إعتقـال الجائــــعين و تقتيـــل المحتفلــين

 ديـــار ســـليمان

  الصـوم القسـري المفتـــوح الذي ينفـذه أهلنـا المحـدودي أو المعـدومي الدخل في سوريا لن يفتـح لهم أبـواب الجنـــة و لن يأكلــوا بالتالي من ثمـراتها و لن يغرفـوا و لو قطـرةً واحـدة من أنهـار العسل التي تجـري من تحتها حتى و إن تجـاوزوا بصـبرهم أيـوب بأشـواط، بل على العكـس من ذلك  فقـد شرَّع هذا التجـويع الذي أرهقهم على مدار اليـوم، شـرّع أمامهـم أبواب السـجون لـيزدهم جوعــآ على جـوع و لتـزدد بطـونهم خـواءً على خـواء، فالجـوع أصبح تهمـة مـن لا تهمة له و أنـين الأمعـاء الفارغــة أصبـح جرمـآ يوصل صاحبها الى الفـروع (و الأصـول) الأمنيـة التي ليست سـوى (روضـة من رياض) جهنــم أنتجتهـا الأوضـاع الميلودرامية في سـوريا.

 فرغيف الخــبز أصبـح يشهـد كسـوفآـ خسـوفآ مزدوجــآ يحتـار من جـراءه العاملـين في رسـم الخطـوط البيانية للفقـر لأن النـاس وصلت الى ما تحت تحت هذا الخط و أصبحت هذه المنطقـة تغلي كالمرجـل و على وشـك الإنفجــار بعد أن ابتعـد هذا الرغيف عاليـآ الى السماء السابعة و أصبحت رؤيته كامـلآ غير مشوه مناسبة فرح و لا هلال شـوال.
فالمسألة إذآ ليست إختبارات إيمانية، إنها بوضـوح تجـويع في تقتيـل و الغايـة تكـسير إرادة الناس لاستكمال المشاريع العنصرية.


 ففـي بلد: (يمشي “الكـوردي” و كل شئ ضده…يرى العداوة و لا يرى أسبابها) يمكـن قـول الكـثير و فعـل القليـل، بحيث يغـدو كل كـلام في هذا الشأن عبـارة عن (طبخـة حصـى) غايتها تصـبير الجـوعى وإعاشتهم على آمال كاذبـة، كما يغدو الواحد من هذا القليـل من الأفعـال في بلد (سـلبتيني كرامتي، سـلبتني هويتي) لاستعادة هذا المسلوب من الكبائر التي يعاقب عليها الفاعـل بعقـوبات تتـدرج من مصـادرة الرغيـف الى مصـادرة الأرواح كما يحدث في الاعتقالات العشوائية التي لاتتوقف و بشكل خـاص في القتل البربري على الهوية الذي تم مؤخرآ في جريمة قامشلو عشية نوروز الفائت و التي نشهـد أربعينية شـهدائها اليـوم، و ما أكثر الأربعينيـات من هذا النـوع في حياتنـا، اننـا نعيش أربعينيات متتالية و متواصلـة لا تنقطـع، إنها مثل المتاهات التي يصعـب إيجـاد مخارجها، البشرية عامها ثلاثمائة و خمسة و ستون يومآ و عامنـا ليس أكثر من أربعـين يومـآ يتلوها أربعين آخر ليس فيه سوى فصـل واحد أسود و هكذا دواليك.


 إذآ ستستمر طبخـة الحصـى على نـار هادئة بانتظــار تفــاح الجـولان، و هذا التفاح مثله مثل البترول الذي (أغنى أصحابه) ثروة قومية بحاجة الى (أيــدي أمـينة)، و(أمـينة) تشكو من نضوب آبـار البترول و لذلك توسط (أردوغان) في صفقة التفاح، و سـكان الجـولان عابسـون إنتظـارآ لتحقيق شـعار: إبتسـم فأنت في الوطـن، إضحك فأنت في فـرع فلسطين حيث يتوافر أخصائيون في الكركرة المجانية، و الوطـن عطشان الى لقياهم على أحـر من الجمـر ليشـركهم في خططـه الطموحـة في تقنــين الرغيف و المـاء و الهـواء، وليستمتعـوا بحقوقهم الديمقراطية في التجمع و حتى دون ترخيص و ذلك بالانضمام الى الطوابير الواقفة بانتظـار نضوج الطبخـة: طبخـة الحصـى.
 
 
 29.04.2008 
  
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…