مصداقية الكاتب، ومبدئيته اللغوية والأخلاقية والسياسية

  صالح عزّاوي

مُجمل المقالاتِ المنشورة في المواقع الكردية خلال الفترة الأخيرة كانت عاملاً مساعداً دون شكٍّ في التعرّف على حقائق أكثر عن الأحزاب الكردية في سوريا وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني بفروعه واختلاف تسمياته، فَمِن مقالات المدافعين عن هذا الحزب تعرّفنا على حقائق أكثر عن صحتة وصوابه، ومن المهاجمين عليه تعلمنا أنه ينتقص المتهجمين الذين نشرتْ لهم ولاتي مه أفكارهم الكثير من الحكمة والمعرفة وأحياناً الضمير والخُلق ، وعذراً، فهذا رأيي الشخصي ، طالماً يحق للكل أن يعبر عن آرائهم الشخصية في المواقع الكردية أيّاً كانت.
كان الكاتب في إحدى المواقع الكردية حريصاً على كتابة مقالاته بلغةٍ عربيةٍ فُصحى مُحْكَمة ومتينة من حيث القواعد اللغوية والنحوية وما شابه ، فكان واضحاً أنه يصرف طاقات كبيرة ليجمّل الهجوم على الحزب الفلاني ويُقنِع ويخدع القراءَ، ولم أجد منذ فترةٍ كتّاباً (من نوع المتهجمين على الحزب الفلاني) كتبوا بهذا الأسلوب والطراز، وبحقٍ أنه نجح في صياغة مقالاته من حيث الرصانة اللغوية، أما من حيث الحجة والمنطق فهو موضوع آخر ، حيث لا يعلم أحد علم اليقين كم يمثل شعبه بآراءه، وإلى أي مدى يتحدث معتمداًَ على مبادئ وقيم خلقية وسياسية.

واستغربت حين لم أجد اسماً لهذا المتمكن في كوكل، – هذا الذي يكتب بهذه الرصانة – ، وهذا يظهر أن الرصانة والتمكّن اللغوي ليست ملكاً لذاك الاسم.
استمر التألق اللغوي حتى ردّه على مقالة أحمد زكريا من مصر التي كانت هي أيضاً ردُّ على مقال لـ قهار رمكو، وكان  رده  على المصري سريعاً بالنسبة لسرعة الردود الأخرى، حتى أن  قهار رمكو الحقيقي رد ودافع عن نفسه بعد رد المستعار !! ، لم يختلف شيء من حيث المنطق الهش والفكرة البالية لكن الاختلاف ظهر في أمرين، الأول هو سرعة الرد وكأن أحمد زكريا  انتقده هو وليس قهار رمكو ، والأمر الثاني أن صاحبنا ترك القواعد اللغوية والنحوية والفصاحة والرصانة و تحول إلى اللهجة المصرية  وتحدث المصرية أحسن من المصريين أنفسهم، هل يعقل لإنسان يحمل كل هذه الاتهامات ضد حركة  بهذا القدر من الحجم أن يرد بهذا الأسلوب تاركاً خلفه كل دعواته وإتهاماته وانتقاداته، متنازلاً عن حجمه ومنزلته السياسية ، فكان رد أقرب إلى لغة الشارع  والأفلام، أقرب إلى شخصية  مراهقة بعيدة عن السياسية والفكر.

عدا المنطق الهش الذي حمله الرد.
 الجدير ذكره أن قهار رمكو معروف بعربيته الركيكة  التي تشبه العربة العاطبة وهو يواجه مصاعبَ جمة في صياغة عدة جمل بالعربية كما يواجه الأخ العربي صعوبةً  في تلفظ حروف V-P-G ،  لكن الرجل يصر على الكتابة بالعربية وعلى تسمية نفسه (كاتب) ، فكان  مستوى المستعار من حيث التمكّن اللغوي في لحظة كتابة الرد على المصري قريبة من مستوى  قهار رمكو المعتاد، وربما استخدم المصرية  في كل مقاله كي يموّه ضعفه وعجزه اللغوي في تلك اللحظة التي شابهت عجز قهار رمكو في الكتابة والصياغة بالعربية.
المقالة المصرية اللهجة كانت ناقصة الحجج والمبررات والمنطق  أيضاً، خلى من الحوار  وتبادل الفكرة  والاحترام ، بل كانت أشبه إلى  حالة طوارئ ، فكيف لعربي أن يدعم حزب العمال الكردستاني؟  وما شأنه ؟  ولماذا يتدخل ؟ ، ماذا لو أن أحمد زكريا  كان يدعم في مقاله حزب المستعار أو حزب رمكو لو افترضنا أنهم يملكون حزبأً أو مبدءاً، هل كان سيقول للمصري لا تتدخل بأمور الكرد ؟
أما عن قهار رمكو فهو يقوم بخوض أمور أكبر من وزنه، وعلى سبيل  المثال (في سلسلة مقالته في كميا كوردا) فإنه لا يعرف حتى الآن اسم القائد العام  للجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ، فيسميه في إحدى مقالاته بـ فهمي حسين عوضاً من فهمان حسين ، كما يستخدم جمل على شاكلة (لوضع الفشل في رقبتهم بعد كل تلك التضحيات) قاصداً (لتحميله مسؤولية الفشل بعد كل تلك التضحيات)، عدا الخطأ في المنطق جملةً وتفصيلاً ، فليس هناك فشل موضوع نقاش مني به حزب العمال الكردستاني، بل أن هذا الحزب حقق نجاحات كبيرة خلال السنة الأخيرة بشكل خاص ورمكو ساذج لدرجة أنه  يدعي أنه يحلل الوضع الحقيقي لأوجلان والذي لم يحلله أحد من قبله، وكأنه اكتشف اكتشافات جديدة، وهو في الحقيقة لم يدرك ولم يفهم حقيقة أوجلان ولا مزاياها وطبيعتها، بل يقوم بمجرد التقاط بعض الجمل وقصها من أحاديث أوجلان ونشرها في مقالاته ، فيحرّف معاني أوجلان بفصل أحاديثه من مداخلها ومخارجها ومن بداياتها ونهاياتها وهذا بحد ذاته سلوك لا أخلاقي بعيد عن كل القيم.
الموقف التآمري الذي يتحلى به  رمكو و – ديار سليمان  يكمن في إتهام حزب العمال الكردستاني بالإرهاب بحجة عدم تنازل هذا الحزب عن السلاح والكفاح المسلح داعين إلى السلم والين والحلول السياسية، دون إدراك حقيقة الحالة الكردية والشرق أوسطية، وما يعنيه نزع سلاح حزب العمال الكردستاني في ظل هذه الظروف، رغم أن أوجلان وحزبه أكثر الداعين للسلم وأكثر الذين يعانون من الحرب، – بعكس السكرى على طاولات أوربا المطلقين للهراءات هنا وهناك –  لكنهم في الوقت نفسه يدعون أوجلان إلى مواقف (صارمة ومبدئية حسب زعمهم) – وكثيرة هي مبدئية الكاتبين – ونعلم ما سيحصل إن سمع أوجلان كلمتهم (فرضاً) وندرك النار التي ستشتعل من تركيا إلى إيران مروراً بكردستان العراق، وصولاً إلى منزل قهار رمكو إن سحب أوجلان تأثيره ونداءاته السلمية .
كثيرةٌ هي الاستنتاجاتُ والأسئلةُ التي تشكّلت مع الفترة التي أطلقها موقع ولاتي مه خلال نشر المقالات المختلفة في الرأي  فكان الموقع صاحبَ دورٍ كبيرٍ في التعرّف على الحقائقِ وتبادلِ الأفكارِ والتعّرف على كتّابهم ومثقفيهم، جعل القراء يتعرّفون على المستوى اللغوي الذي يتحلى به كلٌّ كاتب ومستوى الوعي الذي يتحلى به كلٌّ من الكتاب الحقيقيون والمستعارون.
 الكلُ يعلم أن لا وجود لصحافةِ مستقلةِ تماماً، فهي مهنةٌ تتأرجحُ بين الانحياز والتأييد لفكرةٍ أو قوةٍ ما، من جهة – والتبعية الكاملة لقوى وجماعات والقيام بأعمال تدخل ضمن نطاق الاستخبارات وجمع المعلومات لصالح قوى ما، من جهة أخرى ،  على مراكزنا الصحافية أن تختار موقعها من الجملة بين هاتين القمتين، أما عن الكّتاب، فلا مصداقية لمن ليس له اسمٌ أو هويةٌ، من الأهمية أن يعرف القارئُ الهويةَ الشخصيةَ والسياسيةَ لكاتبه ويتعرف على مستواه اللغوي فيما إذا كان يكتب بلغةٍ رصينةٍ ومحكمةٍ وفصحى  أم بلهجةٍ محليةٍ مستعارةٍ ومستوردةٍ.

ويحقُّ للقارئ أن يصدّق الحقيقيين المبدئيين ولا يصدّق  مقالات تخجل من أسماء أصحابها أو تخاف من إعلانها، وأن لا تصدق كتاب لا يعرفون الكتابة ولا يعرفون أسماء قادة شعبهم ، لن نأخذ من يقومون بتحريف الأحاديث والخطب كمن افتروا و حرفوا الكتب السماوية، فتوعدهم الله (بأشد العقاب في الدنيا) والحياة الآخرة، وبئس المصير.

ألمانيا 27 تموز 2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…