المسألة الكردية والرأي العام في سوريا

جريدة الديمقراطي *

لم يعد التداول في المسألة الكردية في سوريا وتكوين رأي عام مساند لها على الصعيد الوطني أمراً صعباً أو بعيد المنال إذ أن غالبية المواطنين لم يعودوا أسرى التوجه الإعلامي الرسمي والتعتيم الذي مارسه هذا الإعلام على مدى سنوات عديدة لمنع المواطنين من النظر بعين إيجابية إلى إخوانهم الكرد على أنهم جزء أساسي ومكون رئيسي من المكونات الوطنية لهذا البلد وقد سعت الأوساط الشوفينية على الدوام في هذا الصدد الى حجب الحقائق عن الرأي العام  لا بل تعمدت  قلبها محاولة إظهار الأكراد على أنهم (أعداء  وانفصاليين خطرين على أمن الدولة)

 

واعتمدت مثل هذه النظرية في تعاملها مع الأكراد وذلك بهدف تضليل الرأي العام الداخلي والتهرب من استحقاقات حل هذه المسألة الوطنية الهامة والتي يترتب عليها حتما ويرتبط بها حل مجمل القضايا الداخلية العالقة خصوصاً تلك التي تتطلب إشاعة أجواء الديمقراطية والسماح بالتعددية السياسية وقبول الآخر،وهي تدرك جيداً أن مثل هذه الأمور تقض مضاجعها وتشكل خطراً على مصالحها وامتيازاتها التي تتزايد وتتقوى في ظل الأوضاع الشاذة وغير الطبيعية التي تحاول دائماً الإبقاء عليها كما هي في البلاد إلا أن الرياح لا تجري دائماً كما تشتهيها سفن الشوفينيين.
فالأحداث التي شهدتها المنطقة في السنوات القليلة الماضية وما شهده العالم من تطور نوعي هائل في مجال الإعلام كشف الكثير من الأمور على عواهنها ،فالمواطن العربي رأى بأم عينه كيف أن أكراد العراق تصرفوا على النقيض تماماً عما كان قد صورهم به الإعلام الشوفيني العنصري، فقد قرروا بملء إرادتهم التوجه إلى الارتباط بالدولة العراقية وأكدوا على عراقيتهم بما لا يقل عن الآخرين ، وكيف أن أحد قادتهم تولى منصب رئاسة الجمهورية دون أن يؤدي ذلك ألى أي اختلال في توازن الكون وهو يعمل بكل ما يملك من جهد لقيادة العراق إلى بر الأمان والاستقرار والازدهاربعكس الذين قادوه إلى الخراب والحروب والدمار، ولم ينقص ذلك من مكانة العراق لاعربيا ولا دولياً بل على العكس فإن من شأن ذلك أن يظهر العراق على أنه انموذج ديمقراطي حضاري ينبغي على الكثير من الدول في منطقتنا الاقتداء به والاستفادة من تجربته.
وكذلك الأمر بالنسبة للمواطن السوري الذي أدرك أن لا مناص من التعايش الأخوي السلمي بين مختلف أطياف الشعب السوري في إطار الوحدة الوطنية وأنه لا بد من وضع الأمور في نصابها الصحيح بما في ذلك العمل من أجل رفع الغبن والمظالم عن كاهل إخوانهم الكرد واعتبار ذلك الطريق الأنسب إلى تمتين الصف وتقوية اللحمة الوطنية بدلاً من تبني سياسات وأساليب عفى عليها الزمن بهدف دفع الأكراد عمداً نحو التطرف وإشعارهم على الدوام بأنهم غرباء عن بلدهم الذي عاشوا فيه أباً عن جد وضحوا من أجله بالغالي والنفيس بدلاً من تقديم كل ما يمكن لهم للاندماج في الصف الوطني، وقد كانت البدية الإيجابية في هذا الميدان على مستوى النخب السياسية والفكرية من المشهود لهم في انفتاحهم وتنورهم وتحررهم من رواسب الفكر القومي المتعصب والذين كتبوا ولا يزالوا مقالات واضحة وصريحة تناصر الحقوق المشروعة لإخوانهم الكرد وتدعوإلى إزالة كل مظاهر التفرقة وسياسات التمييز بحقهم ليتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة وبالمساواة و بإيجاد حل ديمقراطي عادل لقضيتهم ،وربما كان تجاوب الحركة الكردية مع هذا الواقع الجديد الذي كان لبعض أطرافها ومن ضمنها حزبنا اليد الطولى في إيجاده أصلاً ، مقبولاً إلى حد ما وذلك ضمن الظروف والإمكانات المتاحة ، حيث سعى حزبنا من جانبه إلى فتح قنوات الاتصال والتواصل وتبادل وجهات النظر مع ممثلي كافة الشرائح الوطنية وذلك بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة وتشخيص الواقع السياسي الذي تمر به بلادنا داخلياً ودولياً والعمل جنباً إلى جنب لإيجاد الحلول للمشاكل والمسائل التي نواجها جميعاً وقد كان الاتفاق على ضرورة إيجاد حل للمسألة الكردية في سورية من أبرز تلك النقاط التي تضمنها البيان التأسيسي لإعلان دمشق الذي كان هو الآخر بدوره أحد أبرز نتائج تلك التواصلات والحوارات الوطنية بامتياز ..
واليوم لم يعد أبناء شعبنا الكردي يجدون أي حرج في شرح معاناتهم لإخوانهم من العرب والآثوريين والسريان وغيرهم من أبناء هذا الوطن ويستمعوا بدورهم إلى رؤاهم ووجهات نظرهم وكذلك معاناتهم فبالحوار والحوار البناء وحده يمكن كسب تأييد بعضنا للبعض الآخر والعمل سوية للانتقال إلى مجتمع تسوده العدالة والمساواة وتقبل الآخر ، مجتمع تترسخ فيه أسس وقيم الديمقراطية التي ليس لها من بديل والتي لا يمكن لأحد أن يوفر التبريرات لغيابها، فكما يقول الكاتب المصري الكبير “إمام عبد الفتاح إمام ” ” ما معناه :”..إن حل أي إشكال يعترض سبيل الديقراطية هو بمنح المزيد من الديمقراطية…” ..ولكننا ندرك جيعا بأن هذا الأمر لا يزال يتطلب الكثير الكثير من الجهد والنضال الدؤوب، ولكن يمكننا القول بأن الطريق أمام الشوفينيين أيضاً لم يعد سهلاً كما كان في السابق لتنفيذ مآربهم وسياساتهم المضللة والسعي إلى ضرب مكونات الشعب بعضهم ببعض وخلق حالة من الشك وانعدام الثقة فيما بينهم لتبقى هي الأقوى والمستفيد الأكبر ولتتستر وراء أمور لا أساس لها على أرض الواقع، فالشعب الكردي في سوريا جزء من الشعب السوري له خصوصيته القومية التي ينبغي لها أن تصان.
——–
* جريدة نصف شهرية يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا – العدد (515)

لقراءة مواد العدد انقر هنا  dimuqrati_515

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…