ما دفعني الى كتابة هذه المقدمة هو ما قرأته في عدد حزيران من نشرة حزب “يكيتي”الكردي في سوريا الصفحة السادسة بعنوان ” ما هكذا تخدم قضايا العيش المشترك والسلم الأهلي يا راعي الكنيسة السريانية”
بعد قراءة المقال ومع كل التقدير للحزب المذكور أعترف بأنني أصبت بالدهشة والاستغراب مما ورد في هذه المقالة وككردي مستقل لا أنتمي الى أي من أحزاب الحركة الكردية السورية ولكني أحاول بجهد فردي متواضع ومع بعض الأصدقاء المؤمنين بالعيش المشترك للعمل على نشر ثقافة الديمقراطية بالتواصل والحوار مع الجميع إيمانا منا بأن الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع السوري لا يتم الا بالتلاقي والحوار والاحترام المتبادل وتحقيق المساواة بين مكوناته وليس بثقافة الهيمنة والإقصاء والتهميش .
والمعروف عن نيافة المطران متى روهم أنه في مقدمة من يعمل في هذا السبيل وله أياد بيضاء على أبناء الجزيرة السورية وكل من يريد التأكد من ذلك فليذهب الى مدارس كنيسته في مدن الجزيرة ليعرف كم عدد الطلبة الكرد والعرب وغيرهم ممن يتعلمون في هذه المدارس وخاصة في الدرباسية ورأس العين حيث أن عدد التلامذة الكرد أكثر من السريان ونذكر جميعا الطالبة الكردية ” سوزدار” التي نالت الدرجة الأولى في الثانوية العامة منذ عامين على مستوى سوريا كيف كرمها نيافة المطران وأهداها جهاز كومبيوتر غالي الثمن ولم يسأل يومها عن دينها أو أثنيتها وإنما فقط لأنها فتاة من الجزيرة ونالت الدرجة الأولى على عموم المدارس السورية , وكذلك بالنسبة للاجئين العراقيين في محافظة الحسكة فمعروف عن الكنيسة السريانية أنها تقدم مساعدات شهرية لهم وقد أكد أكثر من عراقي أنها تقدم لجميع اللاجئين بدون استثناء “عرقي أو ديني” سوى كونهم عراقيين!!!.
لكل الأسباب التي ذكرت وغيرها مما لا يحضرني الآن, وغيرة مني على مصلحة شعبي الكردي وفي سبيل خدمة وحدتنا الوطنية السورية ولأني أرى أن أي حزب كردي سواء اتفقت أو اختلفت معه فانه يمثلني ككردي أمام الآخر الوطني شئت أم أبيت !, وحتى لا نخطئ بحق رجل بهذه الصفات الإنسانية الراقية , ومع ثقتي بأن شخصا بمستوى نيافة المطران متى روهم الذي نذر نفسه لخدمة شعبه وشركائه في الوطن لا يمكن أن تغير نهجه ومسلكه الإنساني وتفانيه في خدمة الجميع مقالة هنا أو كلمة نابية هناك , وبرغم ذلك فقد طلبت مقابلة نيافته واستقبلني الرجل الكبير بكل الود والترحاب مع الصديق عبد الرزاق كدو وتمنيت على نيافته وبكل صراحة أن يتقبل أسئلتي ويجيب على استفساراتي خدمة لبلدنا الذي نحبه جميعا وللعيش المشترك الذي نعمل في سبيل تحقيقه , وكانت أسئلتي حسب البنود التي وردت في المقالة وكالتالي :
1- في ما يخص القول أن نيافته يحمّل الكرد مسئولية مجازر المسيحيين في تركيا العثمانية وأنه كان وراء إصدار كتاب آزخ سيئ الصيت مثلما ورد في المقالة “لم أقرأه بعد” كان جواب نيافته أن تلك الجرائم مسئولية السلطة العثمانية الحاكمة آنذاك واذا اشترك في تلك الجرائم أفراد من الكرد فان هنالك أيضا من الكرد من وقف الى جانب المسيحيين يومها وحماهم وتعرض للتنكيل بسبب ذلك وأنه لا يحمّل الكرد مسئولية تلك الجرائم لأنهم لم يكونوا دولة حينها حتى يتم تحميلهم تلك المسئولية فالدولة هي التي تتحمل تلك المسئوليات كاملة .”هنا أتمنى على كاتب المقال ان يقرأ كتاب الدكتور كمال أحمد مظهر “كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى”الفصل الخامس “الكرد والدم الأرميني المراق” .
يقول المؤرخ الاغريقي هيرودوت: “ان مهمتي أن أصف أعمال البشر وهدفي ألاّ تغيب تلك الأعمال عن الأجيال اللاحقة لعل هذا يجعلهم يتعرفون على أسباب المآسي والحروب بينهم فيما مضى” !.
نشرت منذ عامين بحثا بعنوان “قراءة موجزة في التاريخ الكردي الأرميني” كانت هناك بعض الردود عليه فالأرميني اتهمني بكردي متعصب والكردي اتهمني بأني أرميني أدّعي الكردية ولكن شخصا واحدا شكرني قائلا بأني سلطت الضوء على زوايا لم يجرؤ غيري على الاقتراب منها.
.أعتقد السبب في ذلك هو لأني أرى أن كتابة التاريخ بصدق وموضوعية وفحص أخطاء كل طرف ليس فقط للسرد أو لاتهام الآخر وإنما كدروس وعبر نستفيد منه وكي لا تتكرر تلك الأخطاء والمآسي مستقبلا .
أما بخصوص كتاب “آزخ” والذي كما ذكرت لم أقرأه بعد الا انني أرى أن من حق أي كان أن يعرض وجهة نظره في موضوع ما أو ذكر تاريخ مرحلة معينة ومن يقرأه يستطيع التفريق بين الدسّ أو ذكر الحقائق كدروس وعبر للأجيال!.
أما بالنسبة لنيافة المطران فقد قال بأنه حقيقة لم يسمع بالكتاب إلا بعد صدوره وانه بعد الضجة التي أثيرت حوله قرأه وخاطب كرد ديريك يومها بالقول أرجو أن لا تجعلوا من مؤلف الكتاب “يوسف القس” سلمان رشدي آخر “أي كما خدم الخميني سلمان رشدي بإصدار الفتاوى ضد كتابه “آيات شيطانية” فصنعت له ضجة كبيرة كانت النتيجة مجدا للكاتب وبيع ملايين النسخ من الكتاب بسبب فتوى الخميني”.
2- وبخصوص ما قيل في البند الثاني عن تضخيم الحوادث بين الكرد والسريان وتعيين السيد عبد المسيح قرياقس في مجلسه الاستشاري “الملي” كان رد نيافته بأن السيد قرياقس له اتجاهه السياسي المختلف ( بعثي عربي وكما سمعت أنه أسس أخيرا ما أسماه العائلة الآزخية – كاتب السطور) وهو ليس عضوا في المجلس الاستشاري “الملي” ولهذا فهو حر فيما يفعل ويقول ولا يمثل كنيستنا في شيء.
3- أما بالنسبة لما ذكر من توجيه مبطن بعدم التعامل مع الفعاليات الاقتصادية الكردية والتي نفاها نيافة المطران “الا أنني أقول أن هذه تصرفات فردية مصلحية فكل واحد منا يتعامل مع من يرى مصلحته الخاصة في التعامل معه وحينما استفيد من علاج طبيب أذهب اليه والباص الذي أرى أن خدماته مريحة أسافر معه وأعتقد أن هذا يسري على الجميع وهو الواقع كما نلاحظ باستمرار”.
4- وبالنسبة لما ذكر عن الاستقواء بالسلطة في أي حادثة كمطران ومرجع لطائفة كبيرة ” الطائفة السريانية” فقد ذكرني نيافته بحادثة رأس العين بعد مأساة ملعب قامشلو والتي سمعت يومها أنه عرّض نفسه للأخطار وكان معه الشيخ ياسين وغيره وحين لم يستطع فعل الكثير طالب السلطات العليا بإرسال الجنود لمنع الرعاع المدعومين من السلطة المحلية في المحافظة من التخريب ولما رأى أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا استغل كل إمكاناته لإرسال الجنود بالهليكوبتر وهذا ما حصل فعلا , وكما يعلم كاتب المقال ونعلم جميعا أن التخريب كان ضد الكرد يومها …… “بعد عودتي من اللقاء اتصلت مرة أخرى بأكثر من شخص كردي في رأس العين وأكدوا لي ذلك” .
5- أما بالنسبة للقول بوقوفه الى جانب النظام !!!.
لست أدري ماذا يريد كاتب المقال ؟ هل يعلم الكاتب أن المطران ليس كرديا وإنما هو مرجع ديني لإحدى مكونات المجتمع السوري الأخرى وعلاقة الكرد به علاقة شريك في الوطن ثم هل يريد الكاتب من مرجع ديني لا يتعاطى السياسة أن يحارب النظام !, أعتقد أن ما ذكرته عن حادثة رأس العين وجهوده في منع مجزرة كادت تحصل بين الكرد والعرب هناك لولا جهوده الجبارة وجهود المخلصين من الكرد والعرب والسريان تستحق الشكر اذا كنا نريد العمل من أجل مصلحة شعبنا الكردي ومجتمعنا السوري المتعدد الاثنيات والأديان والمذاهب , أما بالنسبة لمشاركة المسيحيين “الآثوريين” في مجالس عزاء ليلة النوروز فما أعرفه هو أن ممثلي الحزب الآثوري الديمقراطي شاركوا وزاروا العديد من الأحزاب في تلك الليلة , هل أراد كاتب المقال أن يزوروا ثلاثة عشر حزبا كرديا أو أكثر في ليلة واحدة !, وسيادة المطران نفسه وكما أعلم يشارك في العديد من مجالس العزاء للكرد وكلماته كلها تنادي بالإخاء والتسامح والمحبة وهذه مهمته الإنسانية
6- بالنسبة لتوجيه الجالية السريانية في الخارج للوقوف بجانب السفارات السورية ودعم رأيها أعتقد أن هذا مردود لأن هؤلاء لو عملوا بما يريده المطران لما تركوا أرضهم ووطنهم ويبدو أن الأخ كاتب المقال لم يسمع بتصريح البطريرك عمانؤيل دللي في العراق منذ فترة ورغم كل المآسي التي تحصل هناك فانه رفض هجرة أو تهجير أبناء طائفته الى الدول الغربية وإصراره على بقائهم في أرضهم وكما قال نيافة المطران عن الغربة أن من يتغرب فانه “يتغرب عن ذاته أيضا” .
“هنا لي تساؤل على الهامش هل فكرت أي من أحزابنا الكردية في نتيجة هجرة عشرات الألوف من الكرد خلال العقدين الأخيرين كما فكرت مرجعيات الآثوريين أعتقد أن هذا يحتاج الى مقالات”!!!.
أما بخصوص البعثات الأوربية والتي ذكر كاتب المقال أنها قدمت في الشهر المنصرم فأحب أن أذكّر صاحب المقال أن نيافة المطران وكما علمت أنه كان في الصين للعلاج لأكثر من شهرين وقد عاد منذ عشرة أيام تقريبا ولذا فانه لم يلتق بأي بعثة وقد سألت المسئول في المنظمة الآثورية الديمقراطية الأستاذ كبرئيل كورية الذي قال بأن سكرتير السفارة الهولندية كان هنا منذ حوالي الشهر ولم يتطرق الى موضوع الأكراد من قريب أو بعيد وأعتقد أنه التقى بالأحزاب الكردية أيضا ثم ألا يعتقد صاحب المقال أن هكذا بعثة سوف يعرف الجميع بوصولها ثم هل أن عاقلا يستطيع الادعاء بالمعاناة من اضطهاد الكرد والكرد أنفسهم مضطهدون.
دامت المقابلة لأكثر من ساعة مع سيادة المطران متى روهم وتشعبت الى العديد من المواضيع وأحب هنا أن أستعيد بعض ما قاله نيافته وقبل أن أخبره عن مصدر المقال قال : “ما زلت أقول أن الشعب الكردي الذي ينتمي الى العرق الهندو أوربي أصبح اليوم يرجح العقل الأوربي على الغيبيات والسحر الهندي برغم هذه المقالة التي أرى أنها لا تخدم مصلحة الشعب الكردي ولا قضايا العيش المشترك …..مكملا أما بالنسبة لي شخصيا فلا أرى من المناسب حتى الرد عليها……….” انتهى.
لقد تطوعت لهذا العمل والبحث في الخدمات التي تقدمها الكنيسة السريانية وإجراء هذه المقابلة مع نيافة المطران متى روهم لسببين الأول لمعرفتي المسبقة عن وطنية نيافته والروح الإنسانية العالية التي يتمتع بها وتفانيه في خدمة المجتمع في الجزيرة كما هو معروف عنه وما ذكرته آنفا قليل من كثير يستطيع تلمسها كل باحث عن الحقيقة.
والسبب الثاني هو التقدير الذي أكنه للجهد الذي يبذله حزب يكيتي داخل الحركة الوطنية الكردية السورية وغيرة مني على سمعة الحركة ككل والتي في النهاية تعتبر الممثلة لنا ككرد برغم الاختلاف في الرأي معهم في العديد من القضايا ومع أنني أرى في الممارسة النقدية الدائرة اليوم داخل أحزاب الحركة الكردية السورية أسلوبا ديمقراطيا دافعا الى تحقيق صالح الحركة الا أنني وبكل تقدير وحب أود تنبيه هيئة تحرير يكيتي الى أن كاتب المقال بهذا الأسلوب في التعامل مع الآخر “غير الكردي” وبهذه الطريقة في التطاول على الشريك الآخر الوطني لا أرى فيه سوى محاولة لإدخاله ضمن دائرة السجال الذي يجري هذه الأيام بين أطراف الحركة الكردية والتعامل معه انطلاقا من تلك المماحكة وكأن كل ما قاله الكاتب لا يخرج من دائرة تلك المماحكات وأرى أن هذا الأسلوب لا يخدم مصالح الحركة الكردية ولا قضايا العيش المشترك بل أنها تدفع باتجاه فتح جبهات جديدة نحن في غنى عنها .
Hussein.isso@gmail.com