في أي اتجاه هذه الترتيبات ؟ وأين هي استحقاقاتها الكاملة؟

افتتاحية جريدة آزادي *

    واضح أن مسيرة التغيير والتحول الديمقراطي تظل مستمرة في العالم وهي لم ولن تتوقف منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه في أوربا الشرقية ودول البلقان وحتى أفغانستان والعراق وصولا إلى يومنا هذا، ولو أنها تأخذ لها أشكال وأساليب مختلفة ، تختلف باختلاف الظروف السياسية وبحسب تركيبة مجتمع البلد المعني بالتغيير ومستوى تطوره الاقتصادي والسياسي وطبيعة نظام الحكم فيه وسياساته وتحالفاته والمبادئ التي يستند إليها، وأساليبه في العمل واتخاذه للقرار ومستوى دوره “تأثيرا وتأثرا”، كما تتخذ مسيرة التغيير من تجاربها الدروس والعبر وتراعي ملامح ومستجدات الوضع السياسي المتقلب لترسم من خلالها أو بموجبها التكتيكات الضرورية المناسبة والأساليب الممكنة في العمل بما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة بأقل التكاليف والخسائر المادية والبشرية ، وتلافي تكرار مثل ما حصل في العديد من مناطق العالم وآخرها في العراق ..

 

    ومن هنا، فثمة أسس ومنطلقات جديدة ، تهدف إلى ترميم في وضع المنطقة برمتها وإعادة ترتيبها من جديد، تتجلى ملامحها وتداعياتها في آفاق السياسة الدولية وتوزعها للأدوار والمهام عبر تحركات جدية لمختلف الدبلوماسيات المحلية والعربية والإقليمية والعالمية، في مراعاة تامة لظروف المنطقة وطبيعة الصراعات الدائرة المتشعبة والتي تفقد مبررات ديمومتها أولا بأول ، وعلى قدر جدية حملها على الحلول والمعالجات الموضوعية، وبقدر تلك الجدية ترفع حجج وذرائع الامتدادات السياسية المختلفة ولمختلف الأوساط الإقليمية والدولية سواء كان ذلك بشأن لبنان أو فلسطين أو العراق ..الخ ، كما يلغي الكثير من مصوغات ديمومة العديد من القوانين والإجراءات الجائرة وكذلك الحد من مبررات التخوين وفرض الممارسات والسياسات الظالمة من قمع واعتقال وبطش وتنكيل بحق أبناء الوطن الواحد ..

وفي سياق وضع الأمور في مسارها الطبيعي، تتجلى أدوار عدة ، منها الدور العربي متمثلا في جهود دولة قطر بكل ما تحمل من حسن العلاقة مع الغرب والدول الإقليمية ، واستضافتها للأطراف المعنية وما تمخض عن اتفاق دوحة من التئام الصف اللبناني وانهاء مشكلة الرئاسة والوضع الأمني نسبيا والحوارات المستمرة بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وصولا إلى استكمال أسس وعوامل التوافق الوطني كاملا ، وكذلك الدور الإقليمي متمثلا بالمساعي التركية ووساطتها بشأن المفاوضات السورية الإسرائيلية التي بدأت بالتزامن مع اتفاق دوحة في قطر والمستمرة جولاتها كي تكون مفاوضات مباشرة ومثمرة ، وما نتج  عنها من مساعي سورية باتجاه تسوية الخلاف بين حركتي فتح وحماس تمهيدا لدخول الجانب الفلسطيني في حوار مباشر مع الجانب الإسرائيلي ، ودور ثالث دولي متمثل في تحرك الدبلوماسية الفرنسية باتجاه تنقية الأجواء مع سوريا بعد فتور طويل في علاقات البلدين ، وتتجلى الحكمة في الأدوار الثلاثة – رغم خلفياتها الدولية العميقة – في أن دولة قطر لم تكن على صراع مباشر مع أي من دول المنطقة ( كما في مصر والسعودية مع أخرى ) وخصوصا في الساحة اللبنانية ، وتركيا على أنها دولة ذات علاقات إقليمية متميزة مع الجانب الإسلامي عموما ومع الجانب العربي ولاسيما سوريا بعد الاتفاقات الأخيرة خصوصا، ولها أيضا ارتباطات أحلاف مع الجانب الإسرائيلي بالإضافة إلى خلفياتها الغربية ، أما فرنسا فلأن شأنها مع حوض البحر المتوسط تاريخي وخصوصا مع سوريا ولبنان منذ أيام الانتداب ، وكذلك توليها لرئاسة الاتحاد الأوربي قريبا ، ومن ثم دورها لا يثير التحسس كما لو كانت أمريكا – رغم ضلوع هذه الأخيرة في كل الترتيبات – وكذلك عقد فرنسا لقمة دول (اتحاد المتوسط) في 13 تموز الجاري ودعوتها لسوريا للمشاركة فيها..
ولا شك أن الأدوار الثلاثة تنبع من منطلق واحد وهي في تكامل تام ، وتهدف مجتمعة إلى وضع أسس وضوابط لترتيبات جديدة في المنطقة عموما، وهي لا تخرج في مجملها عن سياق عملية التغيير الجارية في العالم ، وتبدأ- كما توحي في علاقاتها- بمعالجة بؤر التوتر ( لبنان ، فلسطين ، عملية السلام ، العراق ) ، وإعادة سوريا إلى الصف العربي كما تزعم ثم وضعها على جادة التغيير المتدرج على غرار دولة مصر وغيرها ، وبالتالي عزل إيران دوليا وإقليميا والتركيز عليه بالتهديد وتحرش الجانب الإسرائيلي بدعم لوجستي غربي ضده تارة ، وأخرى بالترغيب ضمن شروط إلغاء تخصيب اليورانيوم ووقف برنامجه النووي وتغيير سلوكه مع المحيطين الإقليمي والدولي بما يخدم التوافق على إنهاء حالة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والتوجه نحو التحول الديمقراطي وصولا لاستكمال شروط تحقيق الحريات العامة وضمان حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ..
وإذا كانت سوريا وبحسب تلك الأدوار والتوجهات قد حسمت أمرها في التجاوب مع المحيطين الدولي والإقليمي وقبول شروط التفاعل مع مسيرة التغيير والتحول المتدرج نحو الحياة الديمقراطية ؟ فأين هي من استحقاقات الوضع الداخلي وما ينبغي من مستلزمات أساسية تثبت مصداقيتها ، وفي المقدمة منها إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية ، وإطلاق سراح سجناء الرأي والموقف السياسي و إطلاق الحريات الديمقراطية ..الخ لكن ما يحصل هو خلاف ذلك إن لم نقل العكس ، حيث استمرار الاعتقالات وتزايد حدة الخناق على الحالة السياسية ، وتزايد السياسة الشوفينية بحق الشعب الكردي وغياب آفاق تناول قضيته القومية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ، بالإضافة إلى افتعال النظام لأسباب وعوامل الاحتقانات الداخلية وتزايد الفساد والتسيب والمحسوبية ، وازدياد تقاطر قوافل البطالة في الأسواق وأمام دوائر شؤون الاجتماعية والعمل ، وبروز ظاهرة ارتكاب الجريمة واللصوصية نتيجة المجاعة المتفشية في أوصال شرائح واسعة في المجتمع السوري ، سواء بسبب الجفاف أو بسبب غياب فرص العمل ، والزيادة القاتلة في أسعار المواد والمنتجات الاستهلاكية خاصة بعد ارتفاع أسعار الوقود وخصوصا مادة المازوت وما نتج عنه من أضرار كبيرة طالت كافة الأوساط الزراعية والغنامية وذوي الدخل المحدود وعموم الفقراء ..
وبهذا المعنى وفي ذات السياق فلا يمكن لسوريا أن تواكب المرحلة ومتغيراتها ، وأن تثبت مصداقيتها أمام المجتمع الدولي ، ما لم تتخذ من إجراءات وترتيبات سريعة باتجاه الامتثال لاستحقاقات الوضع الداخلي بما هي حريات عامة وضمان مستلزمات العيش اللائق للمواطنين والاعتراف الصريح والمباشر بسوريا ذات التعددية القومية والدينية والسياسية ، وتوفير عوامل حل القضية الكردية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية ، وفي إطار وحدة البلاد وبما يساهم في تطورها وتقدمها ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • جريدة شهرية يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
  • E-mail: azadiparti@yahoo.com
لقراءة مواد العدد انقر هنا  azadi_399

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…