لماذا يعتقل المسؤولون الكرد في سوريا ؟

زيور العمر

في خطوة تحوم حولها الكثير من الشكوك , و قدر كبير من الإستغراب , أقدمت أجهزة الأمن السورية على إعتقال محمد موسى سكرتير الحزب اليساري الكردي في سوريا في مدينة القامشلي .

و حسب البيانات الصادرة من حزبه و بعض المنظمات الحقوقية فقد تم إحالته الى القضاء العسكري  في حلب لمحاكمته .

و إزاء تكرار حالات ممائلة جرت مع مسؤولين أخرين في الأحزاب الكردية في السابق , بات من الضروري الوقوف عند هذه الإعتقالات و أسبابها و المغزى منها , لأن بقاءها محل تجاهل يضعنا جميعاً أمام مسؤولية ترك الأمور تجري من تحتنا دون التعرض لها.
جرت العادة أن تعتقل أجهزة الأمن السورية قيادات كردية و تحتفط بهم لأيام أو أسابيع , و تفرج عنهم دون أن يقف أحد على أسباب الأعتقال و التهم و ظروف التوقيف و غيرها من الإجراءات الأمنية.

توقيف سكرتير حزب الوحدة الكردي السيد شيخ آلي, على سبيل المثال لا الحصر , سبب في حينه صداعاً للمراقبين و المهتمين بالشأن الكردي , الذين بحثوا في كل الذرائع و المبررات التي ربما تشفع له , حتى هو نفسه لم يعرف أسباب إعتقاله , و عندما سئل في أحدى الغرف الإنترنتية أوعز سبب إعتقاله لمقالات نشرها في الصحف العربية.


و خلافاً لظروف إعتقال سياسيين أخرين في المعارضة السورية , تعرضوا لمحنة إعتقال قاسية من تعذيب و معاملة وحشية و البقاء لسنوات طويلة خلف القضبان , فإن المسؤولين الكرد قلما يتعرضون لنفس المعاملة , كأن إعتقالهم أشبه منه الى الإستضافة, على الإعتقال , حيث لا يتعرض أي منهم و خاصة قيادات المستوى الأول لاية معاملة  قاسية.


من المفيد التذكير هنا أننا لا نخون أحداً و خاصة من القيادات الكردية , لأننا لا نمتلك أدلة و قرائن على أية خيانة محتملة, و إنما نقف أمام حالة تتكرر بإستمرار , تثير عند كل فرد أسئلة و تخمينات لا تجد جواباً و لا تلق تفسيراً , و لعل بات ضرورياً الآن الوقوف على ملف الإعتقال و نعالجها من جوانب متعددة , سيما و أن بعض هذه الجوانب تتعلق بأمور سياسية تتمثل في سياسة الدولة والسلطة و النظام تجاه من يعارضها من جهة و من يدور في فلكها من جهة أخرى .
إذاً, نحن أمام نوعان من الإعتقال السياسي في سوريا.

الأول يمكن تسميته بالإعتقال الإضطراري , تقتضيه حسابات أمن النظام و بقاءه , التي تأخذ بالحسبان مستوى الخطر الذي يشكله المعتقل سواءاً من حيث المواقف و التحركات و المشاريع التي يحملها , و الأخر كيفي , و هذا الأخير لا يشكل إعتقالاً إعتباطياً بأي حال من الأحوال , كما يبادر للذهن أو يفهم منه .
في سنوات حكم النظام القائم حرصت السلطات الأمنية على خلق خارطة سياسية حزبوية مقسمة الأجزاء , ضعيفة و غير قادرة على تشكيل أي خطر على السلطة , و رسمت لهذه الجزيئات الحزبوية دوائر صغيرة من حيث حدود الطرح السياسي و الفعل الميداني , تتقاطع مع بعضها البعض في دائرة أوسع يمكن تسميتها بدائرة الآمان .
إهتمام النظام أو السلطة الحاكمة في سوريا ينصب على محورين , من جهة ينحو الى سلوك وحشي عدواني حازم بحق كل سياسي سوري يحمل مشروعاً أو تصوراً من شأنه إضعاف هيبة الدولة و تقويض سلطة النظام القائم أو تغييره كما حدث في السابق مع عناصر جماعة إخوان المسلمين و حزب العمل الشيوعي و غيرها من الشخصيات التي ظهرت في بدايات العقد الجاري كرياض السيف و مأمون الحمصي وعارف دليلة و غيرهم, و من جهة أخرى تتساهل مع قوى و شخصيات دائرة الآمان , بل و يعتبر نفسه مسؤولاً عن بقاءهم و يلجئ في العديد من المرات الى تحسين صورتهم بين الجمهور  من خلال إستضافتهم لبضعة أسابيع مقابل إستدامة بقاءهم في المشهد السياسي.


في الحالة الكردية إعتقال النظام للمسؤولين الكرد يثير الشكوك, و خاصة حول الهدف من الإعتقال , و السبب يكمن في معرفتنا بهم و بمستوى الخطر الذي يشكلونه , و لعل من شأن مقال أخر يتصدى لمواقف الأحزاب الكردية و قيادتها مفيدأ لتوضيح وجهة النظر هذه بشكل أوسع .
بلجيكا 24/7/2208

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…