شيرزاد شيخاني
بعد نجاح الإنتفاضة الكردية عام 1991، وهي إنتفاضة جماهيرية عارمة إندلعت في كردستان لنيل الحرية التي صادرتها الأحزاب الكردية المتسلطة على كردستان فيما بعد، تسلمت الجبهة الكردستانية مقادير إدارة الإقليم المتحرر، خصوصا بعد أن سحب النظام الدكتاتوري الصدامي جميع إدارات الدولة من كردستان ليحدث فراغا هائلا في دوائر ومؤسسات الدولة فيها.
فلم يكن هناك بد من إيجاد أو حتى خلق إدارة محلية مؤقتة لسد ذلك الفراغ المرعب في إدارات الدولة، وذلك قبل تشكيل البرلمان الكردستاني وإنبثاق الحكومة الإقليمية..
بعد نجاح الإنتفاضة الكردية عام 1991، وهي إنتفاضة جماهيرية عارمة إندلعت في كردستان لنيل الحرية التي صادرتها الأحزاب الكردية المتسلطة على كردستان فيما بعد، تسلمت الجبهة الكردستانية مقادير إدارة الإقليم المتحرر، خصوصا بعد أن سحب النظام الدكتاتوري الصدامي جميع إدارات الدولة من كردستان ليحدث فراغا هائلا في دوائر ومؤسسات الدولة فيها.
فلم يكن هناك بد من إيجاد أو حتى خلق إدارة محلية مؤقتة لسد ذلك الفراغ المرعب في إدارات الدولة، وذلك قبل تشكيل البرلمان الكردستاني وإنبثاق الحكومة الإقليمية..
في تلك الأيام إلتقيت في إحدى المناسبات بالقيادي الكردي الدكتور محمود عثمان الذي كان أحد قادة الحزب الإشتراكي الكردستاني الذي كان يؤمل منه أن يكون الخط الثالث في كردستان، أو بمثابة تيار الوسط بين الحزبين التقليديين في كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، قبل أن ينجح هذان الحزبان في ذبح الحزب الإشتراكي وحرق جثته ثم نثر رماده في مياه كردستان ؟!..
وسمعت من الدكتور عثمان حديثا مازال عالقا في ذهني الى يومنا هذا، وسيبقى طالما كانت هناك حكومات فاسدة في كردستان تؤسس على أساس المصالح الحزبية الضيقة، وليس على أساس مصالح الشعب العليا.
قال لي ” في نهاية الستينات تمكنت قوات البيشمركة من تحرير بلدة صغيرة في إحدى المناطق الجبلية الحدودية، ( وعلى ما أتذكر كانت ناحية – بنكرد- إذا لم تخنني الذاكرة)، وبعد أن تم تحرير هذه البلدة هرب مديرها تاركا إياها بدون إدارة..
فأصدرت قيادة الثورة قرارا بإخضاع الناحية الى سلطة البيشمركة بإعتبارها منطقة محررة، وعينت لها مسؤولا من أحد قادة البيشمركة؟!..
ويواصل الدكتور محمود وهو كان في ذلك الوقت شخصا معتمدا وموثوقا بل ومستشارا لقائد الثورة الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني، ويقول” ذهبت الى البارزاني وأخذت بيده أترجاه أن لايفعل ذلك..
وقلت له، أن تعيين قائد عسكري لوظيفة مدنية إدارية خطأ كبير، وقد تتحول الى سابقة خطيرة أو سنة قد تتكرس مع الزمن، لذلك أرجوك أن ترسل بطلب مدير الناحية السابق وتعطيه الأمان ليعود الى إدارة الناحية، أو على الأقل أن نعين موظفا مدنيا مديرا لها بدل تعيين قائد عسكري لإدارة مدنية”.
وكان الدكتور محمود بفكره الثاقب في تلك الفترة وما أعرفه عن الرجل وهو صديق لي أنه مازال على نفس هذا الموقف، يدرك مدى خطورة الموقف بتسليم الشؤون الإدارية للبلدة بيد العسكر، فكيف إذا كان هذا العسكر من البيشمركة الذين هم في معظمهم من أبناء القرى والأرياف ولم يؤتوا نصيبا كبيرا من العلم والتعلم بسبب ظروف حياتهم في القرى والأرياف القصية والمهملة من الحكومات العراقية المتعاقبة، أو بسبب حرمانهم من التعليم لظروف النضال في الجبال المنعزلة بكردستان..
وكان الرجل على حق، والدليل أن معظم من يملكون مقادير الحكم اليوم في كردستان هم من المحاربين القدماء الذين لا يملكون الخبرات أو الكفاءات لإدارة شؤون الحكومة..
هذه الحكومة التي تعتمد معايير الحق النضالي كأنها حق إلهي، ولا تدع الشخص المناسب يحتل مكانه المناسب، ستكون بطبيعة الحال حكومة فاسدة متخبطة عرجاء لا يستقيم لها الظل.
فهناك اليوم الآلاف ممن لا يملكون أية شهادة دراسية حتى ولو متوسطة وتتلألأ على أكتافهم عدد من النجوم ويأتمرون على الخلق والعباد، يقابلهم العديد من أنصاف المتعلمين الذين يديرون مؤسسات ودوائر الحكومة، كل مؤهلاتهم أنهم مخلصون الى حد العظم لأحد الحزبين الحاكمين من دون أن يكون لهم أي ولاء للوطن الكردستاني، بدليل تلك الصفحة السوداء من الإقتتال الداخلي في منتصف التسعينات من القرن الماضي والذي لطخ جبين الحركة التحررية الكردية، لأنه كان قتالا مريرا بين حزبين على السلطة والنفوذ والإستحواذ على موارد الكمارك، وليس بين البيشمركة وأعداء الوطن الكردستاني.
وقد حصد ذلك القتال الدامي آلاف القتلى والجرحى والمعوقين؟؟!!.
هذا الولاء الحزبي الخطير الذي يكفر بكل القيم النضالية التحررية للشعب الكردي، ويتنكر لمصالح الشعب العليا في سبيل المصالح الحزبية الضيقة، ما زال على أشده اليوم رغم أن قيادتنا الكردية تدعي أنها تعمل على إرساء أسس المجتمع المدني في كردستان.
وهذا الولاء الحزبي الضيق الأفق يكفر بكل القيم الإنسانية التي يفترض توافرها وسط شعب عانى ما عانى طوال أكثر من ثمانية عقود من الزمن في ظل مآسي وويلات تتالت على رأسه بيد العديد من الحكومات والأنظمة الدكتاتورية والعنصرية.
إسمعوا هذا الخبر المنشور في موقع ( كوردستان نيت) باللغة الكردية، يقول الخبر” أن دارا سكنية قد تهدمت في مدينة حلبجة على رؤوس عائلة المواطن جلال أحمد البالغ من العمر 60 عاما بسبب تهالك سقفها، وهو والد لأحد شهداء القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، ويعيل إثنين آخرين من جرحى القصف الكيمياوي”.؟؟!! وينقل الخبر عن هذا المواطن قوله” لقد سجلت إسمي لطلب تخصيص دار سكنية بديلة لعائلتي قبل ست سنوات، ولكن في كل مرة أجد هناك من يشطب إسمي من القائمة، ولم أستلم لحد الآن أي تعويض أو حتى مساعدة مادية لتجديد أو ترميم داري”؟؟؟!!.
المشهد الثاني من التراجيديا الكردية،هو مشهد تظاهرات جرت قبل عدة أيام في مدينة السليمانية إحتجاجا على سوء الخدمات، خصوصا تجهيزات الكهرباء والماء.
وقد رفع المتظاهرون مطالب الى حكومة الإقليم يدعون فيها الى زيادة ساعات تجهيز الكهرباء الى 15 ساعة، والى تجهيز دور المواطنين بالماء الصالح للشرب بمعدل ثلاث ساعات يوميا.
هذه التظاهرة التي نظمها عدد من سكان مدينة السليمانية إمتنع محافظ المدينة الترخيص لها رغم أن التظاهر حق دستوري مكفول وفق الدستور العراقي، وأنها كانت تظاهرة إحتجاجية على سوء خدمات حياتية هي من أبسط حقوق المواطن على الدولة؟؟؟!!
ولعلم من لا يعلم فإن حلبجة التي أصبحت رمزا لمظلومية الشعب الكردي وعرفت قضيته العادلة بالمجتمع الدولي،يعاني مواطنوه من ضحايا القصف من هذه الحياة المأساوية، فيما هذا هو حال سكان مدينة السليمانية مع مشكلتي الكهرباء والماء وهما من أبسط مستلزمات الحياة الإنسانية، وهذه الأزمات تتلاحق على رؤوس السكان، في الوقت الذي تتسلم فيه حكومة الإقليم سنويا ما يقرب من سبعة مليارات دولار بالإضافة الى مليارين أو أكثر من الميزانية التكميلية من خزينة الدولة العراقية ؟؟؟
هذا حال الإغلبية الساحقة من الشعب الكردي في الإقليم، فيما هناك حفنة صغيرة من المتحكمين برقاب هذا الشعب يتصرفون بملايين الدولارات كل يوم، بل ويذهبون في سفريات راحة وإستجمام الى المنتجعات السياحية ويصرفون أموالا طائلة على حساب حكومة الإقليم في الملاهي والمراقص والفنادق في الدول السياحية ؟؟!!.
هناك شرذمة صغيرة منتفعة من إمطار كل هذه الأموال على رأس حكومة الإقليم، وهؤلاء في معظمهم من أنصاف الأميين، بينهم من يشتري شهاداته الدراسية من دول أوروبا الشرقية بحفنة من الدولارات كما كان أفراد إسرة صدام حسين يفعلون، وهناك أعضاء في الحزب الحاكم في بعض الدوائر والمؤسسات والوزارات يمتلكون صلاحيات وسلطة أكبر بكثير من الوزراء والمدراء،وهذا عين ما كان صدام حسين يفعله أثناء حكمه، بتنصيب عريف إستخبارات بعثي على قادة الفرق العسكرية؟؟!!.
لا بل أن هناك ظاهرة غريبة وعجيبة في إقليم كردستان، وهي توريث المناصب الحكومية.
فما أن يموت أحد القياديين المخلصين لهذا الحزب أو ذاك حتى يعين إبنه أو إبنته أو شقيقه في المناصب التي يتركها، وفي كثير من الأحيان يعين هذا الإبن أو الإبنة وزيرا في الحكومة، أو عضوا في البرلمان، حتى لو لم يمتلك ذلك الشخص وزنا أو كفاءة أو مؤهلات تؤهله لشغل تلك المناصب الرفيعة التي هي على تماس مباشر بمصالح المواطنين؟؟؟!!!.
وهناك ما هو أشر من ذلك، وهو تنصيب الكثير من أصحاب السوابق الخيانية بحق الشعب الكردي، مثل الجحوش والمرتزقة والمستشارين من الموالين للنظام السابق الذين كانوا يقتلون الشعب الكردي، في مناصب بالحكومة والحزب وتخصيص ميزانيات ضخمة لهم من أموال هذا الشعب، وفيهم اليوم من ينطق باسم الشعب الكردي داخل البرلمان العراقي؟؟!!.
السؤال هو، لو كان كل هؤلاء الشهداء الذين رووا تراب كردستان بدمائهم من أجل نيل الحرية، يدركون أنه سيأتي يوم وقياداتهم ستتنكر لكل القيم النضالية التي ضحوا بأرواحهم من أجلها، فهل كانوا سيضحون بدمائهم من أجل تنصيب حفنة من الأشرار والأعداء وأنصاف الأميين على رقاب هذا الشعب؟؟!!.
هل كان هؤلاء الشهداء على إستعداد للجود بحياتهم، لكي يأتي يوم يتسلط فيه بقايا وخدام البعث وحفنة من الجحوش المرتزقة ومنهم من قتل عشرات البيشمركة، على مقادير هذا الشعب؟؟!!.
لقد قلت في مقال سابق أنني لم أناضل في جبال كردستان، وأكرس له 22عاما من عمري في ثورتين منلاحقتين، لكي أرى اليوم هذه الحفنة الشريرة وهم يملكون أرض وسماء كردستان على حساب دماء وتضحيات مئات الآلاف من الشهداء، ورغم أنني لست نادما على ما قدمته من أجل شعبي، ولكن العبرة تكاد تخنقني وأنا أرى ما وصل إليه الحال بهذا الشعب، فأنا أضع كل الأموال المسروقة من قبل الفاسدين في هذه الحكومة تحت أقدامي، لأنني أعرف أن هذه الأموال تغتصب عنوة وظلما من أفواه هذا الشعب المسكين، ولكني أتساءل كيف يمكن تكريم البيشمركة براتب تقاعدي لا يتجاوز 40 دولار فقط، في حين أن هناك الآلاف من المرتزقة وعملاء النظام البعثي السابق ممن يحتلون مناصب رفيعة في هذه الحكومة بما فيها داخل مؤسسات الحكومة أو في البرلمانين العراقي والكردستاني، وقد تصل رواتبهم الشهرية الى ما يتجاوز الرواتب التقاعدية لأحد البيشمركة القدماء لأكثر من قرنين؟؟!!.
أعتقد يقينا أن هذه الحكومة قد فقدت رشدها بتقديم كل هؤلاء الغاصبين والفاسدين وجوقة المتملقين وأصحاب النفوس الضعيفة على المناضلين الحقيقيين وأصحاب الكفاءات والخبرات؟؟!
شيرزاد شيخاني
Sherzadshekhani@yahoo.com
عن إيلاف
وسمعت من الدكتور عثمان حديثا مازال عالقا في ذهني الى يومنا هذا، وسيبقى طالما كانت هناك حكومات فاسدة في كردستان تؤسس على أساس المصالح الحزبية الضيقة، وليس على أساس مصالح الشعب العليا.
قال لي ” في نهاية الستينات تمكنت قوات البيشمركة من تحرير بلدة صغيرة في إحدى المناطق الجبلية الحدودية، ( وعلى ما أتذكر كانت ناحية – بنكرد- إذا لم تخنني الذاكرة)، وبعد أن تم تحرير هذه البلدة هرب مديرها تاركا إياها بدون إدارة..
فأصدرت قيادة الثورة قرارا بإخضاع الناحية الى سلطة البيشمركة بإعتبارها منطقة محررة، وعينت لها مسؤولا من أحد قادة البيشمركة؟!..
ويواصل الدكتور محمود وهو كان في ذلك الوقت شخصا معتمدا وموثوقا بل ومستشارا لقائد الثورة الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني، ويقول” ذهبت الى البارزاني وأخذت بيده أترجاه أن لايفعل ذلك..
وقلت له، أن تعيين قائد عسكري لوظيفة مدنية إدارية خطأ كبير، وقد تتحول الى سابقة خطيرة أو سنة قد تتكرس مع الزمن، لذلك أرجوك أن ترسل بطلب مدير الناحية السابق وتعطيه الأمان ليعود الى إدارة الناحية، أو على الأقل أن نعين موظفا مدنيا مديرا لها بدل تعيين قائد عسكري لإدارة مدنية”.
وكان الدكتور محمود بفكره الثاقب في تلك الفترة وما أعرفه عن الرجل وهو صديق لي أنه مازال على نفس هذا الموقف، يدرك مدى خطورة الموقف بتسليم الشؤون الإدارية للبلدة بيد العسكر، فكيف إذا كان هذا العسكر من البيشمركة الذين هم في معظمهم من أبناء القرى والأرياف ولم يؤتوا نصيبا كبيرا من العلم والتعلم بسبب ظروف حياتهم في القرى والأرياف القصية والمهملة من الحكومات العراقية المتعاقبة، أو بسبب حرمانهم من التعليم لظروف النضال في الجبال المنعزلة بكردستان..
وكان الرجل على حق، والدليل أن معظم من يملكون مقادير الحكم اليوم في كردستان هم من المحاربين القدماء الذين لا يملكون الخبرات أو الكفاءات لإدارة شؤون الحكومة..
هذه الحكومة التي تعتمد معايير الحق النضالي كأنها حق إلهي، ولا تدع الشخص المناسب يحتل مكانه المناسب، ستكون بطبيعة الحال حكومة فاسدة متخبطة عرجاء لا يستقيم لها الظل.
فهناك اليوم الآلاف ممن لا يملكون أية شهادة دراسية حتى ولو متوسطة وتتلألأ على أكتافهم عدد من النجوم ويأتمرون على الخلق والعباد، يقابلهم العديد من أنصاف المتعلمين الذين يديرون مؤسسات ودوائر الحكومة، كل مؤهلاتهم أنهم مخلصون الى حد العظم لأحد الحزبين الحاكمين من دون أن يكون لهم أي ولاء للوطن الكردستاني، بدليل تلك الصفحة السوداء من الإقتتال الداخلي في منتصف التسعينات من القرن الماضي والذي لطخ جبين الحركة التحررية الكردية، لأنه كان قتالا مريرا بين حزبين على السلطة والنفوذ والإستحواذ على موارد الكمارك، وليس بين البيشمركة وأعداء الوطن الكردستاني.
وقد حصد ذلك القتال الدامي آلاف القتلى والجرحى والمعوقين؟؟!!.
هذا الولاء الحزبي الخطير الذي يكفر بكل القيم النضالية التحررية للشعب الكردي، ويتنكر لمصالح الشعب العليا في سبيل المصالح الحزبية الضيقة، ما زال على أشده اليوم رغم أن قيادتنا الكردية تدعي أنها تعمل على إرساء أسس المجتمع المدني في كردستان.
وهذا الولاء الحزبي الضيق الأفق يكفر بكل القيم الإنسانية التي يفترض توافرها وسط شعب عانى ما عانى طوال أكثر من ثمانية عقود من الزمن في ظل مآسي وويلات تتالت على رأسه بيد العديد من الحكومات والأنظمة الدكتاتورية والعنصرية.
إسمعوا هذا الخبر المنشور في موقع ( كوردستان نيت) باللغة الكردية، يقول الخبر” أن دارا سكنية قد تهدمت في مدينة حلبجة على رؤوس عائلة المواطن جلال أحمد البالغ من العمر 60 عاما بسبب تهالك سقفها، وهو والد لأحد شهداء القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، ويعيل إثنين آخرين من جرحى القصف الكيمياوي”.؟؟!! وينقل الخبر عن هذا المواطن قوله” لقد سجلت إسمي لطلب تخصيص دار سكنية بديلة لعائلتي قبل ست سنوات، ولكن في كل مرة أجد هناك من يشطب إسمي من القائمة، ولم أستلم لحد الآن أي تعويض أو حتى مساعدة مادية لتجديد أو ترميم داري”؟؟؟!!.
المشهد الثاني من التراجيديا الكردية،هو مشهد تظاهرات جرت قبل عدة أيام في مدينة السليمانية إحتجاجا على سوء الخدمات، خصوصا تجهيزات الكهرباء والماء.
وقد رفع المتظاهرون مطالب الى حكومة الإقليم يدعون فيها الى زيادة ساعات تجهيز الكهرباء الى 15 ساعة، والى تجهيز دور المواطنين بالماء الصالح للشرب بمعدل ثلاث ساعات يوميا.
هذه التظاهرة التي نظمها عدد من سكان مدينة السليمانية إمتنع محافظ المدينة الترخيص لها رغم أن التظاهر حق دستوري مكفول وفق الدستور العراقي، وأنها كانت تظاهرة إحتجاجية على سوء خدمات حياتية هي من أبسط حقوق المواطن على الدولة؟؟؟!!
ولعلم من لا يعلم فإن حلبجة التي أصبحت رمزا لمظلومية الشعب الكردي وعرفت قضيته العادلة بالمجتمع الدولي،يعاني مواطنوه من ضحايا القصف من هذه الحياة المأساوية، فيما هذا هو حال سكان مدينة السليمانية مع مشكلتي الكهرباء والماء وهما من أبسط مستلزمات الحياة الإنسانية، وهذه الأزمات تتلاحق على رؤوس السكان، في الوقت الذي تتسلم فيه حكومة الإقليم سنويا ما يقرب من سبعة مليارات دولار بالإضافة الى مليارين أو أكثر من الميزانية التكميلية من خزينة الدولة العراقية ؟؟؟
هذا حال الإغلبية الساحقة من الشعب الكردي في الإقليم، فيما هناك حفنة صغيرة من المتحكمين برقاب هذا الشعب يتصرفون بملايين الدولارات كل يوم، بل ويذهبون في سفريات راحة وإستجمام الى المنتجعات السياحية ويصرفون أموالا طائلة على حساب حكومة الإقليم في الملاهي والمراقص والفنادق في الدول السياحية ؟؟!!.
هناك شرذمة صغيرة منتفعة من إمطار كل هذه الأموال على رأس حكومة الإقليم، وهؤلاء في معظمهم من أنصاف الأميين، بينهم من يشتري شهاداته الدراسية من دول أوروبا الشرقية بحفنة من الدولارات كما كان أفراد إسرة صدام حسين يفعلون، وهناك أعضاء في الحزب الحاكم في بعض الدوائر والمؤسسات والوزارات يمتلكون صلاحيات وسلطة أكبر بكثير من الوزراء والمدراء،وهذا عين ما كان صدام حسين يفعله أثناء حكمه، بتنصيب عريف إستخبارات بعثي على قادة الفرق العسكرية؟؟!!.
لا بل أن هناك ظاهرة غريبة وعجيبة في إقليم كردستان، وهي توريث المناصب الحكومية.
فما أن يموت أحد القياديين المخلصين لهذا الحزب أو ذاك حتى يعين إبنه أو إبنته أو شقيقه في المناصب التي يتركها، وفي كثير من الأحيان يعين هذا الإبن أو الإبنة وزيرا في الحكومة، أو عضوا في البرلمان، حتى لو لم يمتلك ذلك الشخص وزنا أو كفاءة أو مؤهلات تؤهله لشغل تلك المناصب الرفيعة التي هي على تماس مباشر بمصالح المواطنين؟؟؟!!!.
وهناك ما هو أشر من ذلك، وهو تنصيب الكثير من أصحاب السوابق الخيانية بحق الشعب الكردي، مثل الجحوش والمرتزقة والمستشارين من الموالين للنظام السابق الذين كانوا يقتلون الشعب الكردي، في مناصب بالحكومة والحزب وتخصيص ميزانيات ضخمة لهم من أموال هذا الشعب، وفيهم اليوم من ينطق باسم الشعب الكردي داخل البرلمان العراقي؟؟!!.
السؤال هو، لو كان كل هؤلاء الشهداء الذين رووا تراب كردستان بدمائهم من أجل نيل الحرية، يدركون أنه سيأتي يوم وقياداتهم ستتنكر لكل القيم النضالية التي ضحوا بأرواحهم من أجلها، فهل كانوا سيضحون بدمائهم من أجل تنصيب حفنة من الأشرار والأعداء وأنصاف الأميين على رقاب هذا الشعب؟؟!!.
هل كان هؤلاء الشهداء على إستعداد للجود بحياتهم، لكي يأتي يوم يتسلط فيه بقايا وخدام البعث وحفنة من الجحوش المرتزقة ومنهم من قتل عشرات البيشمركة، على مقادير هذا الشعب؟؟!!.
لقد قلت في مقال سابق أنني لم أناضل في جبال كردستان، وأكرس له 22عاما من عمري في ثورتين منلاحقتين، لكي أرى اليوم هذه الحفنة الشريرة وهم يملكون أرض وسماء كردستان على حساب دماء وتضحيات مئات الآلاف من الشهداء، ورغم أنني لست نادما على ما قدمته من أجل شعبي، ولكن العبرة تكاد تخنقني وأنا أرى ما وصل إليه الحال بهذا الشعب، فأنا أضع كل الأموال المسروقة من قبل الفاسدين في هذه الحكومة تحت أقدامي، لأنني أعرف أن هذه الأموال تغتصب عنوة وظلما من أفواه هذا الشعب المسكين، ولكني أتساءل كيف يمكن تكريم البيشمركة براتب تقاعدي لا يتجاوز 40 دولار فقط، في حين أن هناك الآلاف من المرتزقة وعملاء النظام البعثي السابق ممن يحتلون مناصب رفيعة في هذه الحكومة بما فيها داخل مؤسسات الحكومة أو في البرلمانين العراقي والكردستاني، وقد تصل رواتبهم الشهرية الى ما يتجاوز الرواتب التقاعدية لأحد البيشمركة القدماء لأكثر من قرنين؟؟!!.
أعتقد يقينا أن هذه الحكومة قد فقدت رشدها بتقديم كل هؤلاء الغاصبين والفاسدين وجوقة المتملقين وأصحاب النفوس الضعيفة على المناضلين الحقيقيين وأصحاب الكفاءات والخبرات؟؟!
شيرزاد شيخاني
Sherzadshekhani@yahoo.com
عن إيلاف