مرجعية سياسية موحدة في ظل الأحزاب الكردية

  زيور العمر

إعتقد , في حينه , كل من سمع ببدء الحوار بين الأحزاب الكردية حول تأسيس مرجعية سياسية كردية في سوريا , أن الشعب الكردي مقبل على مرحلة جديدة , تختفي فيها حالة الإنقسام و التشرذم في الصف الكردي , و سيسفر عن تبلور رؤية سياسية كردية موحدة , تتجاوز الإختلافات و القراءات المختلفة في ماهية القضية الكردية و سبل حلها.

و مع إستمرار الحوار, و تعدد اللقاءات بين الأطر السياسية , كان الإهتمام منصباً على تفاصيل ما توصلت إليها تلك اللقاءات, و فرص ترجمتها الى مواقف و خطوات عملية , في ظل إجماع جميع الأطراف على ضرورة الوصول الى التوافق في صياغة رؤية سياسية مشتركة , تتقاطع في الحد الأدنى, مع برامج و مواقف جميع الأحزاب الكردية.
و عندما تبين أن اللقاءات أسفرت بالفعل عن رؤية سياسية مشتركة , تمهيدأ لإنتخاب لجنة تحضيرية, مهمتها التحضير لمؤتمر وطني كردي , و قبيل الإنتقال الى الخطوة التالية , ظهرت بوادر إنقسام أخرى تمثلت في الأختلاف, بين من يريد نشر الرؤية المشتركة في وسائل الإعلام , و وضع الرأي العام على تفاصيلها, و بين من يريد حجبها.

و تبين فيما بعد , أن أطراف , قيل أنها من التحالف الديمقراطي الكردي, و تحديدأً حزب الديمقراطي التقدمي الكردي برئاسة عبد الحميد درويش , و بدعم من حزب الوحدة الديمقراطي الكردي, برئاسة إسماعيل عمر , تريد فتح النقاش من جديد, حول بعض المسائل الواردة في الرؤية المشتركة بذريعة, أنها تتسم بالتطرف السياسي و الغلو.


و في الوقت الذي كان فيه متوقعاً, أن تحسم الأطراف الأخرى, في الجبهة و التنسيق و البقية الباقية في التحالف, موقفها , وتعمل على إستكمال الخطوات التالية في مشروع المرجعية , و تحت مظلة الرؤية السياسية المشتركة , رفضت معظم هذه الأحزاب الأنضواء في المرجعية دون مشاركة الجميع , أي تحقيق الإجماع.


الإستعراض السابق لمسيرة الحوار الكردي المتعثر في شأن المرجعية كان ضرورياً, و الهدف من هذه السطور القليلة , لا يتمثل في تقييم تجربة الحوار في مسألة المرجعية و طرح حلول أخرى , وإنما البحث في إمكانية تشكيل مرجعية أو ممثلية سياسية كردية في سوريا في ظل الأحزاب الكردية الحالية.
عندما وقف المراقبون و المهتمون بالشأن الكردي على الخلاف الذي , إفتعله عبد الحميد درويش حول نشر وثائق الرؤية المشتركة, و بدأوا يحملونه مسؤولية ما آل إليه الحوار , فضلاً عن حالة الفتور و الخمول التي, أصابت مؤسسة التحالف الديمقراطي , جراء هيمنة حزبين من أحزابه, و إستئثارهما بحصة الأسد , من توزيع المهام و المسؤوليات, في المجلس الوطني و الأمانة العامة في « إعلان دمشق» للجانب الكردي, بدأ السيد عبد الحميد درويش, بدعم كامل من حزب الوحدة , بسلسلة من الألاعيب منها , البحث في إمكانية تأسيس إطار أو محور أخر, ينضوي فيه الى جانب, حزب التقدمي و حزب الوحدة  من التحالف كل من, البارتي الديمقراطي الكردي برئاسة نذير مصطفى من الجبهة الديمقراطية الكردية, و حزب آزادي من لجنة التنسيق, و بذلك يتم إغراق المشهد السياسي الكردي في مزيد من التشويش و الفوضى و الغموض, فتعجز الجماهير الكردية عن فك الحابل من النابل.
نجاح هذه اللعبة السياسية الرخيصة كان من شأنه أن يساعد الأطراف المخططة لها, و المشاركة فيها, على  إعلان موت الجنين, قبل أن يولد, من خلال تحميل الأحزاب الأخرى مسؤولية , الفشل في الوصول الى تحقيق التحالف الشامل, و تصوير هذا ألأخير على أنه , مشروع مثالي غير واقعي, فضلاً عن تخريب الأطر الموجودة أصلاً, أي قتل عصفورين بحجر واحد: من جهة تعمل على إفشال جهود تأسيس المرجعية الكردية و إنهائها, و تفكيك التحالف و الجبهة و التنسيق من جهة أخرى, إلا أن رفض البارتي برئاسة نذير مصطفى بالدرجة الأولى, حال دون تحقيق هذا المخطط.
و لكن هل فشل المرجعية في رؤية النور مسؤولية, يتحملها عبد الحميد درويش, و إسماعيل عمر, و شيخ آلي فقط , أم أن جميع الأحزاب الكردية مسؤولة ؟ موقف كل طرف و سلوكه إثناء الحوار, و الإلتقاء حول رؤية مشتركة, و بعد أن كشف الجاني , يوضح المسؤولية الجماعية عن الفشل , و لعل الأطراف التي إستكانت للأمر الواقع الذي خلفه عبد الحميد درويش و حزب الوحدة في هذا الشأن , أكثر سلبية , لانها كانت بإمكانها , السير بالمرجعية الى بر الآمان , دون الأحزاب المعرقلة.


كان واضحاً منذ البداية أن الأحزاب الكردية التي, لم تخلف سوى ثقافة الإنقسام و الإنكسار في المجتمع الكردي, و فيما بينها, لا تقوى على وضع مشروع كبير , كتأسيس مرجعية سياسية, ممثلة لإرادة الكرد في سوريا, و لم يكن الهدف من الحوار نفسه, و الإجتماعات التي عقدت من أجله سوى ذريعة, لإلهاء الشعب الكردي, و ناشطيه, عن القضايا و المهام الأساسية.
و الحال, أن معرفة الحالة الحزبوية الراهنة وفق هذه الرؤية, يدعونا الى البحث في إحتمالات أخرى, فمرجعية سياسية كردية موحدة هي وسيلة و ليست هدف, الغاية منها توحيد الشعب الكردي, و تنظيم صفوفه, و قيادته لتحقيق مطالبه, و إنتزاع حقوقه.

فهل من عمل على تمزيق و تشتيت الشعب الكردي قادر على توحيده ؟ سؤال برسم المنطق و العقل السليم.

بلجيكا  27/7/2008 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…