أزمة التحالفات في الحركة الوطنية الكوردية

بير روسته م

     أعوام عديدة أحرقتها الحركة الوطنية الكوردية في سوريا على القضايا الخلافية فيما بينها ومن أبرزها قضية الانشقاقات الحزبية وبالتالي من يملك الشرعية التمثيلية للمؤسسة الأم ويعتبر الآخر بأنه (المنشق والمطرود والملعون) وذلك منذ انشقاق (آب لعام 1965) في جسد الحزب الديمقراطي الكوردي – الكوردستاني سابقاً – في سوريا (البارتي) والذي عرف حينذاك بالانقسام بين (اليمين واليسار) ضمن صفوف الحزب وكذلك بين الجماهير الكوردية في سوريا وكوردستان عموماً؛ ذاك الانشقاق الذي كان بدايةً لحالة الانقسام الذي كرس لجملة مفاهيم وقيم سلبية في صفوف الحركة الكوردية في سوريا وخطابها السياسي والتي ما زالت تعاني منها: كقضايا التخوين ونعته بكل السلبيات وفي أكثر الأحيان من باب الصراع الحزبي الجماهيري (لم شمل أكبر عدد ممكن من الجماهير الكوردية حول حزبها) وليس من باب الاختلاف الأيديولوجي والتباين في البرامج والأجندة السياسية.

وهكذا فإننا (أحزابنا) دخلت في معارك جانبية هامشية فيما بينها وعلى حساب القضايا الأساسية والمصيرية للشعب الكوردي في الإقليم الغربي من كوردستان وكانت بهذه العملية؛ (الصراع الداخلي للأحزاب) تخفف بعض العبء على نفسها من أن تحاسب من قاعدتها الحزبية والجماهيرية على فاتورتها الهزيلة في صراعها مع السلطات الاستبدادية في سوريا والتي من المفترض أن يكون الصراع الحقيقي معها؛ كونها هي التي تضطهد الشعب الكوردي وتتنكر لأبسط حقوقه الإنسانية والمدنية ناهيك عن السياسية والثقافية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية.


    
     وهكذا فإن الحركة الوطنية الكوردية وبمختلف أحزابها وأطيافها ونتيجةً لحالة الضعف والتشرذم الذي كانت – وما زالت – تعاني منه ولعدم قدرتها على مواجهة السلطات السورية القمعية، من جهة، وكذلك لعدم امتلاكها الجرأة السياسية لمواجهة الحقيقة وكشفها للجماهير الكوردية؛ بأن الحركة تعاني الضعف والوهن وعلى مختلف الأصعدة: البرنامج السياسي وكذلك في كل من التكتيك النضالي والعمق الاستراتيجي في فهمها وتناولها للقضية الكوردية، فإنها (تلك الأحزاب) كانت – وما زالت – تلجأ بين الحين والآخر (وما أكثر هذه الأحايين) إلى فتح الصراعات الحزبية (الداخلية) وذلك لتغطي على ضعفها وقصورها في النضال ضد السلطات السورية الغاصبة للحالة الكوردية شعباً وجغرافية وحقوق.

وهكذا فهي تلهي قواعدها الحزبية وجماهيرها بصراعات خلبية وأيضاً لكي تهرب من أسئلة الاستحقاقات النضالية كما قلنا قبل قليل؛ أي يمكن القول إن هذه كانت من أبرز ملامح المرحلة الماضية، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال بأن الحركة الوطنية الكوردية ليس لها أي دور ايجابي في كل المرحلة الماضية، بالتأكيد لا، ولكننا نود أن نسلط الضوء على إحدى المناطق المظلمة في تاريخ حركتنا السياسية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان.
    
     وبالتالي فيمكن القول: إننا؛ (أي الحركة الوطنية الكوردية) قد ضيعت نصف قرن على خلافاتها وصراعاتها الوهمية من الانقسام بين اليسار واليمين (قديماً) وفي المرحلة المتأخرة (والحالية) بين مفهومي الكلاسيكية والليبرالية في الطرح السياسي والتنظير للقضية الكوردية وبأن حقوق الشعب الكوردي سوف تتحقق وفق أي نظرية وصياغة أيديولوجية لبناء سوريا المستقبلية وينسى أو يتجاهل هؤلاء (المنظرون) بأن الحركة الكوردية كانت – وما زالت – في طور حركة وطنية تحررية لشعب مقسم بين دول عدة تحتل جغرافيتها وتاريخها وثقافتها – ما عدا الإقليم الكوردستاني الفيدرالي – وبالتالي فإن اصطفافها بين هذه التيارات هي سابقة لمرحلتها التاريخية وما انقسامها هكذا بين تيارات إلا هو حرق لمراحل نضالية تاريخية متدرجة تأتي من خلال الثورات الاجتماعية لشعوب وأمم حققت منجزها القومي في كيان سياسي مستقل وليس ما زال رازحٌ تحت الاحتلال والهيمنة.

ومع كل هذا وذاك كان يمكن قبول الانقسام لو توقف عند حدود التباين في البرامج والمواقف السياسية واعتبار ذلك من مفرزات الصراع السياسي بين أقطاب عالمية وبأنه نتاج واقع سياسي عالمي، ولكن أن يصل الأمر بنا (بالحركة الكوردية) إلى الانقسام على ذاتها لخلافات جد شخصية؛ كون لما هذا (الزعيم) يكون (رئيس وسكرتير) الحزب، أو قل القبيلة لا فرق، ولما ليس أنا، بل يكون الانشقاق أحياناً لماذا يوفد (فلان) وليس (علان) لمحفلٍ ما، وبالتأكيد لن يكون محفلاً دولياً.
    
     وبعد أن أخذ الضعف بالجميع وتعددت الأسماء المتشابهة بحيث بات من الصعوبة على المختصين من الكوادر السياسية والحزبية أن يلموا بأسماء الأحزاب الكوردية ناهيك عن الجماهير الكوردية وغيرها من جماهير الشعوب والأمم الأخرى والتي لا تعرف شيئاً عن الكورد كشعب وجغرافية وحقوق كوننا (غير فاضيّن) لأولئك لكي نوصل إليهم قضايانا، فصراعاتنا الداخلية أهم وقد أخذت – وتأخذ منا – مجمل (بل كل) وقتنا وجهدنا وعزمنا.

وهكذا..

وبعد كل سنوات وأعوام التقسيم والضرب؛ (ضرب الحركة الكوردية في الإقليم الغربي لكوردستان بعضها ببعض)، وبعد كل هذه الأسماء (وليس المؤسسات) الحزبية المستنسخة بعضها عن بعض، وبعد حالة الموات التي عاشتها – وتعيشها – الحركة الوطنية في سوريا عموماً وعلى الأخص منها الحركة الوطنية الكوردية فقد ارتأت بعض الأحزاب على أن تنضم في تحالف سياسي أعلن عنه في بداية التسعينات وقد رأت الجماهير الكوردية فيها بوادر مرحلة جديدة ولكن سرعان ما توصل المرض العضال إلى ذاك العضو أيضاً في جسد الحركة الوطنية وبالتالي فهو الآخر تعرض للتمزيق والانقسام وهكذا فانتقلنا من مرحلة انقسام الأحزاب لندخل بوابة انقسام الكتل والتحالفات السياسية لنبدأ مرحلة جديدة من الصراع الداخلي – الحزبي (الكوردي – الكوردي) وبالتالي نشكل بين يوم وآخر تكتل جديد لننقسم ونتشظى من جديد؛ كون كل تحالفاتنا قائمة على أساس (المجاكرة) ولكي لا يقال بأننا لسنا مع (وحدة الصف الكوردي) وبأننا من يكرس التقسيم والتشتيت، مع إننا جميعاً (أفراداً وأحزاباً) مساهمون فيها.
    
     وبالتالي فإن كل – كل وليس جل – تحالفاتنا قائمة على أساس الاشتراك مع شريك ضعيف آخر (ولكن أكثر ضعفاً منا، لكي تكون الكلمة والكرسي الأكبر لنا وليس لآخر سوانا).

وهكذا – وكما قلنا سابقاً – فإن جبهاتنا ولجاننا وتحالفاتنا ليست بالتحالفات القائمة على أساس وحدة البرامج والأجندة السياسية والنضالية لحركة وطنية تناضل من أجل الاستقلال (والاستقلال لا يعني بالضرورة الانفصال وبكل الأحوال، وإن كان هو حقٌ طبيعي لكل الأمم والشعوب والجغرافيات، بما فيها الإقليم الغربي من كوردستان الملحق بالدولة السورية حسب اتفاقيات دولية استعمارية) وبالتالي تحقيق الحقوق القومية للشعب الكوردي في ذاك الإقليم..

نعم، إن تحالفاتنا وجبهاتنا قائمة على أساس تقوية هذه الجبهة ضد جبهة الآخر ولو تحالفت من خلالها مع (الإبليس ولم أقل الش..

حرصاً على مشاعر الأخوة الأيزيديين) وإلا فكيف نفسر تحالف كل من أطراف اليسار واليمين، الكلاسيكيون والليبراليون، الإسلاميون والعلمانيون..

الحداثويون والسلفيون ضمن هذا التحالف وكذلك الأمر يكون عينه في تلك الجبهة وغيرها حيث بالأمس كانوا (أي أطراف التكتل الواحد) في صراعات بيزنطية حول (البيضة والدجاجة).
    
     لا بد من كلمة أخيرة وحتى لا نتهم بأننا نشجع أو ندعو إلى حالة انقسام الكتل أو انفراط عقدها، خاصةً وإن (التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا) يعيش حالياً أزمة على الصعيد التنظيمي بين أطراف عدة وذلك نتيجة خلافاتها حول قضايا من يمثلها ضمن (قوى إعلان دمشق) وهي بامتياز قضايا تنظيمية – نؤكد مجدداً – وليست سياسية، بل إننا ومن خلال مقالنا هذا، والذي يأتي بعد الملاحقة الأمنية الأخيرة لنا، نود أن نؤكد – وكما نوهنا سابقاً إلى ذلك في إحدى مقالاتنا؛ (الحركة السياسية الكوردية – تياراتها وأحزابها)، ومرةً أخرى – بأن الحركة الوطنية السياسية الكوردية في الإقليم الغربي من كوردستان بحاجة إلى نوع من الاصطفاف والفرز بين تيارات سياسية عدة؛ (قومية كلاسيكية ووطنية ليبرالية وثورية ماركسية، ولا نعلم إن كانت الأيام تخبأ لنا تياراً دينياً إسلامياً وهل سيكون سلفياً متطرفاً أم شعوبياً معتدلاً)، مع العلم إن هذه التيارات السياسية الكوردية كانت في ظهورها على مسرح الحياة السياسية الكوردية سابقة لأوانها؛ أي أنها جاءت من ولادات قيصرية وليست طبيعية، ولكن هذا هو الواقع السياسي الكوردي وعلينا التعاطي معه وبالتالي القبول به (بواقع الحركة الوطنية الكوردية وتياراتها وأحزابها الغير طبيعية) ودعوتها لتحالفات حقيقية قائمة، على الأقل، على أساس أجندتها وبرامجها وتاريخها السياسي أو بالأحرى تاريخ صراعاتها السياسية وليس على أساس (المجاكرة) ومعاداة هذه الكتلة أو تلك، وكذلك من أجل (تقوية) هذا الطرف المنشق وقبوله في (حلف وتحالف ما) وذلك (لإضعاف) الطرف الآخر.

     و..

أخيراً نقول ليكون هناك تحالفات جديدة قائمة على أسس برامجية نضالية ومؤسساتية وعلى أسس الاصطفاف ضمن تلك التيارات السياسية التي صنفنا الحركة الكوردية وفقها وإن كانت أحزابنا ما زالت غير منسجمة بداخلها فكيف بالتحالفات؛ أي أن الأحزاب الكوردية إجمالاً غير قائمة على أساس تيار فكري وسياسي (محدد)، بل إننا نجد وفي الحزب الواحد مجموعة تلك التيارات السياسية؛ كونها (الحركة الوطنية الكوردية) ما زالت في طور حركة تحرر وطني وهي تتشكل تنظيمياً من مجموع الشرائح والأطياف الاجتماعية داخل المجتمعات الكوردية وهذه تكشف زيف ادعاءات الأحزاب والقيادات التي نادت وروجت لبعض انقساماتها بأنها كانت على أسسٍ فكرية وأيديولوجية.
…………………………….

     (*) تنويه: إننا ومرافقةً مع مقالنا الأول هذا بعد عملية الاعتقال والملاحقة التي تعرضنا لها من قبل الدوائر الأمنية في سوريا (وتحديداً من قبل الأمن الجوي) نكرر مرة أخرى شكرنا وامتنانا لكل من وقف معنا؛ إن كان من خلال الاتصال بالأهل (أيام توقيفنا) أو زيارتنا بعد الإفراج عنا – وبشروط – بحيث أجبرتنا على الهجرة والنفي القسري من البلد.

وكذلك نشكر كل الكتاب والأحزاب والمنظمات الحقوقية والثقافية الكوردية والسورية وكذلك مواقع الأنترنت بوقوفهم معنا إن كان ببيان تضامني أو من خلال حملات التضامن ونخص بالشكر الأخوة والرفاق في الحزب؛ (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) قيادةً وقواعد وكوادر لوقوفهم – مادياً ومعنوياً – مع رفيقٍ لهم كواجب أخلاقي طبيعي تجاه أي رفيق يمر بتجربة مماثلة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…