موجة الغلاء كارثة اقتصادية في سوريا

عبد الرحمن آلوجي

إن استقرار أي مجتمع يرتبط إلى حد كبير بما يحمل من مقومات الحياة الآمنة المزدهرة اقتصاديا و اجتماعيا..

و هما مرتبطان إلى حد كبير بسياسة الدولة التي تقود هذا المجتمع الإنساني أو ذاك , و ما توفره لها من سبل العيش الكريم , و الكفاية في سدّ مستلزمات الحياة , و أسسها و قواعدها , لكفالة الحد الأدنى المطلوب لحياة آمنة , بعيدة عن شبح الفقر , و آفة الإملاق , و هو من أكبر و أهم واجبات الدولة صاحبة الشأن , و ما تضعه من خطط و برامج , و إعداد و توجيه , و أجهزة إدارية و رقابية ..

و مؤسسات و دوائر تنفيذية و تشريعية مركزية و فرعية , و ما يخطط لها من قوانين و أنظمة و تشريعات , ينبغي أن تكون صائنة و حافظة و صحيحة التوجه و الإعداد و الإنشاء.
يصدق هذا على كل تجمع إنساني منظم , و هو يصدق – بطبية الحال – على واقعنا الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي في سوريا , حيث تبلغ الحاجة إلى التنبه إلى خطر الإفقار الشامل و الضرورة الوطنية و الإنسانية الملحة , بحيث ينبغي لكل الخيّرين و الأحرار و الوطنيين المدركين من مختلف الانتماءات و النحل و الشرائح و التكوينات الاجتماعية و الأثنية أن تتشارك و تتعاضد في تشخيص الحالة العامة , و مخاطر الانزلاق إلى حالة مزرية باتت على الأبواب , بحيث تمسّ الكيان الاجتماعي العام , و تضعه أمام خطر فقد التوازن , و الذي بات ملحوظا في تلبية الحد المطلوب من الضرورات الحياتية مسكنا و ملبسا و غذاء و حاجات أمست من ضرورات حفظ النوع , و الكفاية الأساسية للبقاء , و صيانة ماء الوجه دون التماس السبل المنحرفة و الأخطاء في تناول المحظورات , و التجاوز على حقوق الآخرين , مع بروز ظاهرة هدر شامل لأموال عامة , و إساءة إلى المال العام و منشآته و مؤسساته و قطاعاته الإنتاجية و الخدمية , و فشو ظاهرة التطاول و الإثراء الفاحش, في فساد إداري و مالي , تحصر المال و المكاسب و الغنائم المنهوبة في أيدي فئة قليلة , تزداد تخمة و ثراء على حساب الوارد الوطني العام , و الناتج الإجمالي , وضعف و ترهل الاقتصاد , و إصابته بكل أشكال الترهل و الانكفاء والتراجع في الأداء المطلوب , بما يؤثر تأثيرا بالغا على القيمة الشرائية , و تدني العملة الوطنية , و ارتفاع مذهل لأسعار المواد الغذائية , و رفع أسعار الوقود الأساسي المستخدم في الزراعة و التصنيع و التحويل و التسويق و الشحن , و سائر مرافق الحياة , في التدفئة و الغذاء و مواده وموارده و تحويل الحبوب و الأقطان و المزروعات المروية بالآلات (الديزل – المازوت) , مما يؤدي إلى ارتفاع جنوني لا يكاد يقف عند حد , في حين تظل الأجور المقننة للعاملين في الدولة , و القطاع المهني العام و أجور العمال المياومين , و الأخرى غير المدروسة في وضع بعيد عن تلبية أبسط لضرورات و أكثرها إلحاحا , الأمر الذي يدفع إلى غائلة الفقر و آثاره المدمرة في الاقتصاد و الخدمة و الصحة العامة و التنقل و التعليم , و سائر ميادين و مرافق الحياة , و ما ينتج عن كل ذلك من نزف للأيدي العاملة باتجاه الهجرة بمختلف أشكالها , مما يقتضي وقفة وطنية جادّة و مسؤولة من كافة الأطراف و الأحزاب و الهيئات و النقابات و القائمين على مقدرات الأسر و العوائل , أفرادا و جماعات , و الأساتذة و الأكاديميين و النخبة و الجماهير الوطنية , لأخذ المبادرة الجادة بدراسة الوضع و الوقوف عليه , و حسن تحليله و الارتقاء في كل ذلك إلى حسّ وطني و أخلاقي , يأخذ بالدرجة الأولى الحاجة الوطنية العليا للشعب السوري بمختلف تكويناته و ألوانه , لمعالجة هذه الأدواء المستشرية , و حفز الهمم و الطاقات لتدارك الحالة , بمعالجة الواقع بكل تفاصيله و أبعاده , و الوقوف عند الأسباب و المعرقلات الأساسية الحائلة دون ترشيد و توجيه المال العام و صيانته , و إبعاد يد المختلسين و الأخذ على أيديهم بمكافحة الفساد و أسبابه , و المعالجة الإسعافية الضرورية لهذا المد الجنوني المتصاعد لموجة الغلاء , و المبادرة إلى إصلاح شامل و جذري يطال مرافق و مؤسسات الدولة , و الحالات و المظاهر العامة المتعلقة بضرورات الإصلاح و الارتقاء إلى حالة سماع النقد الجريء و الإصغاء إلى الأصوات الوطنية الغيورة الهادفة إلى تدارك الحالة , و لجم الإخفاقات و حالات التردي , للوصول إلى صيغة عمل وطني تكاملي , يحشد كل الإمكانات و الخطط و البرامج لخدمة الاتجاه الإصلاحي الشامل , بعيدا عن أجواء المشاحنات و التشهير و النقد غير المعلل و المبرمج , للانتقال إلى حالة ديمقراطية , تتقبل الرأي الآخر و تصغي إليه , و تدرس جوانبه الوطنية و الإيجابية , بمعزل عن الاختلاف إلى درجة التناقض , و اعتبار وجوه المسألة و جوانبها الوطنية هي الدافع الحقيقي في أي برامج و خطط عملية مقبلة , ترتقي إلى مستوى جديد من الأداء في الكفاية و التخصص و الحس الوطني و إدراك ضرورات المرحلة , و أهميتها التاريخية لبناء حالة جديدة دافعة و واعية , ومنطلقة من الإنسان الجديد الذي ينبغي أن تؤخذ خصائصه و سماته و قيمه الوطنية الدافعة , و حسّه الوجداني , و اهتمامه الكبير بقضايا وطنه بعين الاعتبار و التقدير , بعيدا عن أجواء المشاحنة و التآمر و التخوين و التشكيك..

لقد بات الأمر من الضرورة الملحة بمكان لا يسعنا إلا أن ننبه إلى أهميته و جديّته و جدواه بانتظار أن نتهيأ جميعا للتصدي لأكبر المهام و أكثرها مسؤولية أمام قدر المواطن وكرامته وحاجته الملحة والأساسية لنعصمه من كارثة اقتصادية حقيقية , تستدعي جهدا وطنيا متكاملا , و إدراكا حقيقيا للمسؤولية التاريخية أمام طموح الإنسان السوري , و أمانيه في حياة حرة كريمة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…