الوحدة الوطنية.. دعوة أم شعار..!

دهام حسن

إن الداعين للوحدة الوطنية هم كثر، لكن! قلة من هؤلاء يقفون بمسؤولية وتفحص، عن أسباب هذا التنافر والتشتت، وعلى كيفية تحقيق هذه الوحدة، وتجنيب البلد ـ بالتالي ـ عما يراد به أو يحاك ضده من الخارج، أو من الداخل على السواء..

فعندما تكون الجبهة الداخلية لأي نظام محصنة من الداخل، ومسورة بسياج المواطنة الأكيدة، يصعب على أي عات، على أية قوى، من اختراق جدارها الحصين، وزعزعة أركانه، والعبث باستقرار البلد، وأمنه، والنيل من وحدة المواطنين، وصمودهم، لكن! السؤال اللاهب، اللاهث، هو: كيف السبيل، إلى مثل هذا التحصين العصي على الاختراق.؟
كثيرا ما نسمع بإشادة القائمين على السلطة في النظم الشمولية، نسمع بإشادتهم بالوحدة الوطنية، وتراص صفوف الجبهة الداخلية؛ ثم دعوتهم إلى مزيد من التلاحم الشعبي، والوفاق السياسي،لا سيما إذا لاح في الأفق خطر “مؤامرة” حسب زعمهم، سواء أجاء هذا الخطر المزعوم  من الخارج أو من الداخل؟ والخطر الخارجي هو الغالب،  لكن الخطر الداخلي وفق دعاويهم ومزاعمهم هو ـ أيضا ـ محبوك في الخارج..

من المعلوم أن أية وحدة وطنية، لا  يمكن لها أن تتحقق، لا برغبة قائد، ولا حتى بإرادة حزب، ولا بقرار سياسي..

فهي حالة اجتماعية سياسية،  تستوجب جملة من الشروط والمعطيات؛ في مقدمتها، أن تكون مصالح قطاعات الشعب المعني مشتركة،أي رغم التلاوين، والتراتبية المنطقية، في المجتمع الطبقي، ورغم الموقع الذي تشغله في هذا البنيان، هذه الجماعة أو تلك، وهذا الحزب أو ذاك، فمن  من المفترض أن يتمتع أي كان بحقوقه كالآخرين، ويؤدي ما عليه من واجبات؛ لهذا! فإن تبجح النظم الشمولية الكاذب، بتلاحم قطاعات المجتمع، وتبجحها بالوحدة الوطنية،لا يقرها الواقع  السياسي أو الاجتماعي، ولا الحقيقة؛ فمثل هذا الشعار إنما يطلق للاستهلاك، دون أن تكون لها مضامين واقعية..
إذا ما تناولنا المسألة فكريا، علينا أن نقر بداية: أن التعددية الاجتماعية ظاهرة طبيعية في المجتمعات الطبقية خاصة، لازمت المجتمع البشري منذ القدم، فالمجتمعات عادة، تتعدد فيها المكونات الثقافية، والعرقية، والدينية.

وهذا التنوع والتعدد في الحالة، يولد لدى الجماعات المختلفة، رؤى سياسية مختلفة، هذا من جانب، ومن جانب آخر ، هناك حالات أخرى من الانقسام في المجتمع، فلا يخفى أن المجتمع عادة، متعدد الطبقات والقطاعات، وبتعدد الطبقات والقطاعات الاجتماعية تتعدد المصالح بالضرورة، وتتعارض، وكل هذا يفضي بالنهاية، إلى اختلافات، تعبر عنها بسياسات ومواقف متناقضة..

لا يمكن لنا مخادعة الذات، وإيهام الآخرين بما هو غير واقعي، واقتراف ذات الخطأ الذي ارتكبه الحزب الشيوعي السوفييتي في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب عام1961/ عندما أعلن أن الاتحاد السوفييتي أصبح دولة دون صراع طبقي، دولة لكامل الشعب؛ وكان الواقع الفعلي  كما هو معلوم، بخلاف ذلك، وقد جرى للنظام السوفييتي ما جرى، أليس الاستبداد الذي كان يغلف التناقضات التي كانت تنخر في جسم النظام السوفييتي، هو الذي سبب  في تفتت المنظومة السوفييتية،  لأن الاستبداد مهما طال لا بد له من نهاية،  وأحيانا تكون النهاية دراماتيكية، كما لاحظناها وتابعناها في النموذج السوفييتي…

إن الوحدة الوطنية التي تنشدها النظم الشمولية، ليس المراد منها الوحدة والتفاهم بين قطاعات المجتمع المختلفة، فمثل هذه الوحدة لا شأن للنظام بها، بل بالعكس ربما فضل النظام أن يعيش المجتمع في ثوب الانقسام، والتخاصم، ليسهل عليه، بالتالي، التحكم والتسلط، (فرّق تسد) كما يسعى جاهدا في احتضان قوى انتهازية، ربما ببعض الإغراءات..

إن الوحدة بعرف هؤلاء الاستبداديين، تعني حالة واحدة وحيدة، هي التفاف الشعب حول النظام، وحول الحاكم، ومثل هذه الوحدة لا تتحقق إلا إذا كانت السلطة منبثقة عن الشعب بانتخابات حرة وديمقراطية، تعكس السلطة واقعا جديدا، يتمثل في الحكومة مختلف التلاوين الاجتماعية، حيث يرى كل فرد صدى صوته يتردد في مبنى البرلمان المؤسسة التشريعية،وسائر المؤسسات الأخرى، فالحاكم  في هذه الحال، أي المنتخب شرعيا وبوسائل ديمقراطية، يكتسب احترام الشعب له، كما أن النظام  يكتسب قوة، لأن قوة أي نظام تأتي من شرعيته، من وعي جماهير الشعب التي انبثق منها وبإرادتها هكذا نظام، فهي في هذه الحالة، مساهمة في النقاش، ومشاركة بالتالي في صياغة القرارات،  وفي تسيير شؤون البلاد، فعندما  تضطلع أية قوى أية فئة، بالدفاع عن الدولة، إنما هي في الأخير تدافع عن مصالحها.

لأن: (الشعوب لا تنشط من شيء خلاف مصالحها) بتعبير بلا نكي؛ في هكذا حالات لن يبقى المواطن متفرجا، إذا تعرض النظام للخطر، لأن مصلحته مرتبطة بمصلحة النظام، وتصبح مصلحة المواطن هي بالتالي ـ أيضا ـ مهددة لأي خطر يتعرض له النظام، ومن هنا يستوجب الدفاع عنه من قبل المواطنين لا منة  ولا زلفى…
إن استخدام العنف لإسكات الصوت الغيور الحر، لا يوحي، لا بالوحدة الوطنية، ولا بقوة النظام، إن اتباع هكذا أساليب، دليل على أن السلطة تفتقر إلى الحجة، خاصة، عندما تتمسك برأيها، وتكتفي به، وتمرره بشكل قسري، دون أن يولي أي اهتمام لاعتراضات الآخرين، حتى لو كان رأيها هذا يفتقر إلى القناعة وبادي الخطل؛ إن فرض الرأي بالقوة، لا بالحجة، ولا بالشرعية، لا بد لهذا الرأي أن يزول بزوال أسبابه، يقول الخليفة المأمون: إن (غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء).!
إن الفرد الذي يعيش في فقر وقهر وخوف؛ لن يتخذ من النظام إلا موقفا سلبيا، موقف الكراهية للنظام، وللبلد الذي يعيش فيه، ولن يتأسف إذا سقط النظام، سواء تم سقوطه بمعارضة داخلية، أم بمؤامرة، أيا يكن هذا المتآمر؟ إنه يعيش في غربة دون وطن، يقول، سان جوست أحد قادة الثورة الفرنسية: (الشعب الذي لا يشعر بالسعادة في بلده، لا يمكن أن يحب وطنه.) وبالتالي صعب عليه الدفاع عنه، فالفرد في هكذا أوطان يتحين أية فرصة سانحة للهجرة والنزوح، لن تحركه دعوة النظام، للدفاع عن مؤسسات محظور عليه دخولها،أو المساهمة في بنائها، والمشاركة في إدارتها..

مثل هذا المواطن الفرد، لن يصغي لنداء أحد، بالتحمل والتضحية في سبيل القضية الأهم، وهي المسألة الوطنية، حسب توصيفهم لقضايا ومسائل، لا يرى فيها المواطن أي ارتباط بينه وبين تلك القضايا، وكأن الموقف من حالات، كالجوع والقمع والقهر والفساد.إلخ لا تندرج تحت المسائل الوطنية التي تقتضي منا جميعا وقفة وطنية لمعالجتها؛ وما دعوة الفئة الحاكمة من الآخرين بالتضحية، سوى مخادعة، ما عادت دعواتهم تنطلي على أحد؛ القائمون على السلطة، يطالبون الآخرين بالتضحية ليستمروا هم في الحكم، في حين أنهم غير مستعدين للتضحية بشيء، ثم أن الفرد الذي يعيش في حالة اغتراب، ويحس أنه لا يملك شيئا، فبما ذا يمكن له أن يضحي .؟ ولأجل ماذا يتحمس ويندفع للتضحية.؟ ينقل لنا، برتراند راسل الفيلسوف كلاما، ينسبه إلى جيرمي بنتام، يقول فيه: (إن أخلاق التضحية السائدة، إنما هي خدعة متعمدة، فرضتها الطبقة الحاكمة دفاعا عن مصالحها، فهي تتوقع التضحيات من الآخرين، ولكنها، لا تقوم بنفسها بأية تضحية).!
غالبية المواطنين في النظم الشمولية، يتملكهم خوف دائم بسبب قسوة النظام، ولهذا فالفرد فيهم مضطر أن يظهر بموقفين متناقضين، الأول يأخذ طابع المداورة والمصانعة، فيه من الكذب والنفاق والمخادعة والتزلف، عندما يمتدح النظام ليحمي نفسه؛ والآخر صميمي  نابع من الأعماق، فيه صدق وقناعة، وهو كراهية النظام، ومناوأته، بأضعف الإيمان، أي ما يقوله في قلبه، والموقف الأخير، يحفظها لنفسه، وقد يسره للمقربين..

فهل يعرف الحكام العرب المستبدون مشاعر شعوبهم حيالهم.!؟ أم أنهم لمعرفة الحقيقة كارهون..!؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…