لا تحزن يا صاحب المذياع العتيق

  أمين عمر

أخي الكبير لم يعد يضرب الصغار فلم يعد احد يستطيع التشويش عليه وعلى مذياعه القديم.

 حسابٌ سريع لخطاً صغير، قد يكون الخطأ بسيطاً و لا يستوجب العقاب ، ولكنه القانون القروي والطريقة المتبعة ، فقدر الشقي الصغير كثيراً ما يكون الضرب من والده وأخوته الكبار حتى وصولا بأولاد الجيران ، فالجيرة القروية ، قـُربى حقيقية.


الحديث عن أخطائنا الصغيرة وحساباتها السريعة المؤلمة ، عديدة ، و أكثر تلك الهدايا الساخنة لي، كانت من أخي الكبير و السبب ببساطة، كان من وراء ذاك المذياع الصغير، فعندما كانت تخرج كلمة الكرد والأكراد من ذاك الجهاز الأسود ذو اللسان الطويل، كان يجب أن يسود الصمت بيتنا الترابي العريض
حيث نادراً ما كانت تخرج كلمة الكرد من ذاك البخيل، و عندما كانت تحوم تلك الكلمة في السماء، وعلى مقربةٍ من آذاننا، لتبشر أخي بشيء قديمٍ أو جديد ، أبادر ولسوء حظي في تلك اللحظات لأبدأ بمشروعٍ صغير عن الضوضاء فأُضيّع على أخي سماع الخبر الجميل، الذي كان يصل مشوشاً بالأصل من مذياعنا العتيق، الذي طالما يحتاج إلى تغيير المزاج  والحركة  في اتجاهات الشروق والمغيب، لنتمكن من التقاط ذبذباتها التائهة لسماع كلمتنا الساحرة بوضوح، لم يكن ذلك في العصور السحيقة أو ما بين الحربين العالميتين بل في الثمانينات، ففي كل أمسياتنا المتشابهة يحاول أخي سماع شيْ من ذاك المذياع، دون جدوى فنادراً ما كانت إذاعة لندن أو مونتيكارلو تأتي بخبر عن الكرد و كان ينتاب أخي ويتطور الأنتياب إلينا فيما بعد، ينتابنا شعور بالفرح والأحتفال لدى سماع كلمة عن الكرد ، بالنسبة لي أية كلمة كانت تسعدني حتى لو كانت مصيبة حلت علينا فلم أكن أفهم الجمل التي تسبق أو تلي تلك الكلمة.
في ذاك العقد حدثت تطورات هائلة بخصوص الأخبار المتزايدة عن الكرد وكأن مذياعنا أضاع العنوان وتاه في  الحديث.

الأخبار لا تخلو عن الكرد حيث كوارث حلبجة و الأنفال وتطور الأمر في التسعينات حيث انتفاضة الكرد في الشمال حيث كبرنا قليلا ، وحينها كان أخي قد فقد كثيراً من اهتمامه بذاك المذياع ولم يعد يضرب أخوتي الصغار لتشويشهم على الأخبار.
   مئات الآهات كانت تنطلق من صدورنا وتعبر أفواهنا لتملأ الفضاء الرحب قائلين : لو كان لنا نحن الكرد ايضاً زاوية في هذا العالم …لو تكن لنا شمعةً تضيء لنا هذا البلد الذي طال عليه الظلام .

لو ..
 الألوف من التمنيات كانت تجتاحنا عن كردستاننا المفقود.
كررنا مرارا فلتكن كردستان موجودة ولتكن بحجم قريتنا …  فلتكن موجودة ولايهم ان كانت عشائرية ، ملكية ، اشتراكية ، ديمقراطية المهم أن تكون لنا نحن ايضاً، زاوية مضيئة مثل مصباح صغير، قد يتضاعف النور يوماً ما  فيوقد الأمل ليضيء قلوب الجميع ، ليضيء كافة بيوت الكرد من جديد، احد رفاق الطفولة كان يردد دوماً: كم أتمنى أن أرى كردياً يرفع شخصاً “فلقة” أو يدخله السجن ليعرف هؤلاء معنى السجون، كان ينتابنا الضحك ونمضي بالحديث فيما نفعله في دولة الأحلام.


بناة الإقليم الفدرالي قد لا يبنوا لنا البيوت ، قد لن يهدونا أجهزة سوداء تتقن النطق و السلام ،  تتقن الكلام عن الحروب، لن يصرفوا الرواتب لأخي أو حتى لأولئك الصغار وقد لا يعرفون عن وقوفنا أيام كثيرة ننتظر ذاك المذياع ليحصد لنا خبرٍ صغير عن موتهم أو رقصهم ، قد لايهتموا بنا، فهم مشغولون منهكون ، لم ينتهوا من بناء أنفسهم، ولكنهم حققوا لنا أكثر بكثير من أحلامي وأحلام أخي بسماع كلمة الكرد في المذياع، والفضائيات وأصبحت تملىء الأجواء و بأخبار سعيدة وإنجازات مضيئة اكبر بكثير من تلك الشموع، فلماذا يحاول البعض من الكرد رميهم بالتراب والماء ، وخلط الفساد بالبناء.

نعم أخي لم يعد يضرب الصغار فلم يعد الأطفال والأحزان والآخرين يستطيعون التشويش عليه وعلى مذياعه القديم ، فلم يعد يستطيع أحد التشويش على الاقليم الفدرالي الوليد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…