يمدحون أنفسهم لأنهم لا يجدون من يمدحهم*

محمد قاسم

من الخصائص الأخلاقية المعروفة أن المرء  ينبغي أن يحجم عن مدح ذاته –حتى وإن كان يستحقه- تواضعا (هكذا كان معيار القيم الفاضلة ولا يزال في ثقافتنا).

 لذا لا نرى عالما أو فيلسوفا من الفضلاء يمدحون أنفسهم.

كان كل علماء المسلمين القدماء- ينهون أبحاثهم وتصنيفاتهم بكلمة ((والله أعلم)) تواضعا.

ليعد من يشاء على كتب القدماء ليجد ذلك بنفسه، بل إن الشافعي الذي يعتبر مجتهد المذهب الشافعي يقول: “حيثما صح الحديث فهو مذهبي”.
 وسيرة هؤلاء العظماء تشهد بتواضعهم في حياتهم، وحتى الذين يتبعونهم اليوم لا يزالون ينهجون نهجهم في حياتهم (انظر لباس الشيخ عبد المجيد الزنداني مثلا).

وبغض النظر عن الاتفاق سياسيا معهم أو لا .فقضايا السياسة محل اختلاف دوما.
غالبية الفلاسفة والحكماء عاشوا بساطة في الحياة وتواضعا في السلوك..

ولقد أصبح ذلك معيارا يقاس عليه مدح الناس خاصة في تأبينهم، أو عند سرد سيرهم …كنوع من التأكيد على ان هذه القيمة هي التي لا تزال تعيش في وجدان الناس فيوصف بها الممدوحون والمؤبنون والمسرود سيرهم..الخ.
فما بال السياسيين -سياسيو الكرد الحزبيون خاصة- يخالفون هذه القاعدة ..؟!
انظر نشراتهم الضعيفة –كحالة صحفية- فتراها مخصصة لتصريحاتهم وبياناتهم وأحاديثهم مادحة لذواتهم عبر أشخاصهم، وعبر أعمالهم، وعبر وصف اجتهاداتهم، وعبر وصف مسيرتهم وهي جميعا تعاني من الخطأ والخلل وأحيانا الخطيئة أيضا..؟!
ما بال الحزبيين وبعض الكتاب يملأون صفحات بوصف نرجسي لا حقيقة منه سوى النزر اليسير..؟!
هل تغيرت القيم كاصطفاء أخلاقي أم كاستجابة للشعور بالنقص.
أم هل وصل بهم الضلال الى درجة لا يقدرون فيها ان الجماهير لم تعد تتأثر بمثل هذه الادعاءات التي لا تسندها الوقائع ، بل قد تخالفها..!!
من المعروف أن مدح الذات غالبا ما هو إما غرور -وهو رذيلة- أو كذب بقصد التأثير نفسيا (اكذب حتى يصدقك الناس) { وهو شعار ينسبه البعض لـ(هتلر) وبعضهم لوزير إعلامه}
وهذه أيضا رذيلة.

فالكذب على الشعوب ممن يزعمون قيادة مصالحها هو أسوأ وأعظم أنواع الرذيلة أخلاقيا.
 ومن ثم فهو تضليل، أو تعويض عن شعور بالنقص، أو استجابة لـ(آليات دفاعية نفسية لا شعورية) تعيد إلى النفس المضطربة توازنها المفقود شعوريا؛ بسبب النقص في أسلوب التفكير والسبب في نقص السلوك عن المطلوب، وسبب الشعور بهذا النقص يدفعهم – لا شعوريا- إلى تعبئة النقص بمدح الذات وإرضائها عبره.

وقديما قالت الحكماء:
((مدح المرء نفسه ذم)).
فهلا خففتم من صيغ المديح المبالغ فيه في إعلامكم أيها الحزبيون -كردا وعربا وغيرهم-..؟!
ودعوا الناس (الجماهير –الشعوب) هي التي تحكم عليكم بمدح أو ذم تبعا لأعمالكم وإنجازاتكم.
…………..
*من وحي مبالغات وصف الإنجازات في إعلام النظام والإعلام الكردي أيضا: تلفزيون-صحف-بيانات-تصريحات..الخ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…