البارتي وتحديات المرحلة

پير روسته م

     خلال السنتين الأخيرتين لاحظنا تغيرات جمة قد طرأ على وضع الحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) وخاصةً بعد المؤتمر العاشر للحزب والذي عقد ما بين (17– 19/5/2007) وهذه التغيرات شملت كافة النواحي السياسية والتنظيمية والجماهيرية والعلاقة مع الحركة الوطنية السورية بشقيها الكوردي والعربي وغيرها من الأثنيات والأعراق التي تتعايش في سوريا كالآشورية وغيرها وكذلك العلاقات مع الأحزاب الكوردستانية في الأجزاء الأخرى وعلى الأخص الأخوة والأشقاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني في إقليم كوردستان (العراق)، وسوف نَمُرّ بسرعة على بعض هذه الجوانب لتكون مقدمة وتمهيداً لمضمون المقال.
     ليس بخافٍ على كل متتبع لوضع الحركة الوطنية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان بأن وضع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي قد شهد تطوراً ملحوظاً وفي كل الأصعدة؛ حيث من الناحية السياسية والإعلامية يشهد المراقبون؛ (الخصوم قبل الحلفاء) بأن البرنامج السياسي للحزب قد شهد تغيراتٍ جمة بحيث بات يلاءم متطلبات المرحلة وما يصبو إليه أبناء شعبنا من مطالب وحقوق قومية وديمقراطية وإنسانية وبأن الطرح السياسي للمسألة الكوردية لم يعد ينحسر في بعض المطالب السياسية وإنما تم الاتفاق – في المؤتمر العاشر – على أن القضية الكوردية في سوريا هي “قضية أرضٍ وشعب” وبأن كوردستان ونتيجةً للاتفاقيات الدولية قد قسمت بين أربعة دول هي (سوريا – إيران – تركيا – العراق) وهكذا فإن “الشعب الكوردي في سوريا يعيش على أرضه التاريخية” وبالتالي فإن المناطق الكوردية في الشريط الحدودي والملحق بالدولة السورية هي جزء من أرض كوردستان التاريخية أو ما يمكن تسميته اصطلاحاً بـ(الإقليم الغربي من كوردستان) وذلك في المرحلة الحالية.

وكذلك فإن الاتفاق على أن ما حدث في (12 آذار لعام 2004) والتي كانت من نتائجها قرابين وضحايا لعدد من أبناء شعبنا، على أنها انتفاضة وليس بحدث أو هبة أو (مؤامرة ومشاغبات) فإنها تعد نقلة نوعية في الخطاب السياسي للحزب (البارتي) وهناك العديد من النقاط والقضايا التي تبنته المؤتمر العاشر للحزب من خطابٍ تسامحيٍ مرنٍ لا مجال للخوض في حيثياته الآن.

بل أن ما نشهده على الصعيد الإعلامي للحزب من تطور وخاصةً الجريدة المركزية للحزب؛ (دنكى كورد) خير مثالٍ نوردها هنا.

     وعلى الجانب التنظيمي والجماهيري ونتيجةً لجملة قضايا ومسائل منها الخطاب السياسي (الجديد) والملائم للمناخ والأجواء السياسية الراهنة وواقع وحقيقة القضية الكوردية في الإقليم الغربي فإن البارتي قد شهد مداً تنظيمياً في كل المناطق الكوردية وحتى بعض المدن الكبرى في سوريا مثل حلب ودمشق واللتين تحتضنان جالية كوردية كبيرة على أطرافها الفقيرة.

إن هذا المد الجماهيري وانتساب أعداد كبيرة من أبناء شعبنا لصفوف البارتي قد أعطاه دفعاً وزخماً معنوياً ليتحرك أكثر ميدانياً ويكسب أعداد أخرى من الكوادر والمثقفين وفي كافة المجالات، مما أنعكس إيجاباً على صعيد الخطاب السياسي وكذلك الجانب التنظيمي وليشهد الحزب ولأول مرة الهيئات والمؤسسات التخصصية للمثقفين والمحامين والمرأة وغيرها من المؤسسات والتي هي في قيد الإعداد.

أما من حيث علاقات البارتي مع أطراف الحركة الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان وكذلك مع قوى المعارضة السورية فقد شهد زخماً وتطوراً ملحوظاً، بل بات أي مشروع سياسي قومي كوردي وكذلك وطني سوري ومن دون مشاركة البارتي يعتبر (ناقصاً) وغير فعال.

     إن هذا الواقع الجديد للحزب لا بد أن يفرض عليه بعض الاستحقاقات النضالية – زيادةً على الآخرين – وكذلك أن يواجه بعض التحديات الكبيرة؛ ومن أهمها وأخطرها التحديات والضغوط الأمنية على القيادة التي في الصف الأول؛ كونها في المواجهة مباشرةً، وبالتالي الخوف من أن (تنهار) بعض هذه المواقع الأمامية وذلك من خلال ضربة أمنية – اعتقالات واسعة في صفوف القيادة – وعلى غرار الضربات السابقة (1959) و (1970) وغيرهما وبالتالي خلخلة التنظيم والحزب وإصابتها بالشلل والعطب لندخل مرحلة جديدة من الركود والضعف.

أو أن يصاب الحزب، وعلى غرار بعض القوى والأحزاب الكوردية، وفي مراحل سابقة، بنوع من الغرور والعنجهية الحزبية بحيث نتعامل مع الرفاق في القاعدة وكذلك مع أطراف الحركة الكوردية (الآخرين) بنوع من الفوقية ومفهوم (الأخ الأكبر) والتي تكون عادةً بداية أخرى للانهيارات الحزبية نتيجة تكاثر (الأعداء) والخصوم.

لذلك ومن باب الحرص والمسؤولية لا بد للبارتي وخاصةً الرفاق في القيادة التنبه لهذه المسائل وإيجاد الحلول والبدائل والعلاجات الضرورية وفي أوقاتها المناسبة وقبل أن تستفحل المسائل والقضايا، طبعاً إننا نقول هذا من باب الاحتياط وليس كواقع حال ملموس يجب تداركه.

     ولكن الأخطر من كل تلك التحديات وغيرها والتي عانى منها الحزب – وما زال بعض الشيء – هي قضية التكتلات الحزبية الضيقة والمتعلقة بقضايا تنظيمية وأحياناً جد شخصية والتي هي بعيدة كل البعد عن مفهوم التيارات السياسية وتباين أجندتها وبالتالي الاصطفاف داخل (تكتل) تيار سياسي مقابل تيار آخر يعمل على إنجاح مشروعه السياسي وبنفس الوقت يقبل بنتائج الانتخابات ولعبة الديمقراطية والخضوع لرأي الأكثرية مع احترام رأي الأقلية.

إن هذه النقطة تحديداً عانى منه الحزب كثيراً وشهد على أساسه العديد من الانهيارات والانشقاقات وبالتالي يجب التنبه والتصدي له بقوة وحزم.

وأيضاً هناك العديد من التحديات والتي هي ليست بأقل أهميةً من تلك التي ذكرناها، بل ربما تشتد خطورتهم أكثر إذا هيئت لها الظروف والمناخات ومنها مثلاً: قضايا الانحرافات الحزبية عن النهج والبرنامج السياسي للحزب وكذلك مفهوم ديكتاتورية (الزعيم) والقيادة وأيضاً عدم الأخذ بالظروف الذاتية والموضوعية وموازين القوى في المنطقة والعالم بعين الاعتبار وكذلك الاكتفاء بالشعارات والبرامج السياسية دون الخوض في (معارك) ميدانية سياسية لترى الجماهير الحزبية والشعبية بأن هناك ترجمة فعلية للخطاب السياسي للحزب وأن هناك عملاً ميدانياً.

وبالتالي على البارتي وخاصةً في المرحلة القادمة أن لا يكتفي فقط بناحية الطرح السياسي الواقعي، بل أن يخطو إلى العمل الميداني الواقعي مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات والشروط وكذلك الظروف الأمنية لكل الرفاق.

المهجر – 2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…