الجزيرة منطقة منكوبة فهل من إجراءات لإنقاذ ومعالجة الوضع الكارثي ؟؟

  افتتاحية جريدة العدالة*

  مرت سورية في هذا العام بموسم جفاف لم تعهده منذ عقود من الزمن، هذا إن لم نقل أنها لم تعهده مطلقاًً، وألقى ذلك بظلاله الكئيبة على كامل البلاد، وبشكل خاص المحافظات الشرقية والجزيرة، والذي أدى بدوره إلى تلف جميع المحاصيل الزراعية البعلية المعتمدة على الأمطار وكذلك التأثير السلبي على المحاصيل المروية، مما أدى إلى خفض أنتاجها إلى النصف أن لم يكن أكثر من ذلك، والقضاء على الغالبية الساحقة من الثروة الحيوانية نتيجة ندرة المراعي وعدم توفير الأعلاف الكافية من قبل الحكومة.
  وإذا عرفنا أن أكثر من 50 % من سكان هذه المحافظات الشرقية (الحسكة، الرقة، دير الزور) تعتمد اعتماداً كلياً على الزراعات البعلية في مورد رزقها، وقرابة 15 % من سكانها يعتمدون على الزراعات المروية, و 15 % على الثروة الحيوانية, فإننا نعرف كم هي حجم الكارثة التي حلت بهذه المحافظات، وجاء الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية الاستهلاكية وارتفاع أسعار المحروقات وخاصة المازوت (أكثر من 350% ) لتكون وكأنها شعرة معاوية التي قسمت ظهر البعير وكأن موسم الجفاف هذا العام جاء ليكون الجرعة القاتلة للأوضاع الاقتصادية التي كانت تسير من سيء إلى أسوأ منذ عقود من الزمن.

 

 نتناول في هذه الافتتاحية الواقع السيئ الموجود في محافظة الحسكة (كنموذج) من النواحي الاقتصادية والاجتماعية…، وما رافق ذلك من نزيف هجرة الأيدي العاملة وخاصة من ريف هذه المحافظة إلى المدن الكبرى وخاصة العاصمة.


   أن 50 % على الأقل من سكان هذه المحافظة أضحوا بدون مورد رزق نهائياً وذلك نتيجة التلف الكامل للمحاصيل الزراعية البعلية، مورد رزقهم الوحيد، ونتيجة افتقار هذه المحافظة إلى المشاريع التنموية الزراعية والصناعية والتجارية…، والتي كانت بإمكانها استيعاب الأيدي العاملة المحلية، وبالتالي التخفيف من حدة هذه الكارثة قدر الإمكان.


  ولكن نتيجة سوء التخطيط الحكومي، أو بسبب تقصد إهمال هذه المحافظة وشح المشاريع التنموية فيها وتمركز الغالبية الساحقة من المشاريع الموجودة في البلاد على قلة عددها في العاصمة والمدن الداخلية، والتي ستولد مشكلة أخرى لا تقل نتائجها الكارثية عن ما نجم موجة الجفاف هذه، حيث أنها ستفاقم من الهجرة المستمرة منذ عقود من الزمن من هذه المحافظة إلى المدن الداخلية وخاصة العاصمة، وبالتالي ستؤدي إلى فقدان التوازن البشري بين مناطق الدولة، وانتشار المخيمات والبيوت العشوائية حول المدن الكبيرة والعاصمة وانتشار الجريمة والأمراض والأوبئة في هذه الضواحي وفي المقابل ستفرغ هذه المحافظة من الأيدي العاملة الفتية، وأعداد هائلة من مجمل السكان وبالنتيجة ستؤدي إلى إفقار المنطقة أكثر فأكثر بسبب ضعف الإنتاج وقلة الاستهلاك وقلة التسوق والحركة السوقية.
  لقد جاء موسم الجفاف هذا ليزيد من الفقر والفاقة والبطالة والتشرد…، وليزيد أصلاً من الفوارق الهائلة بين هذه المحافظة وباقي المحافظات السورية.
  ونتساءل هل من المنطق أن تعاني هذه المحافظة الغنية في مواردها (النفطية، الزراعية، الحيوانية…)، من هذا الواقع المرير لناحية ندرة المشاريع الإنمائية والمصانع والمعامل…، والفقر المعيشي؟؟!!
  لا شك أن هذا الأمر من غرائب الدهر ولا مثيل له في أي مكان من الدنيا فكما هو معروف أن مكان وجود الثروات يكون هو مكان الانتعاش الاقتصادي والمشاريع الإنمائية وثراء السكان.
  ولكي لا نسترسل كثيراً في سرد الواقع المأساوي المزمن للمنطقة وبغية الوقوف على المشكلة أو الكارثة التي تتربص بسكان هذه المحافظة والحلول التي من الممكن أن تخفف من حدة هذه المشكلة فإننا نرى الحل في إجراءين:
  *- الإجراء الأول وهو إسعافي، ويتطلب من الحكومة القيام بالخطوات التالية:
1 – إعفاء مزارعي الأراضي البعلية من الديون ( النقدية أو العينية ) المترتبة بذمتهم نتيجة زراعة موسم هذا العام، وذلك نتيجة الظروف الجوية السيئة والتي تعتبر من قبيل القوة القاهرة التي ليس للمزارعين يد فيه وكذلك تقسيط ديون السنوات السابقة على أقساط طويلة الأمد ونقترح أن تكون / 10 / سنوات، وكذلك تقسيط الديون المترتبة على مزارعي الأراضي المروية بما فيها ديون هذا العام والأعوام السابقة على أقساط طويلة الأمد ونقترح أن تكون / 10 / سنوات.
2 – منح جميع مزارعي الأراضي البعلية دون استثناء معونات نقدية تتراوح بين / 2500 / ل.س ولغاية / 5000 / ل.س للدونم الواحد أسوة بالجارة تركيا والتي منحت جميع مزارعيها معونات نقدية بلغت / 5000 / ل.س للدونم الواحد بسبب سوء الظروف الجوية.


3 – منح مكافآت أنتاج أو دعم سعر المحصول حسبما تراه مناسباً لجميع المحاصيل (قمح، عدس،  شعير، ذرة،  قطن…) بين / 10 / ل.س  ولغاية / 15 / ل.س لكل / 1 / كغ من المحصول حسب نوع المحصول بحيث لا يقل مكافأة أو دعم أنتاج القمح والقطن عن / 15 / ل.س لكل / 1 / كغ.
4 – إعادة الدعم للمواد الاستهلاكية وخاصة الأساسية منها (رز، سكر،  شاي،  زيوت) وتوفيرها لجميع المواطنين بما فيهم المجردين من الجنسية بموجب إحصاء عام 1962 ومعاملتهم في ذلك معاملة المواطنين ومراقبة الأسواق، وفرض العقوبات الزاجرة على المخالفين دون استثناء، عن طريق القضاء العادي وليس الاستثنائي (المحاكم العسكرية مثلاً).


5 – البقاء على دعم المحروقات والخبز وتوفيرهما للمواطنين.
  *- الإجراء الثاني وهو استراتيجي طويل الأمد، حيث نرى ضرورة قيام الحكومة بما يلي:
1 – ضرورة قيام الدولة بدعم الزراعة بشكل استراتيجي ثابت ومستقر بحيث يشجع على الهجرة العكسية من المدينة إلى الريف على غرار ما حصل أبان حكومة المهندس محمود الزعبي، بحيث يشكل عامل جذب وإعادة للمهجرين وتشجيع على الإقامة والاستقرار والاستثمار، وبما يؤدي إلى إعادة التوازن البشري والجغرافي.
2 – تأهيل قطاع الزراعة بحيث يتم تأهيل الخبراء الزراعيين والكوادر البشرية الزراعية وتحسين البذور وتهجين أنماط جديدة، بحيث يؤثر إيجاباً على الاقتصاد الوطني وعلى الحياة المعاشية في المحافظة.
3 – إقامة المعامل والمصانع…، التي تعتمد على المواد الأولية التي تنتجها هذه المحافظة في محافظة الحسكة، ابتداءً بمصافي تكرير النفط إلى المحالج ومعامل الغزل والنسيج ومصانع الألبسة والقطنيات ومعامل الزيوت والبسكويت والمعكرونة وجميع المعامل والمصانع التي تعتمد على الحبوب ومخلفاتها…, والتي بدورها سوف تمتص الأيدي العاملة وتشجع على عودة المهاجرين إلى مناطقهم الأصلية و تؤدي إلى تحريك السوق المحلية وزيادة الاستهلاك بسبب ارتفاع الدخول.
4 – العمل على إقامة مشاريع ري واستثمار على نهر دجلة والذي لا يستفاد منه نهائياً وزيادة الاستفادة من مياه نهر الفرات.
5 – العمل على استقرار الملكيات الزراعية بتسجيل الأراضي على أسماء مالكيها دون الحصول على رخصة من وزارة الداخلية والدفاع أسوة ببقية محافظات البلاد.
6 – تشجيع التجارة بين سورية ودول الجوار ( تركيا – العراق ) واستصدار القوانين المشجعة لذلك, مما يفتح أبواب استثمارية جديدة تشجع على الإقامة والاستثمار في المنطقة وضخ الأموال في الأسواق المحلية، وتشجع القطاع الخاص على الاستثمار في المحافظة وبالنتيجة تؤدي إلى تطوير المحافظة وعودة سكانها إليها.
7 – رفع حصة المحافظة من الميزانية السنوية للدولة بحيث تساهم في تأهيل المحافظة تأهيلاً مناسباً من ناحية الخدمات والتعمير والتعليم والتطوير أسوة ببقية المحافظات لتكون محافظة نامية وليست محافظة نائية.
8 – إعادة الجنسية السورية إلى جميع المجردين منها نتيجة إحصاء عام 1962 وإصلاح النتائج الاقتصادية الكارثية التي نتجت بسببه وتعويض المتضررين بنتيجة ذلك.
9 – إعادة العرب المستقدمين من خارج المحافظة إلى المناطق الكردية نتيجة الحزام العربي وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين الذين كانوا في تلك الأراضي أصلاً والذين تم حرمانهم منها تعسفاً وتوزيعها على العرب المستقدمين من خارج المحافظة بخطة ممنهجة.
  إننا نقترح على الحكومة القيام بالخطوات الأنفة الذكر لعلها تخفف قليلاً من حدة الكارثة وتنئي بسكان هذه المحافظة الوقوع في براثن الجوع والتشرد والحرمان…، وتعمل على تطويرها وتأهيلها لتلحق بركب المحافظات الأخرى والتي بدورها تتخلف كثيراً عن ركب التطور العلمي عن مدن دول الجوار ودول العالم.
——

  * تصدرها المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (DAD)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…