افتتاحية جريدة آزادي *
وفي سياق وضع الأمور في مسارها الطبيعي، تتجلى أدوار عدة ، منها الدور العربي متمثلا في جهود دولة قطر بكل ما تحمل من حسن العلاقة مع الغرب والدول الإقليمية ، واستضافتها للأطراف المعنية وما تمخض عن اتفاق دوحة من التئام الصف اللبناني وانهاء مشكلة الرئاسة والوضع الأمني نسبيا والحوارات المستمرة بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وصولا إلى استكمال أسس وعوامل التوافق الوطني كاملا ، وكذلك الدور الإقليمي متمثلا بالمساعي التركية ووساطتها بشأن المفاوضات السورية الإسرائيلية التي بدأت بالتزامن مع اتفاق دوحة في قطر والمستمرة جولاتها كي تكون مفاوضات مباشرة ومثمرة ، وما نتج عنها من مساعي سورية باتجاه تسوية الخلاف بين حركتي فتح وحماس تمهيدا لدخول الجانب الفلسطيني في حوار مباشر مع الجانب الإسرائيلي ، ودور ثالث دولي متمثل في تحرك الدبلوماسية الفرنسية باتجاه تنقية الأجواء مع سوريا بعد فتور طويل في علاقات البلدين ، وتتجلى الحكمة في الأدوار الثلاثة – رغم خلفياتها الدولية العميقة – في أن دولة قطر لم تكن على صراع مباشر مع أي من دول المنطقة ( كما في مصر والسعودية مع أخرى ) وخصوصا في الساحة اللبنانية ، وتركيا على أنها دولة ذات علاقات إقليمية متميزة مع الجانب الإسلامي عموما ومع الجانب العربي ولاسيما سوريا بعد الاتفاقات الأخيرة خصوصا، ولها أيضا ارتباطات أحلاف مع الجانب الإسرائيلي بالإضافة إلى خلفياتها الغربية ، أما فرنسا فلأن شأنها مع حوض البحر المتوسط تاريخي وخصوصا مع سوريا ولبنان منذ أيام الانتداب ، وكذلك توليها لرئاسة الاتحاد الأوربي قريبا ، ومن ثم دورها لا يثير التحسس كما لو كانت أمريكا – رغم ضلوع هذه الأخيرة في كل الترتيبات – وكذلك عقد فرنسا لقمة دول (اتحاد المتوسط) في 13 تموز الجاري ودعوتها لسوريا للمشاركة فيها..
ولا شك أن الأدوار الثلاثة تنبع من منطلق واحد وهي في تكامل تام ، وتهدف مجتمعة إلى وضع أسس وضوابط لترتيبات جديدة في المنطقة عموما، وهي لا تخرج في مجملها عن سياق عملية التغيير الجارية في العالم ، وتبدأ- كما توحي في علاقاتها- بمعالجة بؤر التوتر ( لبنان ، فلسطين ، عملية السلام ، العراق ) ، وإعادة سوريا إلى الصف العربي كما تزعم ثم وضعها على جادة التغيير المتدرج على غرار دولة مصر وغيرها ، وبالتالي عزل إيران دوليا وإقليميا والتركيز عليه بالتهديد وتحرش الجانب الإسرائيلي بدعم لوجستي غربي ضده تارة ، وأخرى بالترغيب ضمن شروط إلغاء تخصيب اليورانيوم ووقف برنامجه النووي وتغيير سلوكه مع المحيطين الإقليمي والدولي بما يخدم التوافق على إنهاء حالة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والتوجه نحو التحول الديمقراطي وصولا لاستكمال شروط تحقيق الحريات العامة وضمان حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ..
وإذا كانت سوريا وبحسب تلك الأدوار والتوجهات قد حسمت أمرها في التجاوب مع المحيطين الدولي والإقليمي وقبول شروط التفاعل مع مسيرة التغيير والتحول المتدرج نحو الحياة الديمقراطية ؟ فأين هي من استحقاقات الوضع الداخلي وما ينبغي من مستلزمات أساسية تثبت مصداقيتها ، وفي المقدمة منها إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية ، وإطلاق سراح سجناء الرأي والموقف السياسي و إطلاق الحريات الديمقراطية ..الخ لكن ما يحصل هو خلاف ذلك إن لم نقل العكس ، حيث استمرار الاعتقالات وتزايد حدة الخناق على الحالة السياسية ، وتزايد السياسة الشوفينية بحق الشعب الكردي وغياب آفاق تناول قضيته القومية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ، بالإضافة إلى افتعال النظام لأسباب وعوامل الاحتقانات الداخلية وتزايد الفساد والتسيب والمحسوبية ، وازدياد تقاطر قوافل البطالة في الأسواق وأمام دوائر شؤون الاجتماعية والعمل ، وبروز ظاهرة ارتكاب الجريمة واللصوصية نتيجة المجاعة المتفشية في أوصال شرائح واسعة في المجتمع السوري ، سواء بسبب الجفاف أو بسبب غياب فرص العمل ، والزيادة القاتلة في أسعار المواد والمنتجات الاستهلاكية خاصة بعد ارتفاع أسعار الوقود وخصوصا مادة المازوت وما نتج عنه من أضرار كبيرة طالت كافة الأوساط الزراعية والغنامية وذوي الدخل المحدود وعموم الفقراء ..
وبهذا المعنى وفي ذات السياق فلا يمكن لسوريا أن تواكب المرحلة ومتغيراتها ، وأن تثبت مصداقيتها أمام المجتمع الدولي ، ما لم تتخذ من إجراءات وترتيبات سريعة باتجاه الامتثال لاستحقاقات الوضع الداخلي بما هي حريات عامة وضمان مستلزمات العيش اللائق للمواطنين والاعتراف الصريح والمباشر بسوريا ذات التعددية القومية والدينية والسياسية ، وتوفير عوامل حل القضية الكردية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ، وفي إطار وحدة البلاد وبما يساهم في تطورها وتقدمها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
- – E-mail: azadiparti@yahoo.com