(ما ينفع الناس، يمكث في الأرض)

هوشنك أوسي

لعل من نافل القول: إن مفاهيماً واصطلاحاتٍ معيَّنة كـ”المهاترة، المزايدة…” هي الأكثر حضوراً وتداولاً وشيوعاً في الأنساق والسياقات اللغويَّة العاكسة للخطاب السياسي الكردي داخليَّاً، هذه الأيَّام.

ولا تكاد تلحظ مدوَّنة سياسيَّة “بيان، مقال…”، ضمن الحيّز التراشقي، بين المتباينين في الرأي، كرديَّاً سوريَّاً، وإلاَّ تجد هذين المفهومين، دارجين في عتبة المدوَّنة أو متنها أو خاتمتها، بما يشير أن صاحب المدوَّنة، سواء أكان حزباً أو شخصاً، يذكر هذين المفهومين، مترفِّعاً عنهما، ومتأففاً منهما، ومتَّهماً خصمه أو المتباين معه في الرأي، بالغرق فيهما.

وما أن تصادف نأي الذات، عن المهاترة والمزايدة، والتأفف منهما، من قبل البعض، تجد أن هذا المعشر قد انزلق إلى سافل وحضيض المهاترة والمزايدة، وبات قابعاً في قيعانها!.

لو افترضنا أن الحركة الحزبيَّة الكرديَّة نشأت ضمن بيئة متخلِّفة، حسب ما يرى البعض، هذا يعني أن هذه الحركة كانت متخلِّفة!.

ويعني أيضاً، أنه مضى على تخلُّفها 50 سنة، ولم تتخلَّص منه!.

والأنكى من ذلك، أنها ازدادت انحداراً نحو التخلُّف!.

لكن السؤال: لماذا كانت الحياة السياسيَّة والثقافيَّة الكرديَّة في سورية، قبل ولادة الحزب الكردي الأوَّل سنة 1957، هي أكثر انفتاحاً وتمدُّناً وتحضُّراً وتلاقياً، مما هو سائد الآن، وبعد 50 سنة من “النضال” الكردي، مضافاً إليه الثورة المعلوماتيَّة والتقانة والعولمة!؟.

والحال هذه، يبدو ان معيار أو مقياس التطوُّر في الحياة السياسيَّة الكرديَّة في سورية، يتناسب عكساً مع مسيرة عجلة الزمن والتاريخ، بحيث كلما ازداد العالم تطوُّراً، انزلقت بنا أحزابنا السياسيَّة نحو الوراء، ومهالك ومهاتك التخلُّف!؟.

العالم يسير بخُطى متسارعة نحو التواصل والتقارب والاندماج، وأحزابنا السياسيَّة الكرديَّة في سورية، في خُطى حثيثة نحو المزيد من الخلاف والشقاق والتباعد والتقاعس والبؤس والخراب…!!؟.

والسؤال الآخر: هل فعلاً نشأت الحركة الحزبيَّة الكرديَّة السوريَّة في بيئة متخلِّفة؟.

برأيي؛ لا.

لقد تأسست هذه الحركة سنة 1957، يعني، في أهم حقبة من تاريخ سورية المعاصر، وأكثرها انتعاشاً وحيويَّة.

وأقصد، الحقبة التي تسمَّى بالعهد الوطني.

حيث حريَّة الأحزاب والصحافة والحياة البرلمانيَّة!.

ثمَّ أن غالبيَّة مؤسسيها كانوا من النخبة الكرديَّة، مثقفين وساسة، أربعة منهم أتوا من الحزب الشيوعي السوري؛ “رشيد حمو وشوكت حنان…”، ونورالدين ظاظا الذي كان يحمل دكتوراه في علم الاجتماع، علاما أعتقد من سويسرا.

وعبدالحميد درويش الطالب في كليَّة الحقوق.

فضلاً عن العلامَّة الشيح محمد عيسى قره كوي، والشاعر جكرخوين، وحمزة نويران…الخ.

إذن، البيئة لم تكن متخلِّفة، والمؤسسون لم يكونوا متخلِّفين، إنما النشأة كانت مشوَّهة.

وينبغي الاعتراف بذلك.

وإن استقرِّينا على هذه الفكرة، وأقصد البداية المشوَّهة، هذا يعني بالضرورة، أن البدايات المشوَّهة لن تنتج إلا نهايات مشوَّهة.

وراهن حالنا السياسيَّة الكرديَّة السوريَّة البائسة، خير دليل دامغ على الواقع السياسي المشوَّه، وغير الصحِّي السائد.
كتب السيّد محي الدين عيسو، مقالاً موجَّهاً ليّ، تحت عنوان: “إلى السيد هوشنك أوسي… فليكن نقدنا بنَّاءاً”.

في البداية، لا يسعني إلا شكره على اهتمامه وحُسن متابعته، وتجشُّمه عناء كتابة مقاله ذاك، طارحاً حزمة من الأفكار، أشكره عليها، حتَّى على التي لا اتَّفق فيها معه أيضاً.

وتعقيباً على المقال السالف، أودُّ الإشارة لما يلي:
يقول السيّد عيسو: “أتحدث معك بلغة بسيطة بعيدا عن الفذلكات الكلامية والعبارات الشعرية ومحاولة البحث في قاموس الكلمات، واعلم جيدا بأنك واحد من الأشخاص اللذين يحاولون البحث عن الحقيقة ، وهذا الكلام ليس مراده بأن الحقيقة معك أو مع غيرك الذين كتبوا عن الحركة السياسية الكردية أو حزب العمال الكردستاني ، أو غيرها من الأحزاب الكردية في كردستان العراق، ولست من باب الدفاع عن أحد أو تجميل صورة أحد، ولكن واقع الحال يقول بأن الحركة السياسية الكردية هي نتاج مجتمع كردي عام 1957 وما قبله وبعده أي نتاج مجتمع متخلف حاولت السياسة الشوفينية للحكومات السورية المتعاقبة أصهار الكرد في البوتقة العربية، وإخفاء الملامح الكردية حتى على الأحجار الكردية، وممارسة سياسة التعريب وتجريد من الجنسية وتطبيق الحزام العربي وغيرها من الممارسات التي تعرفها جيدا قبل غيرك”.
يا سيّدي الكريم؛ لكلٍّ منَّا لغته وتقنيته في الكتابة، وأعتقد أنَّه من آداب الحوار، عدم التلميح أو التصريح إلى الطعن في اللغة، واتِّهامها بـ”الفذلكة” وما عدى ذلك!.

والأجدى، التعامل مع الفكرة، إن لم يكن لدينا القدرة على مجارات اللغة.

ثمَّ من قال لك بأنَّني نأيت نفسي عن العطب والخراب، وادَّعيت امتلاك الحقيقة، أو حصرها في هذا الفريق السياسي أو ذاك؟!.

المقالات النقديَّة التي كتبتها في الحركة الحزبيَّة، تنطوي على نقذ ذاتي لنفسي ككردي سوري وكمثقف، وأنَّه كان ينبغي توجيه النقد باكراً، وأنَّنا تأخَّرنا كثيراً في عملية إرجاء وتأجيل النقد، بحجج كثيرة واهية.

وأعلنها صراحة، بأنَّني أتحمَّل جزءاً من المسؤوليَّة في هذا العطب والخراب، وأقدِّم اعتذاري من شعبي الكردي السوري على ذلك.

واعداً إيَّاه، بألاً أنحاز للخراب صمتاً أو تزلُّفاً أو تحايلاً أو مواربة…الخ، طالما بقي في جسد عِرقٌ نابض.

أمَّا عن أن الوليد السياسي الكردي السوري، كانت نتيجة تلاقح البيئة والمجتمع المتخلفين، وحالة القمع والمشاريع العنصريَّة التي مارسها النظم السوري، فقد أتيت على ذكر جزء من ذلك أعلاه.

وأنِّني أنتظر للمشهد من زاوية، تختلف وتناقض زاوية رؤيتك.

وقد شرحت ذلك.

وللقارئ العزيز حقَّ الفصل بين وجهتي نظرنا حيال نشأة الحركة الحزبيَّة.


يا سيّدي الكريم؛ ثمَّة مجتمعات أكثر تخلُّفاً من المجتمع الكردي، انتجت حركات سياسيَّة، أحدثت انقلابات اجتماعيَّة، وأنجزت لشعوبها مكاسب حقيقيَّة في أزمنة قياسيَّة، والأمثلة أكثر من تحصى.
يقول السيَّد عيسو: “لكن، في كل دول العالم هناك أحزاب سياسية تحاول النهوض بمجتمعها ورفع سوية الثقافة والوعي لدى أبنائها، والحركة السياسية الكردية في سوريا كانت لها نفس المحاولة منذ خمسين عاماً، ولا يجوز أن نقول بأنها فشلت كليا في محاولتها أو لم تحقق شيئاً للمواطن الكردي على الرغم من بعض السلبيات التي رافقت مسيرتها النضالية وهذا الأمر من الطبيعي أن يحدث فمن يعمل من المؤكد بأنه سيقع في الأخطاء، وهذه الأخطاء أقولها للأستاذ هوشنك بأنها إنسانية تقع في صلب طبيعة البشر وليس من باب الإساءة إلى الأكراد وقضيتهم العادلة، أو الإساءة إلى حزب العمال الكردستاني الذي له إيجابياته وسلبياته كما الحركة السياسية الكردية في سوريا”.
يا سيّدي: اعتذر عن توجيه هذه الأسئلة المدرسيَّة لك، لأنَّك أجبرتني على طرحها، والضرورة تقتضي ذلك، لتبيان الأمر: عدد لي 5 من الإنجازات التي حققتها الحركة الحزبيَّة طيلة 50 سنة؟.

عدد لي 5 من معالم النهضة التي حققتها الأحزاب الكرديَّة في المجتمع الكردي السوري طيلة 50 سنة؟.

عدد لي 5 مظاهر تشير إلى رفع سويَّة الوعي والثقافة التي خلقتها الأحزاب الكرديَّة في المجتمع الكردي السوري؟.

عدد لي 5 نجاحات حققتها هذه الأحزاب، طيلة 50 سنة، كي لا نقول عنها بأنها أحزاب فاشلة بشكل كامل؟.

عدد لي أسماء 5 نساء، تبوَّأن مناصب قياديَّة عاليا في هذه الأحزاب “مكتب سياسي، لجنة مركزيَّة” طيلة 50 سنة؟.

عدد لي عناوين 5 كتب، ذات صبغة فكريَّة، زاخرة بالقيمة المعرفيَّة، ألَّفها قادة هذه الأحزاب خلال 50 سنة؟.

أعطني أسماء 5 مثقفين هامِّين، لهم حضورهم في الحياة الثقافيَّة السوريَّة والكرديَّة، ويشار لنتاجهم بالبنان، واستقطبوا حراكاً نشطاً من القرَّاء العرب السوريين وغيرهم، وكانت الأحزاب الكرديَّة هي التي أنتجت هؤلاء المثقفين، منذ 50 سنة؟.

هل تعلم يا سيّدي بأن هذه الأحزاب تضمُّ مثقفين، وسموا كتبهم بالترجمة عن الفرنسيَّة والتركيَّة، وهم لا يفقهون من هاتين اللغتين مفردة واحدة، وحزب هذا المثقف تستر عليه، ولم يتخذ بحقَّه أيَّ إجراء وقائي يحصِّن الثقافة الكرديَّة؟!.

هل تعلم أن هذه الأحزاب، تضم نماذج من الكتبة، الحاقدين، الذين لا يدَّخرون فرصة للتشهير والتشويه بيّ، لأنني فضحت زيفهم، وكشفت منسوب دجلهم ونفاقهم، وكيف كانوا يتوددون لحزب العمال، ويترددون على مقاره ومكاتبه، وكيف كان هذا الحزب يقدِّم لهم المساعدة، حتَّى أكثر من حزبهم، وواجهتهم جهراً بقبح صنيعهم، وإذ بهم يتوارون جُبناً وغيّاً وحسداًَ وبلادة، خلف أسماء مستعارة، منتحلين صفة “النقَّاد الشجعان”، متمترسين خلف أسماء جبانة.

هل تعلم أن هذا النفر المقيت، يعيش حياة سياسيَّة هانئة، في حزب سوري كردي، هانئ بخراب حاله!؟.

هذا النفرُ المُنفِّر، يسيء لهذه الأحزاب، وهم ركائز بلائها وابتلائها.

وكي لا نبخس الناس حقَّهم، ثمَّة من الكتَّاب والمثقفين الطموحين، ضمن هذه الأحزاب، والتي أكنُّ لهم الودَّ والاحترام، بصفتهم الشخصيَّة، وليست الحزبيَّة.
يا سيّدي؛ كيف يمكن أن نسم حالة الانشقاق والتلف والعطب والعطالة في الحراك السياسي الكردي بأنَّها تأتي في سياق “الأخطاء الإنسانيَّة”!؟.

معشر الأحزاب الكرديَّة الـ12، 13، 14، 15….، حزب، يزعم كلُّ واحد منها، بأنه حامل راية النضال، ويتحمَّل عناء القضيَّة الكرديَّة في سورية، وأنَّه لا يشقُّ له غبار في هذا المعترك، وهي، أيّ الأحزاب، هي الأكثر إساءة للقضيَّة الكرديَّة في سورية، دون استثناء!.

ومن المؤسف القول: إن معيار التفاضل بين هذه الأحزاب بات كما يلي: أيُّها الأكثر إساءة للقضيَّة الكرديَّة.


يقول السيّد عيسو: “إن لغة التخوين الشتم والمزايدة والاتهامات هي لغة سوقية يجب على كل مثقفينا الكرد الابتعاد عنها أن كانوا فعلا يريدون الخير لقضيتهم فهذه اللغة لن تخدم أحداً سوى أعداء القضية الكردية في سوريا وأنا على يقين بأن السيد هوشنك أوسى ( الذي لم ألتقي به يوماً ) لا يود خدمة من هم أعداء لقضيتنا لذا علينا جميعا أن نرتقي بلغة الحوار وأن نحاول إقناع بعضنا بالحجة والبرهان لكي نكون فعلا روادا في مجال نشر الثقافة والوعي بين أبناء شعبنا، ففتح صفحات الماضي والعودة إلى أخطاء حزب العمال الكردستاني أو الاتحاد الوطني أو الديمقراطي الكردستاني أو الحركة السياسية الكردية في سوريا إن لم تكن الغاية منها الاستفادة، وتجنب حصولها في المستقبل مع أحزابنا، تكون محاولة بائسة وليست إلا استرجاع لأوجاع وآلام الماضي وفتح المجال أمام النقاش العقيم للشارع الكردي المشتت أصلاً وكيل الاتهامات إلى بعضنا البعض دون التفكير ولو للحظة واحدة بأننا نخدم بشكل أو بآخر من يحاول صهرنا في بوتقته العربية.”
يا سيّدي الفاضل: أتحدَّى كلَّ ما يحاول أن يدَّلني على أنني خوَّنت حزباً كرديَّاً سوريَّاً، أو رمزاً من رموزها؟!.

فيا ليتك تدلَّني على مفردة خائن، أو تخوين، أرفقتها بشخص أو زعيم أو حزب…الخ!؟.

عندما أشرت إلى نشأة الحركة الحزبيَّة في سورية، والتغطية البعثيَّة المباشرة أو غير المباشرة لها في بدايتها، هذا ليس من باب التخوين، بل البحث والاستدلال والتحليل، وصولاً للنتائج.

عندما أشرت إلى علاقة السيّد صلاح بدرالدين أو السيّد حميد دوريش مع النظام العراقي، ليس من باب التخوين، بل المراجعة والتدقيق والتحرِّي والكشف والاستنتاج.

عندما أشرت لعلاقة الزعيم الراحل ملا مصطفى بارزاني مع أمريكا وإسرائيل وإيران وتركيا، ليس من باب التخوين، والعياذ بالله، بل من باب حساب كلفة الربح والخسارة الكرديَّة من هذه العلاقة.

بئس الرَّأي، الذي يخوِّن نقيضه، كائناً من كان صاحبه.

لكن، الإشارة إلى أن فريق سياسي، أو رمز سياسي، ممن أدمن التقُّلب والزئبقيَّة، والعلاقة مع الأنظمة التي تقتسم كردستان، حتى ولو كان ذلك، على حساب أكراد تلك الأجزاء، وتكرار هذه الحالة المقيتة لديه، ونقد ذلك.

هذا أيضاً  ليس من باب التخوين.

السيّد جلال طالباني نموذجاً.


يا سيّدي، أعتقد أنك تعرف، والكل يعرف، أن طالباني وصف من قِبل الملا بارزاني بـ”جحوش سنة 1966″.

أمَّا أنا، وأنت ايضاً، ومعنا الكثير الكثير، ممن لا ولن يقولوا ذلك في حقِّ طالباني.

فما بالك باتهامه بالخيانة!.

رغم أن طالباني اتَّهم حزب العمال قبل فترة وجيزة بأنه استمرار حمله للسلاح هو خيانة للقضية الكردية في تركيا، فضلاًَ عن اتهامه للعمال الكردستاني بالإرهاب!!؟.

لقد انتقدت مسلك السيّد طالباني بشدَّة، في علاقته مع تركيا وإيران وسورية، وزئبقيته وبراغماتيته وعقلانيته، ولم ولا ولن أسمح لنفسي أن أخوِّنه.

لقد انتقدت السيّد أوجلان، على النزعة الستالينيَّة التي رافقت تجربته، وذكرت دواعي وأسباب نشأتها، وانتقدت طروحاته التي تبدو مستقبليَّة، ولم ولا ولن أسمح لنفسي بتخوينه أو التشفِّي بحاله، وهو الزعيم الكرديُّ الأسير، لدى طغمة فاشيَّة، كما يفعل البعض من مثقفينا وساستنا الأفاضل من الأكراد السوريين، حين يخونون أوجلان ويتشفُّون في حاله!!؟.
يا سيّدي، عودتي للماضي، هي لمعرفة أسباب وجذور المشكل والمرض، وليس بداعي إثارة الأحقاد والضغائن.

وإن يفهم البعض رجعتي للماضي بهذا الشكل، فهذا شأنه.

لكن، من يخشى من حقائق الماضي، مهما كانت قبيحة وأليمة، فلن ينجز حاضراً سليماً صحيَّاً معافى، ولن يتقدَّم نحو المستقبل بخطى واثقة ثابتة.

وطامتنا الكبرى، بأننا نخاف العودة للماضي، لفهم الحاضر.

ونعجز عن تغيير الحاضر، تأهُّباً لخوض غمار المستقبل.

يا سيّدي: الحقيقة ليست مرَّة وحسب، وبل قد تكون سمُّاً تقتل صاحبها.

فينبغي أن نكون حقيقيين، ومتصالحين مع قناعتنا، مهما كانت الأكلاف والأثمان.
يقول السيّد عيسو: “الكل يعلم بأن واقع الحركة السياسية الكردية في سوريا غير صحي ويمر بمرحلة صعبة مليئة بالخلافات الحزبية بين الأطراف، وهذه الأخيرة منشغلة بالقيل والقال وخصوصا التحالف الديمقراطي الكردي الذي أصبح بإرادة زعمائه تحالفين عاطلين عن العمل أو قادرا على اتخاذ أي قرار ضمن الساحة السورية، وأنا على يقين بأن جميع القواعد الحزبية لأطراف الحركة الكردية غير راضية على هذا الواقع وهذه الخلافات العشائرية القروية بين أطرافها ولكن ما الحل؟”.
الحل، أن تردع هذه القواعد قياداتها.

الحل، أن يقاطع المثقفون قيادات هذه الأحزاب، حتى تفئ إلى نبض الشارع الكردي.

ومن أبى واستكبر، فعلينا فضحه ورجمه.

الحل، هو الإصلاح من الداخل، ومحاسبة كلَّ مسيءٍ ومعطِّل.

الحل، هو كشف وفضح كلُّ قبليٍّ، قرويٍّ متطبِّلٍ ومتطفِّل.
ويستدرك السيّد عيسو قائلاً: “الكل يعلم بأن الحركة الكردية لا تستطيع أن تكون أداة تغيير في سوريا ولم تهيأ نفسها لقيادة المرحلة، إن لم تحاول لم شملها وتوحيد طاقاتها، وتبتعد عن المهاترات والشتائم ولغة التخوين في المواقع الكردية وعلى صفحات الجرائد، فجميع الأحزاب الكردية مذيلة بكلمة “الديمقراطي” وهي بعيدة في ممارساتها وسلوكياتها عن العمل الديمقراطي على الرغم من الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها ضمن الوسط الكردي، واستمرار الشارع الكردي في المضي خلف هذه الأحزاب، نعلم هذا جيدا ولكن نحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لنرتقي إلى الأفضل، هذا هو واقعنا وهذه هي مأساتنا.”.

هل تعلم ما هي مأساتنا؟!.

مأساتنا، يا سيّدي النقطة المرعبة والخطيرة والمخيفة التي أشرت إليها: وهي سير الشارع الكردي وراء أحزاب، “الكل يعلم بأنها لا تستطيع أن تكون أداة تغيير في سوريا ولم تهيأ نفسها لقيادة المرحلة، إن لم تحاول لم شملها وتوحيد طاقاتها، وتبتعد عن المهاترات والشتائم ولغة التخوين في المواقع الكردية وعلى صفحات الجرائد، فجميع الأحزاب الكردية مذيلة بكلمة “الديمقراطي” وهي بعيدة في ممارساتها وسلوكياتها عن العمل الديمقراطي على الرغم من الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها ضمن الوسط الكردي، واستمرار الشارع الكردي في المضي خلف هذه الأحزاب”!!؟.

يعني، أن الشارع الكردي ارتضى أن يقتدي بالخراب والعطب وساسة الشتم واللطم السياسي!!؟.

هنا، ينطبق علينا ما ينطق على الشعوب العربيَّة، بأنها هي التي تنتج طغاتها، وقامعيها، ومستبدِّيها، وفاسديها…الخ.

وإن صحَّت هذه الحال، كما أشرت إليها، فبئس القوم نحن.

لكن، أيُّ شعبيَّة لهذه الأحزاب.

أتمنى أن تجري جردة حساب لها، كي تعرف أعضاء ومنتسبي كل حزب، ونسبته من مجموع الشعب الكردي السوري؟.

أعجب من هكذا رأي، يصدر من ناشط حقوقي وسياسي مثلك!؟.

وقد تكون أعلم وأدرى منِّي بحال هذه الأحزاب وأحجامها.

وعليه، فيا ليتك لو أعطيتني أرقاماً تقريبَّة لحجومها الجماهيريَّة العريضة.
يذكر السيّد عيسو: “لكننا كمجتمع وكحركة سياسية كردية ما زالت في طور التكوين وبناء الذات المهمشة على كافة الأصعدة نحتاج إلى نقد بناء يحرك الخلايا المخية المجمدة كواقعنا الكردي، لا إلى التجريح والتخوين والدخول في تفاصيل مضى عليها سنوات طوال لا فائدة من استرجاعها، وأن تسعى جميع الأقلام الكردية للتصدي لواقع التشتت الكردي عبر النقد البناء ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الأحزاب المتخاصمة.فأتمنى من شاعرنا الكردي هوشنك أوسي أن يسخر قلمه وكتاباتها في سبيل دفع القضية الكردية إلى الأمام وتعريف الرأي العام بما يعانيه أبناء جلدته من ظلم وغبن على يد جلادي هذا الوطن وليس الدخول في متاهات وصراعات جانبية”.
خطيرٌ جداً، ما أسمعه منك، كناشط حقوقي وسياسي كردي سوري، يصف حركة سياسيَّة كرديَّة سوريَّة، بعد مضي نصف قرن من نشأتها، بأنها مازلت في طور التكوين!!؟.

وأمَّا الأخطر من ذلك، هو عطفك للمجتمع الكردي على الحركة الكرديَّة، بأنه هو أيضاً لا زال في طور التكوين، بعد مضي آلاف السنين عليه!!؟.

أمَّا عن الذات، المهشَّمة والمتشظيَّة، فاتفق معك عليها.


إذاً، نحن أمام مجتمع وحركة سياسيَّة في طور التكوين، بعد كل هذه السنين، ولم تشبّ عن الطوق بعد، برأي السيّد عيسو!.

لكن، كيف يمكن أن يجتمع التكوين والتشظِّي في مكان!؟.

عادةً، مراحل التكوين، تستوجب الألفة والتعاضد والانسجام والتقارب والتواصل المحكم، حتَّى تتبلور الشخصيَّة المجتمعيَّة والسياسيَّة.

فما بال أحزابنا العريقة والعتيقة في فنون الانقسام والاقتسام والتشظِّي، في أوج غليانها وحيويتها على الإساءة للقضيَّة الكرديَّة، منذ طيلة 50 سنة وهي لا زالت في طور التكوين!؟.

وإذا كان كل هذا الخراب السياسي، قد حققته الحركة الحزبيَّة وهي في طور التكوين، فما حجم الخراب الذي ستحققه إن بلغت سِنَّ المراهقة أو الرشد!!؟
يا سيّدي، عودتي لماضي الأشخاص هو خدمة لهم: فإن طرحت سؤالاً حول دور السيّدين صلاح بدرالدين ومصطفى جمعة في الحرب الأهليَّة اللبنانيَّة، ومساعي تجنيد الشباب الكردي ضمن الفصائل الفلسطينيَّة، والاستفسار عن المقابل، وهل كان هو المدخل لإقامة العلاقة مع النظام العراقي البائد؟.

فهذا مدخل لمراجعة الماضي، وتنقيته من الشوائب، وفرصة كي يكشف لنا السيّدان الكريمان، بالدليل والبرهان الدامغين براءتهما من التهم التي تثار حولهما في الخفاء.

الفارق بيني وبين الكثيرين، بأني لم آتي بجديد.

بل أنني أجاهر بطرح هذه الأسئلة على الملأ، وكي يعرف الشارع الكردي، حقيقة ماضي رموزه وقياداته.

وليس في هذا تجريح أو إساءة.

أنا لم أشتم شخصاً في شكله وهيئته وقوامه التي خلقه الله عليها، ولا في أصله وفصله.

كل ما في الأمر، أنني أضع ماضيه قيد المساءلة والمناقشة والنقد.

هل هذا نقد هدَّام!؟.

إذن، ما هو النقد البنَّاء برأيك!؟.

إن كان بإمكانك التقريب بين حزبين كرديين، بالحجَّة والموعظة الحسنة، فسأكون ظهيرك وسندك، ومعي الكثير من الأصدقاء.

لكن، ولأنَّ النقد المهادن والمساوم، قد فقد صلاحيته بالتقادم، ولم يعد يجدي معهم نفعاً، ولأن طبقة التكلُّس والصدأ التي تغلِّف بها هذه الأحزاب نفسها باتت سميكة جداً، لذا، قلت بأنه هذه الطبقة، صارت تستوجب الطرق، ثمَّ الطرق، ثمَّ الطرق، ثمَّ الكيّ.

لأنَّ آخر الدواء، الكيّ.

ولأنَّ أوُّل البناء هو الهدّ، لا مناص من يأخذ النقد نبرة عاليَّة حادَّة، قد يراها البعض شغباً أو طيشاً أو مهاترة أو مزايدة، فضلاً عن التهم والشتائم التي لحقت بيّ جرَّاء هذا النقد.

بالنتيجة، لم ولا أزعم بأنني أمتلك الحقيقة.

لكنِّي أزعم بأنني أسعى للوصول إليها.

وقصارى القول: “إن ما ينفع الناس، يمكث في الأرض”.

وسيأتي اليوم الذي سيقاضى فيه هوشنك أوسي على فعلته هذه، وحساب نسبة الفائدة والضرر التي قدَّمها لشعبه الكردي وقضيته العادلة نتيجة “نقده الهدَّام”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…