معلوم أن أي خطاب سياسي وفي أي موقع وزمان ليس سوى نتاج طبيعي للواقع السياسي الاجتماعي القائم في ذلك الوقت والمكان، ويشكل الحصيلة الطبيعية لتداعيات وتفاعلات ذلك الواقع السياسي المعاش ، من هنا يظهر الفرق الشاسع بين الخطاب السياسي في المجتمعات التي تسودها الحريات الديمقراطية والحياة السياسية المبنية على أسس من العدل والمساواة وأخرى لا تعرف سوى لغة القهر والجور ويتحكم بها الظلم والاستبداد ، فلا شك أن في الأولى تكون الشفافية هي السائدة في الخطاب السياسي والوضوح بأقصى ما يمكن عليه
لأنه ليس فيها المحرم ولا الممنوع ولا سلطان على الرأي والموقف، وتحترم الكلمة على كل حال، بينما في الأخرى يكون غير ذلك، إن لم نقل عكس هذا، ومن طبيعة العلاقات السياسية السائدة في مجتمعاتنا التي تسودها الأنظمة الشمولية وتغيب عنها الحريات ودولة القانون ، فلا يمكن للخطاب السياسي أن يأخذ سبيله السوي بأي حال، وقد يكون محال أوجه في بعض الأحيان ، لاسيما الاستبداد ينتج ثقافةً خاصة به يروجها على المجتمع بشكل أو بآخر لدرجة يكون خطابه السياسي لا يحمل سوى الوجه المزيف الذي يخدم دوام هيمنته وسلطانه .
الخطاب السياسي الكردي في سوريا الذي هو نتيجة طبيعية لحرمان الشعب الكردي من أبسط الحقوق القومية والديمقراطية التي ينبغي لأي إنسان أن يتمتع بها على وجه البسيطة، وحصيلة معاناة هذا الشعب الأمرين جراء السياسات الشوفينية والممارسات التمييزية الجائرة التي ذاقها خلال الأنظمة والحكومات المتعاقبة على دست السلطة في البلاد ..
والى يومنا هذا ورغم هذا الواقع المرير ، فقد اختار هذا الشعب من خلال حركته السياسية الخطاب السياسي الواضح ، وخصوصاً في القضايا الجوهرية والمنطلقات النضالية الأساسية ، حيث اختار أسلوب النضال السياسي السلمي منذ البدء طريقاً في تحقيق طموحاته الوطنية والقومية بشكل طوعي ودون خوف أو وجل منطلقاً من أساس أن الكرد شعب يعيش على أرضه التاريخية، ويشكل من خلال الطيف السوري القومية الثانية في البلاد بعد القومية العربية (ينبغي الاعتراف بها دستورياً) وله من الحقوق مثلما عليه من الواجبات تجاه الوطن السوري ، ويشكل جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع السوري المزركش، وليس أقلية قومية مهاجرة كما يحلو للبعض أن يسميه ، عليه إما الانصياع لإجراءات الأنظمة وممارساتها التعسفية وأما الرحيل .
أي أن الشعب الكردي في سوريا لا يختلف بشيء عن الشعب الكردي في كل من العراق وتركيا وإيران سوى أنه أقل عدداً فقط …
وقد آثر الشعب الكردي في سوريا الجانب الوطني العام على الجانب القومي الخاص ، ومن العودة إلى البرامج السياسية لكل فصائل الحركة الكردية يتجلى ذلك بوضوح، ثم نقرأ في معظمها عبارات مثل : الديمقراطية للبلاد ومن ثم الحقوق القومية للشعب الكردي ، وهذا ينفي وجود ما يشير في برامجها إلى المساس بوحدة البلاد ، أو المطالبة بأمر خارج إطار الوطن السوري ليس، هذا فحسب بل بقي الشعب الكردي حريصاً على ما يخدم هذه الوحدة أرضاً وشعباً وما يضمن تقدمها وتطورها ، خاصة وأن الشعب الكردي عموماً ظل متمسكاً بخيار الاتحاد الاختيار الحر مع الشعوب العربية والتركية والإيرانية على قاعدة الاعتراف المبدئي بحق تقرير المصير للشعب الكردي ، ناهيك عن الشعب الكردي في سوريا الأمر الذي يدحض ادعاءات البعض (بأن للحركة الكردية في سوريا خطابان سياسيان أحدهما مضمر ويدعو إلى الانفصال، والآخر ظاهر وعلني ينسجم مع الجانب الوطني لعموم المجتمع السوري) إلا إذا أصر هذا البعض أن يتخذ الأصوات المعنية أساساً ومعياراً لادعاءاته تلك …
إن الشعب الكردي في سوريا في الوقت الذي يرفض أن تنحصر قضيته القومية في حق المواطنة، والحق الثقافي فهو يدعو إلى حوار وطني جاد ومسؤول نحو مؤتمر وطني شامل لحل مجمل القضايا الوطنية العالقة، ومن بينها القضية القومية الكردية، باعتبارها قضية وطنية بالأساس والعمل على رفع القيود المفروضة على الحياة السياسية، وتوفير مستلزمات بناء دولة القانون، وفق أسس وقواعد النظام الديمقراطي المنشود ، الذي يكفل الوحدة الوطنية ويخدم تطلعات المجتمع السوري بكل أطيافه وانتماءاته القومية والسياسية والاجتماعية ، وبما يصون أمن الوطن ويحمي سيادته .
—–
* صحيفة شهرية يصدرها الإعـلام المركزي لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا – العدد (358)