عيــد الجــــلاء … عيد الاستقلال والوحدة الوطنية

  افتتاحية صوت الأكراد *

في السابع عشر من نيسان الجاري، احتفل الشعب السوري بكافة فئاته وانتمائاته القومية بالذكرى الثانية والستين لجلاء القوات الفرنسية عن أرض بلادنا .

ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة ، لأنها تحمل في طياتها معان ومدلولات عديدة لعلا من أبرزها : أنها تجسد التلاحم الكفاحي والوحدة الوطنية التي كانت أداة حقيقية في تحقيق الاستقلال الوطني ، وإنجاز المكاسب الوطنية ، عبرت فيها الجماهير السورية بكل فئاتها وانتمائاتها القومية ، عن رفضها للانتداب وتصديها له ، وقدمت فيها قوافل من الشهداء ، في ميسلون وغوطة دمشق ، والسويداء ودرعا ، وجبل الزاوية والساحل السوري ودير الزور وعامودا وبياندور ، فكان رجال الثورات والانتفاضات والاعتصامات في كافة هذه المناطق  يناضلون جنباً إلى جنب ، معبرين عن صدق وطنيتهم ، ويدافعون بقوة وإخلاص عن تراب بلادنا سوريا.

 

والمناخ الديمقراطي الذي كان يسود البلاد حينذاك، تمتع فيه المواطنون السوريون بالحرية والإخاء والمساواة في الحقوق والواجبات، بعيداً عن الاضطهاد القومي والتمييز العنصري .
وكان لشعبنا الكردي في سوريا دوراً هاماً في دعم مسيرة النضال التحرري  في معارك الاستقلال، سجل من خلالها ملاحم بطولية في معركة ميسلون بقيادة الشهيد البطل يوسف العظمة، وإبراهيم هنانو في جبل الزاوية ، وعمر ديبو آغا في جبل الأكراد في محافظة حلب ، وحسن الخراط ، وسعيد آغا الدقوري في عامودا ، وأبطال معركة بياندور في الجزيرة ، وغيرهم من الشخصيات الوطنية الكردية العديدة كعلامات مضيئة في تلك المسيرة التحررية .

وبدلاً من أن يكافئ شعبنا الكردي على ما قدمه من قوافل الشهداء والتضحيات الجسام في سبيل تحقيق الاستقلال وحمايته ، فانه لازال محروماً من أبسط حقوقه القومية والديمقراطية  ، ويعاني من وطأة المشاريع العنصرية كالإحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الجزيرة عام 1962 والحزام العربي السيئ الصيت ، ناهيك عن التدابير التميزية المطبقة بحقه ، بل وتتصاعد في الآونة الأخيرة وتيرة الممارسات الشوفينية ضد الشعب الكردي في سوريا ، من خلال استباحة دم أبنائه بإطلاق الرصاص الحي عليهم كما حصل في ليلة نوروز هذا العام عندما كان المحتفلون ، يغنون ويرقصون حول شعلة نوروز ، الذي يرمز إلى السلام والحرية والتحرر من نير الاستبداد والعبودية ، دون إلحاق الأذى أو الإساءة لأحد ، الأمر الذي زادت من حالة الاحتقان الموجودة أصلاً ، لذلك يرى حزبنا إزاء هذا الواقع أن المصلحة الوطنية تتطلب إزالة المشاريع العنصرية والتدابير التميزية بحق الشعب الكردي في سوريا ، والاعتراف الدستوري بوجوده القومي ، وتضمين حقوقه القومية والديمقراطية في إطار وحدة البلاد .
ومن جهة أخرى يحتفل الشعب السوري بعيد الجلاء، وبلادنا تواجه تحديات داخلية كبيرة ، من أبرزها تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ..

ويستفحل معه الغلاء الفاحش بسبب ازدياد الهوة بين الأجور التي هي محدودة وبين الأسعار التي ترتفع بشكل جنوني للسلع والمواد الضرورية لحياة ومعيشة المواطنين ، حيث وصل الغلاء في بعض المواد إلى أكثر من 75 % دون رقيب أو حسيب ، ودون أن تضع السلطة حلولاً جدية لها ، فضلاً عن قطاع يتزايد عدده من العاطلين عن العمل بسبب ندرة فرص العمل ، ناهيك عن المناخ الجاف الذي ساد البلاد والذي أدى إلى إحلال الخراب بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ، كل ذلك يجري والسلطة تصم آذانها وتغض النظر عن كل ما يجري ، الأمر الذي أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، وهجرة مئات العوائل من محافظة الجزيرة إلى كبريات المدن السورية أو إلى الخارج بحثاً عن لقمة عيشهم .

ومما زاد الطين بله ، هي محاولات السلطة لرفع أسعار المازوت في الأيام المقبلة ، ورفع الدعم عن المواد المدعومة ، وإذا ما تم ذلك فان ارتفاع أسعار كل المواد ستتصاعد بوتيرة أكثر ، وعندئذ لم يعد لزيادة الرواتب وزيادة أسعار المحاصيل الزراعية أثر إيجابي في المحصلة.

لذلك فأن الواجب الوطني يستدعي البحث عن حل جاد يهدف إلى رفع المعاناة عن كاهل المواطنين ، وتحسين مستوى معيشتهم بما يحفظ كرامة الإنسان ، ويؤمن مستوى لائق للحياة .
إن هذا الأمر بقدر ما هو ضروري وملح فهو ممكن أيضاً ، لان بلادنا تملك كل سبل التطور وزيادة الإنتاج ، وهي غنية بمواردها المتنوعة ، وأبناؤها لا يدخرون جهدا في العمل والإنتاج ، والكوادر السورية معروفة بالمستوى الرفيع من السوية العلمية والعملية ، لذا فأن عوامل التقدم والتطور متوفرة وهي تحتاج إلى توفير الشروط الملائمة للعمل والإنتاج ، وتلك الشروط تتجسد في الحد من ظواهر الفساد والتسيب والنهب والهدر الذي تعاني منه مؤسسات الدولة ، ومحاسبة المسيئين ، وكذاك تكمن في توفير أجواء الحرية لمزيد من الاستثمار ، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وتعديل القوانين التي لم تعد ملائمة للظروف الحالية .
كما أن المرحلة الراهنة تتطلب إغناء الحياة السياسية عبر جملة من الإجراءات ، تأتي في مقدمتها : إشاعة الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة ، وإصدار قانون تنظيم الأحزاب وحرية الصحافة والاعتراف بالتعددية السياسية الحقيقية وبالرأي الآخر ، ورفع حالات الطوارئ ، وإلغاء الأحكام العرفية ، والاستفادة القصوى من طاقات الشعب السوري بكافة فئاته وانتماءاته السياسية والقومية في بناء مؤسسات تمثيليه حقيقية تجسد طموحات الشعب السوري ، وتدافع عن مصالحه ، وإرادته في حل كافة القضايا والمشاكل التي تعاني منها البلاد .
تحية عطرة إلى ذكرى الجلاء …
والمجد والخلود لشهدائها البررة …
ولبلادنا دوام التقدم والتطور والازدهار ، وكل عام والشعب السوري بألف خير
——–
* لسان حال اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) العدد (402) نيسان 2008


لمتابعة مواد العدد انقر هنا  denge_kurd_402

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…