هل كان على الكرد رفع شعار «الوحدة العربية»

أمين عمر

الشعارات تلك الأمنيات والأحلام المرسومة في الأدمِغة والمنطلقة من الحناجر ، الشعارات ، تلك الاستراتيجيات المستقبلية المنحوتة في العقول والمحفورة على الكتاتيب والأوراق القديمة والجديدة.
هي الشعارات، ما تتميز بها  منطقتنا الشرق أوسطية وتسمى منطقة الشعارات وبلاد الشعارات ولكن شعاراتها ليست وسطية كإسم منطقتنا ، فمنها الشعارات البراقة والمتطرفة و الشعارات الحامية والباردة، المستحيلة والخيالية

في شرقنا الحزين، رفع الشعارات أهم بكثير من تحقيقها، ولا أهمية للتحقيق الهدف “الهدف والغاية بشكل كامل” ان لم يسبق بشعار يُمزق الحناجر فترة زمنية ويلهب العقول
في سوريا تبدأ الشعارات بعد سن الرضاعة بفترة ليست طويلة فمع دخول الطفل أول صفوف الدراسة، يبدأ بتلقينه وتحفيظه شعارات ترافقه في مسيرته وتتطور أوتوماتيكياً وطرداً مع تضخم أعضاء الجسم فلا يعقل أن يصرخ العسكري بنفس “شعار الطليعي”
يبدأ الطليعي بشعار : كن مستعداً لبناء المجتمع العربي……الطليعي الفرخ يرد على نفسه: مستعد  دائما  
يتطور الطليعي إلى الشبيبي ، ولكل مرحلة شعاراتها ، يتحول الاستعداد الطليعي بحكم التغيير الفيزيولوجي إلى العهد والسحق
الشبيبي يردد :عهداً أن نتصدى للامبريالية والصهيونية والرجعية ونسحق أداتهم المجرمة عصابة أخوان المسلمين…..
العسكري له شعاره الخاص كصاعقة والصمود و التّصدي: واسْتعّد أرض بلادي السليبة صاعقة..

 “من الجولان إلى اسكندرون”
تتطور الشعارات إلى أكثر حماسةٍ كلما كان هناك فشلٌ أكبر
وهناك شعارات ثابتة كالمعادلات والنظريات الرياضية لا تحتمل التغيير ، الفرض والطلب ثابتان وقد يتغير برهان تلك الشعارات “الوحدة العربية” و”الرسالة الخالدة ، الزمجرة : موزوناً زمْجر عدّ…و موزوناً أُمة عدّ …لاتتغيير وترافق كافة الأعمار الطليعي والشبيبي ، العسكري والجامعي والمسؤول والوزير، بل ترافق كل الكائنات
تلك الشعارات ثابتة ولها أسباب ثباتها الصيفي والشتوي ، العقْدي والقرْني ، فلم يتحقق أي شعار لإستبداله بأخر
سوريا ليست البلد الوحيد المنتج والمصدر  للشعارات ، فهناك الكثيرون، الأحزاب والحركات والأنظمة ،لايرون قيمة للحياة بدون شعارات مستحيلة التحقيق ومجرد احتماله التحقيق أي الشعار، يبقى شعاراً رخيصا مخلوطا بالتنازلات
استطاع الإرهابيين حشد الألوف من خلال شعارات الجهاد والمقاومة وغاصت المنطقة بالشعارات الأكثر تدميراً وفتكاً
حتى اكتظت شوارع بغداد بمُجاهدي الأسواق و المشافي ومُقاومي تطلعات الشعب العراقي.
 في لبنان هناك “حزب الله ” طبعاً هو حزب من صنع البشر والله له ما في السموات وما في الأرض ، لحزب الله البشري  وزنه الشعاراتي والنغمة الشعاراتية الخاصة، له العديد من الأوجه ولكل وجه شعار يتغير بتغير فصول السنة وتعاقب الشهور، فالسيد حسن باقتراب العاشوراء يرفع شعار : لبيك يا حُسين وعند الطلب يتحول إلى المقاومة الجهاد والتحرير وسحق الصهاينة و “لبيك يا جنوب” إلى ان يفضي أخيراً في بحيرة ولاية الفقيه، والإمام المُغيَب
الجمهورية الإسلامية الايرانية شعاراتها تتغير كلما اقتضت الطبيعة والحاجة، كجلد الحرباء فشعاراتها مرتبطة بأطماعها وكلما حققت أحدى مطامعها ، تُغير شعاراتها، الشعار الوحيد الثابت للجمهورية الإسلامية ، الذي يقابل الوحدة العربية لدى البعثيين، هو إزالة إسرائيل من الوجود وتحرير قُدس الأقداس
للكرد نصيب أيضاً من الشعارات ، فحزب العمال الكردستاني بدء بشعار تحرير كردستان والتف حوله الملايين وفعل ما لم يستطيع فعله أي حزب كردي أخر ، ولكن شعاراً كالتحرير و في ظل تلك الظروف كان من الصعب تحقيقه، حتى لو أجتمع كرد الكون كافة حول شعاراً كهذا وما لبث ان تغير الشعار إلى الحقوق الكردية ضمن الدولة الديمقراطية التركية بعد اعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوجلان والذي اشترك مخابرات عدة دول باعتقاله
سوريا لم تكن ترى مانعاً من شعار الكردستاني ولم تكن قلقة حيال  ذاك الشعار “تحرير كردستان” ، ما كان يقلقها الحكم الذاتي في شمال العراق والحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية للكرد السوريين ؟
ليست كل الشعارات لامِعة وحماسية وخيالية ، فهناك أيضاً الشعارات العقلانية والممكنة والواقعية فالمملكة الأردنية الهاشمية تتبنى شعاراً واقعياً وتسير بخطواتٍ حقيقية في تحقيقه “الأردن أولاً”
فرغم ندرة الموارد الطبيعية والثروات الباطنية أستطاع الأردن بسياستها العقلانية وهامش من ديمقراطيتها تحقيق تقدماً لا بأس به على أصعد عدة،  وتوفير حياة كريمة لمواطنيها مقارنة بقدراتها.
دول الخليج العربي لم تتبنى أيضا شعارات فاقعة والملوك والأمراء أستطاعوا تقدير إمكانياتهم و ارتؤا رفع  شعارات تتأقلم مع واقعهم لتحقيقها لشعوبهم ورعاياهم بعيداً عن المغالاة والشعارات الفضفاضة التي كسدت في مناطق إطلاقها .
في السبعينات وعلى بنادق البيشمركة الكرد أيام القائد الكردي ملا مصطفى البرزاني كان محفور شعار “أما كردستان وأما الفناء” القصد منه كان واضح لم يكن مطلباً كردياً ولم يكن هدفاً استراتيجياً ، بل لدب الحماس والتشجيع بين صفوف المقاتلين الكرد على الثورة والتمسك بثورتهم وكرديتهم  
وبعيدا عن ذاك الشعار فكان كُرد العراق على الدوام ومن خمسينيات القرن الماضي واقعيون في طروحاتهم وبدءوا تدريجياً من الحكم الذاتي والى المكاسب التي حققوها والى مطلبهم الاقليم الفدرالي ضمن العراق الموحد.


ايضاً الاحزاب الكردية السورية إجمالاً كانت شعاراتها واقعية منذ تأسيس أول حزب كردي في سوريا ، إذ استثنينا فترة التأسيس الأولى ولا زالت متمسكة بتلك الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية  للشعب الكردي في سوريا وحتى بعد مرور العقود الخمسة من ذاك التاريخ
ومع ذاك الحكومة السورية توجه تهمة الانفصال لهم وتوجه تهمة الخيانة على كل من لايروق لها
أكراد العراق رغم إفصاحهم بلغات عدة ، عدم وجود نية لديهم بالانفصال من جهة ، وعدم وجود علاقات مع إسرائيل التي لم تغتصب حقوقهم ولم تبني المستوطنات في أراضيهم من جهة أخرى ، إلا ان التهم بالخيانة والعمالة للإمبريالية والانفصال تلاحق الكرد، تلاحق الإقليم الكردي وقد لانستغرب ان تُطلق تلك التهم من دول ترفرف النجمة السداسية للدولة العبرية في أراضيهم
ولكن الحصانة الماسية لتلك الحكومات هي شعاراتهم “كالوحدة العربية” وإستعادة الأراضي المقدسة ” كانت كفيلة بتخليدهم في كراسيهم وبقيت الشعارات مجرد شعارات.
شعارات لم يستطيع احد من العرب والكرد رفعها بعدهم ، بعد تطويبها بأسمائهم فليس هناك شعار أغلى عند العرب من الوحدة العربية وهي حقهم الطبيعي و أصبحت حِكراً لحكومات تحمي بها نفسها
فهل كان مطلوباً من الكرد رفع شعار الوحدة العربية لإستِمالة قلوب الأخوة العرب ، لنيل حقوقهم و الحفاظ على كيانهم وطموحاتهم المشروعة وتنقية نظرة الإخوة العرب لنياتهم.

كاتب كردي
Amin.74@hotmail.com

المصدر : إ يلاف

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…