ حزبيَّةٍ كرديَّةٍ فاسدة، تزعم بأنَّها تقود الكرد السوريين إلى برِّ الأمان، وتحافظ على مصالحهم، وتسهر على خدمتهم…، منذ خمسين سنة!.
وليعلمْ الشعب الكرديُّ السوريُّ، بأنني ما فتحت هذا الملفّ، إلاَّ لأنَّ شهداء 20/3/2008 في قامشلو، قد هزِّوني من الأعماق، وحفروا في قلبي عميقاً، وأنا أرى تخاذل هذه الثلَّة المائعة، التي تسمِّي نفسها أحزاباً كرديَّةً، حيال الضحايا والجناة!.
ما فتحت هذا الملفّ، إلاَّ أننا شبعنا كلاماً من هذه الأحزاب، منذ خمسين سنة، وقد طال انتظارنا لأفعالها التي نودَّها مُجاورةً لأقوالها!.
أمَّا أنا، فأترك هذه الأحزاب، في عهدة الشعب الكردي، يفعل بها ما يشاء، فهو الحَكَم والفيصل والسلطان، وإليه المآل والمصير.
وليكن الشعب الكردي في سورية على علم، بأنني لن أتركه وحيداً، تحت ضربات الشوفينيَّة البعثيَّة، والمشيخة القبليَّة السياسيَّة الكرديَّة، فلا قرَّت أعينُ الجبناء الجهلة والسفهاء والمتاجرين!.
وأعلمُّ بأنَّ الكثير من هذا النفر المقيتِ الجبان الموتور المسعور، سيزيدُ من عضِّه لكاتب هذه السطور، والطعن فيه، وفي شرفه القومي والوطني والمهني والثقافي، كما فعلوا سابقاً.
لكن، سندي وظهيري وعزائي، هم الشرفاء في الحركة الحزبيَّة، ومن أبناء شعبنا الكردي!.
أترك هذا الملفّ، للمثقفين الحزبيين والمستقلِّين الذين شمَّروا عن سواعدهم وأقلامهم، لتناول هذه الشأن، كلٌّ من زاويته، ووفق مستوى قراءته لراهن هذا الشأن، وحسب مخزونه المعرفي وتراكمه الثقافي.
أترك الملفّ، لهم، وفي عهدتهم، علَّهم ينجحون ما أخفقت فيه، ويصلوا لنتائج تفنِّد نتائجي، وينقذوا هذه الحركة من بؤسها المكين، ويكونوا أصحاب رسالة ثقافيَّة معرفيَّة تنويريَّة تنهض براهن هذا الشعب، من بين خراب حاله.
ولا شكَّ أن مدى مصداقيَّة رسالة المثقف الكردي، ودوره في الشأن العام، هي على المحكّ، إزاء إحداث تغيير، ولو طفيف، في بنية هذه الحركة، لجهة دفعها نحو التغيير والإصلاح.
ولا شكّ، أنَّ الإصلاح والتغيير، فيه منفعة للجميع، ما عدى، من يجد في الإصلاح، دفناً لمشيخته القبليَّة، ولفساده وإفساده وتعطيله للحال السياسيَّة الكرديَّة.
لكن، أيَّاً تكن الأكلاف، لا مناص من أن يلعب المثقف دوره، وأن يعاني ما عاناه كاتب هذه السطور، من ظلمٍ وإجحافٍ وتجنٍ، من كلِّ أصناف القدح والذم!.
أترك هذا الملفّ، ولستُ نادماً على ما فعلت، ولن أعتذر عنه.
وأشرفكم عندي، أكثركم خدمةً لهذا الشعب، وتضحية في سبيل تحقيق طموحاته وأهدافه.
وآن أن يتخلَّى المثقف الحزبي، عن لعب دور “المثقف العضوي” بتعبير غرامشي، في هندسة العطب السياسي الكردي، وتنميقه وتزويقه، والتخفيف من وقعه، والتقليل من آثاره، والاستهانة بمضارَّه على الحال الكرديَّة في سورية.
آن له أن يكفَّ عن لعب دور المسنن الصدئ في الآلة السياسيَّة الكرديَّة التالفة، التي تتلف معها المجتمع الكردي، والحديث عن سلطة وهميَّة، تجاوزها الشارع الكردي في انتفاضة 12/ آذار 2004، وتجاوزها محازبوها في 21 آذار 2008.
ولا ضير أو عيب في أن يكون “مثقفاً عضويَّاً”، منتمياً لآليات سياسيَّة نشطة وفاعلة، على أن يكون في الوقت عينه، مثقفاًَ نقديَّاً لهذه الآليات، دأبه تحديثها وتجديدها، لا تعطيبها، بتبرير أعطالها.
ولا شكَّ “إن الإمعيين، ينتمون كلِّيَّاً الي المجتمع كما هو، ويزدهرون فيه، دون أيّ شعور غامرٍ بالتنافرٍ أو الانشقاق.
المثقفون، على عكس ذلك، في نزاع مع مجتمعهم.
ولذا، فهم غير منتمين ومنفيون (داخل بلدانهم).
المنفي للمثقف، بهذا المعني الميتافيزيقي، هو التململ، والتحرك، وكونه على الدوام قلقاً، ومقلقاً للآخرين.
فالمثقف الذي تتقمَّصه حالة المنفي، لا يستجيب لمنطق التمسك بالأعراف، بل لجرأة المغامرة، ولتمثيل التغيير، وللمضي قدماً، لا للركود والجمود”، حسب رأي إدوارد سعيد.
دمشق 1/8/2008