وكان العيد غضبا عارما!!

افتتاحية جريدة آزادي*

استقبل الشعب الكردي في سوريا وعموم كردستان وفي الشتات هذا العام 2008 عيده القومي نوروز بالتنديد والغضب العارم على الجريمة النكراء التي اقترفتها أجهزة النظام الحاكم في سوريا، من خلال إطلاقها الرصاص الحي المتفجر والمحرم استخدامه دوليا وبشكل عشوائي على تجمع كردي احتفالي حضاري في الحي الغربي من مدينة قامشلي ابتهاجا بحلول عيدهم القومي نوروز وذلك ليلة 20/ 21 – 3 – 2008 الذي أودى بحياة ثلاثة شبان كرد نالوا شرف الشهادة ، هم : (محمد زكي رمضان ومحمد يحيى خليل ومحمد محمود حسين) وجرح عدد آخر بعضهم جراحه خطيرة منهم (كرم إبراهيم يوسف ، محمد خير عيسى ، رياض حسين ، محي الدين حاج جميل) وغيرهم

 

ليتحول العيد في صباح يوم 21 / 3 إلى تظاهرة حاشدة تضم عشرات الآلاف من ابناء وبنات و أصدقاء الشعب الكردي في موكب جنائزي حاشد لتشييع شهدائهم في مقبرة الهليلية بالقامشلي، وهم يهتفون بالشهادة والشهداء ويحملون اللافتات التي تحمل عبارات التنديد بالجريمة وبالقتلة المجرمين ، ليضاف إلى سجل النظام الأسود رقما كبيرا آخر من الدماء التي تثقل الربيع الكردي بالمآسي والأحزان ، وليلتحق موكب آخر بسلسلة مواكب شهدائنا الخالدين ، شهداء انتفاضة 12 آدار والشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي ، وشهيد نوروز سليمان آدي ، ليصبح عدد شهداء نوروز أربعة إضافة إلى ما ذكر عشرات آخرين من الشهداء، وليزداد عدد الجرحى والمعوقين وليكبر حجم المأساة ، ومن الجدير ذكره ارتياح جماهير الشعب الكردي في سوريا وقواه السياسية على الموقف المشرف الذي أبداه سيادة رئيس إقليم كردستان العراق الأخ مسعود البارزاني تجاه الجريمة فكان موضع التثمين والتبجيل لدى الجميع ..
لقد أراد هدا النظام – عبثا- أن يطفئ شعلة نوروز ، وأن يكسر شوكة الشعب الكردي استمرارا لسياسة القمع والتنكيل أو الصهر أو تطبيق  القوانين الاستثنائية والسياسة الشوفينية بحقه بغية ردعه عن مواصلة النضال من أجل حقوقه القومية الديمقراطية بما هي قضية أرض وشعب ، أو أن يضرب الوحدة الوطنية التي تجمع العرب والكرد والآثور وكل ألوان الطيف السوري وتأليبها ضد بعضها البعض كما في كل مرة ، لكن خاب ظنه ، فشعلة نوروز بهذه العنجهية تزداد اتقادا ووهجا ويزداد القها لأنها شعلة الحرية عبر الأجيال، فهي تجدد الآمال وبها يضفى على قضية شعبنا الكردي المزيد من التصقيل والوضوح عبر التاريخ ، لأن شعبنا الكردي لم تثنه المحن والمآسي لا اليوم ولا الأمس لا هنا ولا هناك بل تزيده القوة ويستمد منها إرادة الحياة وشحذ الهمم والعزائم إلى المزيد من الإصرار على مواصلة النضال نحو تحقيق تطلعاته  في الحياة الحرة الكريمة ، وتزداد الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع السوري تماسكا وشدة كلما ازداد النظام تنكيلا بأطياف هدا المجتمع وانتهاكا لحقوقه، لأن المكون السوري يمتاز بإرثه التاريخي في التفاعل والتعاضد في حماية هذا الوطن وعهده على مواصلة العمل من أجل تطويره ورفعة شأنه ..
ولعل تساؤلات وتساؤلات تراود فكر كل مواطن سوري حّر جراء هده الممارسات الرعناء ، تُرى هل حقا يستطيع هدا النظام إخفاء الحقيقة كل مرة بهذه البساطة على أن جرائم بهذا الحجم لا تعدو عن كونها أفعال غير مسؤولة أو سلوكيات فردية ،  بدءا بأول شهيد كما ذكرنا ومرورا بالآخرين وصولا إلى شهداء نوروز هؤلاء وجرحاه؟ لاسيما وأن القاصي والداني من المجتمع السوري يعلم جيدا معاني الأحكام العرفية وأسباب استمرارها لعقود من الزمن ، وأن إطلاق الرصاص الحي لا يمكن أن يتم إلا بأمر مباشر من الحاكم العرفي أو من يمثله ، خاصة أن ما حصل ويحصل أخذ يتكرر بين كل سنوات وسنوات وليس مجرد حدث عبر وانتهى ..

ترى ما الذي يفعله هذا النظام ؟ في مثل هذه الظروف السياسية العصيبة التي تحيط به دوليا وإقليميا وداخليا ؟ هل فعلا تكمن مصلحته في التنكيل بأبناء الشعب الكردي  والزج بالوطنيين في غياهب السجون ؟ وهل من مصلحته سريان الأحكام العرفية وقانون الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية ؟ وهل حقا مصلحته تقتضي إفقار وتجويع وتشريد الأعداد الهائلة من أبناء المجتمع السوري ؟ هل من مصلحته تفشي الفساد وزيادة البطالة وانتشار الظواهر السلبية في المجتمع السوري كتعاطي المخدرات وتزايد الجريمة والسرقات ؟ هل المرحلة فعلا بكل سماتها وتداعياتها تقتضي ضرب القوى الوطنية عموما عربا وكردا وآثورا..الخ ؟ هل تعزيز دور سوريا يتم عبر محاولات وهْن أبنائها وإضعافهم ؟ ثم أين كل هذا من مصلحة البلاد ومن توفير عوامل تقدمها وتطورها ؟؟ أم أن النظام بات يعرف مدى ابتعاده عن المجتمع وأنه على مسافة واحدة من كل مكوناته القومية والدينية والسياسية ، ويعلم جيدا أن حقيقته بدأت تتبدى للعيان على مختلف المستويات والصعد مما جعلته يفقد رشده  ويتخبط تخبط عشواء ، لاسيما أنه قد فقد كل أسباب ومستلزمات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي..

وأن الممارسات والسياسات تلك ما هي إلا تعبير عن جوهر ثقافته لعقود خلت ، تلك المبنية على نفي الآخر ورفضه وإقصائه ، لأنها (أي ثقافته) ما هي إلا مزيج قومي ديني أيديولوجي، لا تعرف الآخر إلا خائنا أو كافرا أو منحرفا في أحسن الأحوال ..

وإلى متى يستمر هذا المنوال ؟؟..
ليعلم النظام جيدا أن سياسة القمع و التنكيل هذه لن تنقذه من براثن ما افتعلها من الأزمات المستعصية المتداخلة والمتشابكة ولن تضلل الرأي العام عن الحقيقة ، كما لن تزحزح الجماهير عن مسيرتها الوطنية العريضة التواقة للحريات الديمقراطية وللتعايش بإخاء ،  وأنها لن تنال من عزيمة المناضلين بل تزيدها القوة والإصرار على المضي قدما في تراص حتى تحقيق آمال هدا المجتمع وطموحاته المشروعة في بناء الحياة السياسية الجديدة وفق القواعد الديمقراطية وعلى أساس الشراكة الحقيقية في الثروة والسلطة ودون استبداد أو هيمنة أو استئثار لأحد ذلك عبر دولة الحق والقانون ، دولة تحقق التوافق العملي بين أطياف المجتمع السوري على أساس دستور عصري وقوانين ديمقراطية تجعل سلطة الدولة في خدمة الوطن والمواطن لا أن تكون مصدر قلق ورعب له ، تصون كرامته وتكفل حرياته وتضمن حقوقه الوطنية والقومية والسياسية والاجتماعية بما فيها جعل نوروز عيدا قوميا للكرد بشكل رسمي ووطنيا لمجمل الشعب السوري ، ويتم من خلال تلك الحريات معالجة أزمات المجتمع ، وحل كافة قضاياه العالقة بما فيها قضية الشعب الكردي التي تعد قضية وطنية بامتياز ،  وليتمتع بموجبها كل ألوان الطيف السوري بحقوقها الديمقراطية ، في إطار وحدة البلاد وبما يفسح المجال أمام الجميع لرفد الوطن ومؤسسات الدولة بالطاقات والإمكانيات اللازمة لتطورها وتقدمها ، وليعيش الجميع في ظلها بأمان وسلام ..
ختاما ، شهداؤنا استحقوا شرف الخلود وفسيح الجنان ، وأسماؤهم تظل لامعة على صفحات تاريخنا المشرف ، ودماؤهم تصنع الحياة وتسقي شجرة حريتنا، وهي أمانة في أعناق كل الشرفاء ، وجراحات الجرحى هي أوسمة شرف أبدية نالوها بجدارة  وجماهير الشعب الكردي وقواه السياسية عاهدتهم على مواصلة درب الحرية والحياة حتى تتحقق الأهداف والتطلعات التي دفعوا هم ثمنها من حياتهم ، ليكون هذا الشعب في مصاف شعوب العالم حرا من كل قيد متمتعا بكامل الحقوق في وطن يعبق بكل معاني التقدم والازدهار ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة يصدرها مكتب الثقافة والإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا – العدد 396 – نيسان 2008م
E – mail : azadiparti@yahoo.com

 

لمتابعة العدد انقر هنا  azadi_396

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…