التحالف الديمقراطي الكردي بين أسباب السلبية والتعطيل والدور المطلوب منه راهناً ومستقبلاً

نشرة يكيتي *

كنا قد أشرنا في فترات سابقة، وعبر نشراتنا الحزبية إلى بعض الأدوار السلبية للتحالف الديمقراطي الكردي، ولبعض أحزابه، وخاصة في بعض المحطات النضالية التي مر بها شعبنا، وبعض أحزابنا.

فالجميع يتذكر الموقف الملتبس لبعض أطراف هذا التحالف، وبالتحديد موقف الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي “جناح حميد درويش”، من انتفاضة آذار عام 2004؛ ففي الوقت الذي كان فيه أبناؤنا يُقتَلون على قارعة الطريق، وكانت تستباح حرمة منازلنا، وتهدر كرامة شبابنا ومناضلينا في أقبية أجهزة أمن النظام، كان هذا الحزب يعمل على تشويه الحقائق، ويوفر الغطاء الكردي لمزيد من القمع والتنكيل وهدر الكرامة تحت مسميات الفتنة وغيرها من التوصيفات الجارحة لكرامة شعبنا.

 

بل لازال هذا الحزب مستمراً في نهجه السياسي الملتبس حتى هذه اللحظة، وأيضاً يتذكر الجميع موقف التحالف السيئ تحت تأثير بعض المتنفذين ومن صار في فلكه من التظاهرات التي شهدتها مدينة قامشلو رداً على اختطاف واغتيال الدكتور معشوق خزنوي، حيث تقاطع موقفه –وللأسف- مع موقف النظام إزاء ما ارتكبته الأجهزة الأمنية، والعصابات التابعة لها من قمع وتنكيل بشبابنا وشاباتنا، ونهب وتدمير للممتلكات حيث حاول تحميل مسؤولية تداعيات ما ارتكب لحزبينا «حزب يكيتي الكردي وحزب آزادي الكردي» في مسعى لتبرئة ساحة النظام وما ارتكبته الأجهزة الأمنية عندما كان الواجب يقتضي منه الترفع عن الحساسيات الخاصة، لأن في قضية المواجهة مع سياسات النظام وقمعه ليس مقبولاً لأي طرف كردي- وأياً كانت الذرائع والمبررات- أن يقف متفرجاً أو متشفياً، وأجهزة النظام تنكل بأبناء جلدته، فكيف إذا انحدر به الأمر إلى هاوية موقف النظام؟!
فضلاً عن ذلك فقد لعب هذا التحالف –وتحت ضغط هؤلاء المتنفذين فيه- دوراً معرقلاً لما تبقى من العمل الكردي المشترك، فلم يكن يخفى علينا يوماً محاولات هذا البعض –ونقصد بالتحديد الحزب الديمقراطي التقدمي ومن أصبح في فلكه- العبث بمصير لجنة التنسيق الكردية، وتأليب بعض أطرافها على البعض الآخر عبر الترويج لصيغ التحالف الرباعي وغيرها والتي كان الهدف منها ضرب مقومات العمل الجماعي الكردي في الصميم، من خلال إقصاء البعض، وتهميش البعض الآخر، لأنه بإنجاز هذا التحالف الرباعي تكون الحاجة منتفية حتى لحلفاء الأمس الذين استخدموا يوماً في لعبة الأرقام الوضيعة؛ الاستقواء في وجه الكردي الآخر بعكس المنطق السياسي والوطني السليم الذي يقول إننا بحاجة إلى كل تراكم سواء كان كمياً أو كيفياً في مواجهة مضطهدي شعبنا، وإن لعبة الإقصاء والتهميش والإلغاء هي لعبة المستبد أي النظام، علينا التصدي لها لا الولوج فيها وشرعنتها.
وأخيراً وليس آخراً، كان لهذا التحالف دور تعطيلي مشهود للجهود التي كانت تبذل لإنجاز المرجعية الكردية أو المؤتمر الوطني الكردي، وقد شهد على ذلك شاهدان من أهل هذا التحالف ويثبت ما قلناه مراراً في شأن ذلك، حيث كنا نريد من خلال تلك الحوارات التي انخرطنا فيها من أجل المؤتمر الوطني الكردي أن يأتي هذا المؤتمر مكملاً لشروط نجاحه واستمراره وتمثيله للشعب الكردي، بينما كان البعض في التحالف يريدونه مضيعة للوقت، وتفويتاً للفرص على الشعب الكردي، وانتقاماً من البعض لعزلهم أو في أحسن الأحوال، مؤتمراً وطنياً على مقاسهم وبحجم قاماتهم النضالية القزمة، وقد كنا نتفاجأ في كل جلسة حوار جديدة بنقض اتفاقات ما سبقها من الجلسات، وعقبات كأداء جديدة مع كل تقدم ننجزه إلى أن انتهينا بشق الأنفس، وعبر حوارات ماراثونية إلى الاتفاق على مشروع رؤية سياسية مشتركة توافقية على أن تنشر على الرأي العام مع إقرار تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وبعد أن حزمنا أمرنا لتشكيل اللجنة ونشر الرؤية المشتركة تفاجأنا بقائمة شروط جديدة من قبل التحالف، وأسئلة تعجيزية يجب علينا الإجابة عليها قبل نشر الرؤية وتشكيل اللجنة، وكل سؤال من هذه الأسئلة في حال الإجابة عليها مقدما يعني تفجير الحوارات ونسف قضية المؤتمر الوطني من الأساس، لا بل تفاجأنا أيضاً بأن طرفاً من التحالف –وهو الحزب الديمقراطي التقدمي وبعد كل تلك النقاشات والحوارات الماراثونية حول الرؤية السياسية يعترض عليها، وهذا الاعتراض على فقرات بعينها يعتبر جوهر القضية الكردية في سوريا، بدعوى أن مشروع الرؤية المتفق عليها يتبنى طرحاً سياسياً مرتفع السقف، لا يمكن لهذا الحزب تحمل مسؤوليته والتعاطي معه، رغم أن هذه الرؤية –وللتاريخ نقول- لا تتجاوز الحد الأدني المتواضع من ثوابت القضية الكردية، واستحقاقات حلها، وتدور غالبية طروحات الأحزاب الكردية حولها، ومن غير الممكن الانحدار به إلى دون ذلك، وإلا نكون قد نسفنا القضية الكردية كقضية قومية لشعب يعيش على أرضه التاريخية من الأساس.
وهذا الاعتراض على مشروع الرؤية السياسية المتفق عليها كان يثبت  ما كنا نذهب إليه دائماً بأن “التقدمي” مازال وفياً لإرثه التاريخي القديم، رغم تلاعبه ببعض الألفاظ والكلمات والشعارات والتي تحتمل وجهين من التفسير، والتي تبناها منذ بداية الثمانينات –وللأسف- انطلت على البعض، واعتبرها تحولاً في نهج هذا الحزب، إن هذا الحزب غير مستعد أن يتجاوز هذا الإرث التاريخي، والذي تمحورت تعبيراته السياسية في أمرين أساسيين: الأول هو أن القضية الكردية في سوريا هي مجرد قضية أقلية قومية طارئة ليس لها أن تطالب بأكثر من بعض الفتات من الحقوق الثقافية والمدنية.

والثاني أن دور الحركة الكردية  ينبغي ألا يتعدى دور الجسر تعبر عليه الحركة الكردستانية للتلاقي مع أنظمة الحكم في سوريا، أي دور الوسيط بين أنظمة الحكم في سوريا والحركة الكردستانية.
وقد أشرنا مراراً إلى المواقف السياسية الهزيلة، لا بل الملتبسة لهذا الحزب، وأشرنا أيضاً إلى دوره التعطيلي داخل الحركة الكردية لكل جهد نضالي في وجه السياسات  الشوفينية، ودوره التعطيلي كذلك في التحالف ومحاولات انتزاعه دور الزعامة في هذا التحالف بعدما تمكن من استقطاب حزب الوحدة الديمقراطي الكردي (يكيتي) إلى جانبه من خلال تحالف ثنائي –غير مفهوم سياسيا- داخل التحالف نفسه، والذي لا نكاد نجد له تفسيراً منطقياً حتى الآن، لمعرفتنا بمعظم كوادر هذا الحزب ونَفَسهم النضالي، لأننا أرسينا معاً ملامح الحقبة النضالية التي نعيشها اليوم، وأسسنا معاً للعديد من ثوابت قضيتنا القومية عندما كنا معاً في حزب الوحدة، وخضنا معاً تجربة الحراك الكردي الأول بعد فترة طويلة من الركود والسكون السياسي والنضالي.

ولذلك فإن المنطق السليم للأمور كان يقتضي أن يكون حزب الوحدة أكثر قرباً أو ميلاً إلى الأطراف الأخرى في التحالف، وليس إلى “التقدمي”.

ولكن لماذا انقلبت المعادلة على عكس منطقها فهو الأمر غير المفهوم لدينا حتى الآن..؟؟!
والبيان الأخير الذي أصدره كل من الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) والحزب اليساري الكردي، والذي أعلن من خلاله الحزبان تجميد عضوية الحزب الديمقراطي التقدمي يأتي منسجماً مع ما كنا نقوله عن هذا الحزب ودوره، ويعترف بجرأة بأن التحالف كان هو المعطل للجهود التي بذلت من أجل المؤتمر الوطني الكردي، وكذلك سعيه المستمر للسيطرة على التحالف والاستئثار بقراراته متجاوزاً دور مؤسساته والقواعد الناظمة لها، وذلك من خلال فرض هيئات جديدة عليه تأتمر بأوامره، ويستشهد على ذلك بالقرار الذي انتزعه “التقدمي” بمساعدة “الوحدة” من خلال المجلس العام للتحالف بصدد ما نشب من خلافات على خلفية إساءة السيد حميد درويش إلى رموز كل من الحزبين الكرديين في العراق بالقذف والشتم والتهم المفبركة التي لا تخدم القضية الكردية، لا في كردستان سوريا ولا في كردستان العراق.

ثم عمل الحزب “التقدمي” وبمساعدة حزب “الوحدة” على الطلب من التحالف أن يكذّب ما جاء على لسان السيد حميد، بعكس الحقيقة.

ورغم اعتراض الحزبين (اليساري والبارتي) على القرار الذي اتخذ بأغلبية الأصوات عبر لعبة الأصابع، اتخذ القرار بنفي أقوال السيد حميد وبذلك دخلوا التاريخ كأكبر عدد من شهود الزور على حقائق لا ينكرها السيد حميد نفسه في جلساته الخاصة جداً.
وبما أن البيان قد صدر، وأعلن الحزبان –وباسم التحالف- تجميد عضوية الحزب الديمقراطي التقدمي، وانسجاماً مع رؤيتنا الثابتة إزاء هذا الحزب ودوره التعطيلي المنظم في إطار الحركة الكردية، وسعيه الدائم والمستمر لتشويه وتقزيم القضية الكردية، وتقويض نضالات شعبنا الكردي، وقواه الوطنية، تنفيذاً لأجندة النظام وأجهزته الأمنية التي ما انفكت زعامة هذا الحزب تتباهى وتتفاخر بعلاقته معها، فإننا من حيث المبدأ لا يمكننا إلا أن ننحاز لهؤلاء الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) والحزب اليساري الكردي، ونحترم خيارهم وقرارهم بتجميد عضوية الحزب الديمقراطي التقدمي، بل ندعو جميع أطراف الحركة الكردية إلى احترام هذا القرار، ونأمل أن يكون تجميد عضوية “التقدمي” بداية مرحلة جديدة ينتشل فيه التحالف الديمقراطي الكردي من براثن التردد والخمول، والسياسات الخاطئة، وبداية مرحلة جديدة من العمل المشترك لتطوير أداء الحركة الكردية ورفع سقف طموحاتها وطروحاتها السياسية بما ينسجم مع متطلبات واستحقاقات هذه المرحلة الانعطافية والمصيرية في تاريخ سوريا، وتاريخ قضيتنا القومية.
——–
* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزي يكيتي الكردي في سوريا – العدد (157) أيار 2008

لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_175

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…