للنقد قواعده و أصوله

عبد الرحمن آلوجي

إن البحث الذي يتناول بالنقد و التحليل أي ميدان من ميادين البحث و الدراسة سواء كان ذلك البحث أو تلك الدراسة ينخرطان في السيسيولوجيا أو الميثولوجيا أو الاستطيقا (علم الجمال) , أو الانتروبولوجيا , أو سيكولوجيا الأعماق , أو أية إيديولوجيا تتناول العلوم الإنسانية , و فلسفة الحياة , و تفسير مظاهر التاريخ و ظواهره أو يدخلان تحليلا و دراسة جوانب أدبية , أو مدارس وضعت أصولها و قواعدها في الفكر و الفلسفة و الأدب ..

مما يجعل للمنهجية و البحث المنظم أصولا و أسسا لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها , للوصول إلى المعرفة و مكامنها , و صيغها و تطوراتها , و أساليب تمحورها و تبلورها , و الثغرات المحيطة بها ليصار إلى تجاوزها , بأسلوب علمي , لا مجال فيه للأهواء و الانفعالات و المواقف المسبقة  , و الرؤى المصنوعة , أو الأخرى الضبابية و القاتمة , أو التي تقوم على دوافع ذاتية مستكنة و متراكمة , تعتمد منطق الكراهية و التشفي , و مآلهما من التشهير و توتير الأجواء , و تسخين المواقف , و قيادتها إلى مهاوي التحدر و الترهل و الانكسار …
وتلك من الأدواء الوبيلة , و الأمراض الاجتماعية , و العقد النفسية المتراكمة , و التي تصحب المجتمعات في حالات التكون , و بداية الخروج من الأزمات أو الدخول في دهاليزها و منعرجاتها و التواءاتها , مما لا يمكن اعتماده منطقا علميا متوازنا يمكن أن يفيد في معالجة أية حالة , أو تقديم تشخيص ملائم ينسجم مع وضع المسألة المنتقدة , مهما كان باب الانتقاد و وجهه و نوعه و توجهه …
إن النقد الموضوعي في أصوله و قواعده , و ما استقر عليه من منهجية واضحة , و رؤية علمية متجردة , و منطق بحث متماسك , يستوجب مراجعة دقيقة للموضوع أولا , و فهما عميقا لملابساته و دقائقه و متشابهه و محكمه , و أصوله و فروعه ثانيا , و إدراكا عميقا لما ينبغي أن يكون عليه موضوع الانتقاد , و ما يستلزمه و يمكن التطلع إليه بالبحث عن مكامن الضعف و ثغراته و نواقصه , للولوج أخيرا إلى الصورة المتكاملة المراد رسمها و توضيح أطرها ووضع معالمها في صورة مألوفة أو غير مألوفة , مما هو في نطاق المبدع و المشرق من الفكرة , و ما يمكن أن يفيد و يجدي و يرقى بالعمل المنقود , و ينقله إلى حيز جديد , و ثوب أكثر جدّة و جمالا , وفكرة أكثر عمقا و جلالا ..
و ما نشهده اليوم على الساحة السياسية عامة , و في مستجدات الوضع السياسي و تعقيداته و سياقاته الدقيقة في المنطقة و العالم و ما نشهده على الساحة الكردية , و ما يطرح على الحركة الكردستانية عامة و الكردية في سوريا خاصة , و ما يثار حول ذلك كله من حديث ذي شجون , و جدل متواصل , و حوارات متعددة و آراء ناقدة , مختلفة المدارس و التوجهات , ما نشهد من كل ذلك ينبغي أن يراجع و يحلل و ينتقد و يوجه الوجهة المنهجية الصحيحة , التي تخدم الفكرة في مصداقيتها و صوابها و دقة تعاملها مع الواقع , و العدالة و آفاقها , و تطلعات الشعوب و همومها و طموحاتها الكبرى , مما يفترض في النقد التحليلي أن يرقى إلى السوية المطلوبة و الأطر المرسومة , و القواعد التي سلف ذكرها و تفصيلها مما ينبغي أن يحدد الأفق المرسوم , و الرؤية المرتقبة الناضجة و المعززة لكل ما هو عادل و صحيح و مشرق و مبشر بمستقبل واعد للمنطقة و العالم , بما يرسّخ مقومات السلام العالمي , و يرنو إلى ذلك النهج الإنساني في محاربة الاستغلال و القهر و العنصرية و الإقناع بالقوة , و منطق الاستبداد و الجور و سحق الحريات العامة , و رعاية الإرهاب , و احتضان بؤر التوتر , و يرسي قواعد مجتمع إنساني رائد يتجلى في نبش كنوز المعرفة , و تسخير طاقات الكون و إمكاناته , و إبداعات الإنسان في تطويع ذلك الإعمار و البناء و التقدم والمعرفة الشاملة.

و ما يهمنا أن نعرفه و نركز عليه أن نؤكد على منهجية النقد  و رؤيته الشفيفة , و وضوحه و إشراق توجهه و بعده عن التشفي و المزالق الذاتية في الحركة الكردية في سوريا , و اعتماد منطق عقلاني هادئ , و لغة حوارية مريحة , و أسلوب يتسم بالمرونة و قوة الإقناع و جمال العرض و روعة الخطاب في مخاطبة للعقل و القلب و المشاعر و بعد عن اللغة الفجّة الساذجة و السطحية و المعتمدة في كثير من الأحيان منطق السباب و التشهير و الوقيعة و الشتم و ما ينم عن ضغائن و مكائد و كوامن بغيضة غير منتجة ليكون من يتصدى لها بالنقد و التحليل و توجيه الدفة مدركا عمق وحجم هذه المسؤولية , و ليكون انصرافنا إلى هذا العمل الميداني منطلق بناء و أداة صياغة جديدة , بعيدا عمّا نشهده من صبّ الزيت على النار و إشاعة اليأس , و الإمعان في تفتيت الجسد الجريح و إثخان جراحاته , في حرب إعلامية أشبه بحرب الوكالة عن الآخرين , الذين يتربصون بالحركة الدوائر , بدلا من محاولة لملمة شملها والبحث عن مخرج لأزماتها و إشاعة الثقة بينها و بين الشارع الكردي , بالبحث عن حلول ناجعة , و هموم مشتركة , و إشراك فعلي في صنع القرار السياسي الذي يشكل هما جماعيا شاملا و مسؤولية تاريخية كبيرة و مشتركة , حيث نجد بعض الأقلام على  الرغم من عثراتها و هفافتها و ضعف خبرتها تتهاوى في مستنقع النيل من الحركة , و الإمعان في التشهير بمثالبها و أخطائها و عثراتها , و ركوب نقد متهاوٍ ضعيف الأداء بعيد عن المنهجية , غارق في الذاتية , مفتقر إلى الأصول و القواعد , مما يزري بالمنقود , و يودي بثمراته , و يؤول إلى التيئيس و إشاعة الأنفاق المعتمة , و زرع عوامل البلبلة و الفوضى , و روح التشهير , و تبادل الاتهامات و عرقلة المشاريع المجدية و الواعدة , و التي يمكن أن تشكل المرجعية و نواتها العملية قاعدة انطلاق لبناء محور وطني مبدئي يتكامل بالتلاقي و الالتفاف , و تعاضد الأطراف و النخب الساعية إلى بناء حالة جديدة , تعتمد النقد المنهجي و قواعده و أصوله وسيلة و أداة نضالية للتطوير و الإعداد و البناء , في وقت تشتد الحاجة إلى وقفة جادة و مسؤولة , و رؤية منهجية حاسمة , تتسم باليقظة و الغيرة و التنبه إلى مخاطر و منزلقات التشهير و التلويث , و أساليب التخوين و منطق التآمر و الطرق الملتوية التي لا يمكن أن تأتي بكبير فائدة , مع ما نلحظه من أشكال و ألوان غريبة من التبجح و الغرور و الوقوع في تضخم الذاتية المفرطة في الانخراط في هذه اللعبة التي ينبغي أن تحترم فيها الشخصية الكردية الناقدة قواعد و أصول اللعبة و مقاييسها العلمية الدقيقة , و بخاصة في المنابر الالكترونية التي تشكل وجها حضاريا عظيما كأداة إعلامية تقرؤها الملايين , لتعكس مدى رقي و حضارة هذه الأمة أو تلك , و التي تظهر في وجهها الإعلامي و رؤيتها المنهجية , و هي تتصدى لعمل إنساني هام يلبي طموحات الإنسان الكردي ليكون هذا المظهر الحضاري لائقا و مثمرا , نقدم فيه ثمرات عقولنا و إفهامنا للآخرين , و حسن أدبنا و مدى ترفعنا عن الترهات و المنزلقات و الأضاليل و الفحش , مما يبدي نقدا رفيعا و فهما دقيقا و رؤية سياسية و إعلامية ناضجة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…