نشرت بعض المواقع الكردية مقالاً بعنوان (أحزاب كردية سورية: تناسل مخزٍ وأداءٌ معطوب) لكاتبه”هوشنك أوسي”.
نرجو أن يتسع صدر الأخوة في المواقع الالكترونية لنشر هذا الرأي عملاً بمبادئ حرية الرأي المعمول بها وإنصافاً للحركة الكردية في سوريا.
فالمقال دعائي بالدرجة الأولى و ينطلق من وجهة نظرية فئوية مجردة من الموضوعية ويحاول تجميل ما لا يمكن تجميله بالسهولة التي يدّعيها.وهذه اللعبة البسيطة لن تنطلي على أي مهتم بالشأن الكردي في سوريا،بشرط أن يتجاوز اهتمامه بالسياسة والشأن العام في سوريا أكثر من عقدٍ واحد من الزمن.
ولو اكتفى السيد هوشنك بنشر مقالته في مواقع الكترونية كردية، كنا تجاهلنا السموم التي ينشرها كاتب المقالة بين الفينة والأخرى.
لكننا فوجئنا بإعادة نشر المقال في صحيفة عربية واسعة الانتشار (الحياة:5-4-2008) بعد نشره في أكثر من موقع الكتروني، ما اقتضى هذا التعليق.
ونظراً لأن السيد أوسي قد اختزل مسيرة نصف قرن من عمر الحركة السياسية الكردية في سوريا في الحقد على حزب العمال الكردستاني وقائده أوجلان وحسب، والنفخ في السلبيات التي رافقت مسيرة الحركة (الكثيرة بلا شك) لإعلاء شأن حزب العمال.
لذا نركز في هذه العجالة على تفنيد مزاعمه حول دور حزب العمال.
ولن يتسع المجال لتناول المقال فقرة فقرة.
تنشيطاً للذاكرة ، ليس إلا، نذكر السيد الكاتب بكيفية انتقال أنصار “حزب العمال الكردستاني” في سوريا إلى موقعهم السياسي الجديد في سوريا ، أي نقيض مما كانوا عليه قبل سنوات قليلة جداً.
من موقع الموالاة التامة والعمل لصالح أجهزة السلطة الحاكمة في المناطق الكردية ضد أحزاب الحركة الكردية وملاحقة نشطائها، وصل لحدّ التصفية الجسدية أحياناً، بحجة أنهم ثوريين والآخرين كلّهم عملاء وخونة.
ونفي أي مشروعية سياسية للقضية الكردية في سوريا تحت مبررات كانت مثار انتقاد شديد من قبل الوطنيين الكرد.
الأخطر من كل هذا هو نفي الحزب العمالي لكل شيء متعلق بأكراد سوريا، واعتبارهم مهاجرين من تركيا، وعلى زعيم الحزب إعادتهم إلى تركيا.
الزعيم الضليع في كتابة التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة والحضارات من مخيلته فقط دونما حاجة إلى أي مصدر أو مرجع أو إحالة في مؤلفاته التاريخية الكثيرة.
ظنّ بعضهم أن إطلاق بعض الدعايات الإعلامية يكفي لتبييض صفحة غير ناصعة من النضال السياسيّ الكرديّ قادها بجدارة هذا الحزب ذي الدور الملتبس في سوريا.
وتّم ذلك، كما يظن صاحب المقال ورفاقه الأشاوس، بسهولة فائقة نظراً لامتلاك هذا الحزب وسائل إعلامية تفتقدها أحزاب الحركة الكردية الأخرى.
والأهم من ذلك هو طبيعة الجمهور المعنيّ بالانقلاب المفاجئ للسياسة الحزبية.
الجماهير التي يتفاخر بها كاتب المقال أنها تسير خلف الحزب العمالي وقيادته الحكيمة كيفما سار هذا الحزب، فهل هذا مدعاة للفخر والاعتزاز؟ وهذه الجماهير، الغلابة، التي تربت على الطاعة والعبودية العمياء، هل تستطيع المحاكمة والمراجعة أصلاً؟
وسط هذه الأجواء عثرت قيادة الحزب على شيئ اسمه مسألة كردية في سوريا، يمكن استغلالها للانتقام من النظام السوري، بعد طول إنكار وتخريب في الوعي السياسي للشبيبة والمراهقين.
لكن من الغريب أن تكون بداية “النضال”الكردي السوري لحزب العمال بالشطب على الحركة الكردية في سورية؟ وإيهام الناس والبشر بأن باب الفرج قد فتح على مصراعيه لأن هؤلاء السادة قد بدؤوا بالاعتراف بالمسألة الكردية في سوريا..
ما هو البرنامج الذي يدعيه حزب العمال لأكراد سوريا: رفع المزيد من صور الزعيم؟ الدعوة للإفراج عنه؟ إلهاء الناس بالشعارات المتناقضة…….
كما وأن هذا الانقلاب قد تم بدون وعي سياسي حقيقي ومراجعة هادئة وجادة ووقفة صادقة، إنما لاعتبارات تخصّ موقف قيادته من دور النظام السوري (“الحليف الاستراتيجي”) في ملاحقة عناصر الحزب بموجب الاتفاقية الأمنية مع تركيا بعد طرد زعيم الحزب عبدالله أوجلان من سوريا، الذي لم يتواضع يوماً ما فيلتجئ إلى جبال كردستان المنيعة مثل باقي قيادات حزبه ومقاتليه بدل تلك الصورة المهينة التي ظهر فيها على وسائل الإعلام وقد كانت فريدة وصاعقة في تاريخ النضال الكردي بل تاريخ حركات التحرر.
بل قل أنه لم يحصل أن يخذل قائد رفاقه بهذه الصورة بعد إطلاق شعارات هو أول من تخلّى عنه عندما واجه بنفسه مخابرات الدولة التركية وأنصرف إلى مديح كمال أتاتورك وشتم القادة الأكراد الذين تمردوا على أتاتورك وعرض خدماته على الدولة التركية مقابل إطلاق سراحه: أنتم مسؤولون عن الوضع في شمال العراق (الخنجر في خاصرة الأمة العربية حسب تعبير آخر له) دعمتم البارزاني والطالباني على حسابي والآن تجنون ثمار سياساتكم! يا لها من سياسة “ثورية” منسجمة مع نفسها وقومية وكردستانية ليس لها مثيل! بل وتحليل عميق قلّ نظيره.
الأجدر بالسيد هوشنك ألّا يذهب بعيداً كثيراً في مديح جماهيره لحدّ الغرور وقلب الحقائق.
إن الكثير مما ورد في مقاله مثار استهجان ورفض من قبلنا.
لكن المجال لا يتسع للرد على كلها ولذلك نطرح على السيد هوشنك بضع نقاط ، نتمنى أن يتمعن فيها عندما يتطرق للشأن الكردي في سوريا، ويتخلص من عقدة حزب العمال للحظة واحدة :
-نشأت الحركة السياسية الكردية في سوريا في ظروف غير مواتية دوماً للنضال بسبب عوامل كثيرة، أضعفها هو العامل الذاتي للحركة.
والحركة السياسية هي نتاج المجتمع الكرديّ أولاً وأخيراً وليست مفروضة عليه من فوق.
-أين السلطة والنظام في سوريا من هذا التحليل العميق.
أم هو نسيان غير مقصود؟
-الطريق السليمة للنضال السياسي المجدي والمفيد لا يمر عبر شتم الآخرين وإعفاء الذات من مسؤولياتها.
كلا، لن نسلّم راية النضال السياسي الواقعي والعقلاني (تراث نورالدين زازا وأصمان صبري وجكرخوين وآلاف المناضلين…) للأهواء والأمزجة والأجندة الغامضة والمتقلبة.
ليس بسبب حقدنا على حزب العمال، كما ورد في المقال، بل لأن السياسة برامج ووعي واتزان وخبرة وتراكم.
هم آخر من يحق لهم التكلم في الشأن الكردي السوري.
فهل تحق لهم المزايدة علينا؟
سؤال برسم المثقفين والسياسيين الكرد والذاكرة الضعيفة للسيد هوشنك.
*سياسي كردي سوري
—————-
أحزاب كردية سورية: تناسل مخزٍ وأداءٌ معطوب
هوشنك أوسي
يعود الفضل في وضع اللبنات الأولى للصحافة الكرديَّة ودخول الثقافة الكرديَّة في سورية مرحلة التدوين إلى النخب الثقافيَّة الكرديَّة في تركيا، الذين إمَّا كانوا لاجئين أو منفيين أو فارِّين من بطش طغمة «الاتحاد والترقي» التي بدأت حكم السلطنة العثمانيَّة منذ 1908، أو من قمع أتاتورك، باني الجمهوريَّة على أنقاض «الرجل المريض» سنة 1923.
ويعود جزء كبير من الفضل لتأسيس أوَّل تنظيم سياسي كردي سوري في 14/6/1957 لتلك النخب.
وهذا لا يعني البتَّة أن الوجود الكردي في سورية غير متأصِّل وضارب بجذوره في عمق تاريخ هذا البلد.
لا قطعاً.
إذ يعيده الكثير من المؤرِّخين إلى المملكة الهوريَّة – الميتانيَّة (3000 – 1500 ق.م) من ثم للإمبراطوريَّة الميديَّة (612 ق.م)، وصولاً للحقبة الأيوبيَّة.
وتأسيساً على ما سلف، فإن المزاج السياسي للحزب الكردي السوري كان كردستانياً، تحت تأثير حضور النخب الكرديَّة التركيَّة فيه من جهة، وتفاعلات الغليان الكردي في كردستان العراق من جهة أخرى.
حتى أنه يقال: إن جلال طالباني، هو الذي كتب البيان التأسيسي لهذا الحزب، بدليل أن اسمه كان «الحزب الديموقراطي الكردستاني في سورية»، وشعاره «تحرير وتوحيد كردستان».
في أول تصادم مع السلطات السورية، واعتقال غالبية قياداته، حدث ارتجاج فكري سياسي في بنية الحزب، أدىَّ إلى انشقاقه في 5/8/1965، لتيارين: يساري، بزعامة عثمان صبري، يصرّ على الهويَّة والشعارات الكردستانيَّة، ويميني، بزعامة نور الدين ظاظا، يطالب بإعادة النظر فيها.
أقال اليسار زعيمه صبري، بتدبير من صلاح بدر الدين، فيما تنحَّى نور الدين ظاظا عن قيادة اليمين.
ولجاْ المتخاصمون في خريف 1970 إلى قيادة الملا مصطفى بارزاني في كردستان العراق، للبتّ في هذا النزاع.
واجتمع بهم الملا بارزاني بناوبردان في جومان التابعة لهولير/أربيل، وقام بعزل قيادة الفريقين، وعيَّن قيادة مؤقَّتة للحزب، برئاسة كردي سوري قبلي، أُمِّيّ، يُدعى دهام ميرو.
قيادة اليسار واليمين، آنئذ، كانت تحت الإقامة الجبريَّة، غير المعلنة من قبل الملا مصطفى بارزاني.
وبعد أن وعد زعيم اليسار وقتها، صلاح بدر الدين بأنه سيتجه لأوروبا، ويتوقَّف عن الحياة الحزبيَّة، ووعد عبد الحميد درويش بحلّ تياره، أفرج عنهم الملا مصطفى.
وحال وصولهم لسورية، أعلنوا رسميَّاً عن أحزابهم.
وعليه، صار الجسم السياسي الكردي السوري ثلاث كتل: يمين، يسار، قيادة مؤقَّتة.
ومذاك، ولغاية اليوم، تستمرُّ مهزلة تناسخ وتناسل وتفريخ الأحزاب السياسيَّة الكرديَّة في سورية، ليقارب العدد 13 حزبا عتيدا.
يعزو بعض المثقفين الأكراد السوريين غزارة الأحزاب الكرديَّة في سورية إلى الوعي الديموقراطي لدى أكراد سورية.
وهذا الرأي، سيكون صائباً، إن كانت هذه الأحزاب استندت لتمثيل مصالح طبقات أو فئات اجتماعيَّة متعدِّدة أو مختلفة، وهذا معيار البناء الأيديولوجي لأيّ جسم سياسي.
والحال هذه، وبحساب عدد الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، ينبغي أن يتواجد في المجتمع الكردي 12 أو 13 طبقة أو شريحة اجتماعيَّة، لكلٍّ منها الحق في التعبير عن مصالحها، التي قد لا تجتمع مع مصالح طبقة أخرى.
لذا، يستوجب بلورة هذه المصالح، في إطار حزبٍ معيَّن، دون غيره.
وهذا ما لا يتوفَّر في المجتمع الكردي السوري، الذي يغلب عليه الطابع الريفي، ولا زال وعي العشيرة فاعلاً ونشطاً في أدائه.
لا يوجد اختلاف بين برامج الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، وتكاد تكون نسخة واحدة مكرَّرة، وقوام خطابها السياسي يرتكز على المطالبة بـ»الحقوق القوميَّة والسياسيَّة والثقافيَّة للشعب الكردي في سوريَّة»، في إطار دولة المواطنة والحقوق والمؤسَّسات، بعيداً من الانفصال.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، انعدمت الفروق الإيديولوجيَّة اليساريَّة بينها، على حساب تنامي النبرة القوميَّة فيها.
إذن، تكاثر هذه الأحزاب بهذا الشكل «الأميبي»، هو مثار قلق وشبهة، أكثر من الاطمئنان بأنه حالة صحيَّة.
ينشقُّ حزبٌ كردي عن حزبٍ آخر، مسمِّياً نفسه «الوحدة أو الاتحاد…»، أو يختار نفس اسم الحزب الذي انشقَّ عنه.
ويذكر في بيانه ونظامه الداخلي أنه «يدعو إلى وحدة الحركة الكرديَّة، ورصّ الصفوف، وحشد الطاقات، توحيد الكلمة والموقف والصوت الكردي في سوريَّة…»!.
وفي هذا دجل ونفاق صارخ، تزاوله الأحزاب الكرديَّة السوريَّة منذ عقدين ونيّف.
رغم أن بعض الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، تدعو للاستقلاليَّة عن وصاية الأحزاب الكردستانيَّة: الاتحاد الوطني الكردستاني، الديموقراطي الكردستاني، العمال الكردستاني، إلا إن مزاج كل الأحزاب الكرديَّة السوريَّة ميَّال للحزبين الرئيسين في كردستان العراق، حتى أن بعض الأحزاب، خاضع تماماً لقيادات كردستان العراق دون أن ننسى أن حزباً واحداً يميل الى كردستان تركيا، ويتبنَّى الأفكار والطروحات الأوجلانيَّة كدستور عمل لنفسه، هو حزب الاتحاد الديموقراطي.
وهذا الحزب الأخير، هو نتاج الكتلة الجماهيريَّة الكبيرة لنشاط حزب العمال الكردستاني في سورية، الذي تبلور على شكل حزب سياسي سنة 2003.
والقاعدة الجماهيريَّة لهذا الحزب، تضاهي وقد تتجاوز القاعدة الجماهيريَّة لكل الأحزاب الأخرى مجتمعة.
ولا يستطيع هذا الحزب أن يتخلَّص من مشكلتين:
الأولى، حقد وكره الأحزاب الكرديَّة السورية الأخرى، الآتي من حقدها وكرهها على العمال الكردستاني، لعلاقته بالنظام السوري، حتى تاريخ خروج أوجلان من سورية في تشرين الأوَّل (أكتوبر) 1998، علماً أن مرجعيتها (أحزاب كردستان العراق) هي أيضاً كانت وما زالت على علاقة وثيقة مع هذا النظام.
لذا، الكثير من الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، لا تعتبر الحزب الأوجلاني السوري سوريَّاً، بل تركيَّاً، ينبغي محاصرته وعدم الاعتراف، والطعن في شرعيته، لكون لم يأتي من جسم الحركة الكرديَّة، عبر انشقاق من الحزب الفلاني!.
الثانيَّة، لم يستطيع هذا الحزب توليف وضبط علاقته مع العمال الكردستاني، بما ينسجم والواقع السوري، لجهة جعل نشاطه في سورية تضامنيَّاً مع النضال الكردي في تركيا، ولا يقع في فخِّ التبعيَّة، أو أن يكون صدى له.
ومن حقه أن يكون أوجلانيَّاً، بشرط، ألا ينعكس سلباً على أدائه السوري.
بخاصَّة، إن أوجلان دائم التركيز على حل القضيَّة الكرديَّة، في البلدان التي يتواجد فيها الكرد، تحت السقف الوطني.
وباعتقادي، حتى لو وصل لضبط أدائه على الإيقاع السوري، فلن يتخلَّص من شحنة الكراهية العمياء الضمنيَّة التي تأتيه من غالبية الأحزاب الكرديَّة السورية، والتي باتت عقدة مزمنة، لا تستطيع هذه الأحزاب الفكاك عنها!.
بالنظر إلى تاريخ الأحزاب الكرديَّة، خلال نصف قرن، هل يمكن أن نستحصل على إنجاز وحيد، يشفع لها تشتتها وتشرذمها وانشقاقاتها؟.
أيٌّ من زعامات هذه الأحزاب، أنتج فكراً سياسياً؟ ما هو حجم التراكم الثقافي الذي تركته هذه الأحزاب؟.
كثيراً ما تعزو هذه الأحزاب قصورها وضعفها وحتى فشلها لتواجد حزب العمال الكردستاني في سورية، الذي استقطب جماهيرها، ولا تكلِّف نفسها عناء طرح السؤال الآتي على نفسها: لماذا اتَّجه الشباب والصبايا الأكراد نحو العمال الكردستاني، والتضحية بدمائهم في سبيل القضيَّة الكرديَّة في تركيا؟ هل لأن الكردستاني كان يعزف على الشعارات «القوميَّة الفضفاضة، والوتر العاطفي»، مثلما يتشاطر ويتجهبذ بعض رموز ومثقفي هذه الأحزاب؟.
وعلى صحَّة هذا الرأي، فما سبب هذا التدفق الجماهيري العارم لأكراد سورية على العمال الكردستاني، وحليفه، حزب الاتحاد الديموقراطي، حتى بعد تخلي أوجلان عن شعار الدولة القوميَّة منذ 1993؟.
تتحدث هذه الأحزاب عن الإجماع، وحين تتفق، يكون اتفاقها وإجماعها على اتخاذ قرار خاطئ، يصبُّ في طاحونة السلطة السوريَّة، ويؤذي مشاعر وتضحيات الشعب الكردي السوري.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، قرار الحداد ومنع الاحتفال بعيد النوروز القومي، الذي اتخذه 11 حزباً كرديَّاً سوريَّاً، احتجاجاً على جريمة قتل ثلاثة شباب أكراد برصاص الأمن السوري يوم 20/3/2008، لأن هؤلاء الشباب كانوا يغنون ويدبكون حول الشموع ونار رمزيَّة، احتفالاً بقدوم عيد النوروز في القامشلي.
هذا القرار، خدم القتلة وحقق مآربهم، وخذل دماء الشباب الكرد في القامشلي.
تتحدث هذه الأحزاب كثيراً عن المدنيَّة والتحضُّر، لكن التركيبة القبليَّة والعشائريَّة معشِّشة فيها.
حتى أن زعماء بعضها، هم رؤوس عشائريَّة، وهم على رأس أحزابهم منذ نصف قرن، دون أن يزحزهم أو ينافسهم أحد!.
وهذا ما يجعل الحزب الكردي السوري يتحرَّك بمنطق وذهنيَّة القبيلة، والانشقاقات التي حدثت وتحدث وستحدث فيها، لا تستند لتباينات فكريَّة، بقدر ما تستند لخصومات وأنانيَّات شخصيَّة.
تتحدَّث هذه الأحزاب كثيراً عن الجماهير ودور الشارع في التغيير، وأعضاء أكثر من نصف هذه الأحزاب لا يتعدون بضع عشرات من الأفراد، وقد يكونون هم أفراد عائلة السكرتير أو الأمين العام!.
والحديث عن الأحزاب الكرديَّة السوريَّة، ذو شجون، ومثار أسف ساخر، إلا أن دور النخب الثقافيَّة، داخل وخارج هذه الأحزاب، وعدم إبدائها أيّ نوع من الرفض والشجب، يجبرها على إعادة إنتاج نفسها، بما ينسجم مع مصالح ومزاج ومشاعر الشارع الكردي السوري، هو الذي يعزز تخاذل وعطب هذه الأحزاب، ويخلق قطيعة بين الشارع الكردي وهذه الأحزاب الخردة، وقد تدفع الشارع للتطرُّف، نتيجة الفراغ الحاصل.
وقد يقول قائل: لا غرابة من موقف النخب الثقافيَّة الكرديَّة وصمتها إزاء هذه الحال المزرية، لأنها منتوج هذه الأحزاب الجسورة قولاً، المتخاذلة فعلاً!.
* كاتب كردي
الحياة – 05/04/08//