“ما قبل البيان بكثير”
الأمر ليس بالغريب عنّي ، ولا عن أبناء مدينتي في استهدافنا فيها من قبل رصاص الأمن الذي وبكل تأكيد مهمته الأساسية يجب أن تكون “حفظ أمني” و “أمن كل مواطن يعيش في هذه المدينة” وفي” هذه البلاد “التي “يفترض” أن يتولى فيها مهمة “عظيمة” وهي مهمة حفظ الأمن لا أن يقتلنا ، لن نسأل كثيراً لماذا تم إطلاق النار …ولن نسأل أسيحاسب هؤلاء القتلة أم لا ؟..ولن ننتظر محاسبتهم أيضاً ، ماداموا لم يحاسبوا من قبل ، و ما كان يحمل شيئاً من الغرابة هو تحويل عيد نوروز مدينة قامشلي إلى مأتم ، هو ذلك الكره غير المعهود في قلوب من فتحوا النار على قلب مدينة بكاملها في ليلة عيد ، طالما مر عليه أعداؤه، وفشلوا في إعدامه، وسيفشلون أياً كانوا وأينما كانوا ، وكان علي كرم الله وجهه قد قال ، وهو يأكل فاكهته وحلواه: نورزونا، ولم يلغه……!
كان الموعد الأول للرصاص في دمشق ، في عام 1986حين سبقنا إلى حصاده الشهيد سليمان آدي ابن قامشلي ، بل وكل من كان معه في ذلك الموكب الاحتجاجي ، ليكون الموعد الثاني معه ، حين أطلق على صدور ورؤوس مشجعي نادي الجهاد في 12آذار2004 في الملعب البلدي بقامشلي ، ودونما أي مسوغ ، سوى أنهم جاؤوا ليشجعوا فريقهم ، ودون أن يتم معاقبة من جاؤوا إلى الملعب البلدي في مدينة قامشلي ، وهم يحملون أحقاداً تكره الألوان أن تصفها ، لا لم تتم معاقبة أولئك الأشخاص بل تم حمايتهم، وترقية من افترض أنه الجاني الأول، وتعزيز دور من آزره من رجال الأمن المحليين، رغم إنه كان قد تم إطلاق النار للمرة الأولى في تاريخ مدينة قامشلي بشكل غير معهود على المعتدى عليه، ثم تكررت الأسطوانة في اليوم التالي ، ليقتل من يقوم بتشييع ضحايا اليوم الأول ، وليعاقب الكورد في سوريا – بمجملهم -بالرصاص والتعذيب ، و السجن، إلى أن جاءت كلمة سيادة الرئيس بشار الأسد ، لتزيل شيئاً من الغبن الذي روجه و فبركه مطلقو النار ، والأحقاد ، مؤكداً أن ما تم هو نتيجة حالة احتقان، وإن الكرد جزء ريئس من النسيج السوري……!
الرّصاص للمرة الثانية يطلق في المدينة بعد 12 آذار 2004 ، هذه المرة أيضاً في قامشلي ، ولكن في تاريخ آخر هو 2/11/2007 ، ويحدث ما هو غير متوقع ، يحدث أن يطلق رجال الأمن النار على المتظاهرين الكورد في المدينة ويقتل الشاب الأكثر براءة عيسى ملا حسن ، لمشاركته في تظاهرة سلمية ضد الاعتداء التركي على إقليم كوردستان العراق ، ويجرح شابان آخران بجروح خطيرة ، ويعتقل العشرات منهم ، في الوقت الذي تسمح فيه تركيا لنفسها- وهي صاحبة الغزو على إقليم كوردستان – بتظاهرات ضد ها، وضد جيشها ، ولم تطلق عليهم النار آنئذ، وإن كانت سترتكب جريمة سفك الدم الكردي في نوروز 2008 على سنة الحاقدين على الكورد
الرّصاص يطلق للمرة الثالثة في مدينة قامشلي ، أجل ،وذلك في 20/3/2008 ، ولنقل في عشية الليلة التي بدأ العد التنازلي لساعات انطلاقة عيد النوروز، وذلك بدلاً من أن تحمي قوات الأمن الكورد في احتفالاتهم وتشاركهم فيها، هذه المرة كنت أنا أحد الذين كانت أقدارهم أكبر من الرصاص الذي جاء يقتل أخوتي ويقتلني، وتترك أمهاتنا يعددن ذكرياتنا في ثيابنا المعلقة لاحتفالات الغد، ويترك أولئك العميان الوطن في جرحٍ ، ونزف آخر.
كم كان الذين أطلقوا النار مصرين على مصادرة المدينة والوطن والأحلام والحبيبات والأمنيات فينا، كم فرحوا بمصادرة بعضها ، وحزنوا لأن قائمتهم في المصادرات لم ترتفع ، إذ أنجوا أنا وثلاثة غيري مع منازل ومحلات أخرى من رصاصهم، كم كانت خيبتهم كبيرة وهم يفشلون في إطفاء الشمس في عيوننا ، وهنا أقصد حتى عيون من قتلوهم من “محمدين” لأن كل محمد منهم جاء برسالة محبرة بالأبد ، لأنهم لم يدفنوا بل جاؤوا ليعيشوا مكاناً أجمل ، لأنهم جاؤوا ليعيشوا في قلوبنا وفي قلوب شموع سنشعلها لهم في كل نوروز مقبل ، لأنهم جاؤوا ليعيشوا في سورة “ياسين” تقرؤها أمهاتهم وأمهاتنا كل خميس من كل أسبوع من كل عام من كل قرن ، من كل ألفية ، لأنهم جاؤوا ليقتربوا منا أكثر ويختصروا المسافات أكثر، جاؤوا ليعيشوا في قلوب حبيباتهم الثلاث أمداً أطول، وضحكة أطول ، ونوروزاً أطول.
حتّى الآن وعمري في دورته الرابعة والعشرين ، لم أذبح أيّ طائر أو أصطاده لأن قلبي لا يطاوعني ، ترى كم من الحقد كان يملك أولئك الذين فتحوا حقدهم ونارهم علينا بدل أن يحموا الوطن فينا ، ويحموا الوطن ويحموننا فيه ، ترى كم أساؤوا لهذا الوطن وكم يكرههم تراب هذا الوطن ويكرههم الرصاص الذي أساؤوا استخدامه ، وهم يفرغونه في رؤوسنا بدل رؤوس الأعداء، لأننا نحن غداً- خلال خدمة العلم – من سندافع عن شرف هذا الوطن، وسنحمل ذلك السلاح، ولكن لنقوم بمهمة أخرى في الدفاع عن هذا البلد.
إنّ الكوردي الذي حمل سلاحه في هذا الوطن ليدافع عنه ، لن يحمل سلاحه في وجهه ، من هنا أقول أن كل تهمة توجه للكوردي في سوريا هي باطلة، و أن كل المحاولات يجب أن تكون في زيادة حب السورريين و الكورد لهذا الوطن.
لأننا أكبر من أن تغتالنا رصاصات الحقد في أوطاننا ، و لن نموت كما يشاؤون ، سنعيش أعمارنا حتى وإن اغتالوا قاماتنا ، فأحلامنا ستعيش في حارات مدننا ، وأغاني أمهاتنا وهدهداتهن لن تنسانا ، وصورنا ستعلق في منازلنا ، وجراحنا ستقبل ، وموتنا بهذه الطريقة سيقدس وسيحتفل به لأنه ميلاد، لأننا الأرض ولا يمكن لأحد أن يغتال الأرض ولو أفرغ كل رصاصات العالم فيه.
إذا كان ثمة رسائل كان يود من أطلق الرصاص أن يوصلها إلينا ، فإنني أقول لهم ملء فمي : إننا رفضنا تلك الرسائل ، بل ومصممون في رفض تلك الرسائل ، لن نقرأ إلا رسائلنا ، ولن نسمح لأحد بأن يتلو علينا ما يشاء ، نحن سنتلو نشيدنا كما نريد ، وهم مضطرون للإصغاء، ليس فقط لأن العالم كله يرفض ويدين تلك الرسائل ، بل لأن تلك الرسائل ما نجحت عبر التاريخ في تلقين الشعوب دروس الخوف والخنوع.
الآن ، وأنا أحاول التسلّح بالموت في مواجهة الموت الذي لا أدري من رصاصة أي رجل أمن في مدينتي سيأتيني في المرة القادمة ، أودّ أن أقول أن أقدارنا لن يكتبها الحاقدون ، فأقدارنا التي نسجتها سنو الآباء والأجداد بالحبّ لن تنتهي إلا بتلك المشيئة.
إنّ كلّ رصاصة أطلقت وستطلق على صدور الكورد في سوريا ستزيدهم حباً لهذه الأرض التي ولدو لها وفيها وعليها ، ستزيدهم تمسكاً برفع الإحصاء الجائر عن ما يزيد عن ربع مليون كوردي في سوريا ، ستزيدهم وأنا أحدهم من المطالبة بحقوقنا ما دمنا جزءاً من النسيج السوري ، ستزيديننا إصراراً كما كل الشعوب في العالم على العيش حياة كريمة نتساوى فيها مع أخوتنا السوريين ، تحت سقف الوطن………!.