“أرسل بتحياتي الخاصة إلى شعبنا والموجودين في السجون فرداً… فرداً”.
بهذه الجملة والعبارات ينهي السيد عبد الله أوجلان لقائه مع المحامين، وها نحن نبدأ به مقالنا هذا الذي نود من خلاله أن نلقي الضوء على بعض النقاط التي تم تناوله من قبل السيد أوجلان في لقاءاته المتكررة مع محاميه والتي تتمحور حول بعض المفاصل الأساسية في الحياة السياسية لتركيا عموماً والقضية الكوردية على وجه التحديد مثل: قضية اعتقاله والدور الأمريكي في ذلك وكذلك “مسألة التجريد” والحجز عليه في (ايمرالي) منفرداً كسجين وحيد داخل تلك الجزيرة – السجن وطلبه (أي طلب السيد أوجلان) من المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية وخاصةً الأوربية منها للتدخل وذلك لحل “مسألة التجريد” هذه المفروضة عليه منذ عقد من الزمن.
ما نلاحظه بدايةً ومن خلال استعراض اللقاء الأخير للسيد أوجلان مع المحامين هي نبرة الألم والمعاناة الإنسانية من مسألة “التجريد” وما يعانيه نفسياً وإنسانياً من العزلة والوحدة المفروضة عليه – وهذه كافية كشرط إنساني وأخلاقي ومن دون التذكير بالواجب القومي لأن نتعاطف مع سجين رأي ولو أننا نختلف معه في الكثير من الآراء ووجهات النظر وحول الكثير من القضايا والمسائل السياسية – حيث يقول السيد أوجلان ولينشط الذاكرة الكوردية كيف أن الدولة التركية في الثمانينات من القرن الماضي إبان الانقلاب العسكري ونتيجةً لظروف القهر والقمع والتعذيب – واحتجاجاً عليه – دفع بكوكبة من خير المناضلين في سجون آمد (ديار بكر) إلى التضحية بالنفس وتقديمها قرباناً على مذبح القضية الكوردية في تركيا، فها هو يقول: (هذا غير ممكن، حتى أنهم لا يعطونني قلماً وورقة !!، على محكمة حقوق الإنسان الأوروبية أن تتخذ قراراً بهذا الشأن.
فليبذل أصدقاؤنا في أوروبا جهودهم في هذا الموضوع، فالمسؤولية تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، وعليهم القيام بعمل ما، كأن تتخذ محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قراراً في هذا الموضوع، ولكن يبدوا أن المحكمة غير مهتمة بهذا الأمر ولا تعمل بمتطلبات القانون.
وعلى المحامين الموكلين عني أن يتحدثوا عن هذا الموضوع باستمرار، وينظموا مؤتمرات صحفية متتالية، لتوضيح هذا الوضع للرأي العام، لأنهم يغتصبون مني كل حقوقي في الدفاع وأنا عاجز عن فعل شيء ، والمحامون يأتون، ولا أعلم ماذا سيحدث، في الحقيقة تصرَّفت “اللجنة الوزارية في المفوضية الأوروبية” واتخذت قراراً في هذا الموضوع بمنتهى الرياء، وعندها تحدثوا عن ضغوط الولايات المتحدة ولا زالوا، ولكن يجب أن يكون لأوروبا قرارها، فليقوموا بتطبيق القانون، أو أن يقولوا ليس لدينا قانون، أو ليسألهم الحقوقيون: أليس هناك قانون؟.
لا يعطونني سوى ورقة واحدة لأكتب مرافعتي!! وأنا أرفضها، وهناك ضغوط عديدة من جميع الجوانب، علي أن أكتب آلاف الصفحات من الدفاع ضد هذه الأمور، إنهم يفرِّغون اللقاءات من معانيها، فإذا لم أكن قادراً عن الدفاع والترافع عن نفسي، ولا أستطيع إعداد المرافعة التي أريدها، فليس هناك معنى للقائكم، هل هناك عمل ما في الخارج؟).
وكذلك يضيف..
(توجد هيمنة جديدة، بهذه الممارسات يرغمونني على التخلي عن كرديتي وعن تنظيمي وعن أفكاري، ويدفعونني نحو القيام برد فعل آني كالانفجار أو الاستسلام، يقومون بممارسة تشبه ما مارسوه في ديار بكر في مرحلة 12 أيلول بشكل أكثر دقة، فأنتم تعلمون أن الرفاق في ذلك الوقت مظلوم ورفاقه إما أن قاموا بإضرام النار في أبدانهم أو أنهم أضربوا عن الطعام حتى الاستشهاد لمقاومة تلك الممارسات، ويتوقعون مني موقفاً مماثلاً، وأنا لدي مسؤوليتي أمام شعبي، فالموضوع هو مصير شعب، وإنني أتردد حتى النطق بذلك، ربما علي أن لا أُقدم على ذلك الطراز من الأعمال، لا أعلم، ما هو التفكير وماذا سيحدث في هذا الموضوع ؟).
إن هذه الصرخة والنداء من سجين سياسي – من كان ومهما كانت آراؤه – يجب أن لا تترك لتذهب سدى وتقتل في فضاءات الخلافات الحزبية داخل الحركة الكوردية، خاصةً ونحن نقرأ، منذ مدة، مجموعة تغيرات وتحولات – لن نقول – جذرية ولكنها مهمة، في الخطاب السياسي له؛ (للعمال الكردستاني وللسيد أوجلان نفسه) إن كان بخصوص حل القضية الكوردية داخل تركيا أو العلاقات الكوردستانية أو بخصوص العلاقة مع دول الجوار التركي؛ “..
سوريا تحاول استخدام الأكراد ضد تركيا، فمن أجل الحفاظ على تركيا محايدة على الأقل في القضية القائمة بين سوريا وإسرائيل تستخدم الأكراد، فلدى الأسد ورقة كردية دائماً ولا يمكن أن نتغاضى عن ذلك، وهي حقيقة” ويعتبر هذا تحول جذري ونوعي في علاقة الحزب (العمال الكردستاني) مع النظام السوري.
وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع مراكز القوى والقرار في العالم وخاصةً أمريكا وأوروبا حيث يقول بصدد ذلك: “تقوم فرنسا بتطوير علاقاتها مع الأكراد، وكذلك تطورها مع PKK”.
أما بخصوص العلاقات الكوردستانية وخاصةً مع الحزبين الرئيسيين في إقليم كوردستان، فها هو (السيد عبد الله أوجلان) يؤكد على أن “رغم كل الجهود التي تبذلها الدولة التركية لن يعتدي كل من PDK و YNK على PKK.
أعلم أنهما لن يهاجما، وكنت قد قلت ذلك من قبل.
وبات على تركيا أن تدرك هذا الأمر، لن يشتبك البارزاني والطالباني مع PKK، كما أن PKK لن يشتبك معهم، حتى ولو وضعوا السلاح بين أيدي الشعب، فإن الشعب لن يرضى بأن يرفع أبناءه السلاح ويشتبكوا مع PKK، فحتى لو منحت الإمكانيات لهذه القوى فإنها لن تحارب في مواجهة PKK، هذا الأمر بات مفهوماً”.
ويمكن اعتبار هكذا تصريح بداية مرحلة جديدة في العلاقات الكوردية – الكوردية وخاصةً بين هذه القوى والحركات السياسية الأساسية في جسد الحركة الوطنية الكوردية وبناء (مثلث القوة) كحامل إنشائي للقضية الكوردية – ويعرف الأخوة المهندسون ماذا يعني الشكل الهندسي في الإنشاءات وماذا تعنيه من قوة التحمل للضغوط والإجهادات التي ترفعها، إن كانت عمودية أو أفقية – وبالتالي فهل نشهد بداية مرحلة جديدة في علاقات الأحزاب والقوى السياسية الكوردية مع بعضها أو ما يمكن تسميته مجازاً بـ(الانفراج في العلاقات الكوردية؛ يعني الحزبية)..
إننا نعمل لذلك، ولن نقول فقط “نأمل ذلك”.
ملاحظة: موقفنا هذا ليس جديداً كلياً وإن كان هناك فيه من التغيير والتجديد لا ننكره، وعلينا جميعاً أن نعيد قراءاتنا فمن الخطأ الاستراتيجي الوقوف عند قراءة بعينها للمسائل والقضايا السياسية العامة.
المهجر – 2008
Pir1963@gmail.com