الوجه الاخر للشوفينية

شيرزاد يوسف

اتهمني أحد أصدقائي المقربين بتهمة الخيانة الوطنية وسبب اتهامه لي هو فقط لأنني كنت أشجع المنتخب التركي في المونديال الأوروبي الذي جرى مؤخرا في كل من النمسا وسويسرا.


الصديق برر اتهامه لي بظروف الاضطهاد والظلم والمعاناة التي يعانيها أخوتنا الكرد في تركيا على أيدي الشوفينية التركية لا بل إن الأتراك (وحسب تحليله السياسي) هم المسؤوليين عن تشتت وتشرذم الكرد بين أربع دول وهم السبب الرئيسي لكل بلاء ومعاناة تصيب الكرد في هذه البلدان…

نعم اعلم أن الكرد في تركيا مظلومون ومحرومون من معظم حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية وربما يكون لتركيا دورا في الظلم الذي يعانونه في بلدانهم الأربعة لكن تشجيع المنتخب التركي لكرة القدم شيء والسياسة شيء آخر…
ولأننا الكرد كأخوتنا العرب شعوب عاطفية لذلك لم يسمح لي صديقي بأن أوضح له مبررات تشجيعي للمنتخب التركي الذي حزنت لخروجه من البطولة على أيدي أبناء عمومتنا الألمان (كما نسميهم نحن الكرد).

لكن الشيء الذي شد انتباهي في كل هذا الحديث الذي جرى مع صديقي هو استعماله لمصطلح الشوفينية التركية هذا المصطلح الذي يتم تداوله بشكل واسع في الحياة السياسية لكنه يستخدم جزافا في اغلب الأحيان وبشكل غير صحيح فلا يجوز أن نتهم أي نظام سياسي كان بالشوفينية فالشوفينية مصطلح فرنسي تعني ووفق الموسوعة العالمية على شبكة الانترنت (ويكبيديا) التعصب القومي المتطرف والمغالاة في حب الوطن وينسب المصطلح إلى الجندي الفرنسي نيقولا شوفان الذي جرح عدة مرات في حروب الثورة الفرنسية ولكنه ظل أبدا يقاتل في سبيل مجد فرنسا.

لذا اعتقد أن صديقي بوصفه للنظام السياسي في تركيا بالشوفيني صحيح فتركيا وبعقليتها الشوفينية الاتاتوركية (المغالية في حب الوطن والقومية التركية) استطاعت أن تتحول بعد انهيار السلطنة العثمانية إلى دولة قوية من جميع النواحي فهي الآن احد أقوى الدول العسكرية في حلف الناتو ونظامها السياسي قائم على إشراك جميع الجهات السياسية الاتاتوركية في اتخاذ القرار السياسي في البلاد عبر البرلمان والحياة الاقتصادية تتطور سنة بعد أخرى حتى إن معدل نموها الاقتصادي في السنوات الأخيرة بات ينافس معدل النمو الاقتصادي في الصين (والتي هي أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم) كما أنها من الناحية الثقافية استطاعت أن تحقق إنجازا عالميا مهما بنيل أديبها التركي اورهان باموق على جائزة نوبل في الآداب عام 2006 وبنفس هذه الروح الشوفينية القتالية استطاعت تركيا الوصول بمنتخبها إلى نهائيات كأس العالم عام 2002 محتلة المركز الثالث عالميا وان تتأهل إلى الدور النصف النهائي من المسابقة الأوروبية الحالية….

والحالة التركية ليست استثناء في هذا المجال فكل من ألمانيا واليابان وبعد خروجهما مهزومتين من الحرب العالمية الثانية استطاعتا الوصول إلى ما هما عليه الآن من حيث التطور والرقي محتلتين مراكز الصدارة في العالم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية لأنهما تعصبا وتطرفا في البناء والإبداع حبا بوطنهما .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يجوز أن تطلق الأحزاب المعارضة في بلداننا العربية على أنظمتها صفة الشوفينية ؟؟؟؟

الجواب يمكن أن نستنتجه من المؤشرات التالية:

نسبة البطالة في العالم العربي تتراوح بين 15-20% ونسبة النمو الاقتصادي في معظم البلدان العربية في تراجع دائم كما إن نصف سكان العالم العربي وحسب إحصائيات الأمم المتحدة يعيشون بأقل من دولارين في اليوم..

أما على الصعيد السياسي وحسب تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2002 فالوضع مرعب جدا فالإنسان العربي وحسب التقرير اقل شعوب الأرض استمتاعا بالحرية فهو يأتي في المرتبة الأخيرة حتى بعد الأفارقة أما الأنظمة العربية فهي اقل الأنظمة تمثيلا لشعوبها على على وجه المعمورة وقوانين الطوارئ الاستثنائية المطبقة في البلاد جعلت من المواطن العربي متهما حتى تثبت أدانته ….

وعلى الصعيد الثقافي فالوضع يزداد سوءا فنسبة الأمية الأبجدية في العالم العربي وحسب إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسوا) تبلغ حوالي 30% أي هناك حوالي سبعين مليون أمي أبجدي إضافة إلى وجود أكثر من مائة مليون أمي ثقافي في العالم العربي كما إن معظم المثقفين والكتاب المحايدون ملاحقون من قبل الأجهزة الأمنية أما الفئات المعارضة منهم فإما أن يكونوا في السجون أو أن يختاروا بلاد الاغتراب كاوطانا لهم..

لعل صديقي أصاب (ومن حيث لا يدري) حين اتهم الأتراك بالشوفينية ولعل الأحزاب المعارضة في بلداننا العربية تخطأ حين تتهم أنظمتها بالشوفينية …
فالشوفينية وبالرغم من كل ما تحمله من سلبيات وآثام من حيث تعصبها وتمجيدها للعرق وإقصاءها للطرف الآخر لكنها تظل حاملة لروح التحدي والبناء وحب الوطن الضروريات للتطور والازدهار وهذا ما تفقده معظم أنظمتنا العربية !!!!

*خاص بـ”العربية.نت”

رابط المقال على العربية:
http://www.alarabiya.net/views/2008/07/02/52420.html

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…