وكذلك فإن الاتفاق على أن ما حدث في (12 آذار لعام 2004) والتي كانت من نتائجها قرابين وضحايا لعدد من أبناء شعبنا، على أنها انتفاضة وليس بحدث أو هبة أو (مؤامرة ومشاغبات) فإنها تعد نقلة نوعية في الخطاب السياسي للحزب (البارتي) وهناك العديد من النقاط والقضايا التي تبنته المؤتمر العاشر للحزب من خطابٍ تسامحيٍ مرنٍ لا مجال للخوض في حيثياته الآن.
بل أن ما نشهده على الصعيد الإعلامي للحزب من تطور وخاصةً الجريدة المركزية للحزب؛ (دنكى كورد) خير مثالٍ نوردها هنا.
وعلى الجانب التنظيمي والجماهيري ونتيجةً لجملة قضايا ومسائل منها الخطاب السياسي (الجديد) والملائم للمناخ والأجواء السياسية الراهنة وواقع وحقيقة القضية الكوردية في الإقليم الغربي فإن البارتي قد شهد مداً تنظيمياً في كل المناطق الكوردية وحتى بعض المدن الكبرى في سوريا مثل حلب ودمشق واللتين تحتضنان جالية كوردية كبيرة على أطرافها الفقيرة.
إن هذا المد الجماهيري وانتساب أعداد كبيرة من أبناء شعبنا لصفوف البارتي قد أعطاه دفعاً وزخماً معنوياً ليتحرك أكثر ميدانياً ويكسب أعداد أخرى من الكوادر والمثقفين وفي كافة المجالات، مما أنعكس إيجاباً على صعيد الخطاب السياسي وكذلك الجانب التنظيمي وليشهد الحزب ولأول مرة الهيئات والمؤسسات التخصصية للمثقفين والمحامين والمرأة وغيرها من المؤسسات والتي هي في قيد الإعداد.
أما من حيث علاقات البارتي مع أطراف الحركة الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان وكذلك مع قوى المعارضة السورية فقد شهد زخماً وتطوراً ملحوظاً، بل بات أي مشروع سياسي قومي كوردي وكذلك وطني سوري ومن دون مشاركة البارتي يعتبر (ناقصاً) وغير فعال.
إن هذا الواقع الجديد للحزب لا بد أن يفرض عليه بعض الاستحقاقات النضالية – زيادةً على الآخرين – وكذلك أن يواجه بعض التحديات الكبيرة؛ ومن أهمها وأخطرها التحديات والضغوط الأمنية على القيادة التي في الصف الأول؛ كونها في المواجهة مباشرةً، وبالتالي الخوف من أن (تنهار) بعض هذه المواقع الأمامية وذلك من خلال ضربة أمنية – اعتقالات واسعة في صفوف القيادة – وعلى غرار الضربات السابقة (1959) و (1970) وغيرهما وبالتالي خلخلة التنظيم والحزب وإصابتها بالشلل والعطب لندخل مرحلة جديدة من الركود والضعف.
أو أن يصاب الحزب، وعلى غرار بعض القوى والأحزاب الكوردية، وفي مراحل سابقة، بنوع من الغرور والعنجهية الحزبية بحيث نتعامل مع الرفاق في القاعدة وكذلك مع أطراف الحركة الكوردية (الآخرين) بنوع من الفوقية ومفهوم (الأخ الأكبر) والتي تكون عادةً بداية أخرى للانهيارات الحزبية نتيجة تكاثر (الأعداء) والخصوم.
لذلك ومن باب الحرص والمسؤولية لا بد للبارتي وخاصةً الرفاق في القيادة التنبه لهذه المسائل وإيجاد الحلول والبدائل والعلاجات الضرورية وفي أوقاتها المناسبة وقبل أن تستفحل المسائل والقضايا، طبعاً إننا نقول هذا من باب الاحتياط وليس كواقع حال ملموس يجب تداركه.
ولكن الأخطر من كل تلك التحديات وغيرها والتي عانى منها الحزب – وما زال بعض الشيء – هي قضية التكتلات الحزبية الضيقة والمتعلقة بقضايا تنظيمية وأحياناً جد شخصية والتي هي بعيدة كل البعد عن مفهوم التيارات السياسية وتباين أجندتها وبالتالي الاصطفاف داخل (تكتل) تيار سياسي مقابل تيار آخر يعمل على إنجاح مشروعه السياسي وبنفس الوقت يقبل بنتائج الانتخابات ولعبة الديمقراطية والخضوع لرأي الأكثرية مع احترام رأي الأقلية.
إن هذه النقطة تحديداً عانى منه الحزب كثيراً وشهد على أساسه العديد من الانهيارات والانشقاقات وبالتالي يجب التنبه والتصدي له بقوة وحزم.
وأيضاً هناك العديد من التحديات والتي هي ليست بأقل أهميةً من تلك التي ذكرناها، بل ربما تشتد خطورتهم أكثر إذا هيئت لها الظروف والمناخات ومنها مثلاً: قضايا الانحرافات الحزبية عن النهج والبرنامج السياسي للحزب وكذلك مفهوم ديكتاتورية (الزعيم) والقيادة وأيضاً عدم الأخذ بالظروف الذاتية والموضوعية وموازين القوى في المنطقة والعالم بعين الاعتبار وكذلك الاكتفاء بالشعارات والبرامج السياسية دون الخوض في (معارك) ميدانية سياسية لترى الجماهير الحزبية والشعبية بأن هناك ترجمة فعلية للخطاب السياسي للحزب وأن هناك عملاً ميدانياً.
وبالتالي على البارتي وخاصةً في المرحلة القادمة أن لا يكتفي فقط بناحية الطرح السياسي الواقعي، بل أن يخطو إلى العمل الميداني الواقعي مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات والشروط وكذلك الظروف الأمنية لكل الرفاق.