فرحة الصندوق الأسود في الغرفة الأنيقة

سيامند إبراهيم*
 
  جهازٌ أسود اللون يرتبط به قطعتين يأخذ أبعاداً طولانية الحجم, واستراحا بشكل كلي في زاوية قريبة من النافذة القبلية لغرفته الأنيقة, مرتاحين في وضعهم الجديد, لكن الأكبر حجماً والأروع انبهاراً هو ذاك الذي يأخذ لونين هما الأبيض والأسود, فيختفي أحياناً ويظهر أحياناً وهو ينزع من الذين كانوا يقتربون منه ويلمسون رأسه, وخاصة الذين لا يراعون الطاولة التي يرتاح عليها في المحل

أجل لقد أضفى هذا الصندوق روعة ومكانة لائقة بين أفراد العائلة, مرحبين بهذا الضيف, فرحة عارمة لا توصف وهو ينظر إلى والذي كان عدد من الزوار أيضاً يتلهفون لمشاهدته وهو يعمل دون كلل ولا ملل من التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ليلاً,  يمضغ الحروف ويبتلع البعض منها, حركة سيارة لا تهدأ يبعث من خلفه صوتاً خفيفاً والزوار يفرقون بين صوته وصوت أنين المريض, وتزداد التهاني والتبريكات لهذا الصندوق السحري الموضوع على طاولة الفورميكا البنية والتي جاءته هدية من والده.

أهذا هو الكومبيوتر, إنه تساؤل مثير لدى الأقارب والجيران الذين يرون أجزاء منه في طرف النافذة, لكن ثمة سؤال خطر على بال شيركو عندما سأله: ” أين صنع هذا الجهاز؟
إنه من تايوان يا صديقي ألم تسمع بها!
كيف لم أسمع بهذا البلد العريق.
ومشى شيركو خارجا من غرفة الكومبيوتر وهو يتمتم عشتم يا نمور آسيا يامن غزوتم العالم ببضاعتكم الرخيصة.
كانت الأنامل لا تهدأ في الضرب على لوحة هذا الصندوق العجيب, لكن ثمة تناغم بين صوته الخفيف, وصوت الحروف المتراقصة التي تنساب بحنو بين أصابعٍ تتجه نحو الضرب و أحياناً تأخذ الحكات بلمس رقيق خوفاً من تململ الحروف, وانفصالها وبذلك يتوقف العمل لكي تستعيد رونق الحروف من جديد بين أخواتها.
كان هاجس الخوف هو افتضاح أمر هذا الكومبيوتر قالها بصوت منخفض لأبوه.
ساد الوجوم على محيا والده, وهو يسمع من أبنه هذه العبارات
لاتخف ياأبتاه لن يكشفوه حتى سسنوات كبف وجدت هذا الصندوق الأسود التايواني؟
–    لقد أسبغ على حياتنا حياة جديدة, دخلنا عالم آخر, انبهرنا من تعدد مهامه وبالأخص ولج مملكة الأدب الكردي, وداعاً لكم يا أوراق البردي, البرازيلي, وهاهو قرص مدمج يخزن ملايين الصفحات كم رائع هذا العقل الذي اخترعك!
–    نعم لقد دخل الشعر, القصة و أشياء أخرى تخبأ في معاطف سوداء إلى ملفاته, بدأ الصندوق الأسود يتعرف على الحروف اللاتينية وبشكل خاص, بدأ الجزيري يشرب كأس من دن خمرياته مع ساقيه بهذه الغرفة الأنيقة بعيداً عن سطوة ملا أحمدي فندكي الذي سرق وانتحل أشعاره, صاح الجزيري, وقال بئساً لك أيها اللص اللعين!  لقد كشفتك في الوقت المناسب وها هي أشعاري تملأ الدنيا بصوت عشرات الملالي, وهاهو الكمبيوتر والإنترنت قد دخل كل منزل وأصبحت أشعاري على كل شفة ولسان..

كم مسكين أنت أيها الصندوق الأسود فعيون العسس عليك شاخصة, ترسل إشارة بحجم رأس دبوس ويدخل مملكتك ويتصفح نسغ حياتك, تحمّل أيها الصندوق الأسود فأنت ستسير دورتك الزما نية رغم كل شيء في هذا الوطن.
–         —————————————————————————-
–         * كاتب,شاعر ورئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية في سورية.
–         عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.
–         mazidax@hotmail.com
–         siyamend02@yahoo.com
————–
دمشق: 31-5

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…