أن مفهوم الحرية يرتبط بالديمقراطية ارتباطا جدليا، وتأتي حرية الصحافة والإعلام في مقدمة الحريات الديمقراطية العامة ، لذلك يصح القول أن لا حرية للإعلام والصحافة في غياب الحياة الديمقراطية ، كما أن العمل من أجل ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية يتعزز عبر الكلمة الحرة ، ومن خلال تلك الحياة الديمقراطية تتمكن الصحافة الحرة من أداء رسالتها على الوجه الأكمل بما هي إحدى الضرورات الأساسية لضمان عملية التطوير والتقدم ولحماية أي مكتسب يتحقق في سياق العملية الديمقراطية التي تعمل على تحقيق تقدم الإنسان نحو مجتمع متماسك وأكثر عدلا بالمستوى الفردي والمجتمعي والتنموي في إطار الإمكانات المتوفرة
بمعنى أن مفاهيم الحرية والديمقراطية يجب أن تكون القاعدة الأساسية في عملية موضوعية لحالة المجتمع والدولة والتشريع والمحاسبة المتكاملة، لأن ضمان حرية الكلمة والرأي شرط لا بد منه لضمان تطور الحالة ديمقراطيا ولحمايتها من قوى غير ديمـقــراطـية ، لـذا يجــب وضع القوانين التي تنظم العمل السياسي بكل مكوناته دون المساس بحرية الإعلام والصحافة.
وإذا نظرنا بهذا المعيار إلى واقع الإعلام والصحافة في بلدنا سوريا نرى أنها خلاف ذلك بل العكس فهي لا تخدم إلا النظام وطبيعته الشمولية والاستبدادية وباتجاه تعزيز ثقافة ذات نمط خاص من مزيج قومي ديني أيديولوجي ، لا ترى الآخر المخالف إلا خائنا أو كافرا أو منحرفا ، أما الصحف والمجلات الرسمية الصادرة رغم تعددها فهي متماثلة متطابقة في مضامينها الأساسية وخصوصا السياسية والمعرفية ، وهي في مجملها روتينية جامدة تحافظ على مفرداتها الماضوية ومفاهيمها التي لا تنتمي إلا إلى زمن الحرب الباردة ، فهي ذات اتجاه واحد ومواضيع متشابهة في طبيعتها ونمط تفكيرها وكتابتها ، وهي لا تعبر عن تعددية حقيقية تنافسية ، ولا تمارس دور الرقابة على أجهزة السلطة ومؤسسات الدولة ، ولا تؤدي وظيفة توعوية معرفية أو ثقافية إلا في الاتجاه المرسوم لها نحو الدفاع عن النظام وحماية طبيعته ، وهي في مجملها دون مستوى السماح بإقرار تعديلات صحفية وإعلامية تتيح إمكانية التفاعل الرسمي الحقيقي في الحدود الدنيا من العملية السياسية، كما أنها منغلقة على ذاتها وتفاعلها محدود جدا مع ثورة الاتصالات العالمية لدرجة تحجب –خوفا- ما أمكن عن الإعلام العالمي المخالف بما فيها مواقع الأنترنيت وتمنع دخول البلاد الصحف والمجلات حتى العربية المخالفة..
أما الصحافة الكردية ورغم مرور مائة وعشر سنوات على صدور أول صحيفة كردية (وهي صحيفة كردستان التي أصدرها مقداد مدحت بدرخان في القاهرة بمصر في 22/4 /1898) فإن تطورها مازال محدودا إلا في بعض أجزاء كردستان وخصوصا في كردستان العراق، أما بين أوساط الشعب الكردي في سوريا فالصحافة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة وهي أداة نشر المعرفة السياسية والثقافية ورغم ما خطت وبعسر خطوات نهضوية إلا أن معظمها ذات مواضيع محددة الآفاق وأخرى تتعلق بمناسبات الشأن الكردي وهي في مجملها لا تعدو عن كونها دوريات حزبية شهرية في غالبيتها العظمى أو فصلية ، إلا ما ندر وهي في مجملها تفتقر إلى كل مستلزمات الصحافة الحقيقية ، ولا شك أن معوقات العمل الصحفي والإعلامي الكردي والوطني السوري عموما فهي عديدة وواضحة أبرزها غياب الحريات الديمقراطية وبالتالي غياب حرية الصحافة والإعلام ، وسريان الأحكام العرفية وقانون الطوارئ أي سريان سياسة كم الأفواه وقمع حرية الرأي والكلمة ، ولكون الصحافة الكردية هي حزبية في الغالب كما ذكرنا وتأخذ الطابع السري لانعدام قانون ينظم الحياة السياسية والحزبية وغياب قانون عصري للصحافة والمطبوعات ، الأمر الذي يحد من عملية تطورها ومواكبتها للمرحلة بما تقتضي من مؤسسات وتخصص , وهكذا ما يتعلق منها بالمجالات الإعلامية الأخرى (المرئية والمسموعة) التي هي محتكرة للنظام والأوساط الإعلامية الدائرة في فلكها ..
إن الإعلام المطلوب أو الصحافة المنشودة هي تلك التي تزاول وظائفها المتعددة (كسلطة رابعة) في حماية دستورية وعبر قوانين عصرية مناسبة خاصة , لتحتل الدور الريادي في الرقابة الحقيقية على أجهزة الحكومة ومؤسسات الدولة ، تكشف الخلل بغية إصلاحه وتعزز الصواب بغية ترسيخه وتعميقه، وتأخذ سبيلها في التفاعل مع مختلف الاتجاهات، والمنافسة على نقل الخبر ونشر الثقافة والوعي خلال آليات حوارية مدنية هادفة لرفع السوية المعرفية والحقوقية والسياسية تخدم القضايا التنموية اجتماعيا واقثصاديا وثقافيا..الخ
وهكذا فإعلام كهذا أو صحافة كتلك التي تبغيها الحالة الوطنية ، إنما تحتاج إلى مناخاتها وفضاءاتها الواسعة من الديمقراطية وحياة سياسية جديدة تأخذ الصحافة عبرها أبعادها ومهامها الحقيقية سواء في ترسيخ قيم الديمقراطية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا أو في تعزيز التفاعل الوطني الحر بين مختلف مكونات المجتمع من انتماءات قومية أودينية أو سياسية، بمعنى لا يمكن تحقيق هدف حرية الإعلام والصحافة بمعزل عن الحريات الأخرى ولاسيما حرية التنظيم السياسي والنقابي وبالتالي بمعزل عن العمل من أجل حياة سياسية ديمقراطية تكفل هذه الحريات وتضمن التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع ..
أي أن العمل من أجل تحقيق حرية الصحافة والإعلام لا ينفصل عن العمل من أجل تحقيق كافة الحريات الديمقراطية وبالتالي يندرج العمل في هذا الاتجاه تحت يافطة العمل من أجل التغيير الديمقراطي السلمي الذي يقتضي تضافر جهود كل القوى الوطنية المؤمنة بالتغيير والتي تعاني من الحالة الاستبدادية القائمة ، على طريق بناء دولة الحق والقانون وبما تضمن حياة سياسية جديدة أساسها العدل والديمقراطية ، تحقق التعايش الحر بين مختلف مكونات المجتمع السوري عربا كردا آثوريين..
وتضمن للجميع الشراكة الحقيقية في السلطة والثروة وتفسح المجال واسعا للجميع لحرية التنافس على القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والتنموية باتجاه تعزيز البنية التحتية للوطن بما يضمن تلاحم أبنائه وتوفير مستلزمات تقدمه وتطوره ..
رئيس التحرير
—–
* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (397)
لمتابعة مواد العدد انقر هنا azadi_397