الكتابة النقدية -سياسيا –خاصة كيف نمارسها..؟

محمد قاسم

عندما قمت بدراسة عن أسباب الأزمة في الأحزاب الكردية بإمكانيات متواضعة،لم يكن هد في كتابة تاريخ الأحزاب الكردية..!
وعندما كتبت دراسة في أدبيات الأحزاب الكردية لم يكن هدفي  القيام بإحصائية عن النشرات والمطبوعات الحزبية..!

كان الهدف أمران أساسيان:
لفت انتباه الجميع إلى ضرورة التوقف عند مجريات الحالة الحزبية كرديا في  سوريا، والأسلوب  الغالب في أسلوب إدارة هذه الأحزاب بطريقة متهالكة أو مستهلكة ..

فرّغت النضال الحزبي الكردي –تحت تأثير قياداتها التي غلّبت حب البقاء في المواقع على إتباع مقتضيات النضال،وتحمل تبعاته”-
 من روح وجذوة النضال السياسي..

والتي بدونها لا يمكن للعمل النضالي أن يصل إلى نتائج ملموسة..
1-  بل إنها أنتجت فراغا افرز الصراعات والخلافات والدوران حول الذات..مما انعكس انشقاقات عديدة .ذات آثار سيئة جدا على نضال الشعب الكردي..فكانت النتائج أن التضحيات كانت كبيرة والإنجاز كان ضئيلا..
ويتحمل الجميع-برأيي- مسؤولية النتائج-كل بحسب موقعه،ومدى قدرته..-ولكن مسؤولية القيادات الحزبية- هي الأكبر ،خاصة، الشخصية الأولى في الحزب الكردي –.
مع ملاحظة وجود شرخ حقيقي بين الأحزاب والجماهير ،كنتيجة لذلك..!
2-  دعوة الجميع للمشاركة في معالجة هذا الوضع المتأزم،وكان أملي أن يتفاعل المثقفون والسياسيون مع أطروحاتي والرد عليها بما يفيد إصلاح الحال،لا الرد للرد فحسب –كما هو متبع بين عديد الكتاب السياسيين-الحزبيين-والكتاب المستقلين أيضا..وظهر هذا في الموجة التي لا تزال مستمرة على صفحات الانترنيت..!!
ما أسفت له هو التفاعل  الذي لم يكن مباشرا-وهذه واحدة من مشكلات التفاعل-
حيث يتوجس المثقفون من الدخول إلى حلبة النقاش مباشرة ،وبوضوح..ربما خوفا من المماحكة المثيرة للجدل..خاصة أن بعض الأحزاب اعتادت أن ترسل إشارات تهديد معنوية..وربما إيحاءات بتهديدات مادية من نوع ما -ربما توريط هؤلاء المناقشين والمحاورين-بشكل أو بآخر في مواقف تجعله مباشرة في مواجهة ما مع السلطة..

لتتولى هي ما تعجز هذه الأحزاب عنه..!
أو تلجأ إلى تشويه سمعتهم عبر أساليب اتبعت في الماضي، ولا تزال متبعة عند البعض..وان قل تأثيرها العملي..ولكنها كادت أن تصبح ثقافة حزبية .يتصيدون بعضهم فيها .ويستخدمونها لتخويف كل منتقد لهم –لا يرعون في ذلك-إلا ولا ذمة-
ومثل هذا الاستنتاج مؤلم..ولكن يبدو انه مرجح..!
إن مايرد في منشوراتها من اتهامات لهؤلاء المتداخلين والمتحاورين حول قضايا الشعب الكردي ومشكلات أحزابه.وكأنها رسائل من نوع ما…!
ولو أنها امتلكت وسائل السلطة لامتلأت سجونها بالمنتقدين والمتحاورين حول قضايا تهم المجتمع الكردي  مباشرة،ولكن تناولها لا يرضي هذه القيادات الحزبية التي استمرأت الموقع القيادي-مع بساطة واقعه- منتظرة الموت وهي لا تزال فيها.لعل مواكب تشيع جنازاتهم تكون اكبر وتمتلئ صفحات الصحافة الحزبية –تحديدا- بمآثر كانت تراها مثالب عندما كان حيا..!
ولنا في تجربة المرحوم الشهيد د.محمد معشوق..

خير دليل..!
 فقد اتهمتها غالبية الجهات الحزبية ولكنها عادت –بعد اغتياله-لتدبج البيانات في مفاخره..-صيغة أخلاقية، كنا لا نتمناها أن تكون في العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد..وأسلوب غير محمود في النتائج-استراتيجيا-..!
وكان هذه الجهات الحزبية تستغفل الجماهير، وتعول على ذاكرة متلاشية لديها..

ناسين أن الانترنت  والبلاغات والمواقف أصبحت منقوشة ولا تمحى..!!
لاحظت  التجرؤ لتناول القضية الحزبية في أسلوب إدارة السياسة النضالية الكردية بشكل أكثر عما مضى-وهذا ايجابي ..ولكن الاتجاه نحو أسلوب فيه مهاترة ضيع الكثير  من قيمة التناول هذا..كاد أن يصبح وجها آخر للصراعات الحزبية على الأرض..!.
شعرت أن مساهمتي كان لها بعض تأثير –قل أو كثر-.

ولكن في الحالتين لم يكن رد الفعل كما ينبغي..ولعل لذلك أسبابها، والتي عرضنا بعضها في سياق الدراستين-“أسباب أزمة الأحزاب الكردية في سوريا؟،و”قراءة مختصرة في أدبيات الأحزاب الكردية”،وهي تتعلق بسيكولوجية الكردي وان كان مثقفا أو حزبيا سياسيا..!
ولا ادعي أن الدراستين غطتا كل الجوانب المتعلقة بالمشكلات الحزبية..ولكنها –بلا ريب-أشارت إلى جوانب مهمة،فضلا عن أنها أثارت الانتباه –بطريقة ما –وربما شجعت أيضا-البعض –ممن يتهيبون من الخوض فيها-أن يدخلوا الساحة للحوار بشأنها،وهذا ما أردته من عملية النشر بشكل عام..الحوار حول المشكلات من الجميع،مع الجميع.

فالقضية القومية ليست حكرا على الحزبيين وان كانوا هم في الموقع المتقدم إداريا..وإنما هي قضية تهم الجميع ..وينبغي عليهم المساهمة-ولو نظريا-في ما يفيد-افتراضا.
ما يهمني الوقوف عنده هو: تجليات الردود والمداخلات غير المباشرة:
-من بعض الكتاب المستقلين-المثقفين-
-من بعض الحزبيين-الأحزاب-.
في الحالة الأولى غلب على بعض الكتابات لهجة خطابية سادته الانفعالات..وبدت كأنها تقوم بتصفية حسابات..أو تستثمر مناخ الحوار حول وضع الأحزاب الكردية لكي تجرح..أو تنتقم..أو ..غير ذلك.
لهؤلاء اهمس بود:
ليس الشتم والقذف والاتهامات –استنتاجا بدون أدلة معتمدة قانونيا…-ليست هي الوسيلة لتصحيح الأخطاء وحتى الخطيئات…ولنا في تجارب الشعوب الواعية..

وتجربة كردستان العراق ذاتها، ما يلهمنا بعدم الانجرار إلى هذه الوسيلة السوداء، التي أدت إلى تدمير العراق العربي بنية سيكولوجية، وثقافية، واجتماعية ،وبنية تحتية أيضا.

فضلا عن الخسائر البشرية المعروفة…!
وكما يقول السيد عبد الرحمن آلوجي في مقال منشور في موقع ولاتي مه: “للنقد قواعده و أصوله”.
 ولمن شاء أن يكون ناقدا فليحاول أن يلتزم بقواعده..

وأهمها عدم الدخول في الشتم والسب والقذف..

والاتهام..

دون دليل ملموس..- وهذه جميعا وما يشابهها، وسائل متدنية..

لا تناسب القيمة الإنسانية..لا للمنقود ولا للناقد-وقد أشار إلى شيء من هذا الأستاذ حواس محمود في إحدى مقالاته..!
إضافة إلى ضرورة التأهل المعرفي والخبراتي..

لهذه المهمة الحساسة والهامة “النقد”.وما يؤسف أن البعض لا يهتم بهذا الجانب الهام.

والضروري في عملية النقد.
وفي الحالة الثانية –الحزبية- أيضا اهمس منبها-وبود ابيضا:
إذا كنتم تريدون فعلا قيادة صحيحة وسليمة لشعبكم فعودوا إليه..واهتموا بأمره ..

وأشركوه فعليا –لا مظهريا لخدمة نهجكم الحزبي-.
على الأقل –براغماتيا- اتفقوا فيما بينكم –كأحزاب-على قضايا أساسية تخف الخلافات والاختلافات بينكم..وتكون معيارا لجماهير في تقييم سلوككم النضالي ..لدعم الأفضل ..
وكفاكم العيش في تصور قديم هو إنكم الأكثر تقدما في الوعي  ..!!
ولا تنسوا أن العالم قد تغير كثيرا وأصبحت المعرفة وإمكانية الوعي  متاحة لغالبية الناس..والمثقفون-الوعي- خارج الأحزاب أكثر بكثير من المثقفين داخل الأحزاب..

وهذه معادلة جديدة ينبغي أخذها في الاعتبار..-
 كما أن الركون إلى صيغة امتلاك الأحزاب أو الجماهير هو إجراء شديد التخلف..-وأحيانا- تعبير عن سلوكية منحرفة في الشخصيات التي تتلبس هذه الخاصة-ومنها الحكام والقيادات الحزبية..!
وليتخذوا من قول المهاتما غاندي شعارا عمليا..”لا رغبة عندي أقود رجلا واحدا إذا كنت عاجزا عن مخاطبة عقله”.
وكفى استثمارا مشوها للحالة الأمية عند الناس-أو الخلل الأخلاقي عند البعض الآخر..

للتأثير على نفوسهم -نفسيا -بدلا من مخاطبة العقول-كما يرى غاندي..
وكما ينبغي في العمل النضالي السياسي خاصة أن يكون.
بل إن بعض السلوكيات الحزبية-أو الحزبيين-بلغ حد التدخل إلى جانب الذين يعتدون على حقوق أبناء جلدتهم في قضايا وظيفية ..لا علاقة لها مباشرة بالسياسة..وإنما يدل ذلك على مدى الحالة الاستهلاكية للسلوك الحزبي لدى هؤلاء..وتوظيفه لمصالح أنانية وملتبسة..أخلاقيا..كان يقفوا إلى جانب مدير يعتدي على موظفين كرد في إدارته،ليضغطوا على هؤلاء الموظفين للرضوخ للممارسات الخارجة عن القانون والشرع..

والتخلي عن المطالبة بحقوقهم عبر القنوات الشرعية..
علما أن هذا  النمط من المدراء هو نمط ذو مواقف معادية للقضية القومية الكردية..

فضلا عن الممارسات المؤذية للكرد في كل اتجاه..!
يعنى أن بعض هؤلاء يتقربون من الخصوم على حساب مصالح شعبهم..بتوظيفات سياسية باهتة..أفضل ما يقال فيها أنها ذاتية..!
ويقفون أمام نشوء منظمات أهلية ومجتمع مدني بطريقة فظة..لإبقاء المجتمع في عطالة واللعب في ساحته بأنانية مقيتة-أحيانا- ومؤذية للمصلحة المجتمعية من اجل تصورات حزبية خاصة، أظهر ما فيها سوء تصرف حيال المجتمع..
ويصرخون بشعارات –كما غيرهم من أصحاب الشعارات- في وجع بعضهم بعضا –أحزابا وجماهير..!
اعتدنا-نتيجة تربية أو خوف..داخلي وخارجي- أن نتجنب الحديث النقدي والإشارة إلى أسماء خوفا من الاحتكاك الاجتماعي،ومن ملاحقة القوانين التي وضعت بطريقة ايديولويجية كما كل المجريات الشرق أوسطية..
قرأت في احدي الصحف مرة أن محاميا احتج على حرب العراق بقطع الطريق أمام موكب الرئيس الأمريكي،فأخذته الشرطة بعيداـ ولكنه عاد للمرة الثانية والثالثة..وفي المرة الثالثة احتجزته الشرطة إلى أن وصل الموكب إلى مستقره،ثم أفرج عنه..وطبعا خلال ذلك يصرخ المحامي بما تجود به قريحته منددا بالحرب وبقرار الرئيس بوش في إشعاله لها..
وعدت قليلا إلى البلدان “الشرق أوسطية” فوجدت سجون البلاد مليئة..بالناس..

لأن شخصا انتقد حادثة معينة في بلدة صغيرة،و آخر انتقد طرفا من سياسة الدولة فيما يتعلق بالضرائب مثلا..أو أن احدهم لاحظ على الانتخابات أمرا لم يستطع السكوت عنه.

في إحدى الدورات الانتخابية..!
وقد يسجن المواطن-تجاوزا- من اجل أي شيء ما لم يعجب السلطات..

 ومن اجل أية ملاحظات من تلك التي يحق له أن يبديها بحق دستوري..
-فحرية التعبير مكفولة دستوريا–حتى في البلدان التي تقوم بالقمع..!
ولكن المشكلة أن الدستور ذاته لا يملك حرية ا لتعبير ..
فهو بين أيدي الحكام ،يأخذون ما يلزم لدعم حكمهم،ويعطلون ما يخدم المصلحة الشعبية العامة.وان اقتضى ذلك الآلاف من السجناء..بل ومثلهم من القتلى-ربما- أيضا..-أحيانا!
هذه هي الطريقة التي يمارس فيها الشرق أو سطيون الديمقراطية-نهارا ديمقراطية وليلا أوامر عسكرية..واستخباراتية..
الحكم في البلدان “الشرق أوسطية” هو شهوة طاغية،مرتبطة بسيكولوجية فهم الحكم..

والمبني على فكرة أن الحكم وسيلة التحكم في الآخرين..وان لم تتحكم أنت ،تحكم الآخرون بك..فهي فكرة مستنبطة من سيكولوجية القبيلة.
ومن المؤسف أن هذه الظاهرة تجد دوما من يبرر لها..!
فإذا كان  الذي يبررها حاكما، فالأمر في سياقه..أما إذا كان التبرير ممن لا يحكم.

فكيف  يمكن أن  نفسر الأمر سوى في ضوء “سيكولوجية الإنسان المقهور” والذي اعتاد قهره..فتحول إلى تابع مطيع..أو متملق خانع..أو متسلق مستهتر بالقيم….
وفي كل الأحوال ،إلى كائن بشري مشوه فقد خصوصيته الشخصية..ومن ثم قيمته وكرامته..البشرية..!

فكيف يستقيم أمر شعوب وأوطان إذا كانت فاقدة كرامتها الشخصية..؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…